الحلقة الثالثــــــة عشرة (13)
لم يستطع فيصل أن يتخذ قرارا حاسما حول مستقبله ....ثم عزم على تأجيل البحث في هذا القرار حتى ينتهي من رسالة الدكتوراه وعندها لكل حادث حديث , وايدته كارولين على ذلك رغم أنها مستمرة في حثه على البقاء والنجاح هناك .
وبقي اسبوعين قبل أن يغادر فيصل ديترويت عائدا إلى هيوستن لإستكمال بحثه الأكاديمي .
اقام والد كارولين حفل شواء كبير توديعا لفيصل على ضفاف بحيرة سانت كلير
في ديترويت وشارك جميع زملائه في المصنع وحضرت كارولين ايضا .
بعد العشاء امسكت كارولين بيد فيصل واخذته بعيدا ...كان يشعر أنها تريد أن تقول شيئا
لكنها مترددة ...وسألها هل تريدين أن تقولي شيئا كارولين ؟ تلعثمت قليلا وقالت ....
أعلم أن ماسأقوله قد يكون غريبا في مجتمعك ....لكن بما أنك هنا فلن أخجل من القول أنني قد أحببتك .....وأنني اتمنى قضاء بقية عمري معك .
تلعثم فيصل ولم يعرف ماذا يقول ....موقف لم يسبق له أن مر بمثله وجرأة غريبة من كارولين لم يتوقعها .
تماسك نفسه قليلا وتنفس الصعداء ...كان يتمنى أن يقول لها نفس الكلام لكنها سبقته .....ثم استجمع شجاعته وأخبرها أنه ايضا يبادلها نفس الشعور ...وأن خجله وبيئته التي اتى منها هي التي منعته من قول ذلك .
وعانقته كارولين بحب شديد ...وشعر فيصل بعد تلك اللحظات أن شيئا ما يتغير في عجلة حياته ....
وعادوا إلى حيث البقية لتنطلق كارولين إلى حيث يقف والدها وهي تقول أبي ....لدي إعلان ..!!
وصعدت على أحدى الكراسي الخشبية قائلة بأعلى صوتها
........اخبرت فيصل أنني أحبه ....وأخبرني أنه يحبني ....فلتهنئونا جميعا ...وعلت حمرة الخجل وجه فيصل الذي لم يتوقع موقفا كهذا ابدا .
وأبتسم الأب بسعادة شديدة .....وقبل ابنته ....وهو سعيد جدا بإختيارها ففيصل شاب يستحق الحب ....وله مستقبل رائع ...وإن كان والد كارولين يشعر بحيرة شديدة حول المستقبل .....فماذا سيحدث لو قرر فيصل العودة إلى بلاده ....وماذا عن كارولين ؟ هل ستذهب معه إلى تلك الأرض البعيدة ....أم سيتركها فيصل ويرحل وكأن شيئا لم يكن .
وماذا ايضا عن إختلاف الديانات ؟ هل سيتحول فيصل غلى المسيحية ؟ أم تتحول كارولين إلى الإسلام ؟ أم يبقى الأمر كما هو عليه خاصة بعد أن عرف من فيصل أنه يجوز للمسلم الزواج من مسيحية ؟
وقطعا لحيرته قرر الأب سؤال فيصل حول ماينوي فعله ....لكن فيصل أخبره أنه ترك التفكير في هذا الموضوع إلى مابعد الدكتوراه .
وبعد ايام عاد فيصل إلى هيوستن وبدأ في أجراءات رسالة الدكتوراه .....بينما يتلقى إتصالا هاتفيا كل يوم من كارولين تطمئن فيه على أخباره ووضع دراسته وبينما يحدثها في الهاتف كانت عيناه تتامل صورتها الجميلة التي وضعها في إطار صغير على مكتبه .
إستغرق فيصل ستة اشهر في إعداد بحثه ثم حلت عطلة عيد الميلاد .....ليتلقى إتصالا هاتفيا من كارولين تخبره أنها ووالديها سيصلان هيوستن مساء اليوم .....وكاد أن يطير فرحا فهو مشتاق كثيرا لرؤية كارولين .....وأستقبلهم في المطار وأصطحبهم إلى فندق جميل في المدينة ....كان سعيدا جدا بهذه الزيارة المفاجئة ....على أنه كان ينوي أن يفاجئهم بزيارتهم في ديترويت لكنهم سبقوه .
ضحك الأب وهو يقول .....هل تعلم يافيصل ......كارولين أرغمتنا على الحضور لرؤيتك ....رغم أننا نعلم أنك منشغل ببحثك ...ثم تطرقا للحديث عن بحثه القادم الذي ألقى عليه الأب نظرة سريعة وأبدى إعجابه بذلك ....وهو يقسم أن ينال فيصل الدكتوراه بتفوق ...فهذا البحث يعتبر جديدا من نوعه .
تحدث فيصل وكارولين كثيرا .....كثيرا ....وفيصل يشعر أنهما في كل لحظة يقتربان أكثر واكثر ..
