الموضوع: مقال اليوم...
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2009, 11:26 PM   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية العضو











رفيق الدرب غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
رفيق الدرب is on a distinguished road


 

عبدالله المطيري - جريدة الوطن
عـزاء
أقدم تعزيتي هذه للشعب السعودي في ضحايا أمطار جدة الذين يرتفع عددهم يوما بعد يوم، عزائي لكل أسرة سعودية أو غير سعودية فقدت غاليا عليها في هذه المأساة العامة. عزائي للروح العامة التي تجمع البشر والتي تدمي حين تفقد أحد أفرادها. ولكن عزائي هنا لن يكون على الطريقة العربية حين يغلب الموت كل شيء بل على طريقة أخرى تغلب فيها الحياة ويعجز الموت فيها أن يصرف الناس عن السؤال والنظر. طريقة تعتقد أن الموت ليس النهاية وأن الإنسان لا ينتهي بالموت بل يبقى حقه مستمرا وحاضرا وضاغطا بقوة. طريقة تطرح سؤالا مؤلما.. لماذا مات هؤلاء؟
قبل سنوات كنت أسكن في أحد أحياء الرياض التي كان يربطها بوسط المدينة طريق واحد ضيق أصبحنا نسميه طريق الموت. لا أبالغ لو قلت إن كل أسرة في الحي لها مع هذا الطريق معاناة تصل كثيرا إلى الموت. وكان استخدام هذا الطريق خطرا يقلق الأسرة حتى يعود من خرج سالما، بعد سنين من الآلام تم ازدواج هذا الطريق لتزول غمّة طال بقاؤها، انتهى طريق الموت، انتهت المعاناة، أصبحنا في حال أفضل، أصبحت حياتنا أجمل. كنت أقول دائما لطلابي مستشهدا بهذه القصة التي يعرفونها جيدا.. إننا نحن من قتلنا السابقين ومن حفظنا حياة اللاحقين. نحن من عملنا بأسباب النجاة فنجونا ونحن من أهملنا فعشنا في الألم. نحن إذن المسؤولون عن كل هذا.
مسؤوليتنا اليوم أمام ضحايا جدة أن نتابع حقهم حتى النهاية، أن نتحول إلى محامين لهم ولأسرهم ونتابع قضيتهم حتى الأخير ونسأل السؤال الأول والأهم. من الذي جعل هذه المدينة الغالية بهذا الشكل على مرّ السنوات الطويلة الماضية، ما الذي جعل الخلل فيها لا تكاد تخطئه عين؟ ما الذي جعلها بهذا الشكل المثير للريبة؟ مدينة تحتوي على نسبة عالية من أكبر أثرياء البلد كما تحتوي على معدل مرتفع من الخراب في أجزاء كبيرة منها. الجواب الذي لا يرقى إليه شك في نظري هو أن هذه المدينة اجتمع فيها ولمدة طويلة وبمعدلات مرتفعة خلل إداري عالي المستوى ولا مبالاة وتساهل وتفريط من الغالبية من الناس. صحيح أن قنوات التعبير وإيصال الرأي ليست في حال مرضية ولكنها أيضا لم تستغل بشكل كاف.
اليوم في حالة العزاء هذه يجب أن نواجه كلتا المشكلتين في جدة وفي غيرها من المدن السعودية، مشكلة الخلل المالي والإداري المستشرية وضعف الشفافية في الأعمال التي تتعلق بالناس. كما نواجه أيضا ثقافتنا السلبية وتربيتنا التي تربّي الإنسان على أن يكون أنانيا لا يهتم إلا بمصلحته الشخصية. تربية على أن يكون فردا لا يشعر بالمسؤولية العامة، لا يشعر بأن الاعتداء على فلان من الناس هو اعتداء عليه باعتباره اعتداء على مبدأ العدالة والمساواة. يجب أن نواجه تعليمنا الذي ينجح في فصل الإنسان عن الواقع الذي يعيش فيه، التعليم الذي ينجح في تخريج طالبة وطالب لا يعرفون شيئا عن الجهات الحكومية التي حولهم ولا عن حقوقهم وواجباتهم شيئا. أيضا يجب أن نواجه المجال العام الخالي من أي جمعيات ومنظمات لها اهتمام بالشأن العام وتقوم بمراقبة المشاريع والأعمال في إطار منطقتها.
التفكير الانفعالي هو أيضا مشكلة يجب أن نواجهها. فهو الذي سيجعلنا ننسى هذه الأزمة بعد مرور شهر من الآن وكأن شيئا لم يكن. الأزمة التي نتحدث عنها تحتاج إلى خطط طويلة الأمد، ليس من نوع الخطط التي تعلق على مداخل الوزارات ولا يرى أحد منها شيئاً على أرض الواقع بل خطط معلنة ومرسومة ويراقبها الناس والجمعيات المهتمة بهذه الشؤون. جمعيات لها حقها في النشر والتعبير وتتمتع بحق كشف الحقائق وحصانة ضد من يحاول إيقافها عن العمل. الجهات الرقابية داخل الإدارات الحكومية لا تملك صلاحيات حقيقية للعمل، كيف وهم يعملون تحت إدارة من يفترض بهم مراقبتهم كيف أراقب من لديه القدرة على نقلي أو نفيي إلى مكان بعيد؟ كيف أراقب من لديه القدرة على إيقاف ترقياتي ووضعي تحت عين الغضب الحارقة. قلّة هم من يمتلكون ضميرا قويّا يشجّعهم على خوض المعركة والكل من حولهم يعلم أنهم يدفعون مقابلا عاليا من صحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية يجعل من الاحتذاء بحذوهم عملية محفوفة بالكثير من المخاطر. الرقابة الخارجية الإعلامية المكشوفة هي الحل فالناس هم أهل المصلحة وبالتالي لهم الحق في متابعة مصالحهم والتأكد من حقوقهم. وبالتالي فإننا اليوم يجب أن نطالب المسؤولين في جدة أن يكشفوا للرأي العام عن المشاريع التي سمعنا عنها ولم نرها، نريد منهم أن يقولوا للناس هذا ما جرى. لدينا أسئلة كثيرة نبحث عن جواب لها ومن واجب المسؤولين أن يقوموا بهذه المهمة الملحّة اليوم.
دفعنا اليوم الثمن غاليا، أرواحا غالية فقدناها، على الأقل دعونا نجعلها لا تذهب بالمجان، دعونا نتعلم من الدرس، دعونا نقدم اعتذارا بسيطا لموتانا لا بد أن نعترف أن ما حدث هو بسببنا، بسبب خلل كبير في نظام العمل والرقابة والشفافية الحكومية. خلل أنتجته ثقافتنا وتعليمنا وتربيتنا وإعلامنا وفكرنا السائد، خلل لا يحتاج اليوم لمزيد من الشواهد، الأرواح الغالية تكفي، ما زلنا نملك الأمل والثقة في أنفسنا أننا قادرون على الحل، قادرون على التغيير، علينا جمع الإرادات الخيّرة والعقول المستنيرة والقلوب المحبّة للخير والإنسان، علينا أن نعمل على الحفاظ على أرواحنا وأرواح أجيالنا القادمة وألا نكون أمة تغرق في شبر ماء.


 

 

   

رد مع اقتباس