.
*****
زبيدة بنت جعفر
(…ـ 216هـ/ … ـ 831م)
أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسية الهاشمية .
زوجة هارون الرشيد ، وبنت عمه ، أصل أسمها «أم العزيز» أو «أمة العزيز» وزبيدة لقبها ، وقيل إن جدّها المنصور هو الذي أطلقه عليها ، كان يلاعبها وهي صغيرة وكانت أثيرة لديه ، ولشدّة بياضها كان يناديها زبيده وقد غلب اللقب على إسمها وبه عرفت ، وإليها تنسب «عين زبيدة» بمكة .
وُصفت بأنها ذات حسن وجمال فائقين وهي متديَنة تحب الخير وأعمال البَر والصدقات , وقال عنها ابن تغري بردي: «أعظم نساء عصرها ، ديناً وأصلاً وجمالاً ومعروفاً» .
تزوجها هارون الرشيد في بغداد عام 165هـ وأنفق على زواجه منها خمسة وخمسين ألف درهم ، وكانت أحبَ الناس إليه ، وكان للسيدة زبيدة أثر كبير في تطور أزياء النساء في عصرها وإدخال الكثير من التغييرات عليها ، ويعزى إليها اتخاذ المناطق والنعال المرصَعة بالجواهر ، وكانت تشرف على شراء ملابسها بنفسها . وقامت بأعمال تفوق مقدرة الملوك كاصطناعها بساطاً من الديباج جمع صور كل الحيوانات والطيور التي نسجت من خيوط الذهب وأعينها من الياقوت ، إضافة إلى قباب من الفضة موشاة بالديباج وغير ذلك .
كان لها قطيعة بمحلة بغداد عند باب التين وهو الموضع الذي فيه مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ت183هـ/ 799م) بين دار الرقيق وباب خراسان ، وفيها الزبيدية التي كان يسكنها خدم أم جعفر وحشمها ، ومع هذا كانت تحب العلم ومن كتابها علي بن داود البغدادي ، وهو من أهل الحكمة وله الكثير من المؤلفات .
ولزبيدة الكثير من أعمال الخير ، فقد أقامت المصانع والبرك والآبار على الطريق بين بغداد ومكة خدمة لحجاج بيت الله الحرام .
وعندما حجّت عام 186هـ وأدركت ما يعانيه أهل مكة من المشّاق في الحصول على ماء الشرب ، دعت خازن أموالها وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلاد وأستطاعوا أن يوصلوا المياه من منابعها في الجبال وخاصة «عين حنين» ، وأرسلوا الماء منها تحت الصخور حتى تغلغل إلى الحرمّ وبذلك وصل الماء إلى مكة ، ولا يزال يجري إليها حتى اليوم ، ويُعزى إليها قولها لخازن أموالها: «اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس ديناراً» ، ومما أشيع عنها إنها أنفقت في رحلة الحج في ستين يوماً خمسين ألف ألف درهم .
كانت تجد على البرامكة إذ كانت تظّن أن الرشيد قد عهد إلى إبنه المأمون من دون الأمين بتأثير يحيى البرمكي . واستطاعت بما تتمتع به من نفوذ أن تجعل ولدها الأمين ولياً للعهد مع العلم إنه أصغر من المأمون . وربما ساعدها على ذلك وقوف الهاشميين إلى جانبها وميلهم إلى أن تكون ولاية العهد للأمين . وقد عقد له الرشيد ولاية عهد المسلمين وله من العمر خمس سنين وقد ساهم عيسى بن جعفر والفضل بن يحيى في إنجاز الأمر .
وفي أثناء الخلاف بين الأمين والمأمون كان لزبيدة دور اتَّسم بالعقلانية ؛ فمن وصيتها لعلي بن عيسى قائد الجيش وهو في طريقه لملاقاه المأمون ، إذا ظهر عليه أن لا يجبهه بالكلام وألا يقسره على شيء ولا يوهنه بقيد ، ولا يمنع عنه جارية أو خادم ، ولا يعنفّ عليه في السير ، وألا يساويه في المسير ، ولا يركب قبله ، وان يأخذ بركابه . ودفعت إليه قيداً من الفضة وقالت له: «إن صار إليك فقيده بهذا القيد» . وبعد مقتل الأمين جاءت إلى المأمون تهنئه بالخلافة ومما قالته: «هنأت نفسي بها عنك قبل أن أراك ولئن كنت فقدت ابناً خليفةً لقد عوضت عنه ابناً خليفة لم ألده ، وما خسر من اعتاض مثلك ولا ثكلت أمّ ملأت يدها منك . وأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ وإمتاعاً بما عوّض» .
وعند زفاف المأمون على بوران بنت الحسن بن سهل (ت271هـ/ 884م) كانت زبيدة ضمن من حضروا وهي التي ألبستها البدلة اللؤلؤية الأموية . وقد أفرد لها المأمون قصراً في دار الخلافة وأقام لها الوصائف والخدم وحافظ على ثروتها . أمضت بقية حياتها في بغداد وتوفيت فيها .
"منقول"
*****