يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-04-2011, 09:33 PM   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


الصبر وثمراته
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة 1/12/1432هـ بعنوان: "الصبر وثمراته"، والتي تحدَّث فيها عن الصبر وأهميته وأدلته من الكتاب والسنة، وعِظَم أجر المُتحلِّين به، وذكر عددًا من ثمراته مما ذُكِر في الوحيَيْن القرآن والسنة.

الخطبة الأولى
الحمد لله يحبُّ الصابرين، ويُبشِّرهم بصلواتٍ منه ورحمةٍ ويُثنِي عليهم فيصِفُهم بالمُهتدين، أحمده - سبحانه - حمدَ عباده الصابرين الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها الفوزَ والنجاةَ يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمامُ الصابرين وقائدُ الغُرِّ المُحجَّلين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه، واعلَموا أنكم مُلاقوه يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون[النحل:111].
أيها المسلمون:
نزولُ البلايا وحُلول المصائِب في ساحةِ العبد على تنوُّعها وتعدُّد ضُرُوبها، وما تُعقِبُه من آثار وما تُحدِثُه من آلامٍ يتنغَّصُ بها العيشُ ويتكدَّرُ صفوُ الحياة؛ حقيقةٌ لا يُمكِنُ تغييبُها، ولا مناصَ من الإقرار بها؛ لأنها سُنَّةٌ من سُنن الله في خلقه، لا يملِكُ أحدٌ لها تبديلاً ولا تحويلاً، غيرَ أن الناسَ تتبايَنُ مواقفُهم أمامَها:
فأما أهل الجَزَع ومن ضعُف إيمانُه واضطربَ يقينُه فيحمِلُه كل أولئك على مُقابلة مُرِّ القضاء ومواجهة القدَر بجزَعٍ وتبرُّمٍ وتسخُّطٍ تعظُمُ به مُصيبتُه، ويشتدُّ عليه وقعُها فيربُو ويتعاظَم، فينوءُ بثِقَلها ويعجِزُ عن احتمالها، وقد يُسرِفُ على نفسه فيأتي من الأقوال والأعمال ما يزدادُ به رصيدُه من الإثم عند ربِّه، ويُضاعِفُ نصيبَه من سخَطِه، دون أن يكون لهذه الأقوال والأعمال أدنى تأثيرٍ في تغيير المقدور أو دفع المكروه.
وأما أولو الألباب؛ فيقِفُون أمامَها موقفَ الصبر على البلاء والرضا ودمع العين، لا يأتون من الأقوال والأعمال إلا ما يُرضِي الربَّ ويُعظِمُ الأجرَ ويُسكِّنُ النفسَ ويطمئنُّ به القلبُ، يدعوهم إلى ذلك ويحُثُّهم عليه ما يجِدونه في كتاب الله من ذكر الصبر وبيان حُلو ثِماره وعظيمِ آثاره؛ فمن ذلك:
ما فيه من ثناءٍ على أهله، ومدحٍ لهم بأنهم هم الصادقون المُتَّقون حقًّا؛ كقوله - عزَّ اسمه -: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون[البقرة:177]، وكقوله - سبحانه -: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار[آل عمران:17].
وما فيه من إيجاب محبَّة الله لهم ومعيَّته - سبحانه - لهم المعيَّة الخاصة التي تتضمَّن حفظَهم ونصرَهم وتأييدَهم؛ كقوله: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين[آل عمران:146]، وكقوله: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين[الأنفال:46].
ومن إخبارٍ بأن الصبرَ خيرٌ لأصحابه: وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين[النحل:126].
ومن إيجابِ الجزاءِ لهم بغير حسابٍ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب[الزُّمَر:10].
ومن إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون[النحل:96].
ومن إطلاق البُشرَى لأهل الصبر: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين[البقرة:155].
ومن ضمان النصر الربَّاني والمدَد الإلهي: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين[آل عمران:125].
ومن ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في وصيَّته المشهورة له: «واعلم أن النصرَ مع الصبرِ».
ومن إخبارٍ بأن أهل الصبر هم أهل العزائم الذين لا تلِينُ لهم قناةٌ في بُلوغ كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور[الشورى:43].
ومن إخبارٍ بأنه ما يُلقَّى الأعمالَ الصالحةَ وجزاءَها والحُظوظَ إلا أهل الصبر؛ كقوله: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُون[القصص:80]، وقوله أيضًا: وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم[فُصِّلَت:34، 35].
ومن إخبارٍ أنه إنما ينتفعُ بالآيات والعِبَر أهلُ الصبر؛ كقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور[إبراهيم:5]، وكقوله في شأن أهل سبأ: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور[سبأ:19].
ومن إخبارٍ بأن الفوزَ بالمطلوب والظَّفَر بالمحبوب والنجاة من المكروب والسلامة من المرهوب ونزولَ الجنة إنما نالَه أهلُ الصبر: وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار[الرعد:23، 24].
وبأنه يُعقِبُ المُستمسِك به منزلةَ الإمامة في الدين؛ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "سمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين، ثم تلا - رحمه الله - قولَه تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون[السجدة:24]".
فلا عجبَ إذًا أن يكون للصبر تلك المنزلةُ العظيمةُ التي عبَّر عنها أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بقوله: "إن الصبرَ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجَسَد، ألا لا إيمان لمن لا صبرَ له".
وأن يُدرِك المرءُ بالصبر خيرَ عيشٍ في حياته، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "خيرَ عيشٍ أدركناه في الصبر".
وأن يكون الصبرُ ضياءً كما وصفَه رسول الهدى - صلوات الله وسلامه عليه -، وذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم في "صحيحه"، والإمام أحمد في "مسنده".
وأن يكون الصبرُ خيرَ وأوسَعَ عطاءٍ يُعطاهُ العبد، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والبخاري ومسلم في "صحيحيهما" - واللفظ للبخاري - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار الذين سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفِدَ ما عنده، قال: «ما يكونُ عندي من خيرٍ فلن أدَّخِرَه عنكم، ومن يستعفِف يُعِفّه الله، ومن يستغنِ يُغنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر».
وأن يكون أمرُ المؤمن كلُّه خيرًا له؛ لأنه دائرٌ بين مقامَي الصبر والشُّكر، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"، والإمامُ أحمد في "مسنده" عن صُهيب بن سِنان - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابَته سرَّاء شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له».
ألا وإن من أشدِّ البلاء وقعًا على النفس: موتَ الأحِبَّة، لا سيَّما أعلامُ النُّبلاء منهم من ذوي التأثير البارِزِ في حياةِ الناس ومن لهم يدُ فضلٍ وبِرٍّ جازَت بهما الحُدود، وعمَّت القاصيَ الداني، وكان للإسلام منهم مواقفُ عظيمةٌ مشهودة، وكان للمسلمين وقفاتٌ مُباركةٌ داعمةٌ غيرُ محدودةٍ بحُدود الزمان أو المكان؛ من مثل من فقدَته الديارُ السعودية والمسلمون قاطبةً هذه الأيام، ألا وهو: سموُّ الأمير سُلطان بن عبد العزيز وليُّ العهد - رحمه الله رحمةً واسعة، وغفرَ له في المهديين، ورفع درجاته في عليِّين، وألحقَه بصالحِ سلفِ المؤمنين -، آمين، آمين، والحمدُ لله رب العالمين على قضائه.
وإن العينَ لتدمَع، وإن القلبَ ليحزَن، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي الربَّ: إنا لله وإنا إليه راجِعون، إنا لله وإنا إليه راجِعون، إنا لله وإنا إليه راجِعون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ الصابرين، أحمده - سبحانه - حمدَ الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نُرضِي بها ديَّان يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله إمامُ المُتقين وقُدوة العابدين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله:
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في بسطِ مدلول قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين[البقرة:155].
قال: "أخبرَ تعالى أنه يبتلِي عبادَه؛ أي: يختبرهم ويمتحِنهم، كما قال تعالى: ولنبلونكم .. أخباركم}، فتارةً بالسرَّاء، وتارةً بالضرَّاء. مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ؛ أي: بقليلٍ من ذلك. وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِأي: بذهابِ بعضها وَالأنفُسِكموت الأصحاب والأقارب والأحباب وَالثَّمَرَاتِأي: لا تُظِلُّ الحدائق والمزارِعُ كعادتها، وكلُّ هذا وأمثالُه مما يختبِرُ الله به عبادَه؛ فمن صبرَ أثابَه، ومن قنطَ أحلَّ به عقابَه، ولهذا قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِين. ثم بيَّن تعالى مَن الصابرون الذين شكَرَهم فقال: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون[البقرة:156] أي: تسلَّوا بقولهم هذا عمَّا أصابَهم، وعلِموا أنهم مُلكٌ لله يتصرَّفُ في عبيده بما يشاء، وعلِموا أنه لا يضيعُ لديه مِثقالُ ذرَّةٍ يوم القيامة، فأحدثَ لهم ذلك اعترافًا بأنهم عبيدُه وأنهم إليه راجِعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبرَ تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْأي: ثناءٌ من الله تعالى عليهم".
وقال سعيدُ بن جُبيرٍ - رحمه الله -: "الصلواتُ أمَنةٌ من العذاب".
وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونقال أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "نِعمَ العِدلان ونِعمَت العِلاوة، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌفهذان العِدلان، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونفهذه العِلاوة - وهي: ما تُوضَع بين العِدلَيْن، وهي زيادةٌ في الحِمل، وكذلك هؤلاء أُعطُوا ثوابَهم وزِيدُوا أيضًا -"؛ أخرجه الحاكم في "المستدرك" بإسنادٍ صحيحٍ.
فاتقوا الله - عباد الله -، وكونوا من الصابرين على مُرِّ القضاء تفوزوا بأجرِكم، يُوفِّيه إليكم ربُّكم يوم القيامة بغير حسابٍ.
وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله: محمد بن عبد الله؛ فقد أُمِرتم بذلك في كتاب الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ وكتابكَ وسنةَ نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء.
اللهم وفِّقه ونائبَه وإخوانه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد، يا من إليه المرجِعُ يوم المعاد.
اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعِ سخطك.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيكَ آمالَنا، واختِم بالصالحات أعمالَنا.
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب[آل عمران:8]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-04-2011, 09:46 PM   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

وصية الله لحجاج بيته الحرام

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 8/12/1432هـ بعنوان: "وصية الله لحجاج بيته الحرام"، والتي تحدَّث فيها عن بعض الوصايا الإلهية والتوجيهات النبوية لحُجَّاج بيت الله الحرام ومُعتمِريه وزائريه، وقد أرشد فيها إلى بعض التعليمات الواجب التنبُّه لها من الحُجَّاج والمُعتمرين.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله فالق الإصباح، والحمد لله بُكرةً وعشيًّا وفي الغُدُوِّ وفي الرَّوَاح، الحمد لله الذي وفدَ له الحَجيجُ من كل ناحيةٍ وساحٍ، وجعل الحجَّ والمشاعِرَ مزادةً للتقوى، ومهوًى للنفوس، ومنهلاً للأرواح، وجعل بيتَه المُعظَّم حرمًا لا يُستباح، وحِمًى لا يُعضَدُ شوكُه، ولا يُنفَّرُ صيدُه، ولا يُشهَرُ به سلاح، أشهد أن لا إله إلا الله وحده الأحدُ الحميد لا شريك له ولا شَبيه ولا نَديد، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله سيدُ من حجَّ البيتَ وطافَ، صلَّى الله عليه وعلى آله وعلى صحابته الأسلاف، ومن اتَّبَعهم واستنَّ بهديِهم من التابعين والأخلاف، وسلِّم يا رب تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، أيها المسلمون:
وصيةُ الله للأولين والآخرين تقوى الله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء: 131]، ووصيةُ الله لحُجَّاج بيته تقوى الله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[البقرة: 197].

أيها المسلمون:
حُجَّاج بيت الله الحرام! شكرَ اللهُ سعيَكم، وبارَكَ خطوَكم، وأدامَ سعدَكم، قد وطِئتُم أرضَ الحرَم، وتلبَّستُم بالنُّسُك الأعظم، واكتحلَت عيونُكم بمرأى الكعبةِ المُشرَّفة، وبلغتُم هذا البيتَ العتيق، وشرعتُم في مناسِكِ الحجِّ، فلكم تُزفُّ التهاني ببُلوغِ هذه الأماني، والله المسؤول أن يُتِمَّ حجَّم ويُيسِّر أمرَكم وأن يتقبَّل منكم.
فلله ما أهناكم! والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَته أمُّه» - أي: نقيًّا من الذنوب والخطايا -؛ رواه البخاري ومسلم.
وفي "الصحيحين" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة».
فيا لها من منحةٍ تطرَبُ لها النفوسُ المؤمنةُ، وتهُونُ في سبيلها كلُّ المتاعِب والصِّعاب.
أيها المسلمون في كل مكان:
حُجَّاج بيت الله الحرام! أيامُكم هذه أيامٌ عظَّم اللهُ أمرَها، وشرَّفَ قدرَها، وأقسمَ بها في كتابه العزيز، فقال - جلَّ شأنُه -: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1، 2].
وقال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام». قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهادُ في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يرجِع من ذلك بشيءٍ»؛ أخرجه البخاري.
وعند الإمام أحمد: «فأكثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحمِيد».
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
كبِّروا ليبلُغ تكبيرُكم عَنانَ السماء، كبِّروا فإن اللهَ عظيمٌ يستحقُّ الثناء، أكثِروا من الأعمال الصالحة، وتزوَّدوا من ساعات هذه الأيام ولياليها، فهي التجارة الرابحة، واعلموا أن لله تعالى نفَحَات فاستكثِروا من الصالحات، وتطهَّروا من دَنَس المعاصي والسيئات، إن العُمر لا يعُود، والمَوسِمَ لا يدُوم، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.
عباد الله، حُجَّاج بيت الله الحرام:
هذا هو اليومُ الثامنُ من ذي الحجَّة، وفي ضُحاهُ يُحرِمُ من يُريدُ الحجَّ ويذهبُ إلى مِنَى فيُصلِّي بها الظهرَ في وقتها قصرًا والعصرَ في وقتها قصرًا والمغربَ في وقتها والعشاء في وقتها قصرًا، ويبيتُ بمِنَى هذه الليلة، فإذا صلَّى بها الفجرَ وطلَعَت شمسُ اليوم التاسع توجَّه إلى عرفات وصلَّى بها الظهر جمعًا وقصرًا، ثم يقِفُ على صعيد عرفات مُكثِرًا من ذكر الله تعالى، مُتذلِّلاً بين يديه يسألُه خيرَي الدنيا والآخرة، ويُلِحُّ في الدعاء والرجاء في ذلك الموقف العظيم؛ فإن الحجَّ عرفة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أيضًا: «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيءٍ قديرٌ»؛ رواه الترمذي.
وفي ساحةِ الغُفرانِ في عرفات تخشَعُ القلوبُ، وتَذرِفُ العيون، تُسكَبُ العَبَرات، تُقالُ العَثَرات، وتُرفَعُ الدرجات، ويُباهِي اللهُ بحُجَّاجه ملائكةَ السماوات، ويقول - سبحانه -: «انظروا إلى عبادي أتَوني شُعثًا غُبرًا ضاحِين من كلِّ فجٍّ عميقٍ، أُشهِدُكم أني غفرتُ لهم».
عباد الله:
ومن لم يكن حاجًّا فيُستحبُّ له صيامُ يوم عرفة مُحتسِبًا أن يُكفِّرَ اللهُ عنه السنةَ الماضيةَ والباقيةَ، كما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم.
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يومٍ أكثر من أن يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟»؛ رواه مسلم.
فإذا غربَت الشمسُ، انصرَفَ إلى مُزدلِفَة بسكينةٍ ووقارٍ، وصلَّى بها المغربَ والعشاء جمعًا، ويقصُرُ العشاء، ويبيتُ بمُزدلِفةَ تلك الليلة، ويُصلِّي بها الفجرَ، ويُكثِرُ من ذكر الله ومن الدعاء حتى يُسفِرَ جدًّا، ثم ينصرِفُ إلى مِنَى قُبيلَ طُلوع الشمس، ويجوزُ للضَّعَفة من النساء والصبيان ونحوِهم الانصرافُ من مُزدلِفة بعد نصف الليل، ويتحقَّقُ ذلك بغروب القمر.
فإذا وصل الحاجُّ إلى مِنَى رمى جمرة العقبة بسبع حصَيَاتٍ مُتعاقباتٍ يُكبِّرُ مع كل حَصاة، ثم ينحَرُ الهديَ إن كان عليه هَدي، ثم يحلِقُ رأسَه أو يُقصِّرُه، والحلقُ أفضل، ثم يتوجَّه للبيت الحرام إن تيسَّر له يوم العيد وإلا بعده، فيطوفُ طوافَ الإفاضة، ثم يسعَى بين الصفا والمروة، فإن كان قارِنًا أو مُفرِدًا وقد سعى قبل الحجِّ بعد طوافِ القُدُوم فيكفيه سعيُه ذلك، ومن قدَّمَ شيئًا أو أخَّر شيئًا من أعمال يوم النحر، فلا حرج عليه.
ثم يعودُ إلى مِنَى، ويبيتُ بها ليالي أيام التشريق، ويرمِي الجِمارَ الثلاث في كل يومٍ بعد زوال الشمس، ثم إن شاءَ تعجَّل في يومين، وإن شاء تأخَّر لليوم الثالث عشر - والتأخُّر أفضل -، ثم لا يبقَى عليه إلا طوافُ الوداعِ عندما يُريدُ السفرَ من مكة.
أيها المسلمون:
ولقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مواطنُ يُكثِرُ فيها من الدعاء حريٌّ بالمُسلمِ أن يتحرَّاها، وأن يحرِصَ عليها؛ منها: يوم عرفة - وبالأخصِّ آخر النهار -، وبعد صلاة الفجر بمُزدلِفة حتى يُسفِر جدًّا، وبعد رمي الجمرة الأولى، وبعد رمي الجمرة الثانية من أيام التشريق، وكذا الدعاء فوق الصفا والمروة.
فاجتهِدوا في تمام حجِّكم، واتقوا الله فيما تأتون وتذَرُون، وأخلِصوا لله في عملكم وقصدِكم، واتَّبِعوا الهُدى والسنَّة، واجتنِبوا ما يخرِمُ حجَّكم أو يُنقِصُه، وعليكم بالرِّفقِ والسكينةِ والطُّمأنينة والشَّفَقَة والرحمة بإخوانكم المُسلمين - سيَّما في مواطن الازدحام، وأثناء الطواف، ورميِ الجِمار، وعند أبوابِ المسجد الحرام -.
واستشعِروا عِظَمَ العبادة وجلالة الموقف، جعل الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.


الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل مواسِمَ الخيرات مربحًا ومغنَمًا، وأيام البركات إلى جناته طريقًا وسُلَّمًا، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، أيها المسلمون:
لقد بُنِي هذا البيتُ العتيقُ مُؤسَّسًا على التوحيد ولأجل التوحيد: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا[الحج: 26].
ومنذ أن دخلتَ النُّسُك وأنت مُعلِنٌ للتوحيد: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك".
وفي ثنايا آيات الحج يقول الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ[الحج: 30، 31].
وفي حديث جابرٍ - رضي الله عنه - في صفة حجِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثم أهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد: لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك"؛ رواه أبو داود.
فأخلِصوا دينَكم لله، وتفقَّدوا أعمالَكم ومقاصِدَكم.
عباد الله:
وفي مناسِك الحجِّ تربيةٌ على إفراد الله بالدعاء والسؤال والطلب، مع التوكُّل عليه واللجُوءِ إليه، والاستغناء عن الخلق والاعتماد على الخالق: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18]، لا نبيًّا ولا وليًّا، ولا مكانًا ولا رسمًا.
كما لا يجوزُ أن يُحوَّلَ الحجُّ إلى ما يُنافِي مقاصِدَه، فلا دعوةَ إلا إلى الله وحده، ولا شِعارَ إلا شِعارُ التوحيد والسنة.
أيها المسلمون:
والحجُّ عبادةٌ فريدةٌ تجمعُ ملايين البشر المُتدفِّقين لأداء النُسُك شوقًا، التاركين لدنياهُم طوعًا؛ فأيُّ مشهدٍ أبهى من هذا التجمُّع الإيماني العظيم، فيه اجتماعُ الأمة وائتلافُها، وتظهَرُ قِيَمُها وأخلاقُها، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197].
قِيَم التسامُح والإخاء والبُعد عن الخلاف والمِراء، قِيَمُ المُساواة والعدل والأُخُوَّة والمحبة، قِيَمُ القناعة والبَساطة في تجرُّد الحاجِّ من متاع الدنيا في لِباسِه ومسكنه ومنامه، يتربَّى على ترك الترفُّه، ويتحمَّلُ المشقَّة والتضحية.
من الحجِّ نستلهِمُ المُراجعات السُّلُوكية لكثيرٍ من القِيَم والأخلاق.
حُجَّاج بيت الله العتيق:
الحجُّ جهادٌ، ولا بدَّ في الجهاد من مشقَّة، وتركُ الترفُّه مقصودٌ، وعلى الحاجِّ أن يصبِرَ ويحتسِبَ في إتمام حجِّه كما أمر الله آخِذًا نُسُكَه من رسول الله.
ومن الخُذلان أن يتتَبَّعَ الإنسانُ الرُّخَص ويزهَدَ في السنن، ويرجِعَ بحجٍّ مُشوَّه، ويتنازَل عن كمال النُّسُك، ولا يتنازَلُ عن نقص الخدمات في الطعام والشراب والسَكَن، والله تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ[البقرة: 196]، اجعلوا هذه الآيةَ شِعارَكم.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
تعلَّموا أحكامَ مناسِكِكم، واسألوا عن عباداتكم، وتحرَّوا صحةَ أعمالكم قبل إتيانِها، تفرَّغوا لما جِئتُم لأجله، واشتغِلوا بالعبادة والطاعات؛ فإن ما عند الله لا يُنالُ بالتفريط.
أكثِروا من الدعاء والتضرُّع، والهَجوا بذكر الله في كل أحوالكم؛ فنبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما جُعِل الطوافُ بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»؛ رواه أبو داود، والترمذي.
وربُّكم تعالى يقول: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا[البقرة: 198- 200].

حُجَّاج بيت الله الحرام:
تبذُلُ الدولةُ برجالاتها وأجهزتها ومُؤسَّساتها الحُكومية وغير الحُكُومية جهودًا هائلةً لخِدمتكم وتيسير حجِّكم، والنظامُ وُضِعَ لمصلحتكم، والجهودُ كلُّها لأجلكم، فالتزِموا التوجيهات، واتَّبِعوا التعليمات، وابتعِدوا عن مواطن الزحام، وتعاوَنوا مع رجال الأمن والأجهزة الحكومية.
لا تُغلِقوا الطرقات، ولا تجلِسوا في الممرات، واستشعِروا ما أنتم فيه، وكونوا على خير حالٍ في السُلُوك والأخلاق، والزَموا السكينةَ والوَقار، واجتهِدوا وسدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا وأمِّلوا؛ فإنكم تقدُمون غدًا على ربٍّ كريمٍ.
تمنَّ على ذي العرشِ ما شئتَ إنه
جوادٌ كريمٌ لا يُخيِّبُ سائلاً

تقبَّلَ الله حجَّكم، وأعانكم على تمام النُّسُك، وأحاطكم بحفظِه ورعايته.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالحُجَّاج والمُعتمِرين، وأتِمَّ عليه الصحة والعافية، اللهم وفِّق وليَّ عهده وسدِّده وأعِنه على ما حُمِّل، واجعله مبارَكًا مُوفَّقًا لكل خيرٍ وصلاح.
اللهم اغفر للأمير سلطان بن عبد العزيز، وارحمه، وتجاوز عنه، وأسكِنه فسيحَ جناتك.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، اللهم انصرهم على من ظلمَهم.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، وتقبَّل منَّا ومنهم أجمعين.
اللهم وفِّق رجالَ الأمن والعاملين لخدمة الحُجَّاج، وجازِهم بالخيرات والحسنات يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مُجلِّلاً عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضرِ والبادِ.
اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 10:31 PM   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

المُحدثات طوفان مُغرِق
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبةعيد الأضحى 1432هـ بعنوان: "المُحدثات طوفان مُغرِق"، والتي تحدَّث فيها عن البدع والمُحدثات، وأن السنَّة هي سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها هلك، وذكَّر بأحكام الأُضحية ونبَّه على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعضُ المسلمين، وبيَّن أنه لن يرتقي المسلمون ويصِلوا إلى مرضات الله تعالى إلى بالاستجابة لأمره - سبحانه - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، ولا يُؤدِّي حقَّه المُجتهِدون، المعلومِ من غير رؤية، والخالقِ بلا حاجة، والمُميت بلا مخافة، والباعثِ بلا مشقَّة، خلقَ الخلائقَ بقدرته وحكمته، ونشرَ الرياحَ بُشرًا بين يدي رحمته، مُبدئِ الخلق ووارثِه، وباسطٍ فيهم بالجُودِ يدَه، كتبَ على نفسه لعباده المؤمنين الرحمة، وسبقَ عفوُه عقابَه وحلمُه غضبَه، لا يخفى عليه مثقالُ ذرَّةٍ في الأرض ولا في السماء، لا تُدرِكُه الأبصار وهو يُدرِكُ الأبصار وهو اللطيفُ الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله البشيرُ النذير، والسراجُ المُنير، خيرُ من صلَّى لله وقام وحجَّ البيت الحرام وصام عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة: 128]، ما تركَ خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا.
الله أكبر غافرُ الزلاَّتِ
داعِي الحَجيج إلى ثَرى عرفاتِ
الله أكبر ملءَ ما بين السما
والأرضِ عدَّ الرملِ والذرَّاتِ
والحمدُ لله العليِّ فنورُه
في الذكرِ كالمِصباحِ في المِشكاةِ
الله أكبر بُكرةً وعشيَّةً
الله أكبرُ سامعُ الأصواتِ
الله أكبر عالمًا ومُهيمِنًا
مُحصِي الحَجيج وجامعِ الأشتاتِ
ما كان يخفاهُ الضميرُ وهمسةً
مهما تكن عند اختلافِ لغاتِ
الله أكبر مُبصِرُ النملِ الذي
في ليلةٍ سوداء فوق صفاةِ
قد أبصرَ الجمعَ الغفيرَ وإنه
ليَرَى نِياطَ القلبِ والنَّبَضاتِ
الله أكبر لن تُوارِيَ دمعةٌ
عنه الدموعَ وخافِيَ العَبَراتِ
علِمَ الغيوبَ وكلَّ حبَّةِ خردلٍ
ما قد مضَى منها وما هو آتِ
الله أكبر فاستجِبْ يا ربَّنا
ولتَمْحُ عنا سالفَ العَثَراتِ
واغفر لحُجَّاجٍ أتَوا شُعثًا فقد
ناجَوكَ يا رحمنُ بالزَّفَراتِ
الله أكبر أنت أرحمُ راحمٍ
فاقبَلْ كريمًا صالحَ الدعواتِ
واجعله حجًّا صالحًا مُتقبَّلاً
والطُفْ بنا في الحشرِ والعَرَصاتِ
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه -؛ فإنها مفتاحُ سَداد، وذخيرةُ معاد، وعِتقٌ من كل ملَكَة، ونجاةٌ من كل هلَكَة، بها ينجحُ الطالب، وينجُو الهارِب، فاعملُوا فإن العمل يُرفَع، والتوبةَ تنفع، والدعاءَ يُسمَع.
ألا وإن عليكم رُصَّدًا يحفَظون أعمالَكم وعددَ أنفاسِكم، لا تستُركم عنهم ظُلمةُ ليلٍ داجٍ، ولا يُكِنُّكم بابٌ ذو رِتاج، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار: 10- 12].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 10:32 PM   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

حُجَّاج بيت الله الحرام:
لقد أصبحتم في هذا اليوم في عيدٍ مبارك؛ عيد الأضحى، يوم القَرابين، يوم الحج الأكبر، يوم قضاء التَّفَث والوفاء بالنُّذور والطواف بالبيت العتيق، إنه يومُ الفرح بالاستجابة لدعوة الخليل - عليه السلام -: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 27- 29].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
لقد شرعَ الله لنا في هذا اليوم المُبارَك ذبحَ الأضاحِي تقرُّبًا لله؛ إذ من أفضل أعمال ابن آدم يوم النحر إراقة دم الهَدي والأضاحي تقرُّبًا وزُلفَى للخالق - سبحانه -: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162، 163].
إنها سُنَّةُ أبينا إبراهيم المُؤكَّدة، ويُكرَهُ تركُها لمن قدِرَ عليها، كما أن ذبحَها أفضلُ من التصدُّق بثمنها، وتُجزِئُ الشاةُ عن واحدٍ، ولا بأس أن يُشرِكَ معه أهلَ بيته، وتُجزئُ البدَنة والبقرة عن سبعة.
ثم إنه يجبُ على المُضحِّي أن يُراعِي شروطَ الأُضحية الثلاثة:
فأولها: أن تبلغَ الأضحيةُ السنَّ المُعتبَرُ شرعًا، وهو: خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنةٌ كاملةٌ في المعز، وستةُ أشهرٍ في الضأن.
والشرطُ الثاني: أن تكون الأُضحية سالمةً من العيوب التي نهي عنها الشارع، وهي أربعة عيوب: العرجاء التي لا تُعانقُ الصحيحةَ في المشي، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعوراءُ البيِّنُ عورُها، والعَجفاءُ وهي الهَزيلةُ التي لا مُخَّ فيها، وكلما كانت الأُضحيةُ أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.
والشرطُ الثالثُ: أن تقعَ الأُضحية في الوقت المُحدَّد، وهو الفراغُ من صلاة العيد، وينتهي بغروبِ اليوم الثالث بعد العيد، فصارت الأيامُ أربعةً.
ثم ليرفِق الجميعُ بالبَهيمة: «وليُرِح أحدُكم ذبيحَته، وليُحِدَّ شفرَتَه؛ فإن الله كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ» حتى في ذبح البهيمة، ثم ليُسمِّي أحدُكم عند ذبحها؛ لأن الله يقول: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ[الأنعام: 121].
ويُستحبُّ للمُضحِّي أن يأكل منها، ويُهدِي ويتصدَّق، ولا يُعطِي الجزَّارَ أُجرتَه منها.
فضحُّوا واهدُوا، تقبَّل الله ضحاياكم وهداياكم.

ضحُّوا فإن لحُومَها ودماءَها
سينالُها التقوى بلا نُقصانِ
العيدُ أَضحى فالدماءُ رخيصةٌ
مُهراقةً للواحد الديَّانِ
هي سنةٌ بعد الذبيحِ وإنها
من خير ما يُهدَى من القُربانِ
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


حُجَّاج بيت الله الحرام:
إن هذا البيت العتيق الذي رفعَ قواعدَه إبراهيمُ وابنُه إسماعيل - عليهما السلام - لم يُبنَ إلا بالتوحيد ولأجل التوحيد ولأهل التوحيد، تتعاقبُ الأجيالُ على حجِّه، ويتنافسُ المسلمون في بُلوغ رِحابِه، وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ[الحج: 26].
ولقد بعثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سنة تسعٍ من الهجرة مع أبي بكر - رضي الله عنه - من يُنادِي بالناس: ألا يطوفَ بالبيت عُريان، وألا يحُجَّ بعد العام مُشرِكٌ؛ رواه البخاري ومسلم.
فالحجُّ - عباد الله - أمارةٌ تدعو إلى التوحيد؛ فاجتماعُ الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسِهم ليُوحِي إليهم أنه ينبغي للمسلم ألا يعبُدَ إلا الله ولا يلجأ إلا إلى الله في خوفه ورجائه وذبحِه ونذرِه ورغبته ورهبَته، حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج: 31، 32].
إن المؤمن المُوحِّد ليشعُر من أعماق قلبه أن ما دون الله هَباء، ويستحيلُ عنده أن يُغلَبَ اللهُ على أمره أو أن يُقطَع شيءٌ دونه؛ إذ التعلُّق بغير الله عجزٌ، والتطلُّع إلى سواه ضلالٌ وحُمقٌ.
وإن مما يُؤسِف أشدَّ الأسف: ما يقع فيه بعضُ أهل الغفلة ممن لم يُلامِس التوحيدُ شِغافَ قلوبهم، فادَّعوا علمَ ما لم يعلَموا، ولجئوا إلى غير الله، وخاضُوا في أمور الغيب، فاستحكمَت لديهم الشعوذةُ والكِهانة وما يُسمَّى: تحضيرَ الأرواح وقراءة الكفِّ والفنجان، أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ[الطور: 41]، قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[النمل: 65].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


حُجَّاج بيت الله الحرام:
في الحجِّ تتجلَّى صورةٌ عُظمى وسمةٌ جُلَّى هي نبراسٌ للأمة إن أرادت الهداية وصحةَ العمل بعد الإخلاص لله تعالى، ألا وهي: متابعةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلكم من خلال قوله - صلوات الله وسلامه عليه - في حجَّة الوداع: «خُذوا عنِّي مناسِكَكم»، ليُؤكِّد لنا - صلوات الله وسلامه عليه - أن خيرَ الهدي هديُه - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا هديَ أحسنُ من هديِه، ولا طريقَ أقومُ من طريقه، وهيهات هيهات أن يأتي الخلَفُ في أعقاب الزمن بخيرٍ مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح في عصور النور.
فإن من غُربة الدين: أن تلتصِقَ به المُحدَثات التي هي تشويهٌ لجمال الدين، وطمسٌ لمعالم السُّنَن، ومكانةٌ السنة بين هذه المُحدَثات أنها دعوةُ كمال، فكلما تردَّد الإنسان بين طريقين دعَتْه السنةُ إلى خيرهما، وإن تردَّد العقلُ بين حقٍّ وباطلٍ دعَته السنةُ إلى الحق.
وبهذا يُعلَم أن دعوةَ السنةِ إنما هي لأصعبِ الطريقين وأشقِّ الأمرَين بالنسبة لأهواء البشر، وسببُ ذلك - عباد الله - هو: أن الانحدارَ مع الهوى سهلٌ يسيرٌ، ولكن الصعودَ إلى العلو صعبٌ وشاقٌّ، وإن الماء ليَنزِلُ وحدَه حتى يستقرَّ في قَرَارة الوادي، ولكنه لا يصعَد بالعلو إلا بالجُهد والمضخَّات.
وما فائدةُ العقل بلا سُنَّةٍ ولا هديٍ من الله؟!
فها هو - صلوات الله وسلامه عليه - أكملُ الناس عقلاً بلا نزاع، ومع ذلك قال عنه ربُّه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ[الشورى: 52، 53].
ثم إن المُحدَثات سريعةُ الانتشار، تستلفِتُ أنظارَ الدَّهماء فيعمَدونها الذين لا يُبصِرون، ويصمُّوا عنها الذين هم عن السمعِ معزولون؛ فالمُحدَثات طوفانٌ مُغرِق، والسُّنَّةُ الصحيحةُ سفينةُ نوح؛ من ركِبَها نجا، ومن تركها غرِق ولَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ[هود: 43].
وإننا حينما نتحدَّث عن البِدَع فإننا نعنيها بأوسَع مفاهيمها، وهي: كل ما خالفَ هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادات والمعاملات والأخلاق والمسؤوليات والواجبات والحُقوق والثقافة والفِكر، ولقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - صلوات الله وسلامه عليه -؛ حيث قال: «إنه من يعِش منكم فسيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ، وإياكم ومُحدثَات الأُمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة»؛ رواه أبو داود والترمذي.
ألا فليُعلَم أنه لا يمكن أن يأتي مبدأ أو فِكرٌ يُقرِّرُ العدلَ والمُساواة وحفظَ الحقوق والواجبات ورعايةَ الأُمَم أفرادًا وأُسرًا ومُجتمعات بمثل ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ما جاء به إنما هو من عند حكَمٍ عدلٍ برٍّ رحيمٍ يُريدُ بعباده اليُسْرَ ولا يُريدُ بهم العُسرَ، خلقَ الخلقَ وهو أعلمُ بما يصلُحُ لهم في دينهم ومعاشِهم وآخرتهم، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[البقرة: 216].
ولهذا كان آخر ما أوصى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه في حجَّة الوداع أن قال لهم: «وإنِّي قد تركتُ فيكم ما لن تضِلُّوا بعدي إن اعتصمتُم به: كتابَ الله، وأنتم مسؤولون عني؛ فما أنتم قائِلون؟!». قالوا: نشهَد أنك قد بلَّغتَ رسالاتِ ربِّك، وأدَّيت، ونصحتَ لأمَّتك، وقضيتَ الذي عليك. فقال بأُصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء وينكُتُها إلى الناس: «اللهم اشهَد، اللهم اشهَد»؛ رواه البيهقي وابن ماجه.
قال سفيان الثوري - رحمه الله -: "من ابتدعَ في الإسلامِ بدعةً يراها حسنةً فقد زعمَ أن محمدًا خانَ الرسالة؛ لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة: 3]".
ولقد اتفق أئمةُ التفسير أن هذه الآية نزلت في حجَّة الوداع، وإنها لآيةٌ عظيمة ومنَّةٌ كريمة أن أتمَّ الله على عباده نعمةَ الدين، ورضِيَ لهم الإسلامَ دينًا، فبذلك فلنفرَح هو خيرٌ مما نجمَع.
وإنه لعيبٌ على كل مسلمٍ أن يُدرِكَ غيرُ المسلمين معنى هذه الآية وأثرَها على النفس أكثر مما يُدرِكُه بعضُ من ينتسِبون إلى الإسلام على حين غفلةٍ من العلم والفقهِ في الدين؛ ففي "الصحيحين" عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين! آيةٌ في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: "أيّ آية؟". قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة: 3]. قال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائمٌ بعرفة يوم الجُمعة".
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[يونس: 35].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، حُجَّاج بيت الله الحرام:
الأمةُ المُسلمةُ المُتميِّزةُ هي تلكم الأمة التي تتحقَّقُ لها ضرُورياتُها وحاجاتها وتحسينياتُها تحت ظلٍّ وارِفٍ من الرضا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولاً، وهي بمثل ذلك لا يُقوِّضُ بُنيانَها أزمةٌ، ولا يُعكِّرُ صفوَها ضيقٌ، ولا تُفترسُ يومًا تحت نابِ سبُعٍ عادٍ، أو تُجرَح بمخالبِ باغٍ مُتوحِّش.
كلا لا يمكن أن يكون ذلك لأمةٍ شاعَت بين ذوِيها روحُ الإخاء والعدل والإنصاف والإيثار والشَّفَقة والتواضُع لله ثم لخلقه، وإنما يقعُ في مثل ذلكم أممٌ تدثَّرَت بالصَّلَف والكبرياء والبُعد عن وحيِ الله، تستنشِقُ البغيَ والهوى والظلمَ والأنانية لتمثُلَ أمام حاضرٍ كريهٍ ومُستقبلٍ مُقلِق، فيسبِقُها خصمُها إلى إذلالها وكبتِ حُريَّتها التي اكتسبَتها من قُربها من خالقها ومولاها.
ألا إن من رأى واقع الأمة المسلمة اليوم فإنه سيرى بعين رأسه أن ذوِيها أفخَرُ ملبسًا، وأجسَمُ مطعمًا، وأرفهُ مركبًا عن ذي قبل، ولكن من يرى بعين فِكره ولُبِّه فسيرى كثيرًا منهم أقلَّ في الخصائص الروحانية أو أضعفَ وازعًا وأكثر شهواتٍ وشُبُهات، والذي من أجله كثُرت آلامُها ونُكِئَت جِراحُها، فصارَت تُعالِجُ غليانًا وهيجانًا تلعبُ به الريحُ ذات اليمين وذات الشمال، وهي تتلقَّى اللَّكَمات والوَكَزات في صياصِيها أو قريبًا من دارها، فلا تكادُ تُسيغُ ما يجري، ويأتيها الموتُ من كل مكان وما هي بميتةٌ - بإذن الله -.
والحقيقةُ أن هذا كلَّه لم يكن بِدعًا من الأمر ولا كان طَفرةً دون مُقدِّمات، إنما هو نتيجةُ ثُقوبٍ وشُرُوخٍ في سِياجِ الأمةِ الشَّامِخ تراكَمت على حين غفلةٍ من ترميمه وصيانتِه وتعهُّد احتياجات هذا السِّياجِ المَنيع، فادلهمَّت الخُطوب، وترادَفَت حلقاتُها حتى صارَت كل فتنةٍ تقول للأخرى: أختي أختي.
وقد لا يكون ذلكم مُستغربًا عقلاً وواقعًا؛ لأن النسيمَ لا يهُبُّ عليلاً على الدوام، ولكن المُستغرَب أن تضعَ الأمةُ كل علامات الاستفهام في مسامِعِها حينًا بعد آخر ثم لا تُلامِسُ تلكم الاستفهامات مظانَّ الأدواء، فيقعُ التطبُّبُ المذموم، وتُشحَذُ الهمَّة على إخراج الشوكة في حين إن الروحَ تُغرغِر، أو كمن يستطِبُّ زُكامًا لمن به جُذام، حتى يبيتَ الأمرُ من الخُطورة بمكانٍ بحيث يُوجِبُ البحثَ الحقيقيَّ عن الداء والأسبابِ المُفضِيَةِ إلى تلك التراكُمات والتَّدَاعيات التي تؤُزُّ المُجتمعات أزًّا شاءَت هي أم أبَت؛ لأن من البديهي أنه إذا عُرِف السبب بطل العجَب، وإذا أُحسِن التشخيصُ أُحسِن العلاج، فقد يكون السببُ تربويًّا أو اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو إعلاميًّا أو سياسيًّا، وأيًّا كان من ذلكم فإن لكل داءٍ دواءً، ولكل علَّةٍ شِفاءً.
وعندما يقعُ التقصيرُ في التداوي فإن المرض ما منه بُدٌّ، وما هو إلا كشفُ الإناء لكل لاعبٍ والِغٍ، ثم هي الفوضَى في الوِرْد والصدر، وعندئذٍ لا بُدَّ من تجرُّع النتيجة المُرَّة مأم
على شَرَق.
ومن مثلِ هذا يعرفُ العُقلاءُ قيمةَ التواصِي والاجتماع والوِحدة ونبذ الفُرقة؛ فدينُ الإسلام جامِعُنا، ومن أتانا في اجتماعنا فقد أتانا في ديننا، ومن أتانا في ديننا فقد أتانا في اجتماعنا.
ولقد حثَّنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أن نحذَرَ كلَّ عدوٍّ لنا وأن نتَّقِيَه ما استطعنا؛ كيف لا وقد علَّمنا - صلوات الله وسلامه عليه - أن عدوَّ ديننا عدوٌّ لنا كائنًا ما كان؛ فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -: «اقتُلوا الوَزَغ؛ فإنه كان ينفُخُ على إبراهيم - عليه السلام - النار»؛ رواه أحمد، وأصلُه في "الصحيحين".
هكذا حذَّرَنا - صلوات الله وسلامه عليه - من أعدائنا حتى ولو كانوا حشراتٍ صغيرةً كالأوزاغ؛ بل إنه لم يُرتِّب أجرًا في قتل حشرةٍ أو دابَّةٍ كما رتَّب ذلك في قتل الوَزَغ، كماء عند مسلمٍ وغيره.
فإذا أردنا التغيُّر للأحسن والأكمل فلنتدبَّر قولَ الله: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد: 11].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
إن الأمةَ المسلمةَ إذا أرادت الاستقرار الأمنيَّ والأخلاقيَّ والسياسيَّ والإعلاميَّ فيجبُ عليها أن تكون صريحةً مع نفسها، مُعترِفةً بأخطائها، عازمةً على المُضِيِّ قُدُمًا في كل ما من شأنه سدُّ ثُلمتِها ولمُّ شعَثِها واجتماعُ فُرقتها، ولن يكون ذلكم دون وُضوح، كما أنه لن يتم من خلال مبدأ الانتقائية، أو مبدأ القائل: أصمُّ عن الأمرِ الذي لا أريدُه، وأسمعُ خلقَ الله حين أشاءُ.
لأن مثل هذا المبدأ يُؤخِّر يوم الاستقرار ولا يُقدِّمُه، أو يقودُ إلى الغرق في بحرٍ لُجِّيٍّ يغشاهُ موجٌ من فوقه موجٌ م فوقه سحابٌ من الفتن المُتلاطِمة التي تُعيقُ عجلَةَ التصحيح إن لم تئِدها برُمَّتها.
ألا وإن مصدر محَن أمة الإسلام من داخلها أشدُّ خطرًا من عدوِّها؛ لأن العدوَّ واحدٌ بخلاف الأصدقاء وبني المُجتمع فليسوا في البرِّ سواء، ولا يُدرِك عمقَ هذا إلا من وهبَه الله معرفةَ لحنِ القول الذي ينخُرُ في جسَد الأمة وله وقعٌ في نفسها أشدُّ من وقع سِهام عدوِّها، والنوائبُ والمُدلهِمَّات هي التي تُقرِّرُ العدوَّ من الصديق، لتُدهَشَ الأمةُ حينما تجِدُ اللسانَ لسانَهم، والفُؤادَ تُجاهَ عدوِّهم، الجسدُ مُخالط والقلبُ مُفارِق.
وأمثالُ هؤلاء لا يُكشَفون إلا في الأزمَات، أمثالُهم سببُ الفُرقة حالَ الرغبة في الاجتماع، وهم سببُ الفُتوق حال استِجلابِ الرُّتُوق، ولقد أحسن من قال:
وكان بنو عمِّي يقولون: مرحبًا
فلما رأوني مُعسِرًا ما تمرحَبوا
أمثالُ هؤلاء هم الذين حذَّرَنا منهم من حجَّت هذه الملايين اقتداءً به واتباعًا لسنته - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث جاء عنه عند البخاري ومسلم: قوله عن فتن آخر الزمان، وقد سأله حُذيفة بن اليمان قائلاً: وهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: «نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أجابَهم إليها قذفُوه فيها». قال: يا رسول الله! صِفهم لنا. قال: «هم من بني جِلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا ..» الحديث.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.



 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 10:33 PM   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مُباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى.
أما بعد:
فاتقوا الله - حُجَّاج بيت الله الحرام -، واجعلوا من حجِّكم وعيدكم هذا - أمة الإسلام - نقطةَ انطلاقةٍ من السيءِ إلى الحسن، ومن الحسَن إلى الأحسن، وأصلِحوا أنفسَكم من داخلها، واعلموا أن واقع المسلمين لا يُمكن أن يُصلَح خارجًا عنهم؛ لأن مُستقبل المسلمين يجبُ أن يُصنَع في بلادهم وعلى أرضِهم بكدِّهم وكدحِهم وأخلاقهم، بشغلِ أوقاتهم في كل ما من شأنه خدمةُ الإسلام والمُسلمين، حتى لا يرُوغَ بعضُهم على بعض، ويشغَلَ بعضُهم بعضًا في التهويش والتحريش، ولئلا يُبطَلَ الحقُّ ويُغمَطَ الناس، واللهَ اللهَ في تنقيةِ المُجتمعات من شوائِبِها.
فاحرِصوا على الإعلام، واجعلوه منارةً لكل ما يفيد، وسِياجًا منيعًا ضدَّ كل دَخيلٍ لا نفعَ فيه؛ فإن الإعلام سِلاحٌ ذو حدَّين أصدقُهما وأنفعهُما ما قادَ إلى الخير وعمَّ بالنفع ولهَجَ بالصدق والتثبُّت والبُعد عن الكذِب والتضليل؛ لأنه قِوامُ المُجتمعات ومِرآتُها، فمن أراد أن يرى حُسن صورته فلا ينظر إلى مِرآةٍ مُتهالِكة.
كما أنه ينبغي علينا جميعًا أن نُعطِي كل ذي حقٍّ حقَّه، وألا نبخَسَ الناسَ أشياءَهم، لا سيما المرأة المسلمة؛ لأنها محطُّ الأنظار في هذه الآوِنة، فلنتذكَّر وصيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في حجَّة الوداع، وأنها مخلوقةٌ حرَّةٌ لها حقوقٌ وواجبات وعليها حقوقٌ وواجبات، وجعل لها من الحقِّ مثل ما للرجل، وللرجل عليها درجة.
فاللهَ اللهَ في إنصافها بما أنصفَها الله به وأنصفَها به رسولُه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن المرأة هي أمِّي وأمُّك وأختي وأختُك وزوجتي وزوجتُك وبنتي وبنتُك، لها شأنٌّ في المُجتمع، فهي نصفُه وإنها لتلِدُ النصفَ الآخر فكأنها مجتمعٌ بأكمله.
كما أن من إنصافِ المرأة: عدمَ الزجِّ بها بما ليس من فِطرتِها وجِبِلَّتها وليس مما شرعَه الله لها، أو إقحامها فيما هو من خصائص الرجال دون مُراعاةٍ لقُدراتها العاطفية والبدنية والأُنثوية؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجَّة الوداع: «فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتُموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فُرُوجهنَّ بكلمة الله».
ألا فإن للمرأة عقلاً وجسدًا وروحًا ورأيًا وحقًّا، فأعطُوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
حُجَّاج بيت الله الحرام:
ها أنتم قد خرجتم من المُزدلِفة بقلوبٍ خاشِعةٍ مُطمئنَّة، تعلوكم السكينة، ويحدُوكم الرجاءُ، وليس السابقُ اليوم من سبَقَت به دابَّتُه، وإنما السابقُ اليوم من أحسنَ العملَ وأخلصَه لله فسبقَ إلى مغفرته ورِضوانه.
واعلموا - رحمكم الله - أن أول ما يُبدأُ به من الأعمال في هذا اليوم بعد الخروج من مُزدلِفة: أن يتوجَّه الحاجُّ إلى مِنَى بسكينةٍ ووقار فيرمِي جمرةَ العقبة بسبعِ حصَيَاتٍ، وهي أقربُ الجمرات إلى مكة، يُكبِّرُ مع كل حصاةٍ يرميها، ثم ينحَرُ هديَه إن كان عليه هَدي بأن كان مُتمتِّعًا أو قارِنًا، ثم يحلِقُ رأسَه أو يُقصِّرُ فيُحِلُّ من إحرامه، ويُباحُ له كلُّ شيءٍ حرُمَ عليه أثناء الإحرام إلا النساء.
ويبقى في حقِّ القارِنِ والمُفرِدِ: طوافُ الإفاضة وسعيُ الحجِّ إن لم يكن قد سعى مع طوافِ القُدوم.
وأما المُتمتِّعُ فيبقى عليه طوافٌ وسعيٌ غيرُ طوافِ العُمرة وسعيِها.
ثم بعد طوافِ الإفاضة يحِلُّ للحاجِّ كلُّ شيءٍ حرُم عليه بسببِ الإحرام حتى النساء، ولا يضرُّ الحاجَّ ما قدَّم أو أخَّر من أعمالِ يوم النَّحْر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سُئِل عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج» تسهيلاً للأمة ورفعًا للحرج - بأبي هو وأمي - صلوات الله وسلامه عليه -.
ثم يبيتُ الحاجُّ بمِنَى ليالي التشريق وجوبًا؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقوله: «خُذُوا عنِّي مناسِكَكم»، فيرمِي الجمَرات بعد الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إن لم يكن مُتعجِّلاً، يرمي كلَّ جمرةٍ بسبعِ حصَيَاتٍ، يبدأُ بالجَمرة الصغرى ثم الجمرة الوُسطى ثم الجمرة الكبرى.
فإذا أنهى الحاجُّ الرميَ والمبيتَ فإنه يطوفُ طوافَ الوداعِ وجوبًا، ويسقُطُ عن المرأة الحائض، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 200- 202].
وتذكَّروا - حُجَّاج بيت الله الحرام - بجمعِكم هذا يوم يجمعُ الله الأولين والآخرين على صعيدٍ واحدٍ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[الحاقة: 18]، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[مريم: 93- 95].
اللهم تقبَّل منا، اللهم تقبَّل منا، اللهم تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفورُ الرحيم، اللهم اجعل حجَّنا مبرورًا، وسعيَنا مشكورًا، وذنبَنا مغفورًا.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح ذاتَ بينهم، واكفِهم شرَّ أنفسهم وشرَّ الشيطان وشِركه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر إخواننا المُستضعفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينًا ومُؤيِّدًا وظَهيرًا.
اللهم هؤلاء عبادُك أتوك شُعثًا غُبرًا، يرجُون رحمتَك ويخشَون عذابَك، اللهم فاقبَل توبتَهم، اللهم فاقبَل توبتَهم، اللهم فاقبَل توبتَهم، وامحُ حوبتَهم، ورُدَّهم إلى أهلِهم سالمين غانِمين غير خزايا ولا محرومين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وأجزِل الفضلَ والمثوبَة لكل من ساهمَ في خدمةِ حُجَّاج بيتك الحرام، واجعل ما قدَّموه في موازين أعمالهم يوم يلقَونَك.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك، واتبعَ رِضاكَ يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل مواسمَ الخيرات لنا مربَحًا ومغنَمًا، وأوقات البركات والنَّفَحات إلى رحمتِك طريقًا وسُلَّمًا.
اللهم ما سألناك من خيرٍ فأعطِنا، وما لم نسألك فابتدِئنا، وما قصُرَت عنه آمالُنا وأعمالُنا من الخيراتِ فبلِّغنا.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2011, 12:44 AM   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

سُبُل المحافظة على الطاعات
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "سُبُل المحافظة على الطاعات"، والتي تحدَّث فيها عن المحافظة على الطاعات والتي تكون بالاستقامة عليها والثبات، والمُداومة على فعلها والمُسارعة في تأديتها، ومُجاهَدة النفس على العبادة والبُعد عن المحظورات.

الخطبة الأولى
الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلاَّم، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ الفلاح في الدنيا وفي الأخرى.
أيها المسلمون، حُجَّاج بيت الله:
هنيئًا لكم على نعمةِ إتمامِ النُّسُك - بحمد الله - بسلامةٍ وعافيةٍ وراحةٍ واطمئنان، أتمَّ الله - جل وعلا - على جميع المؤمنين النِّعَم ودفعَ عنهم النِّقَم، وجعل الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبًنا ذنبَكم مغفورًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
الحجُّ المبرورُ يُكفِّرُ الله به السيئات، ويرفعُ به الدرجات، ويُدخِلُ به الجنَّات، ولكن للحجِّ المبرورِ علاماتٌ يُعرفُ بها، ذكرَها أهلُ العلم من خلال استقراء النُّصوص من القرآن والسنَّة.
ألا وإن أعظم تلك العلامات: أن يستقيمَ العبدُ على طاعة الله - جل وعلا -، وأن يرجِعَ الحاجُّ راغبًا في الآخرة، مُشمِّرًا إلى المُسارعة إلى الأعمال الصالحة، مُلتزِمًا طاعةَ الله - جل وعلا - حتى الممات؛ استِجابةً لقول الله - جل وعلا -: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
نعم؛ إن من علامات قبول الطاعات - ومنها الحجُّ -: الاستقامةَ الدائمةَ على البرِّ والتقوى، وربُّنا - جل وعلا - يقول لمن غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر - وهو أمرٌ لأمَّته -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[هود: 112]، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ[فصلت: 6].
جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم».
أيها المسلمون:
إنها الاستقامة التي تتضمَّنُ كمالَ الذلِّ لله - جل وعلا - وتمام المحبَّةِ له - عزَّ شأنُه -، مع الصبر على فعلِ المأموراتِ واجتِنابِ المحظورات، والصبر على المقدورات، مع اتباعِ محاسنِ الأخلاق ونبيلِ الصفات.
جاء رجلٌ إلى الحسن البصري، فقال له: إن جزاء الحجِّ المبرور المغفرة. فقال له الحسن: "آيةُ ذلك: ألا يقودَ إلى سيِّئِ ما كان عليه من العمل".
وذكرَ ابنُ رجبٍ وغيره أن رجلاً حجَّ ثم باتَ مع قومه في مكة، فدعَته نفسُه إلى معصية الله، فسمِعَ هاتِفًا يقول: يا هذا! ألم تُحُجَّ؟! فجعل الله ذلك سببًا لعِصمته من ذلك الذنب.
أيها المسلمون:
إنه وإن كان الحجُّ له جزيلُ الثواب وعظيمُ الأجر؛ فإن أعظم ما ينبغي أن يُعتَنى به في هذه الحياة اغايةُ العُظمى، وهي: تحقيقُ الإيمان لله - جل وعلا -.
سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيِّ الأعمال أفضلُ؟ قال: «إيمانٌ بالله، ثم جهادٌ في سبيل الله، ثم حجٌّ مبرور»؛ وهو في "الصحيحين".
فالإيمانُ بالله - جل وعلا - هو الغايةُ التي خُلِق الخلقُ من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، إنه الإيمانُ المُتضمِّنُ تحقيقَ التوحيد بإفراد الله - جل وعلا - بالعبادةِ والخوفِ والرجاء والإنابةِ والتوكُّلِ والدعاء، فالمؤمنُ الصادقُ هو الذي لا يعبُدُ إلا الله - جل وعلا -، ولا يدعُو ويسألُ إلا ربَّه - سبحانه -، فلا يطلُبُ كشفَ ضُرٍّ ولا جلبَ نفعٍ إلا من الله - عز وجل -، فغربُّنا - جل وعلا - يقول: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106]. والآياتُ في هذا كثيرةٌ جدًّا.
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعودٍ يقول: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخل النار»؛ رواه البخاري.
وخرَّج مسلمٌ من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ، ومن لقِيَه يُشرِكُ به شيئًا دخلَ النارَ».
إنه الإيمانُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعته فيما أمر، واجتِنابِ ما نهى عنه وزجَر، وألا يُعبَدَ الله - جل وعلا - بشيءٍ إلا بما شرَعَه وقرَّرَه بقوله أو فعله أو تقريره.
وأما المُجاهَدة في سبيل الله؛ فإن أعظمَها: مُجاهَدةُ النفس على طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى أحمد - بإسنادٍ حسن -، ورواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُجاهِد من جاهدَ نفسَه في سبيلِ الله».
جاء رجلٌ إلى أحد كِبار الصحابةِ فقال له: إني أريدُ أن أغزُو. فقال: "عليك أولاً بنفسك فاغزُها، وعليك بنفسِك فجاهِدها في سبيل الله".
ألا وإن أعظمَ المُجاهَدة: أن يُجاهِدَ الإنسانُ نفسَه على فعل المأمورات؛ ومن ذلك: المُحافَظة على الصلوات المفروضة، وألا يُشغِلَ الإنسانَ عنها شيءٌ إلا لعُذرٍ قاهرٍ.
جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم - أنه قال: «ألا أدلُّكم على ما يمحُو اللهُ به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟ إسباغُ الوضوء على المكارِه، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ».
ألا وإن أعظم المُجاهَدة للنفس: أن يحفَظ الإنسانُ نفسَه - لسانًا ويدًا وجوارِح - من أن يُؤذِيَ إخوانَه المؤمنين بقولٍ أو فعل؛ فإن من أعظم ما يُكدِّرُ الحسنات حقوقُ المخلوقين، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «المُهاجِر من هجرَ ما نهَى الله عنه، والمُسلمُ من سلِمَ المُسلِمون من لسانِه ويدِه».
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حذَّرَنا من الإفلاس الحقيقي، حينما قال: «أتدرُون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ هو من لا دِرهَم عندَه ولا دِينار. قال: «المُفلِس: هو من يأتي بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ، ثم يأتي يوم القيامة وقد شتمَ هذا، وضربَ هذا، وأخذَ مالَ هذا، فيأخُذُ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه أُخِذ من سيئاتهم فطُرِحت عليه، فطُرِح في النار».

أيها المسلمون:
إن من المُجاهَدة للنفس: أن يكون الإنسان ذا همَّةٍ عالية، ونفسٍ شريفةٍ توَّاقةٍ إلى فعل الخيرات، فصحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمِعوا قولَ الله - جل وعلا -: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة: 148]، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[الحديد: 21] حرِصَ كلُّ واحدٍ أن يكون هو المُسارِع المُسابِقَ لغيره في ذلك.
يقول عمر - رضي الله عنه -: "ما استبَقنا إلى خيرٍ إلا سبَقَنا إليه أبو بكرٍ" - رضي الله عن الجميع -.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا حسدَ إلا في اثنتَيْن: رجلٍ آتاه الله مالاً فهو يُنفِقُ منه سرًّا وجهرًا، ورجلٍ آتاه الله القرآن فهو يتلُوه ويُعلِّمُه آناءَ الليل وناء النهار».
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت: 30].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والهُدى والفُرقان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-19-2011, 01:25 PM   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

ما بعد الحج



ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "ما بعد الحج"، والتي تحدَّث فيها عما يعقُب مناسكَ الحج من المُداومة على الطاعات، والمُسارعة إلى فعل الحسنات وترك السيئات، وأشادَ بجهود خادم الحرمين والقائمين على تيسير المناسك للحُجَّاج والمُعتمرين، ونبَّه على ضرورة تعلُّم آداب وأحكام زيارة المسجد النبوي الشريف.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمده - سبحانه - أكمل لنا المناسك وأتمَّ، وأسبغَ على الحَجيج فضلَه المِدارارَ الأعمَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسمُو بها إلى أعلى القِمَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى من أدَّى المناسِكَ وطافَ بالبيت العتيق وأمَّ، وأبانَ معالمَ الدين ورسَم بأبلغِ عبارةٍ وأوجزِ الكلِم، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهارِ صفوةِ الأُمَم، السالكين النهجَ القويمَ الأَمَم، وأصحابِه الأخيارِ أُسدِ العَرين ولُيُوثِ الأَجَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما قصدَ المسجدَ الحرام حاجٌّ والتزَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله! حُجَّاج بيت الله الحرام:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى؛ فإنها أنفسُ الذخائِر، والأثرُ الجليلُ لما أدَّيتُم من أعظم الشعائر، فتقوى الله - سبحانه - ضياءُ الضمائر، ونورُ البصائر، وترياقُ السرائر، وخيرُ عاصمٍ من الجرائر، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197].

يريدُ المرءُ أن يُؤتَى مُناهُ ويأبَى اللهُ إلا ما أرادا
يقول المرءُ: فائدتي ومالي وتقوى اللهِ أعظمُ ما استفادا
وفودَ الرحمن! أيها الحُجَّاج الكرام:
منذ أيامٍ قلائل نعِمتم بإكمال مناسكِ الركنِ الخامسِ من أركان الإسلام، وأحدِ مبانيه العِظام، في أجواءٍ إيمانية سعيدةٍ، وأوضاعٍ أمنيَّةٍ فريدة، فاقدُرُوا هذه النعمةَ الكبرى التي يغبِطُكم عليها سائرُ الأمم، واشكروا المولى - سبحانه -؛ حيث أفاضَ عليكم أزكَى المِنَن والنعَم، وغمَرَكم فضلُ الباري بالحجِّ إلى البيت الذي جعله مثابةً وأمنًا للناس، وفي ذلك الأجرُ الجزيلُ بغير قياس، وعلى إثر ذلك ودَّعَت أمتُنا الإسلامية مناسبةَ عيد الأضحى الغرَّاء، وأيامَه العبِقَة الزهراء؛ إذ المقامُ بعدئذٍ مقامُ شكرِ المُنعِم - سبحانه -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[إبراهيم: 7].
فاشكروه تعالى حقَّ شكره، واذكروه - جل وعلا - حقَّ ذكره؛ فقد وقفتُم بأزكى البِطاح ترجُون غفرانَ الذنوب والجُناح، وتأمُلون الفوزَ بالأجر والفلاح، وقد نقعتُم أنفسَكم وأرواحَكم في مُغتسَل المغفرة ونفحاتها، وسحجتُم الآثامَ بشآبيب الرحماتِ وهبَّاتها، تدعون ربَّكم بألسنةٍ طاهرة وقلوبٍ خاشعة ونفوسٍ مُنكسِرةٍ ضارِعة وأعيُنٍ بالعَبَرات سكَّابةٍ دامِعة.
عيونٌ إلى الرحمنِ ترنُو ضراعةً فينهَلُّ فيضٌ من مدامِعِها سكبًا
حجيجٌ كموجِ البحر في زحمةِ التُّقَى يُلبِّيه ربُّ العالمين إذا لبَّى
فعلى صعيدِ عرفاتٍ لهَجتُم إلى الله بالتجاوُز عما كان من السيئات وفات، ووقفتُم - أحبَّتنا الحُجَّاج - موقفَ المُفتقِر المُحتاج، فأحرزتُم غايةَ الحُبور والابتِهاج، ونحرتُم الأضاحِيَ والهدايا بمِنَى، ورميتُم الجمرات للمُنى، وحلَّقَت أرواحُكم في أنداء الصفا بالسعي بين المروة والصفا، وعند الركن والمقام انهلَّت منكم العبَراتُ السِّجام.
وعند الرُّكنِ تنحسِرُ الخطايا مُلملِمَةً جوانِحَها انهِزامًا
فتنشرِحُ الصدورُ بطِيبِ ذكرٍ أماطَ الكربَ عنها والقَتَاما
ومن كان بهذه المثابة؛ فأحرِ به أن يُكرِمَه المولى بعظيمِ الأجر والإنابة، وحقيقٌ به أن يعمُرَ بالبُرُور والقُرُبات أوقاتَه وأزمانَه، وأن يُطلِقَ دومًا للحسنات عِنانَه.
فهنيئًا لكم، ويا بُشراكم بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ خرَّجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الله أكبر؛ لكأنها كلماتٌ من لؤلؤ على بِساطٍ من سُندُس.
معاشر الحَجيج الأكارِم:
وها قد انعطفتُم في حياتِكم إلى عهدٍ جديدٍ، وميلادٍ مباركٍ سعيد، مُشرِقةٍ صفحاتُه، نقيَّةٍ أوقاتُه، سنيَّةٍ ساعاتُه، وها قد انقَضَت المناسِك؛ فماذا بعدُ أيها الناسِك؟!
ألا فالزَموا المُداومَةَ على الأعمال الصالحة والثبات، والاستقامةَ عليها حتى الممات، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وتزوَّدوا - يا رعاكم الله - من مناهلِ حجِّكم بالتوبة النَّصوح واليقين المتين، والنفسِ الزكيَّة، والسجايا السنيَّة لخوضِ غِمار الحياة بصالح الأعمال وخالصِ النيَّة، وحُسن استثمار هذه الدنيا الدنيَّة.
قيل للحسن البصري - رحمه الله -: ما الحجُّ المبرور؟ قال: "أن تعودَ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة".
أمةَ الإسلام، حُجَّاج بيت الله الحرام:
ومُقتضى الحجِّ المبرور: التغييرُ إلى مرافِئِ الرُّقِيِّ والحُبُور، وذلك بالاعتصام بحبل الله المتين، والتوادُدِ والاتفاق ونبذِ التنازُع والافتراق، والتواصِي بالصلاحِ ومكارمِ الأخلاق، واجتِنابِ المُوبِقات والمُنكراتِ ودواعِي النفاق.
فطهِّروا ألسنتَكم من الكذبِ والغِيبَة والآثام، ومنكرِ القولِ والشِّتام، وزكُّوا قلوبَكم فإنها محلُّ نظرِ ذي الجلال والإكرام.
فيا حُجَّاج بيت الله كونوا على المنهاجِ روَّادًا عِظامًا
وتلك العُروةُ الوُثقى شِعارٌ فلا ترضَوا لعُروتها انفِصامًا
معاشر المسلمين، والحُجَّاج الميامين:
ولا بُدَّ لهذه المناسبة الكريمة ومناسِكِها العظيمة أن نستلهِمَ منها الآيات والعِبَر، والتذكُّر في صُروفِ الدَّهر وما له من غِيَر؛ فإن هذه الفريضةَ العظيمةَ منبعٌ ثرٌّ للتسامُح والتحاوُر، والتضامُن والتشاوُر، تتجلَّى فيها أسمَى صور الأمة الواحدة التي اجتمعَت على هدفٍ واحد، فلا ينبغي أن يمرَّ موسمٌ إلا وتعلَّمَت الأمةُ من هذا التجمُّع الكبير دروسًا بليغة، وخرجَت بطاقاتٍ فريدة، تُستَمَدُّ من هذه الجُموع المُبارَكة.
وأرضُ الحرمين - حرسَها الله - منحَت العالمَ - بفضل الله - صُور المُسامَحة والتعاوُن، وقِيَم الأمن والأمان، وكم في هذه الفريضة من المشاهد الإسلامية والإنسانية، والصُور الحضارية التي لا تظهر إلا في هذه البِقاع الطاهرة، لتُدرِكَ الأمة أنها بغير الإيمان والعقيدة وبدون الاعتصام بالكتاب والسنة لن ولا ولم تكن شيئًا مذكورًا، وأن عواملَ الخلافِ والفُرقة لن تحمِلَ غيرَ الشتاتِ والضياع.
وإننا باسم الأمة الإسلامية قاطبةً لنُناشِدُ من مهبِطِ الوحي ومنبَعِ الرسالة قادةَ الأمة وشُعوبَها القيامَ بدورهم التأريخي في العمل على بثِّ الأمن والاستقرار في مُجتمعاتهم، ونبذِ العُنفِ والقمعِ والقتلِ والعُدوان، ورفعِ الظلمِ والبغيِ والطغيان، مُدرِكين أن الوعيَ الحَصيفَ هو السبيلُ - بعد الله - لاختيار طريق التوحيد والوَحدة لا التخبُّط والاضطرابِ والفَوضَى.
فالتحدِّيات المُتسارعة، والمُتغيِّراتُ المُتلاحِقة لهذه الأمة تستدعِي منها أن تعِيَ مخاطرَ المُستقبَل فتستشرِفَه بكل ثقةٍ واقتِدار، وها هو الزمانُ يسيرُ بنا سيرًا حثيثًا ولسانُ العِبَر والعِظات يتلُو علينا كلَّ يومٍ حديثًا، عروشٌ زالَت، ودولٌ دالَت، وأخرى انتصَرَت وقامَت، وكذا ذو المَنون تعثامُ الخِيَرة الأعلام والأعِزَّةَ الكرام والأقارِبَ والأرحام، أسكنَهم الله فسيحَ الجِنان، وجزاهم عنا وعن المسلمين أعظمَ الأجر والإحسان. وهكذا الدنيا راحلٌ بعد راحِل، وعِبَرٌ لكل مُتدبِّرٍ عاقل.
فكونوا - يا عباد الله الكرام، ويا حُجَّاج بيته الحرام - من المُشمِّرين للدار الآخرة، الساعين للمنازل العالية الفاخِرة.
أيها الإخوة المؤمنون:
ومن شُكر المُنعِم المُتفضِّل - جل جلاله -: التحدُّث بما حبَى الله بلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله - من شرفِ خدمةِ الحُجَّاج مُحتسِبَةٍ الأجرَ والمثوبةَ من الله - جلَّ في عُلاه -، ومُضيِّها في خدمةِ ضُيوف الرحمن مُستمِدَّةٍ العونَ من المولى - تبارك وتعالى -، فخدمةُ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ورعايةُ أمنِهم وطمأنينتهم تقعُ في أعلى مسؤولياتها وقمة اهتماماتها، مُستشعِرةً في ذلك عِظَمَ الأمانة المُلقاةِ على عاتقها.
ومن فضل الله وتوفيقه تحقيقُها النجاحات المُتميِّزة في تقديم منظومةِ الخدماتِ المُتألِّقة في الجوانب كافَّتها، وهنا لا بُدَّ من إزجاء تحيةِ اعتزازٍ وتقدير، ودعاءٍ وتوقير للقائمين على شؤون وفود الرحمن بكل حِذقٍ وتفانٍ أن يجزِيَهم الله - سبحانه - خيرَ الجزاء وأوفاه، وأعظمَه ومُنتهاه.
والدعاءُ موصولٌ للجُنود المجهولين الساهرين على خدمةِ الحَجيجِ وراحتهم على تنوُّع اختصاصاتهم، لا سيَّما في لجنة الحجِّ العُليا والمركزية والأمنية والعلمية والدعوية والصحية، لا حرمَهم الله ثوابَ ما قدَّموا، وأجرَ ما أحسَنوا، كِفاءَ ما أجدَعوا واجتَهدوا لإنجاحِ هذا الموسمِ العظيم باقتِدار، على الرغمِ من المحدودية المكانية والزمانية والظروفِ الإقليمية والمُتغيِّرات الدولية.
وإننا باسم جُموع حُجَّاج بيت الله العتيق لنرفَعُ التهانِيَ مُضمَّخةً مُعطَّرة، والدعواتِ صادقةً مُؤرَّجَة لمقام خادم الحرمين الشريفين ووليّ عهده الأمين - حفظهما الله -، وللأمة الإسلامية جمعاء على ما منَّ به - سبحانه - من نجاحِ موسم حجِّ هذا العام بامتياز، فلله الحمدُ والفضلُ والشُكر على ما أنعمَ وجادَ، ووفَّق للسداد والرشاد، والأمن والاستقرار والإسعاد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 200- 202].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافةِ المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-19-2011, 01:28 PM   رقم المشاركة : 58

