يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-03-2010, 01:14 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 11
نزهة المشتاق is on a distinguished road


 

ويسعدني أن أنقل لكم عن تيارات ثقافيه مانصه عن ذلك العلم الراحل

ما يشبه التقديم.. للجزء الثاني من روايات عبدالعزيز مشري

بقلم / علي الدميني

تلتقي " البنى الأساسية " للروايات الثلاث المنشورة في هذا المجلد، حول ما يمكن وصفه بمحور " التناص الحياتي " بين السارد وسردياته ، فيتبدى لنا تماهي الروائي مع حياته في أعلى ذرى تتشابكها، من خلال شفافية المكاشفة والتدفق العفوي لسرد الحدث، ورسم المكان والشخصيات ، بحميمية لافتة.
ف "الوسمية "، كأول تجربة روائية للكاتب ، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق " لغة المعيش اليومي " في مجتمع القرى ، التي كانت تشكل " تعاونيات " حياتية طبيعية ، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور.
ولذا يغدو توظيف " لغة المعيش اليومي" – التي سكّ مصطلحها هنا الدكتور معجب الزهراني – كتعبير عن رغبة عاطفية دفينة، في إيجاد معادل فني قادر على الاحتفاظ بالذكرى "الإنسان / المكان" من خلال تكريس البلاغة الخاصة لتلك اللغة اليومية البسيطة، في كتابة النص.
وهذا المنحى المختلف هو ما جعل رواية " الوسمية "تأخذ موقعها في الحقل الروائي المحلي والعربي ( اتفاقا و افتراقا) منذ البدء.
أما رواية " في عشق حتى " فإنها نص إبداعي ، تتشاكل فيه " عذرية عشق قيس وليلى " ولذة الحرمان الذي عاشاه ، مع تأملات العلامة الفقيه " ابن حزم " لحالات الافتتان والتوله في طوق الحمامة"، لتفصح جذور تلك الأمثولات العاطفية عن أشباهها المعاصرة في افتتان العاشق بمعشوقته، فكرةً كانت ، أو حلماً، أو امرأة ، عبر تجليات عشق الروائي ل "حتى" !
وحين نصل إلى الرواية الثالثة "المغزول " فإننا سنقرأ حالة أخرى من إبداع الذات لكتابة حياتها في عمل مختلف، يواجه فيه الروائي موته، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رؤية " ما بعد الموت" ، لنمضي معه في هذا النص لمعايشة أشد لحظات الألم ،وفقدان الوعي ، ولقاء الموت وما بعده، ومن ثم عود ة الروائي إلى الحياة، محملاً بنقض تراجيديات الأساطير والواقع التي يحملها الإنسان في حياته.
ولعل من الصدف العجيبة والدالة أيضاً، أن يعيش " عبد العزيز مشري " هذه التجربة ويكتبها روائيا ً في نفس الفترة التي عايش فيها شاعرنا العظيم " محمود درويش" تجربة " مواجهة الموت "، وإبداعه لملحمته الشعرية المتفردة "جدارية محمود درويش" في عام 1999م!!
** ** **
أصدقاءنا
بهذا المجلد الثالث من" الأعمال الكاملة " للراحل الباقي " عبد العزيز مشري" يسعى " أصدقاء الإبداع – أصدقاء عبد العزيز مشري" لتقديم أعماله الخصبة ، والمتعددة الاهتمامات والسمات الإبداعية ، إلى قرائه والمهتمين بإعادة التأمل فيها وقراءتها نقدياً، ليبقى صوته الإنساني والوطني حياً كما يستحق ، في سيرته العطرة، وفي غيابه الحي وحضوره بيننا.
وتبقى كلمات للتاريخ ،ولذكرى الراحل ، ورغباته، تستدعي منا الإشارة إلى أننا قد أجرينا بعض التعديلات الطفيفة على عبارات من رواية " الوسمية " ، و رواية "المغزول" ، تقديراً للضوابط الاجتماعية ( التي نعرف أن سقف حرية التعبير الإبداعي في المملكة ، قد تجاوزها، ولكن!!!) ، آملين – بحنان خالص – أن يسامحنا " عبد العزيز" على ما قمنا به من اجتهاد!!
علي الدميني
أحمد مشري
من أعضاء مجموعة
"أصدقاء الإبداع- أصدقاء عبد العزيز مشري"

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 02-04-2010, 02:39 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


أشكر الأخت الرائعة والمبدعة المتألقة : بدور
على هذه الإضافة القيمة والهامة وقد وجدت اثناء تصفحي
لمنبرالحواروالإبداع مايلي :




صدور المجلد الثالث من الأعمال الكاملة لعبد العزيز مشري في ذكرى رحيله العاشرة، ويضم هذا المجلد الجزء الثاني من أعماله الروائية.

وقد اشتمل المجلد على رواياته " الوسمية"، و " في عشق حتى " و " المغزول " ، و على الحوار المطول معه والذي سبق نشره من قبل.

وننشر أدناه مقدمة المجلد التي كتبها علي الدميني و أحمد مشري، كما ننوه إلى توزيعه في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة الذي افتتح قبل عدة أيام.


صدور المجلد الثالث من الأعمال الكاملة لعبد العزيز مشري في ذكرى رحيله العاشرة، ويضم هذا المجلد الجزء الثاني من أعماله الروائية.

وقد اشتمل المجلد على رواياته " الوسمية"، و " في عشق حتى " و " المغزول " ، و على الحوار المطول معه والذي سبق نشره من قبل.


وقد احتفت ثقافية جريدة الجزيرة بهذه المناسبة فأفردت له جزءا خاصا من عددها الصادر في يوم الخميس 29-1-2010م.
وشارك في كتابة مواده عدد من الكتاب والأدباءهم:

محمد القشعمي
أحمد الدويحي
عبد الله محمد بن وافيه
عبد الله محمد حسين
سعيد الدحية الزهراني

وضم الملف قصيدة للراحل ستصدر ضمن ديوانه في فترة لاحقة.

و تطالعون هذه المواد في قسم فضاءات ثقافية عبر هذا الموقع.

----------------------------------------------------

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-04-2010, 02:48 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 

جريدة الجزيرة وعبرملحقها الثقافي أوردت مايلي :


ومرت عشر سنوات على رحيله
عبدالعزيز مشري.. الذاكرة والأجيال!

سعيد الدحية الزهراني






ونحن نقدم عبر «الثقافية» هذا الملف الأثير إلى وعينا الثقافي.. انعكاساً حقيقياً للرمزية العالية لشخصية هذا الملف.. الراحل جسداً.. المقيم فينا إبداعاً.. الممتد إلى أجيال تلحق أثراً..عبدالعزيز مشري.. رحمه الله.

ها هي الذكرى العاشرة لرحيل الرمز مشري.. وكأننا أمام حالة من تخييل لن يتجسد على مشهد الواقع المعاش.. إذ كيف يرحل من نقش صوته وصدقه في تفاصيل أجيال ومجالات.. ومرة أخرى.. تمر الذكرى العاشرة لنحياها كصورة من مشهد افتراضي لا أكثر..

وهنا يبرز السؤال: لماذا؟ لسبب بسيط؛ طازجية إبداع الراحل مشري بصورة تتجاوز احتمالية ذبول أو خفوت قد يعتريانها.. وهنا يستجد السؤال: لماذا؟ ويقيناً لن تخرج الإجابة عن موهبة حقيقية أودعها الله في روح هذا الرجل.. توجها صدق بليغ ومهارة عالية في التقاط رؤاه وسبكها في أجناس ما يتناسب من أدب..

يقيناً.. يأتي الرحيل والذكرى هنا رمزاً.. فيما يتمدد الحضور أثراً ونسجاً في وجه الغياب لمثل الكبير مشري.. إذ لا أزال أذكر إلى هذه اللحظة معنى ما قاله الدكتور أحمد قطرية قبل نحو ثمانية أعوام بنادي القصة قبل أن يضيع دمه بين جمعية الثقافة والفنون وأدبي الرياض.. عندما تحدث عن قصة «كسوة العيد» للراحل مشري قائلاً: وأنا أقرأ هذه القصة أشعر بمدى تجاوزها حدود الجغرافيا لدرجة تكاد تنطبق تماماً على معطيات الثقافة لأبناء الشام.. حتى إن قارئها هناك ليتساءل: هل كتبت هذه قصة عنّا نحن في الشام؟ّ..

رحل عبدالعزيز مشري.. بعد أن ترك لنا ذاكرة حية وسجلاً متجدداً لمرحلة مفصلية في تاريخ تكويننا الثقافي.. ويقيناً سيبقى منجز عبدالعزيز مشري وثيقة مهمة لأجيال تأتي لتعرف قيمة ما أبقاه لهم عبدالعزيز من معرفة..

بقي أن أقدم الشكر لصديقنا الزميل الدكتور إبراهيم التركي الذي منحنا هذه المساحة استثناءاً.. في الوقت الذي كان من المقرر فيه نشر ملفات معدة مسبقاً عن شخصيات ثقافية سعودية..

رحم الله عبدالعزيز.. وسيبقى ذاكرة معرفة.. لأجيال تمتد..

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2010, 12:12 AM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


قصة (( أبوالحصين ))
إحدى قصص مجموعة (أحوال الديار)



------------- أبوالحصين ------------




ملأت شهرته كل أرجاء القرية، وقالوا أن "عياف " رجل بصير، فهو يقول القصائد في المحافل، ويفْرِي الجلود من بعد دبغها، وشاهدوه مرارا يسّلك بقدومه في خشب "الغَرَب"؛ فيصنع الصحون والمحّال.
وكان بعض رجال القرية؛ حين تفضي أيديهم من العمل في العصارى..يقعدون معه أمام الباب في ساحة الدار..قليلون ويكيلون في الكلام معه..فحديثه لا يمل كما يقولون.
مرة يسقيهم القهوة، ومرات تكون أم عياله في شأن يشغلها..فلا يشربون. غير أنهم هذه المرة جئ إليهم بالدلة المهيّلة ومعها صحن صغير؛ عليه حبات قليلة من التمرات، ودارت فناجين القهوة، وارتفعت الى الأشداق بالأصابع حبات التمر، وطاب الكلم ل"عياف".

* * *
قال، إنه افتقد واحدة من دجاجاته مسية البارحة، وألقى ببصر عينيه المزمومتين الى الأرض، وبرطم شفتيه، ولم يبدُ شاربه المجنح قليلاً في هيئة مرضية، ثم ما لبث أن هذب من تربيعة قعدته، وحرك يمينه بكمّها العريض، وألزم أصابع الأخرى على مهل ذؤابة لحيته الجامدة القصيرة، فبان أن هناك حديث سيقال..وقال:
- يا جماعة الخير ..الدجاجة ذهبت في فم " أبو الحصين"، و" أبو الحصين " عدو لكل دجاجاتنا، وإذا كان قد اقتنص دجاجتي اليوم؛ فإنه يعرف الآن طريق صيد دجاجات كل أهل القرية.
قال واحد:
-يخسى "أبو الحصين".
قال آخر :
- "أبو الحصين" ما يغلب الرِّجَال .
قال ثالث:



-لا والله..ما حقه إلا الرصاص.
أشار"عياف" بهزة مقتضبة من يده، وكأنما يرغب في الكلام فقال:
-هذا هو الكلام..فيكم رجال، لم يخرجوا الى الوديان؛ إلا ببنادقهم، والبنادق ما صنعت إلا للرمي بالرصاص ..أقول لكم، إن "أبو الحصين" فعل في خاطري ما لم تفعله حَشيّة البندقية بدجاجتي، وألهمني الحسرة عليها، فقلت: لا هنت يا عياف، جماعتك ما يضحك منهم الماكر..والله لو قتلوه ورموه قدامك بلا روح..لأعشينهم على ذبيحة من الغنم، ولو اشتريتها بقيمة عشرين دجاجة.

* * *
كان القوم في ذيل الشتاء، وكان البرد يجمع آخر أنفاسه في الأيام ..وكانت البطون تقْرم لرائحة وطعم اللحم، فاستيقظت النخوة التي سابقها اللعاب وجرى مع نطق اللسان:
-نجئ به، ولو كان في أبعد الديار.
ولما كانوا يتصيدون المناسبات، لشيء ذي بال يهم الشأن، أو بغير شئ ..ولما كانت البنادق تستثير أيدي حامليها..كان فجر اليوم التالي يواجه انتشار نفر من الجماعة تفرقوا في الوديان ،يدورون عن "أبي الحصين"، ( فأينك يا أبا الماكرين من طردتنا خلفك؟ وأين ذيلك الكث المسحوب من نار بنادقهم؟، وأين من يجرك كالخلقة قدام عيّاف؟، وأين ساعة فهيئ فيها حرقة بطوننا للشحم واللحم؟!).

* * *
حين بلغت الشمس مبلغ الضحى، احتوت الآذان نقر رصاصة ملأت بصداها الوديان، فتوقف الباقون عن البحث، والتموا قرب مبعث الطلقة، وقالوا لا يطاق بعدها طلقة ..فلو سمعنا "عيّاف" ظن أننا قتلنا أبا الحصين وعشيرته، وهذا سيعفيه من ألوفاء بذبيحته اللي وعدنا بها..فهو يريد أبا الحصين الذي سفك دم دجاجته ليس غير.
جاء ابن فلان بأبي الحصين من ذيله، وجرجره كجلد الذبيحة طول الطريق، وعلى كتفه اليمين رفعت أنفها بندقيته الحامية، وتقاطر النفر خلفه الى دار " عيّاف"، صاح ابن فلان من حافة الساحة:
- أخرج يا عياف ..غريمك هامدا في يدي.

* * *
كانت الشمس التي تكاد أن تلج كبد السماء بعد الضحى، تكشف كل خبايا الدنيا في العيون، وكان بيت "عياف" يحمى بنصاعة الضوء، الذي أبان بناء حجريا مرصوصا رابضا وسط ساحة تتقافز في بساطها المحدود شجرات لوز قليلة متباعدة، وبابا النافذة الوحيدين المطلين الى الساحة، والمنقوشين بتعاقب دقيق..قد سطعا بلون القطران الأسود، وكان مصراع الباب يختبئ بدرفته في ظل فتحة داخل البيت.
في جهار النهار القروي يسيح كل شغب وحركة في الانشغال بالحلال والزرع..غير أنه قد خرج على هيئة الخيبة المعبأة من لسان "عيّاف" وهو يندفع من الداخل بقدمين حافيتين وفم مفتوح ليقول، دون أن يقصي عينيه عن أبي الحصين :
-هاه ..سلمت عنايتك يا ابن فلان، لكن "أبو الحصين" هذا ..ليس هو الذي أكل دجاجتي، هذا من وديان القرية المجاورة، وما هو من وديان قريتنا، وحسبك أنك فتكت بروح حيوان ليس له في الأمر ذنباً ولا تأنيباً.

* * *

ألقى ابن فلان ببندقيته عن كتفه، وأسندها الى حجره، حيث قعد على أصابع قدميه مهمهماً: (فعلتها يا عياف).
تناوب بالإلتفات والدهشة رفقاء ابن فلان، وماثلوه في القعدة وإهمال البنادق، فتقاسموا صمتا كالصخر رنا على لجميع.
أضمر ابن فلان ومن معه لـ"عياف" أمراً، وأدرك "عياف" أنهم لن يتيهوا في لعبته، فرأى أن يستحوذهم بلين الكلام، فدعاهم الى داخل البيت، وسقى عطش لهلتهم بالقهوة المهيّلة، ولازال يلاطفهم في هدوء ضغين، ويتحسر على قوم ببنادق تحصد العشائر وقت اللزوم؛ لم تقدر على صيد أبي الحصين الذي فتك بدجاجته.
كان ابن فلان ومن معه لا يتكلمون إلا القليل، وكانت صدورهم تعج بالانتقام، وكانت معرفتهم به وببصيرته واحتياله تهيبهم من فعل لا يعلمونه. ودَّعوه وقاموا، وكان أبو الحصين يشغر فاه ممداً طرف الدار.

* * *
هبطوا بعد أيام إلى سوق القرى، وعمدوا شيخاً عُرِف بحل المتشابهات بين الناس..حكوا له ما جرى لهم مع "عيّاف"، وندت الحسرة والتشفي من حلوقهم، وطلبوا منه حكما يرضيهم، وأكدوا على حفظ الأمر، فوعدهم، وألزمهم موعداً بالمجيء الى قريتهم.
و.. كان ما كان من أمر المجيء، فاستقبل "عياف" الشيخ على خير السعة، وقدم له ولابن فلان ومن معه القهوة المهيّلة والتمر، دار بعد دورة فناجين القهوة الحديث، وأوضح ل"عيّاف" الشيخ ما سمعه من جماعته، وقال:
- .. واليوم، إن كنت ممن يأخذون ويعطون في الحق، ولا ينقصون ما وعدوا به الموعودين.. فجهز سكينك أرق دم ذبيحتك وقدّام كل عين تعلّق أبا الحصين على غصن تلك الشجرة في ساحة دارك..ساعتها، نقول عيّاف كمّل وجمّل وأوفى بوعده قدّام القاصي والداني ..وصلى الله على محمد.
قال كل لسان حاضر: " صلى الله وسلم "، أطبقت الأفواه مع استعداد المسامع لرد يأتي من "عيّاف" ..قال :
-جئت، والله يحييك يا شيخنا، والحق ما يرفضه إلا الجاهل، ولكن، أقول ..إذ كان ابن فلان ومن معه..يؤكدون لي باليمين والحلفان ..إن "أبو الحصين" الذي صادوه، هو بذاته الذي أكل دجاجتي ..فإني أوفي بوعدي دون تقصير، وأطعمهم مرقة ولحم الذبيحة هذه الليلة..وإلا،كيف أقبل؟!

* * *
حيثما التفت الشيخ الى ابن فلان هذا ومن معه ..ورأى أنهم لا يقدرون على حلفان اليمين، وليس هناك ما يستدلون به على أنه "أبو الحصين" الذي أكل دجاجة "عيّاف"..قال ووجهه البالغ النقاء بالشعر الأبيض، وعقال رأسه يكاد ينحدر من مؤخرة رأسه، ويده اليمين تؤمئ بحركة تلاءمت مع قول اللسان :
- يا عيّاف، هذا تعجيز، وفي التعجيز هروب، وفي الهروب إدانة، والإدانة عليك بنكران الحق.
اختلطت الأصوات، و هاج وماج أخضرها بيابسها، وضاقت ساحة المجلس بالهرج، فطلب الشيخ منهم السكوت، واستدار موافقة الطرفين على قبول حكمه، والله على خير ما يقول معين..فقال:
-..اسمع، يا عيّاف..الليلة تعشينا جميع على العيش والسمن، ويسقط عنك ما لزمت به من وعد الذبيحة ..بعدها؛ لا لك، ولا عليك..كيف ترى؟

* * *
رأى "عيّاف"، أنه قد بلغ السبيل المسدود، وأن بعض الشر أهون من بغضه..فالعيش والسمن ليس كتكلفة الذبيحة، ومجيء الشيخ في أمر كهذا ليس بالأمر الهيّن ..وماذا سيذاع عنه في القبائل؛ وهو الذي تملأ بصيرته وطول ذراعه البعيد والقريب..فقال بصوت يقين:
- قبلت حكمك يا شيخنا ..الله يحييكم جميع.

* * *




كان الليل القروي يهبط هادئا نقيا، تخترقه نباحات متقطعة للكلاب، وكانت بنادق القوم ترتكز على كعوبها الى جوارهم قرب جلستهم الملمومة حول صحن العشاء، وقد راحت أفواههم تصطفق بلقم العيش اللينة مع السمن، وكانت تفوح منه لذاذة محببة.
أما أبو الحصين فكان ينتفخ على مهل طرف الساحة، ففي الغد سيغدو مرتعا لزرافات النمل والذباب.


---- في جدة / 12/6/1991 م ---

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir