جرح مفتوح
كعادته يجلس رجل مسن أسود البشرة على قارعة الطريق هذا قبل ثلاثين عاما يهرف ببعض الأغاني مثل : ( يالله صبوا هالقهوة وزيدوها هيل ) ، ( ياصبابين الشاي زيدوا حلاته ) وغيرها من أغاني الشاي والقهوة ولا يكاد ينتهي من هذه الأغاني حتى يرجعها من جديد .
أسمعها منه كلما مررت به فقلت في نفسي هذا هو الإنسان الخلي ، استأذنته في الجلوس حييته فرد التحية بأحسن منها ، حشرت نفسي في خصوصياته ، فسألته من أي بلد أنت ياعم ؟ قال من السعودية، قلت والأصل ؟ قال أما ترى سحنتي أنا أصلي من أفريقيا ، سألته ومن أي دول إفريقيا ؟ قال هذي قصتي فأسمع حواشيها : أنا من أفريقيا ولكن لا أعلم من أي دولة أنا ، كل الذي أتذكره أنني كنت أرعى الغنم أنا وأختي نسرح ونمرح وراء أغنامنا ، فإذا دنا الليل آوينا إلى بيتنا وفي يوم أسود هجمت علينا عصابة واختطفتنا ، ووضعوني في كيس من الخيش وأختي في كيس آخر أنا أصرخ وهي تصرخ ولكن لا مغيث،وهكذا كان عهدي بأختي لم أرها منذ ذلك اليوم ، وكذلك أهلي لا أعرف عنهم شيئا ، وعشت عبدا أباع وأشترى من دولة لدولة ومن هالك لمالك أخدم في القصور وأصب القهوة والشاي لسادتي ،وهذا هو سر ترديدي لتلك الأغاني التي تسمعها مني عندما تمر بي ( كل إناء ينضح بما فيه ) أنا يا سيدي مجروح من الداخل ولا يزال جرحي نازفا ، تحررت من الرق في عهد الملك فيصل رحمه الله ولكن كيف لي أن أعرف بلدي لأعود إليه وقد خُطفت وأنا طفل صغير ، وبالتأكيد قد مات أهلي .
وهذه مأساة عبد آخر يسومه سيده أنواع العذاب ، ويكلفه من الأعمال مالا يطاق وفي لحظة انفجار باغت سيده وهو نائم وتناول بندقيته وأطلق النار عليه وهرب ، لكنه أخطأ هدفه وبالطبع لم يمت سيده وظل يتعقبه ويسأل عنه في البوادي والحضر حتى قبض عليه وذبحه كذبح النعاج على مرأى ومسمع من الناس ثم التفت إليهم وأطلق ضحكة صفراء وقال : ( ديته ما تحت جنبه ) .
وإليك ثالثة الأثافي : فكلنا نعلم أن الإفريقيين كانوا يُختطفون ويُجمعون في حظائر شبيهة بحظائر الماشية ومن ثم ينقلون إلى أمريكا لتسخيرهم في الزراعة وأعمال البناء ونتيجة لذلك مات منهم ما يقارب ستة ملايين مرضا وجوعا ، وما خبر أوباما رئيس الولايات المتحدة حاليا عنا ببعيد فجدته لا تزال تعيش في كينيا ناضل وكافح حتى وصل إلى سدة الرئاسة وفاز بها رغم التفرقة العنصرية التي مازالت ضاربة أطنابها في الولايات المتحدة وفي جميع دول العالم ولكن بالصبر والكفاح يصل الإنسان إلى مبتغاه .
نرجو الله أن يرينا ذلك اليوم الذي يتحرر فيه ْإخواننا الفلسطينيون من عبودية الاحتلال .
آخر الكلام : إلى ديَّان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصـوم
سنعلم في المعاد إذا اجتمعنا *** غدا عند المليك من الظلوم