 

الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ التوفيق والإصابة، أحمده - سبحانه - خصَّ من شاء من عباده بالحجِّ المبرورِ والمغفرة والإنابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها من الرحمن دعوةً مُجابة، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله ذو القدرِ العليِّ والذاتِ المُهابَة، خيرُ من درَجَ على ثرَى أمِّ القُرى والمدينةِ طابَة، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ الأطهارِ ذوِي المكارِمِ والنجابَة، وصحبِه الأخيار أُولِي النفوس الأبِيَّةِ المُستطابة، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى، واعتصِموا لذلك بالعُروة الوُثقى، واعلًَموا - رحمكم الله - أن المولى - سبحانه - بعثَ فيكم رسولَه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لتُعزِّرُوه وتوقِّروه، فيا بُشرَى من أجابَ دعوتَه ومُنادِيَه، وأفلحَ من امتثلَ أوامِرَه واجتنبَ نواهِيَه.
أيها الحُجَّاج الميامين:
وبعد أن قضيتُم مناسِكَكم، وزعمَ بعضُكم على زيارة مسجدِ المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وشدَّ لذلك المَطايا والرِّحال، هنيئًا لكم الحِلُّ والتَّرْحال، وليكن من بعلمٍ وحُسبان أن الزيارةَ ليست من واجباتِ الحجِّ وأركانه، وليس في تركها انثِلامُه أو نُقصانُه؛ بل الحجُّ - بفضل الله - تامٌّ صحيحٌ، وصاحبُه ذو عملٍ نَجيح، وأجرٍ عميمٍ رَبيح، وما يُذكَر من روايات ارتباطِ الزيارةِ بالحجِّ ضعيفةٌ موضوعة، أو واهيةٌ مصنوعة.
ولكن من زارَ طيبةَ الطيبة قُربةً واحتِسابًا وحُبًّا لتلك المرابِعِ لُبابًا أثابَه الباري أجرًا وثابًا؛ أليست هي مأرِزَ الإيمان، ومُهاجَرَ سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام الأتمَّانِ الأكملان -؟!
هذي دُونَكم طيبَةٌ ورُبُوعُها قد بُورِكَت في العالمين رُبوُعًا
هذي المدينةُ قد تألَّقَ فوقَها تاجٌ يُرصَّعُ بالهُدى ترصيعًا
هي مأرِزُ الإيمان في الزمنِ الذي يشكُو بناءُ المكرُماتِ صُدوعًا
فيا أيها الزوَّار الأخيار:
وأنتم تقدُمون مدينةَ المُصطفى المُختار - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - تذكَّروا وجوبَ اتباعِ سُنَّته واقتِفاء محجَّته والارتِواءَ من سيرته؛ لأن في اتباعه الهُدى والصلاح والفوزَ والفلاح، وفي التمسُّك بسُنَّته السنيَّة وسيرتِه المُشرِقَة البهيَّة الشمسُ الساطِعة، والمِشعَلُ الوضَّاء، والسَّنَى المُتلألِئُ الذي يُبدِّدُ غياهِبَ الانحِرافاتِ العقديَّة، والمُمارَساتِ السلوكية، والنَّعَراتِ الطائفيَّة، ويرتقِي بالأمة إلى ذُرَى القِمَم الاجتماعية والحيَويَّة.
وقد حذَّرَ المولى - سبحانه - من مُخالفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
ومُقتضى طاعته ومحبَّته - صلى الله عليه وسلم -: تعلُّم آداب زيارة مسجده الشريف وآداب السلام عليه وعلى صاحبَيْه - رضوانُ الله عليهما -، وآداب الإقامة في مدينته النبوية المُنوَّرة، لا زالت بالبركات مُحاطةً مُسوَّرة.
وختامًا - إخوة الإيمان -:
وأنتم في مهبِط الوحيِ على وداعٍ، ومن منبَع الرسالةِ على فِراقٍ والتِياع، لا نملِكُ إلا اغتِنام الفُرصة عن الضياع، مُردَّدين على الأسماعِ عبرَ الأصداءِ والأصقاع دعاءَ الأُخُوَّة والوداع: نستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالكم، زوَّدكم الله التقوى، وغفرَ ذنوبَكم، ومحا حُوبَكم، وحقَّق آمالَكم وسُؤلَكم، وبلَّغَكم مرادَكم ومأمولَكم، وجعل حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وأعادَكم إلى أهلِكم وديارِكم سالمين غانِمين مأجُورين غيرَ مأزورين، فرِحين مُستبشِرين، وعلى الطاعةِ دائبين، وعلى الاستقامةِ دائمين، إنه سميعٌ مُجيب.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خيرِ الورَى الحبيبِ المُجتبَى والرسولِ المُرتَضَى، كما أمركم المولى - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»؛ خرَّجه مسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
صلَّى عليك الله ما قرأَ الورَى آيَ الكتابِ وسُورةَ الفُرقانِ
مِنَّا السلامُ عليك ما هبَّ الصَّبَا فوقَ الرُّبَى وشقائقِ النُّعمانِ
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعةِ الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، والمُسافِرين في برِّك وبحرِك وجوِّك أجمعين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.
اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفَين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيَته للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانَهم وأعوانَهم إلى ما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللهم اجزِهم خيرَ الجزاءِ وأوفرَه جزاءَ ما قدَّموا ويُقدِّمون لخدمةِ حُجَّاج بيتك الحرام.
اللهم اجعل ذلك في موازين أعمالهم وصفحات حسناتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى، واجعلهم لشرعِك مُحكِّمين، ولسنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبعين، ولأوليائك ناصِرين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، واحفَظ أمنَهم وإيمانَهم واستقرارَهم في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من المُحتلِّين المُعتدين، اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتدين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبرين يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر لفقيد الأمة الإسلامية سلطان بن عبد العزيز، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم ارفَع درجاته في المهديِّين، اللهم ضاعِف حسناته في علِّيِّين، اللهم اخلُفه في عقِبِه في الغابِرين، اللهم اغفر لنا وله ولسائر المسلمين ولموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِث قلوبَنا بالإيمان واليقين، وبلادَنا بالخيرات والأمطار والغيثِ العَميم.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وجميعِ المسلمين الأحياءِ منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:00 PM   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

ثبات الإسلام واستقراره
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 22/12/1432هـ بعنوان: "ثبات الإسلام واستقراره"، والتي تحدَّث فيها عن دين الإسلام ومدى ثبات مبادئه ورُسوخ معالمه، مُقارنةً بواقع من لم يتمسَّك به ولم ينتهِج مناهجه، وذكَّر في ثنايا خطبته بما أفسدَ دين الإسلام؛ من السحر والكهانة، والغلو والتطرُّف، وغير ذلك.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي أتمَّ على عباده حجَّ بيته الحرام، ويسَّر لهم السعيَ في ربوعٍ درَجَ فيها الأنبياءُ - عليهم السلام -، فتلك عرفاتُ ومِنَى وهذا زمزمُ وذاك المقام، معالمُ للإسلام، ورُسومٌ لأنبياءٍ وأديان غبَرَت بها السنُونُ والأيام، وبقِيَت معالمُ تُذكِّرُ اللاحِقَ بالسابقِ من الأنام، استحضارٌ للأزمِنة، واستِنطاقٌ للأمكِنة بما مرَّ على ثَرَاها من أنبياء، وبما أُنزِلَت على جبالها من سُوَر، وأُرسِيَت عقائد، وشُرِع على سُفُوحها من شرائع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ختمَ الله به النبوَّات فنِعمَ الخِتام، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أما بعد، أيها المسلمون:
حجَّاج بيت الله الحرام! في هذه الحياة نُظُمٌ ومناهجُ وأفكار، وبناياتٌ سامِقةٌ تراها كأعالي الأشجار، وحين تهبُّ الرياحُ العواصِف وتثورُ الزلازلُ القواصِف تنهارُ الصورُ الزائفة، وتسقُطُ البناياتُ المُشيَّدة وينكشِفُ عيبُها وخلَلُها.
والمُتأمِّلُ اليوم يرى تسارُعًا في انهياراتٍ مُتعدِّدة؛ في المال والاقتصاد، والحكم والسياسة، والأفكار والمناهج، ويرى حيرةً كُبرى لأرباب المال، ودهاقِنة السياسات، ثم يلتفِت فيرى بناءَ الإسلام ثابتًا مُستقرًّا، أصلُه ثابتٌ وفرعُه في السماء.
حين تتأمَّل مبادئ الإسلام في كل الجوانب ترى قِيَمًا راسِخَة البُنيان، عصيَّةً على الذوَبان؛ في العقيدة والفِكر، والعبادة والتشريع، والأخلاقِ والسلوك، صالحةً لكل زمانٍ ومكان، وهو تأمُّلٌ يجبُ على المسلم أن يتذكَّر فيه فضلَ الله عليه، ويستشعِرَ قيمةَ دينه وإنعامَ الله به عليه.
أيها المسلم:
لم يُنعِم اللهُ عليه نعمةً هي أوفَى ولا أمنَّ ولا أسبغَ من كونك مُسلمًا لله مع المسلمين، لا تسجُد لشجرٍ أو حجر، ولا تذِلُّ لحيوانٍ أو جمادٍ أو بشر، ولا تعبدُ غيرَ الله، فاهنأ بإسلامك، وانعَم بإيمانك؛ فقد هداك الله يوم ضلَّ غيرُك، وأرشدَك حين تاهَ سِواك، وأعِد التأمُّل والمراجَعة مُستمسِكًا بأساس دينك وقاعدة إيمانك، عارِفًا فضلَ إسلامك وعاقبةَ توحيدك، مُستبشِرًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذٍ - رضي الله عنه -: «ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صِدقًا من قلبه إلا حرَّمَه الله على النار»؛ رواه البخاري.
وعنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخل الجنة»؛ رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون:
ولهذا التوحيد معالمُ رسمَها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوضحَ أعلامَها، ولهذه البُشرى شواهِدُ بيَّنها وأرسَى أركانَها، حريٌّ بالمُسلم أن يستمسِكَ بغَرزِها، وأن يحذَرَ التفريق حتى لا يحبَطَ عملُه، أو يضِلَّ سعيُه؛ فكم من تائهٍ وهو لا يدري، وكم من ضالٍّ يظنُّ أنه مُهتدِي؟!
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن معاذًا - رضي الله عنه - قال: بعَثَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فقال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمهم أن الله افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمهم أن اللهَ افترضَ عليهم صدقةً تُؤخَذُ من أغنيائهم فتُردُّ في فُقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياكَ وكرائم أموالهم، واتقِ دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حِجابٌ»؛ أخرجه البخاري ومسلم.
لقد جعلَ أصولَ الإيمان: التوحيدَ، ثم الصلاةَ، ثم الزكاةَ، ثم حِفظَ الحقوق ومبدأ العدل المُطلق.
أيها المسلمون:
لقد كرَّم الله الإنسان، وشرعَ له ما يربَأُ به عن الخُرافات أو التعلُّق بالأوهام، وجعله حُرًّا لا يتعلَّقُ إلا بالله خالِقِه، وجعل التعلُّق بغير الله يُنافِي التوحيدَ اعتقادًا وعملاً؛ فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لعنَ الله من ذبحَ لغير الله، ولعنَ الله من آوَى مُحدِثًا، ولعنَ الله من لعنَ والديْه، ولعنَ الله من غيَّر منارَ الأرض»؛ رواه مسلم.
كما حذَّرَ من النذر لغير الله، وجعله من عمل المُشرِكين؛ قال الله تعالى في كتابه المُبين: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[الأنعام: 136].
ومن معالم هذا التوحيد: الاستعاذةُ والاستجارةُ بالله وحده دون سِواه؛ قال - سبحانه -: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[الجن: 6].
ومن محاسن الدين القَويم: أن المسلمَ لا يدعو ولا يرجُو إلا الله، فليس بين المسلم وبين ربِّه وسائط؛ قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[الأعراف: 55]، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر: 60].
فسمَّى الدعاءَ عبادة، وأمرَ رسولَه بإخلاصه له، فقال: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي[الزمر: 14]، وقال: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[يونس: 106، 107]، وقال - سبحانه - لمن دعا غيرَه: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[العنكبوت: 17]، وقال - سبحانه -: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[الأحقاف: 5].
بل سمَّى اللهُ دعاءَ غيره شِركًا؛ قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر: 13، 14].
عباد الله:
إن مما أفسدَ الدين وحرفَ التديُّن: الغلوُّ والتنطُّع، والمُبالغةُ بغير علم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلكَ من كان قبلَكم الغلوُّ في الدين»؛ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بإسنادٍ صحيحٍ. ولمُسلمٍ: «هلكَ المُتنطِّعون». قالها ثلاثًا.
والله تعالى يقول: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ[النساء: 171].
ومن الغلوِّ: الغلوُّ في تعظيم الأولياء والصالحين أو تعظيم آثارهم، وقد حذَّرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، فقال: «لا تُطرُوني كما أطرَت النصارَى ابنَ مريم؛ فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه»؛ رواه البخاري.
وعن شقيقٍ عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من شِرارِ الناسِ: من تُدرِكُه الساعةُ وهم أحياء، ومن يتَّخِذُ القبورَ مساجد»؛ رواه الإمامُ أحمد.
عباد الله:
دينُ الإسلام كلُّه حسنٌ، وما نهى اللهُ عن شيءٍ إلا لضرره على الأفراد والمُجتمعات مما يُبطِلُ الإيمانَ ويُوبِقُ الإنسان؛ كالسحر وإتيان الكُهَّان؛ قال الله تعالى: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[طه: 69]، وقال: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ[البقرة: 102]، وقال - سبحانه -: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[البقرة: 102].
وكم تعلَّق بهذه الأوهام أُناسٌ أضاعوا دينَهم ودُنياهم، وانحدَرَت عقولُهم إلى درَكٍ من الخُرافات جعلوها دينًا ومنهجًا. فالحمدُ لله الذي كرَّمَنا بالإسلام.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنِبوا السبعَ المُوبِقات». قالوا: يا رسولَ الله! وما هنَّ؟ قال: «الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذفُ المُحصنات الغافلات»؛ رواه البخاري ومسلم.
وعند مسلمٍ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين ليلة». وعند أبي داود: «من أتى كاهِنًا فصدَّقَه بما يقول فقد برِئَ مما أُنزِل على محمد».
أيها المسلمون:
ومن معالم الدين الحِسان: الارتقاءُ بالمحبة والعواطِف والولاء والتناصُر في وقتٍ سفُلَت بأهل الدنيا مبادئهُم، فأصبحَت المحبَّةُ والمُوالاةُ لأجل الدنيا ومصالحها؛ عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهُما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكرَه أن يعودَ في الكفر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار»؛ رواه البخاري ومسلم.

أيها المسلمون:
الدينُ دينُ الله والشرعُ شرعُه، والواجبُ على من بلغَه كلامُ الله وسنةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتبَعَ الحقَّ ويطرَحَ ما سِواه، ولا يتركَ القرآنَ والسنةَ لقول أحدٍ مهما كان، واللهُ تعالى يقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
وقد ذمَّ الله الذين أطاعوا أشياخَهم في مُخالفة أمر الله ورسوله، فقال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ[التوبة: 31].
قال عديُّ بن حاتم - رضي الله عنه -: لما سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية، قلتُ: يا رسولَ الله! إنا لسنا نعبُدهم. قال: «أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتُحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله فتُحِلُّونه؟». فقلتُ: بلى. قال: «فتلك عبادتُهم»؛ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي.
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:02 PM   رقم المشاركة : 60

 

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، يُنعِمُ بالحسناتِ ويعفُو عن السيئات، وأشهد أن إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله شهادةً عليها المحيا والممات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحابته ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها المسلمون:
وتوحيدُ الاعتقاد يستتبِعُ توحيدَ العمل، فيجبُ على المسلم أن يُحبَّ ربَّه ويُخلِصَ له ويُعوِّلَ عليه، وأن تكون مشاعرُ نفسه وخلَجَاتُ قلبه مُتَّجِهةً إليه لا تعدُوه إلى سِواه، المسلمُ لا يدعو إلا الله، ولا يعبُد غيرَه، ولا يُطيعُ إلا أمرَه، ولا يُنفِذُ إلا حُكمَه، يُحِلُّ ما أحلَّ، ويُحرِّمُ ما حرَّم، ويقِفُ عند ما حدَّ، ويتحرَّكُ وِفقَ ما طلَب.
المُسلمُ مُنتصِبُ القامةِ أمام كلِّ حيٍّ، فلا يحنِي ظهرَه إلا لله، ومعرفتُه لعظمة الخالق الأحَد ولهيمنَة الله التامَّةِ على الناسِ والكون تجعلُ مشاعِرَ الرغبَة والرهبَة مُستقيمةً في نفسه، فلا تنحرِفُ ولا تضطرب.
ومن أجل ذلك كان امتلاءُ القلب بعقيدة التوحيد أساسًا لخِلال القوة والعِزَّة لا ينفكُّ عنها مُؤمنٌ صادق.
عباد الله، حُجَّاج بيت الله الحرام:
وفي كلِّ خِتامٍ يستحضِرُ المسلمُ أن مِعيارَ القبولِ هو إخلاصُ العاملِ لله، ومُتابعتُه رسول الله، وفضلُ الله واسع، ومن علامة قَبول الحسنةِ الحسنةُ بعدها، وعلامةُ الحجِّ المبرور: أن تعودَ خيرًا مما كنت، ومن طهُرَت صحيفةُ عمله بالغُفران فليحذَر العودَ إلى دنَس الآثام؛ فالنَّكثةُ أشدُّ من الجُرح، وليكن من الخير في ازدياد، فإن ذلك من علامة القبول.
ثم الصلواتُ الزاكياتُ، والتسليماتُ الدائماتُ على أشرفِ خلق الله: محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المرضيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالحُجَّاج والمُعتمِرين، وأتِمَّ عليه الصحة والعافية، اللهم وفِّق وليَّ عهده وسدِّده وأعِنه على ما حُمِّل، واجعله مبارَكًا مُوفَّقًا لكل خيرٍ وصلاح.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وانصُرهم على من ظلَمَهم، اللهم سُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصرهم في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
اللهم اقبل من الحُجَّاج حجَّهم، وأجِب دعاءَهم، اللهم اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وأعِدهم إلى ديارِهم سالمين، اللهم تقبَّل منَّا ومنهم، وثبِّتنا وإياهم على الحق والهُدى، واختِم لنا بخيرٍ يا أرحم الراحمين.
نستغفرُ الله، نستغفرُ الله، نستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم ونتوبَ إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مُجلِّلاً نافعًا عامًّا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضرِ والبادِ.
اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:35 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir