يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الفصيح

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 03-31-2013, 01:18 AM   رقم المشاركة : 4

 

من نفحات الجهاد في شعر إقبال


للأستاذ أحمد فرحات

إقبال شاعر الإسلام الأول , وفيلسوفه الكبير , درس الإسلام دراسة واعية , وأحاط بالفلسفة إحاطة شاملة , وخاض معترك الحياة مجاهداً بفكره وشعره , فصوّر واقع المسلمين , وبيّن أسباب انحطاطهم , ووضع أسس نهضتهم , وصاغ ذلك كله ألحاناً شعرية رائعة , هز بها مشاعرهم , وحرك أوتار قلوبهم , وأعاد الأمل إلى نفوسهم .
لن نتحدث في هذه الكلمة عن الشاعر وحياته , ولا عن شعره وفلسفته , وإنما سنكون مع لحن الجهاد في شعره , ذلك اللحن الذي ما تزال تسير على أصداءه قوافل الجهاد , وتردد صداه جنبات الكون الفسيح .
فتح إقبال عينه على الوجود , فكان أول ما اكتحلت به عيناه , ذلك التخلف الذي يعانيه المسلمون في كل مكان , وذلك الذل الذي يرتسم على جباههم , بعد أن طأطؤا رؤوسهم للمستعمرين , وقعدوا عن فريضة الجهاد , حباً في الحياة الذليلة , وكراهية للموت الكريم .
وهنا وجد إقبال أن من واجبه أن ينقذ المسلمين , من الهاوية التي صاروا إليها , وكان لزاماً عليه أن يزهدهم بحياة الدنيا الفانية , التي يجدر بالمسلم أن لا يتشبث بها أو يتعلق بأذيالها , فكل ما فيها إلى زوال ... هذه الأنوار المتلألئة تنطفئ , وهذا الأصيل يبكي على نعش الشمس الذاهبة , وهذا شعاع الكواكب النحيل يتوارى في أكفان من سنا البدر المنير .



تحت نور الأفلاك عيش جميل*وأرى النور ينطفي ويحول

وعلى كاهل المساء للشمـ*ـس نعشاً بكى عليه الأصيل
في سنا البدر للكواكب أكفان*توارى بها الشعاع النحيل



والجمال أيضاً قصته قصة النور , فهذه الزهرة التي تبدو هناك وعلى ثغرها ابتسامة جميلة تزينها قطرات الندى , لا تلبث أن تأتيها رياح الخريف فتحيلها أوراقاًَ ذابلة يطويها التراب , وتعفي عليها الأقدام :



ورياح الخريف تكمن للزهر*وفي ثغرة ابتسام بليل

ثم تأتيه ساعة يذهب الزهر*هشيماً وقد طواه الذبول




وإذا كانت الحياة كلها كدحاً ونصباً , فكيف أتى الإنسان إليها ومتى يرحل عنها ؟ :




لا يعلم الإنسان كيف أتى*إلى الدنيا المتاعب ومتى يرحل

ما نحن في الأكوان غير حديقة*أزهارها عما قليل تذبل



غير أن حب الخلود في الحياة مازال يداعب أحلام البشر , فهم يفتشون عن دواء يدفعون به الموت , يفتشون عنه في نغم العود , وفي شكوى الحزين , وفي ابتسام البشر , ودمع الأنين , كما يفتشون عنه , في امتشاق السيف بين الدارعين , وصدى التكبير بين الهاتفين , ولكن الموت لا مفر منه , فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .



لا نغم العود ولا شكوى الحزين*ولا ابتسام البشر ولا دمع الأنين

ولا امتشاق السيف بين الدارعين*ولا صدى التكبير بين الهاتفين
يعيد نبض القلب في الصدر الخراب*أو يرجع النفس إذا حان الذهاب




وإذا لم يكن هناك أمل في الخلود , فعلى الإنسان أن يشمر عن ساعد الجد وأن يخوض غمار الحياة بما فيها من أسى وأنين وبكاء , وأن يبتعد عن اللهو واللعب والغناء , فالذي لا يدمي الشوك أنامله الرقيقة حين يقطف الأزهار العطرة لا يستطيع أن يدرك سر الحياة :



إن الذي لم يدر أنات المساء*ولم تسامر عينه نجم السماء

ولم يحطم جام قلبه الأسى*ولم ينر ظلام ليله البكاء
والسادر اللاعب طول عمره*لم يستمع إلا إلى عذب الغناء
والعاشق المحروم في غرامه*من لوعة الذكرى وحسرة الجفاء
ومجتني الزهر الذي تختصب*يداه في الشوك بحمرة الدماء
جميع هؤلاء مهما سعدوا*من نعم الدنيا بأمن ورخاء
فإن أسرار الحياة تختفي*عنهم وهم عنها دواماً في اختفاء




وإذا لم يكن هناك أمل في الخلود في الحياة الدنيا , فهناك أمل في الحياة الآخرة , هكذا يعتقد المسلم , إن الدنيا ليست نهاية المطاف , وإنما هناك حياة أخرى , ينتظر المسلم فيها نعيماً مقيماً وعيشاً رغيداً , وليس يعني –وضع المسلم في قبره تحت التراب – أن لا تمتد إليه يد البعث ثانية , فهذه البذور توضع في الأرض فلا تموت , وإنما تدب فيها الحياة من جديد :



لقد دفنوا في التراب البذورا*فلم تفن في لحنها الهامد

ولم تنطفئ نارها في الحياة*على طو مرقدها الباد
* * *
لقد نسجت للحياة البقاء وصاغت من الزهر أبهى حلاه
نما غصنها زاهراً واستعادت *من الموت تجديد ذوق الحياه




و إذا كان هذا شأن الحياة , كما يصورها إقبال , فإن واجب المسلم فيها كبير كبير , إنه واجب القيام بحق الخلافة في الأرض , واجب القيادة لركب الإنسانية الحائر , واجب حمل مشعل النور الذي يبدد ليل الحائرين , ويصل بسفين الحق إلى الشاطئ المأمون .



إن هذا العصر ليل فأنر*أيها المسلم ليل الحائرين

وسفين الحق في لج الهوى*لا يرى غيرك ربان السفين
* * *
ليس في الوقت فراغ فاعتزم*واملأ الدنيا بأعمال شريفة
أنت نور الأرض تهدي أهلها*لن يرى غيرك في الأرض خليفة




والمسلم بعمله هذا يقدم للإنسانية الزهر والثمار , من حيث يقدم غيره الشر والنار .

نحن نهدي الخلق زهراً وثماراً*وسوانا يبعث النار ضراماً
كل نمرود إذا أوقد ناراً عادت النيران برداً وسلاماً
و نحن في سبيل ما نقدم للإنسانية من خير ورفاه , لا تقعد بنا عقبه , ولا نرهب أحداً ولا نخشى إلا الله :



نحن بالإيمان نبني عزنا*لا نبالي الهول أو نخشى الصعابا

وإذا البغي رمى في غرسنا*جذوة الظلم جعلناها ترابا




والمسلم في سلمه لا تفارق شفتيه ابتسامته الرقيقة رقة الماء , واللينة لين الحرير , ولكنه في حربه , أقسى من الحديد وأصلب من الصخر :



يبتسم المسلم في سلمه عن رقة الماء ولين الحرير

وتبصر الفولاذ في عزمه*إذا دعا الحرب ونادى النفير




هذا هو الجهاد في الإسلام وهكذا كان المسلمون الأوائل يجاهدون , لقد حملوا السيوف ليرفعوا اسم الله عالياً , غير أن آذانهم بمعابد الإفرنج كان يسبق كتائبهم بفتح البلاد والأمصار , كما أن ظلال سيوفهم كانت كظلال الحدائق الخضراء التي تنبت الزهر وتعطي الثمار ...



من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ*ـمك فوق هامات النُّجوم منارا

كنَّا جبالاً في الجِّبال وربَّما*سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا*قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها*سجداتنا والأرض تقذف نارا
وكأنَّ ظلَّ السَّيف ظلَّ حديثة*خضراء تنبت حولها الأزهارا
كنَّا نقدِّم للسّيوف صدورنا*لم نخشَ يومَاً غاشِماً جبارا
كنَّا نرى الأصنام من ذهبٍ*فنهدمها ونهدم فوقها الكفَّارا




رحم الله إقبالاً , وألهم المسلمين طريق العمل ... طريق الحق والقوة والسلام .

 

 

   

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:52 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir