الموضوع: فيزياء
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2013, 02:37 PM   رقم المشاركة : 1
فيزياء


 

ارتقى المنبر وكلنا ينظر إليه. شاب في بدايات العقد الثالث من عمره. لم تدل هيئته على أنه خطيب مفوه أو متحدث بارع.
كنا ننتظر بفارغ من الصبر أن يلقي خطبته. فلقد تعود العديد من المأمومين في بعض الجوامع ان يسمعوا لخطب تُملى عليهم إملاء. فلو طلب منهم الخطيب أن يحضروا ورقة وقلما ليملئ عليهم الخطبة لفعلوا. فبعضهم يذكرنا بمعلم اللغة العربية الذي كان يلقي علينا في مادة الإملاء مقطوعة لا يعلم البعض هل هي شعرا أم نثرا .. قصة أو رواية، ويطلب منا أن نكتبها. بعد ذلك يأتي وقت التصحيح فتجد العجب العجاب. كل واحد يكتبها "على كيفه" .. ويفهمها بمزاجه .. وغيرهم من لا يعرف يكتب ولا حتى يفهم شيئا. كلها مثقلة باللون الأحمر الذي يشبه الدم.
أعود فأقول: عندما اعتلى صاحبنا الشاب المنبر، ومن خلال هيأته قلنا " الله يخلف على جمعتنا بالخير". بعضنا تساءل ماذا سيختار هذا الشاب الغريب من موضوع لكي يلقيه علينا. وهل هو خطيب فعلا أم عابر سبيل. ولكن بعد أن حمد الله وأثنى عليه وقبل أن يشرع في الخطبة، بدأ الجميع يتشوق إلى ماذا سيقول، وما هو الموضوع الذي سيختاره. لفت انتباهنا نظرته الجانبية إلى الجميع. بل زاد من انتباهنا الكلمة التي بدأ بها الخطبة؛ فهي كلمة لم نعتد أن نسمعها إلا ممن يخبرنا بخبر أو يدعونا لدعوة أو يلقي كلمة في حفل حيث قال: آبائي وإخواني وأحبابي.. ثم استرسل في خطبته وكأنه يغرف من نهر عذب. خطبة جميلة .. كلمات ذات دلالة عالية.. آيات منتقاه .. أحاديث مختارة بعناية فائقة. وقصص تفتح لمن لم يعرفها مسبقا أن يبحث عنها. وبعد أن انتهى من خطبته تقدم فصلى بنا صلاة كأننا " استغفر الله " أول مرة نصلي مثلها. قراءة مختارة تناسب الخطبة .. مجودة ومرتلة. " ما شاء الله تبارك الله".
وبعد ان انتهت الصلاة كان الجميع ممن حولي، يتوقون إلى معرفة هذا الشاب، ومن أين أتى؟ ألقى علي التحية وكأنه يعرفني. وعرفني بنفسه في خجل وأدب جم. سألته عن كيف وصل إلى جامعنا، وما هو مسجده الأساسي الذي يصلي فيه دائما. فقال: أنا أتيت بدعوة من إمام الجامع نظرا لظروفه - وهو في الحقيقة شاب ذو خلق رفيع وله خطب متميزة رغم قصر المدة التي تولى فيها إمامة جامعنا-. ثم تفاجأت بأخينا الشاب يقول: ليس لي جامع ثابت وإنما اقوم بالنيابة عن الأخوة الأئمة الذين لديهم ظروف لا تمكنهم من أداء خطبة الجمعة. ثم استطرد قائلا: لقد حاولت مرارا أن أكون إماما رسميا لكي أفيد واستفيد، ولكن التخصص الذي انا أَدرُسه في الجامعة حاليا وقف عائقا أمامي. سألته عن التخصص .. فقال: فيزياء، ونظام تعيين الأئمة الجديد لا يسمح لمن لا يحملون الشريعة أن يكونوا أئمة رسميين. لقد ودعنا وغادر المكان ولسان حال الجميع يقول ياليته يعود ثانية وثالثة ورابعة.
أعود إلى عنوان مقالتي فأقولك كم هناك أناس مبدعون في تخصصات مختلفة ولكنهم يمارسون بكل إبداع وإتقان اعمال أخرى ليست في مجال تخصصهم، لو مارسها اصحاب التخصص لفشلوا فيها.
وكم لدينا خريج شريعة " يعوّلُ عليه " و( يرغب ) في ان يكون إماما.
لكن الله المستعان؟!
تلك لعمر الله عجيبة من العجائب!

 

 

   

رد مع اقتباس