بعد اسبوع غادر الجميع عائدين إلى ديترويت ......وشعر فيصل بإنقباض لبعض الوقت فسيفتقد حبيبته الشقراء ....لكن لامفر من عودتها فلديها عمل ولديه مهمة تحتاج للتركيز .
بعد شهرين تم تحديد موعد لمناقشة رسالة الدكتوراه التي تقدم بها فيصل وأجتمعت لجنة كبيرة من الأساتذة من نفس الجامعة مع آخرين من جامعات أخرى وبعد إنتهاء المناقشة تقرر منح فيصل درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى وتوصية بطباعة رسالته وإعتمادها ضمن مقررات الهندسة الصناعية في الجامعة .
تنفس فيصل الصعداء ....فقد أنجز مهمته بنجاح , وعاد إلى مكتبه ليلقي نظرة على صورة كارولين ورفع سماعة الهاتف ليتصل بكارولين مخبرا اياها بنتيجة بحثه .....وصرخت فرحا وهي تدعو أبيها وامها لتهنيئة فيصل .
وما أن وضع سماعة الهاتف منهيا مكالمته حتى جاءته مكالمة أخرى من عميد الجامعة طالبا حضوره في مكتبه ....قدم له العميد التهنئة ودعاه للجلوس ليقدم له عرضا بالبقاء في الجامعة عضوا في هيئة التدريس ...مع وعد بتوفير كل مايحتاجه من دعم مالي أو معنوي للإستمرار في بحوثه ضمن الجامعة .
شكره فيصل وهو يخبره بإرتباطه مع أرامكو .....وذكر له ايضا العرض الذي قدمه له والد كارولين للدخول شريكا في المصنع ....وترك له العميد وقتا للتفكير ...مذكرا إياه أن نظام الجامعة يسمح له بالدخول شريكا في عمل آخر بالإضافة إلى إستمراره كباحث لصالح الجامعة .
وعده فيصل بالتفكير في العرض ....وعاد ليتصل مرة اخرى بكارولين ليخبرها عن عرض الجامعة .
أم عبدالله ....جارة حليمة وصديقتها لزمن طويل ومن مدت لها يد العون كثيرا ....مرضت ثم توفيت فجأة .....فكان موتها مأساة كبيرة لحليمة التي كادت أن تلحق بها حزنا .....كانت لها نعم الأخت ....والصديقة الوفية .
وعبدالله ...صديق طفولة فيصل ....كان قدالتحق بالجندية لسنتين أو ثلاث ...ثم حين توفيت والدته ترك عمله ...وبدأ البحث عن وظيفة أخرى بعيدا عن ابها وذكرياتها المريرة ....لامزيد من الأحزان .
وقتها كان قد فتح في أبها مكتب لتوظيف السعوديين تابعا لأرامكو ...وبشهادته المتواضعة التي لاتتجاوز الكفاءة المتوسطة تم قبوله في ارامكو على أن يلحق بمركز التدريب قبل بدء عمله .
وتوجه عبدالله إلى الظهران ....ليسكن وحيدا في أحد البيوت الجاهزة في حي المنيرة بالظهران ...وهو احد المجمعات السكنية التي توفرها ارامكو للموظفين السعوديين .
والتحق عبدالله بمركز التدريب ....فكان يقضي صباحه حتى الثانية ظهرا في مركز التدريب ....ثم إلى المطعم لتناول وجبة طعامة ...ومنها إلى صالة السينما حيث يمكن مشاهدة الجديد من الأفلام السينمائية بريال واحد .....وهكذا مرت فترة التدريب في روتين ممل ...لستة اشهر توجت بتخرجه من المركز ...ثم تعيينة في حقل بقيق .
جاءت كارولين مرة اخرى ...لزيارة فيصل ....متشوقة أن تعرف قراره حول عرض والده ...وعرض الجامعة ....إتصلت به من فندقها ففوجئ ....وفرح ايضا بحضورها ....وفي بهو الفندق ...جلسا لتناول القهوة ....وسألته كارولين عن قراره ....فأكد لها انه في حيرة من أمره ....فهو يريد البقاء في أمريكا ....ويريد العودة لبلده ....وبالطبع كارولين كانت قد عرفت حكاية طفولته كاملة .....وهو يعلم أن لاشيء يربطه ببلده إلا عواطفه ومشاعرغامضة لايعرف كنهها ....ثم أنه لايعلم ماذا سيكون موقف أرامكو من بقائه ...وكم ستكون المبالغ التي سيطلبونه بها .
شجعته كارولين على الإستفسار من مكتب أرامكو ....على الأقل حتى يكون على بينة من الأمر قبل إتخاذ أي قرار ...حرر خطابا إلى مكتب أرامكو شارحا فيه الفرص المعروضة أمامه ...ومستفسرا عن كيفية التعامل مع وضعه .....وأرسل الخطاب للمكتب في واشنطن دي سي .....وبقي عليه إنتظار إجابتهم التي قد تستغرق بين خمسة إلى سبعة ايام .
الله يحبكـــــ(ن)ـــم