عرض مشاركة واحدة
قديم 07-17-2009, 11:10 PM   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 



{مصدر الجمال في نظر محمد ملاسي }

تزوج ملاسي امرأة جميلة من قرية تقع إلى الشرق، فأسَرَ جمالُها عقله لكن زواجه منها لم يدم طويلا لأن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن وقد ندم الشاعر على فراق زوجته أيما ندم حتى أحس به كثيرون ممن حوله من بينهم رفيق دربه دغسان الذي استغل زيارة للشيخ ( سعيد بن صقر ) لوادي العلي والتي طالما تردد عليها للاستمتاع بمساجلات الشاعرين وقفشاتهما فَبَدَعَ أي ـ دغسان بدعا رَحِّب فيه بالشيخ واستحث ملاسي من خلال ذلك البدع على تخليد ذكرى فقدان زوجته فقال :

حيا الله شيخا معه ظَنّه وراموسا { 1}
وينجد اللي يدور منه نجدية { 2 }
مثيل نوُّ(ن) غزيرا تاع منشأ ماء { 3 }
يحج ولد الملك ويحج وزياره { 4 }


معاني الكلمات :

( 1 ) ظنّه – أي ( تخمين )والمعنى أن ظنّه في الناس لايخيب وهو كناية عن قوة الفراسة والشيخ هنا يقصد به الشيخ سعيد بن صقر ( رحمه الله ) ، والراموس – يقال فلان يُرَمِّسُ الشئ أي يُميِّزه .
( 2 ) ينجد – يسعف ، والمقصود أن الشيخ لا يتخلّى عن طالب النجدة منه سواء أكانت مالا أو غير ذلك .
( 3 ) مَثَيل - تصغير مِثل ، نوّ(ن) أي سحاب ، تاع – ناض أو أقبل ، منشأ – مصدر ، والمقصود أن الشيخ في جوده وكرمه يشبه السحاب الذي يحمل غيثاً منشأه ( البحار والمحيطات ).ً
( 4 ) يحج – أي يحاجّ من المحاججة ، وزياره – أي وزرائه والمعنى أن الشيخ قوي الحجة وبإمكانه محاجّة ابن الملك والوزراء.

( الرد – من ملاسي )


ما جا نبيٍّ(ن) من المشرق ورا موسى { 1 }
إلا رياحٍٍ(ن) تهبَّ بها ونجديّه { 2 }
والانبيا ما يجونا غير من شاما { 3 }
أرض(ن) نظيفة وفيها حج وزيارة {4 }


معاني الكلمات :

( 1- 2 ) ورى – أي بعد ، ومع أن موسى -عليه السلام- لم يأت من المشرق وإنما جاء من فلسطين وفلسطين ليست شرق المملكة كما أنه أي ( موسى ) أرسل إلى فرعون وقومه في مصر ومصر تقع غرب المملكة فإن هذه لم تكن سقطة من ملاسي رحمه الله لكنه اضطرّ لقول ذلك عندما قيده دغسان في البيت الأول ( بموسى ) وفي البيت الثاني بالنجديّة، وهي الرياح التي لا تأتي إلا من جهة المشرق ( من نجد ) ولا تحمل أمطاراً في العادة لكنَّ دغسان كان ببدعه ذاك ينصب فخا لملاسي ويستدرجه ليأتي على ذكر موضوع زوجتة التي اشرنا إلى أنها قادمة من جهة المشرق .

( 3 ) من شا ما – أي من الشام ويقصد بها هنا فلسطين لأنها أرض الأنبياء
( 4 ) الحج والزيارة معروفة أماكنها لكنه هنا قصد ( بيت المقدس ) بعينه كونه احد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها .

قول الشاعر ( الأنبيا ما يجونا غير من شاما ) يوضح مدى قناعتة بأن الجمال موطنه الحقيقي بلاد الشام ( سوريا،ولبنان، وفلسطين ) وأن مجيئه هذه المرّة من المشرق يعد خرقا للعادة لأنه اكّد ـ أي الشاعر ـ أنه لم يره هو أو غيره بعد ذلك قادما من تلك الجهة { ما جا نبي (ن) من المشرق ورى موسى } ولعلّ الصواب جانب ملاسي فيما ذهب إليه لكنّه لا يلام فهو عاشق مكلوم يرى محبوبته بغير العين التي يراها بها الآخرون وقد سبقه إلى هذا الأمر قيس بن الملوّح حيث سأله رجل عن سبب حبه لليلى مع أنها لاتملك من الجمال مايجعله يهيم بها فرد عليه قائلا إذا رأيتها بعيني علمت سبب عشقي لها، ثم أنشد :

إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ **** أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ
لِلّه قلبِيَ ماذا قد أُتِيحَ له **** حر الصبابة والأوجاع والوصب
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت **** ياللرجال فهل في الأرض مضطرب
البين يؤلمني والشوق يجرحني **** والدار نازحة والشمل منشعب
كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ **** عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ


فهل يلام ملاسي على أن رأى البقعة التي جاءت منها معشوقته بالعين التي يرى بها الناس أرض الأنبياء ؟! أنا شخصيا لا الومه. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كان في إحدى عينيه حولٌ عُيّر به ذات مرة فقيل له ( اندر ياشتيح اندر ) فدوّنها ملاسي في ذاكرة الزمن بقصيدة خالدة نقش حروفها على حناجر رعاة الماشية كثرة ترديدهم لها في غدّوهم والرواح كما يتضح لكم من قِصَّة هذه القصيدة أدناه :


يا شتيح اندر

ألقت الحرب العالمية الثانية بظلالها على معظم الدول العربية ومن بينها المملكة حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية آنذاك وقل تواجدها في الأسواق ودخل الفقر معظم البيوت إن لم نقل كلها . . هذا في المدن فكيف الحال بالقرى النائية التي لم تكن تصل إليها السيارات لعدم وجود الطرق وإنعدام وسائل المواصلات إلا ما ندر، والدولة السعودية في تلك ألآونة لم تلتقط أنفاسها بعد فهي في طور البناء وما زالت تتعامل بالريال الفرنسي إلى جانب عملتها المحلية حيث لم يكن الريال السعودي قد غطى كل مناطق المملكة، ومما زاد من معاناة الناس شح الأمطار في كثير من أجزاء البلاد وخصوصا المنطقة الجنوبية التي جفَّت ارضها وقلَّت مؤن سكانها فأصبحت لقمة العيش فيها صعبة المنال عسيرة المآل، فنتج عن تلك الأجواء المفعمة بالمآسي ارتفاع سعر المُدَّ من القمح إلى أربعة ريالات فرنسيه (أي ما يعادل مائة وستين ريالا عربيا ) حتى سُمّي ذلك العصر ب( عصر سعر ربع ) والمدُّ لمن لا يعرفه ( أداة من أدوات الكيل يعادل وزن محتواه بضعة كيلو جرامات فقط )

في تلك الظروف العصيبة كان الرجل ذو المنعة والقوة غير قادر على توفير قوت أبنائه ليوم أو يومين فكيف له أن يستقبل أحدا في بيته ويقوم بتقديم واجب الضيافة له ؟!
وهذا ما دعى دغسان رحمه الله لتدوين تهرب الناس من ضيافة بعضهم البعض في تلك الحقبة فقال :-


ماعاد ودي نضيًف حد ولا ودي نِضيْف
ماعد فالاسواق يوجد لا دهان ولا تمر
والبن ماعد يباع إلا ريال الرابعه
عليّ ع اهل السخا وعن الرجال المستحين
كلافــة الضيــف معــدومة وكيــف نقـل بهــا


ولهذا لم يكن للناس إلا تقاسم ما هو متوفر لديهم ليعيشوا يومهم . ويوكِلون أمر غدهم إلى الله .
هكذا كانت الحالة السائدة في معظم القرى ولأن وادي العلي لم تكن قراه في معزل عن قرى الآخرين ولم تكن الظروف تختلف كثيرا من مكان إلى آخر فالفقر عامّاً وضرب بأطنابه في كل بيت لذا فقد كان السؤال :-


من للمسكين والأرملة ؟
ماذا بوسع الفقير أن يفعل إذا كان ميسور الحال لا يجد ما يسد به رمقه ورمق أبنائه ؟
كيف يمكن لامرأة فقدت زوجها أثناء تلك الظروف أو قبلها بقليل أن توفر لزغب الحواصل ماء أو شجرا ؟!


كانت بالفعل مأساة لم يشعر بمرارتها إلا من اكتوى بنارها أو بنار مثيلاتها فالنار على رأي المثل ( ما تحرق إلا رجل واطيها )

في خضم تلك الأمواج المتلاطمة والعواصف العاتية كان شبح مركب لأرملة مسكينة يطل بمقدمته بين الفينة والأخرى متلمسا طريقه بصعوبة بين الأمواج للبحث عن مؤنة تكفيها وأبنائها حتى يأتي الفرج الذي وعد الله به عباده الصابرين .

وفجأة لاح لتلك الأرملة في الأفق بارقة أمل لملمت قواها الخائرة لتدفع بمركبها المتهالك باتجاهه علّها تجد ضالتها لديه وكأني بلسان حالها يردد في تلك اللحظة ( الله كريم برق يلوح . .. اليوم أبا اغسل هالجروح ) لكن ذلك البارق لم يكن سوى سحابة صيف عابرة أو سرابا حسبته ماءً حتى إذا جاءته لم تجده شيئا .

الفرج ( السراب ) تمثل في مُزَارع جاء من قرية مجاورة إلى الوادي على دابته ليسوّق منتوج بلاده من (حُنْطة ) احتفظ بها قبل الكارثة بسنوات وكأنه تعلم من درس نبي الله يوسف لأهل مصر عندما قال لهم ( فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ) فأصبحت سلعة ذلك الرجل رائجة وبالثمن الذي يريد .
لكن ألم أقل لكم بأنه كان بالنسبة لتلك الأرملة سرابا ؟! فقد امتنع المزارع عن تزويدها بما تحتاجه لأنها لم تكن تمتلك الثمن ولم يكن هو يعرفها أو يتعامل معها من قبل فماذا ستفعل ؟ !


هل تدعه يذهب دون أن ينقذها وهي غرقى ترى بأم عينيها طوق النجاة متدليا بين يديه يقلِّبه كيف يشاء ؟ أم انها تتشبث به حتى وإن تكبدت في سبيل ذلك شتى أنواع المشاق ؟!

أُسقط في يد تلك المرأة العصاميِّة بعدأن رفض المزارع طلبها لكنها لم تستسلم ولم تكن لتدع أطفالها يتضورون جوعا وفيها رمق من حياة . . ولذا لم تيأس من روح الله وازدادت إصرارا على تحقيق ما تصبو إليه فأخذت تفاوض الرجل وتجادله حتى وافق على مضض أن يبيعها ما تحتاجه من مؤنة شريطة أن تحضر له كفيلا غارما معروفا لديه وتحدد له الفترة الزمنية التي يمكن أن تسدد خلالها ثمن ما تشتريه، فوافقت المسكينة على شرط الرجل ثم ذهبت على عجل غير مصدقة نفسها لتبحث عن كفيل غارم قبل أن يغادر البائع القرية فتفقد ما بقى لها ولأبنائها من أمل ، لكنها اصطدمت بشي آخر لم يدر بخلدها إلا بعد أن أعطت لساقيها العنان في طرقات القرية الضيقة والتي خلت من المارة وهي تجوبها على غير هدى إذ قفز إلى ذهنها سؤال منطقي . .يقول . . من سيكفل أرملة لا حول لها ولا قوة ؟ من سَيَمُد لها يد العون من جيرانها وهم انفسهم لا يملكون لأنفسهم نفعا وليست أحوالهم بأحسن من حالها ؟! . .

تزاحمت الأفكار في ذهنها وتواردت عليها الخواطر من كل حدب وصوب ومع ذلك لم يسعفها أيٌّ من تلك الخواطر والافكار بإسم الشخص القادر على السداد عنها في حال حان وقت الدفع ولم تستطع الوفاء بما هو مطلوب منها . . مضت في طريقها بين البيوت تقلب أفكارها ذات اليمين وذات الشمال ولم يخطر ببالها اسم محمد ملاسي لأداء ذلك الدور الذي تنشده مع أنه نسيب زوجها ورجل يعرفه البعيد قبل القريب بحكم شهرته وذلك لأنها أعرف الناس بأحوال محمد ملاسي المادية والتي لم تكن تؤهله لكفالتها أو دفع قيمة ما تشتريه . . لكن لعل قدرها وقدره ساقاها إليه فلم تشعر بنفسها إلا وهي واقفة ببابه فلم يخذلها بحكم شهامتة ومروءته وانطلق معها إلى تاجر الحنطة الذي اتضح أنه ( أي التاجر ) على معرفة بملاسي فنالت ما كانت تصبو إليه .

عندما حان موعد السداد.. لم تكن الظروف قد تعدلت بعد ولم تكن الأيام قد جادت بما هو متأمل ولذا لم تجد تلك المرأة ما تدفعه لدائنها ولم يستجب هو لقول الله تعالى ( فنظرة إلى ميسره ) ومن أجل هذا بقى ( الدائن ) يتردد على الكفيل للمطالبة بحقه والكفيل يزيد من ضغوطه على الأرملة لنفس الغرض،

وفي يوم من الأيام قابل الدائن الكفيل في أحد الأسواق وهو يرتدي جُبَّةٌ له تقيه من برد الشتاء فأخذ جٌبَّته مقابل دينه ولما عاد الكفيل إلى بيته والبرد يكاد يفتك به ذهب مباشرة إلى تلك المرأة ولعلّه كان منفعلا حينها فألح عليها في طلب تسديد ماعليها وطال بينهما النقاش حتى ضاقت به ذرعا لعدم تقديره لظروفها فعيَّرته بِحَوَلٍ في عينه اليسرى قائلة له ( أندر من فوق بيتي يا شتيح ! ) وعندها لم يجد ( شتيح ) بدا من النزول عن ظهر البيت والعودة أدراجه إلى منزله وكل امله عدم وصول الخبر إلى دغسان حتى لا ينصب له الأخير فخا يخلد من خلاله أحداث تلك الواقعة فما في ملاسي يكفيه من ذهاب جبَّتة وتجرعه مرارة برد الشتاء . . لكن الخبر سرعان ما انتقل حتى انتهى إلى دغسان لأن الناس لم يكن لهم مفر من التسامر ليلا لقضاء الوقت وتداول أخبار المجتمع في ظل عدم وجود وسائل الاتصالات المتوفرة حاليا وعندها قال دغسان :-

لابد تشرب من الأعداد يا ضامن {1}
من سد حبس(ن) وله ممضى عتل جبه {2}
حبس(ن) صليب(ن) وراه الجم يتجمّل {3}
يسوق زرعٍ(ن) ورا أسوار(ن) طال بناها {4}
يمــون حـبّه وفي وقـت الشّتــــي حنـدر {5}


معاني الكلمات :-
( 1 ) الأعداد – جمع عِِِِذّ وهو البئر ، والضامن ( الضامئ ) .
( 2 ) من سد :- من خلف ، حبس :- المكان الذي يحبس فيه الماء سواء أكان قُفّ البئر اوالبِرْكَة التي كانت تحفر بجانب القف لتجميع الماء .
الممضى هو الطريق الذي يمضي منه الماء أو ينتقل عبره من البئر إلى المزرعة ويسمى الفلج ،
العتل _ جمع ( عتله ) وهي أداة حديدية تستخدم لقطع الصخر .
َََََجبَّه :- بفتح الجيم أي قطعه . .والمعنى أن ماء البئر الذي يشرب منه الضمآن محبوس في ممر أستخدم العتل في قطعه أو شقِّه
( 3 )صليب : قوي ، والجم هو الماء . . ويتجمل : يصبح جميلا في نظر العطشان .
( 4 ) يسوق : يروي ( من الري ) ورا _ أي خلف
اسوار(ن) _ جمع سور ، طال بناها _ أي طال بنيانها والمعنى أن الماء يروي زرعا خلف أسوار استغرق بنيانها وقتا طويلا
( 5 ) يمون حبه _ أي تتكاثر حبوبه
في وقت الشتي حندر _ الحندرة _ فتح العين بقوة والقصد ان عذوق الحب ( حب الذرة ) تتفتح في فصل الشتاء بسبب وفرة المياة حتى يخيل لمن يراها أنها محندرة .


( الرد _ من ملاسي )

والله لتشكي النّدم والبرد ياضامن
لولا الضمانه يكن ماضاعت الجبة
لكن هذا جزا من عاد يتجمّل
صٌفَّه قبيحه تداوس لا طلبناها { 1 }
بـعــد الجمــيلة تقــل لي ياشتيــح أُنـــْدر

معاني الكلمات :

( 1 ) صُفّة _ ( بضم الصاد وتشديد الفاء ) أي الجيل الذي كان على قيد الحياة آنذاك ، والضامن هو الكفيل .

رحم الله ملاسي ودغسان ورحم تلك الأرملة التي أخّرت ابنا بارا بها وبأبناء قريته وبالقرية نفسها فقد عاش مع والدته تلك الظروف الصعبة لكنهما أي ( الوالدة والظروف ) خلقا منه رجلا مكافحا خلوقا محبوبا حفر الصخر بيديه وتعلم في وقت لم يكن فيه التعليم متيسرا وتسنّم بعد ذلك مركزا هاماً في الدولة لم يصل إليه على حد علمي أحد من أبناء قريته حتى الآن وهو المثل الأعلى لكاتب هذه السطور، أسأل الله له دوام الصحة والعافية وأن يجازيه عن والدته خير الجزاء فقد عوضها عن كل لحظة حرمان وامتد خيره بعد ذلك ليشمل البعيد قبل القريب .

 

 

   

رد مع اقتباس