عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 10:32 PM   رقم المشاركة : 560
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الحلقة الثانية عشرة :


أثناء وجودنا في فناء كلية التربية نودي لصلاة الظهر ومع حرص الوالد على التواجد في المسجد قبل الأذان أو بعده بقليل إلا أنه لم يشأ أداء الصلاة في الموقع ( ربما كرها فيه ) وأصر على الخروج منه والبحث عن جامع في الحيّ ، وبعد أن أدينا الصلاة بحثنا عن مطعم لتناول طعام الغداء فلم نجد سوى مقاهي تؤدي الغرض ، دخلنا إحداها ولم يكن الجلوس وسط الظهيرة ممكنا في الخارج وبالتالي اضطررنا للدخول إلى داخل المقهى ،



على حائط في صدر المقهى كان هناك رسم يدوي كبير (غير متقن) بارتفاع الحائط لشيشتين إحداهما على يمين الداخل إلى المقهى والثانية على يساره ، وعلى أرض المقهى صُفّ أسفل الحائط مايقارب من خمس وعشرين شيشة حقيقية تم وضعها بعناية فائقة بين الرسمين .


دخل الوالد إلى المقهى وأنا أتبعه وبما أن مزاجه لم يكن را ئقا بل أكاد أقول أنه لو سلّم عليه أحد في ذلك الوقت لدخل معه في عراك فشاهد المنظر المرسوم على الحائط وبحركة عفوية لاإرادية مفاجأة وضع إصبعه الوسطى على جانب جبهته وهو يحركه من وعلى جانب الجبهة ذهابا وإياباً ورفع صوته لافتا إليه نظرمن كان في المقهى وهو بقول ( من الخرمة في راسه ماعد يكفيه هذى المرصوصة كلها ، عود يرسمها حتى في الجدار !! ) دخلت حينها في نوبة ضحك هستيريّ لم أتمالك معه نفسي فنظر إليّ والشرر يكاد يتطاير من عينيه فأدركت أني في خطر !



في طريق العودة إلى الطائف أخذ يحدثني عن خطورة السير في خط الرياض وشناعة الحوادث التي تقع فيه بسبب طوله واستقامته وضيقه وبدأ يتغنى بقصيدة الوالد علي دغسان رحمه الله :

آنا سافرت يوم السبت ما الطايف آريد الرياض
في صغيره مضل تسعه وستين والسّواق هاوي
يدعس آبنصها آخينا وخلّى الكفر مالي هوا


وصلنا إلى الطائف عصرا واتجهنا إلى معرض تويوتا الواقع على طريق الجنوب والذي يديره العم محمد قرّان وبقينا به إلى أن حان موعد إغلاقه فقام الوالد بتسليم مفتاح الجيب إلى العم محمد وقال له ( إن كان وقع إما والآّ يابو عبدالله فاتصل بعلي يجي يأخذه من جدّة ) !

عندها أدركت سبب قلقه وربما أسياب عزوفه عن الرياض وعدم رغبته في التحاقي بالدراسة فيها .



نمنا في قهوة قريبة من موقف الرياض وفي الصباح الباكر ركبنا أتوبيس ( أبو شنب ) وتوكلنا على الله في طريقنا إلى الرياض ، كان كلما ذكر في وصف خط الرياض مما علق بذاكرتي في ذلك الوقت صحيحا ، طريق ضيق مزدوج أشبه مايكون بحبل ممدود على أرض فسيحة منبسطة لا يكاد يرى فيها عوجا ، السيارات الصغيرة تمر بجانب الأوتبيس وكانها الطلقات والسيارات الكبيرة تمشي ببطء وهي بأقصى سرعتها وأغلبها متعطلة على جانبي الطريق ، المطاعم سيئة ، والحوادث كثيرة ، والحر على أشده في شهر أواخر جمادى الثاني في حين أن السيارات لم تكن مكيفة.


إثنى عشرة ساعة مرت بالتمام والكمال قبل أن يبدو لنا في الأفق أول احياء الرياض ( العاصمة ) التي رسمت لها في مخيلتي صورة أقرب ماتكون إلى الخيال تبدلت بمجرد مروري بشوارعها وأحيائها.



وصلنا إلى مقر الضيافة الحكومية بالناصرية في حدود العاشرة مساء ودخلنا مكتب العم محمد بن شويل وكانت المرة الأولى التي اشاهده فيها في حياتي فتناولنا لديه طعام العشاء ونمنا تلك الليلة في منزله وفي ظهر اليوم الثاني جمع عددا من المقيمين من الجماعة في الرياض على واجب أقامه على شرف الوالد من بينهم العم حمدان بن جاهمة رحمه الله واللواء عبدالجبار بن عبدالله وكان حينها برتبة رائد ثم توالت بعد ذلك الولائم منهما ومن غيرهما ولم يوقفها إلا خبر وفاة العم محمد بن حمدان ( عيسى ) رحمه الله والذي قرر معه الوالد العودة فورا إلى مكة حتى قبل أن أكمل مهمتي .


في اليومين التي بقينا فيهما في الرياض أخذني سعادة اللواء عبدالجبار إلى كلية قوى الأمن الداخلي وكان على علاقة بمديرها آنذاك المقدم محمد السهيلي ( تقاعد فيما بعد برتبة فريق ) فرحب بنا اجمل ترحيب وقدمت له أوراقي واستلمت منه استمارات جديدة وقعها الوالد هذه المرة من غير اعتراض لكن المشكلة أنني لم أكن احمل حفيظة نفوس مستقلة وهو شرط من شروط القبول .


في سيارة اللواء عبد الجبار وأنا في طريقي من وإلى الكلية كنت اتراجع إلى الخلف وأنا على المقعد الأمامي إلى جواره لأختلس النظر إلى التاج الذي كان يزين كتفه وأقول في نفسي هل سيأتي اليوم الذي يحمل فيه كتفايَّ مثل هذه الرتبة !

 

 
























التوقيع