الحلقة الثامنة عشرة
منتصف جماد الثاني 1394هـ انتهت إجازة الصيف التي منحت لنا وعدنا لنجد أنفسنا في نفس الدوامة التي كنا فيها قبل بدء الإجازة بل إننا شعرنا بأن تلك الأيام امتداد لفترة الإستجداد ( الأربعون يوما الأولى من الإلتحاق بالكلية ) مع أننا في القسم المتوسط ( سنة ثانية ) وذلك لأن الدفعة الجديدة من الطلاب المستجدين لم تلتحق بالكلية إلا بعد ذلك بشهرين تقريبا ، بمعنى أننا تحملنا وحدنا أعباء نظافة المضاجع ودورات المياة والممرات وغرف الدراسة إلى جانب ما نجده من جزاءآت وتصفية حسابات مع طلبة القسم النهائي الذين كانوا لنا بالمرصاد وكانوا يتربصون بنا الدوائر لكننا تحملنا كل تلك الأعباء انطلاقا من مبدأ :
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
تخرج زملاؤنا في القسم النهائي بعد ستة أشهر وأسندت تلقائيا مسؤلية إدارة الطلاب داخل الكلية لدورتنا ولا أزعم أننا كنا أفضل ممن سبقنا في ذلك ( فكلما دخلت أمة لعنت أختها ) ولكن الأمر لايعدو كونه تحقيقا لمنطوق الآية الكريمة ( وتلك الأيام نداولها بين الناس) .
شاركنا في موسم حج 94هـ في جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة لمدة شهر ونصف تقريبا مقسومة على فترتين ، فترة قبل الصعود إلى المشاعر وأخرى بعدها لتفويج الحجاج وبين الفترتين كنا مع بقية طلاب الكلية في منى .كانت تلك الفترة مميزة في حياتي حيث اشتريت فيها أول سيارة ( مستعملة ) وصدمت بها حصانا في النزّلة كان يركبه طفل ويسوقه آخرون ثم بعتها بعد ذلك بمكسب لابأس به ، تلك السيارة تذكني بها أغنية عايدة الشاعر :
يامعوض من صبر**يارب وين الحبيب
يالله عوض من صبر**قلبي متشوق غريب
****
فين ياحبيبي من زمان** ياللي في قلبي لك مكان
يامعوض من صبر ياحبيبي
****
امتى ترجع ماالسفر** ذا البعد والله صعيب
غايب وياك القمر**قسمة ياعيني ونصيب
يامعوض من صبر يارب وين الحبيب
حيث كانت ضمن شريط ( كاترج ) وجدته داخل تلك السيارة .
أبرز حدث في عام 1395هـ كان مقتل الملك فيصل عليه رحمة الله يوم الثلاثاء 13/3/1395هـ وهو الحدث الذي أدخل الشعب كله في حالة حزن ووجوم غير مسبوقة ، كنا داخل الكلية وأخذنا إلى النادي لمشاهدة مراسم الدفن على شاشة التلفاز ولم يمتلك كثير منا مشاعره فتعالت أصوات العويل والنحيب والبكاء في مظهر دل دلالة أكيدة على ما كان يتمتع به رحمه الله من حب وولاء من أفراد شعبه .
في صيف ذلك العام وبالتحديد في 24/7/1395هـ كان زواج أخينا الغزال ـ22 وشقيقه في قرية الغمدة وكانت المرة الأولى التي يتقابل فيها الوالد علي دغسان والأعمى ( أبوجعيدي ) عليهما رحمة الله وكان ذلك اليوم يوما مميزا شهد فيه الأعمى على شاعرية الوالد علي دغسان وأعلن اعجابه به وذلك بعد أن صدح برائعته التي خصصها لرثاء الملك فيصل رحمه الله حيث قال :
يا غبوني على فيصل زعيم التضامن والسلام
كلما جيت بانسا صورته لن ربي كبر اسمه
كبر اسمه ويا ليته بداله خذ الموت اربعين
بطل الملك والحيله وبين الدول يتوزع امره
والمصالح لنا يسهرعليها ويبني شانها
اعترف له جميع الروّسا بان ذاك اسم ومسمى
لجل حنه صليب الشور يقدر يقول آها ولا
أكبر الروّسا ديقول والوزراء اكبرهم كسنجر
لا تحدث معاهم ضاعت الجامعه والدكتره
كم قلوب تفتت من حزنها وكم عين بكت له
غاب عناولا هو حي حتى نقل واش غيبه
يالله احفظ لنا خالد وفهْد العضدْ وولي عهده
منبع الملك ما باشفق على الملك شي للملك امر
يتبعون خطة المرحوم حتى تشاد اركانها
حيث ارتجل الأعمى بعدها مباشرة حدوته التي قال في بدعها :
عزوتي صلب غامد ياسلام سلم
كلنا اخوان للتوحيد وبني عم
خلوا اهل اليمن كم هدّموا صنعا
باعوا البدر في ليله وبوعالي
هدّموا منزله حتى تناصيبه
ويقول في الرد
كل ديرة تناصي ياسلام سلم
نحمد الله تحت الفضل وبنيعم
القبايل لهم صنعاً ولك صنعا
أثركم شف يادغسان بوعالي
لاتحب الفتى حتى تناصي به
أما بدع الوالد علي دغسان فيمكن الرجوع إليه في ديوانه بساحة الموروث وشعر المنطقة الجنوبية مشاركة رقم /2.
تلك كانت آخر إجازة صيفية قضيتها في منطقة الباحة حيث إنتقل الوالد بعدها وبالتحديد في أوائل عام 1396هـ إلى مدينة الطائف بعد تجربة مريرة أفضت به إلى الإقدام على هذه الخطوة الجريئة .