فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ
مقال للدكتور/ زغلول النجار
دور الغراب في القصة التي وردت في سورة المائدة هو تعليم الإنسان كيف يدفن موتاه ، فلماذا اختاره الله سبحانه وتعالى من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للإنسان.
قد ثبت علميا بالدراسة والملاحظة أن الغراب هو أذكي الطيور وأمكرها على الإطلاق , ولا يدانيه في الذكاء والمكر إلا بعض الببغاوات , ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفي المخ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة.
ولذلك تظهر علامات الذكاء المتميز على الغراب من مثل المعرفة , الإدراك , الذاكرة , القدرة على الاتصال , التحايل على حل المشكلات , بناء مجتمعات دقيقة التنظيم , القيام بالعديد من الأعمال الجماعية من مثل الصيد الجماعي , والدفاع الجماعي , والرعاية الجماعية للصغار , واللعب الجماعي , والبناء الجماعي للأعشاش , والمحاكاة والفضول وحب الاستطلاع , وشدة اليقظة والانتباه ، وقوة الملاحظة والقدرة على الإدراك , وعلى التحايل في اختطاف الطعام وفي طرائق إخفائه , وعلى التمييز في التعامل بين القريب والغريب.
فقد شوهدت الغربان وهي تلقي على الطرق العامة ما لم تستطع فتحه من الثمار والأصداف الصلدة مثل جوز الهند , وأصداف بلح البحر , وبعض الحيوانات الكبيرة الحجم مثل السنجاب كي تقوم السيارات المارة بدهسها وإعدادها لقمة سائغة لها , كما شوهدت الغربان وهي تقلد الصيادين في عمليات صيد السمك بمهارة فائقة , وفي ترطيب الطعام الجاف بالماء.
وللغربان محاكم تلتزم قوانين العدالة الفطرية , تحاكم الجماعة فيها أي فرد يخرج على نظامها من مثل محاولات التعدي على حرمات غراب آخر من أنثى أو فراخ أو عش أو طعام , ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها.
ففي حالة اغتصاب طعام الفراخ الصغار تقوم جماعة الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزا عن الطيران كالفراخ الصغار قبل اكتمال نمو ريشها.
وفي حالة اغتصاب العش وتهدمه في مراحل الدفاع عنه تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدَى عليه , وقد يتبع ذلك الطرد من الجماعة إذا تكررت الأخطاء من هذا النوع.
وفي حالة اغتصاب أنثى غراب آخر فإن جماعة الغربان تقضي بقتل المعتدي ضربا بمناقيرها حتى الموت.
وتنعقد محاكم الغربان عادة في حقل من الحقول الزراعية أو في أرض فضاء واسعة , تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد , ويجي الغراب المتهم تحت حراسة مشددة , وتبدأ محاكمته فينكس رأسه , ويخفض جناحيه , ويمسك عن النعيق اعترافا بذنبه.
فإذا صدر الحكم بالإعدام وثبت جماعة الغربان على المذنب توسعه تمزيقا بمناقيرها الحادة حتى الموت , وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبرا يتواءم مع حجم جسده , يضع فيه جسد الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب احتراما لحرمة الموت.
وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه كثير من بني الإنسان , فالعدل في الغربان من الأمور الغريزية الفطرية لأنها لا تشرع لنفسها , ولكنها تتحرك بفطرتها المسلمة بأن الحاكمية لله وحده ومن أهم بنودها التشريع , فالمشرع هو الله سبحانه وتعالى الذي شرع لكل الخلائق وغرس شريعته في جبلة كل مخلوق غير مكلف حتى أصبح العدل الإلهي جزءا لا يتجزأ من تكوينهم وفطرتهم.
أما الإنسان , ذلك المخلوق المكلف فيحاول التشريع من عنده بعلمه المحدود , وقدراته المحدودة حتى نسي العدل الإلهي , وأراد إقامة عدل نسبي من عنده فظلم نفسه وظلم غيره.
منقول بتصرف
مع محبتي ،،،،