فن الشقر و ( لوي الرقاب )
فن الشقر هو العامود الفقري لشعر العرضة الجنوبية الذي يسمى أيضا بـ(شعر الشقر) , ولا يختلف الجميع على أن الشقر هو عنصر من عناصر قوة الشاعر أو ضعفه حسب ورود الشقر التام في شعره من عدمه , والشقر هو ذاته ( الجناس ) في شعر الفصحى وينقسم إلى قسمين ( جناس تام ) وهو هو ما اتفقت فيه الكلمتان في أربعة أمور )نوع الحروف وعددها وترتيبهاوضبطها ) واختلفت في المعنى كقوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة( و( جناس غير تام) وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الأمور الأربعة السابقة الاختلاف في نوع الحروف : مثل قول أبي فراس الحمداني (من بحر شعرك أغترف .. وبفضل علمك أعترف) والاختلاف في عدد الحروف : (فيا راكب الوجناء "الناقة الشديدة"هل أنت عالم .. فداؤك نفسي كيف تلك المعالم( والاختلاف في الترتيب : مثل قول أبي تمام : ( بيض الصفائح "السيوف" لا سود الصحائف "جمع صحيفة ( " والاختلاف في الضبط : كقول خليل مطران : (يا لها من عَبْرَة للمستهام "الهائم" وعِبْرَة للرائي) ولم يختلف الجناس في تعاريفه هذه للشقر والزهيريات سوا في بعض الاشياء البسيطة التي تخضع للهجة العامية الدارجة من حروف او حركات
إن ورود أي نوع من نوعي الجناس يعد من المحسنات البديعية لشعر الفصحى ومن الأبيات في شعر الشقر بالجنوب الكثير سواء بالعرضة أو المجالسي أواللعب أوالمسحباني أوطرق الجبل , ومن الأمثلة لقوة الشقر نورد هذا المثال في لون اللعب :
البدع / بن مصلح :
يقول ابو نايف آنا ذقت برداً وشمسي
والقلب معلول بين اهل القلوب المعاليل
ما كنه الا قتيلن طايحن وسط دفنا
يامسرعك يا لساني كنت حالي ومرّيت
والناس مايقبلون الشايب احنى ظهيرة
الرد/ عبدالله البيضاني:
يازين قلّي وش اليومه وقلّي وش امسي
يابو جبيناً مثيل البدر لا اشرك معى ليل
وش ذا المقادير لفّت بيننا واصطدفنا
لو كان ماجيت من قدام عيني ومرّيت
يكون ظلّم علينا الدرب واحنا ظهيرة
كما ويستخدم الشقر في نوع آخر من الشعر اليوم - غير الجنوبي - في شعر الزهيريات الذي ينتشر في شرق الجزيرة العربية شكل عام كالبحرين والكويت والعراق وذلك في نفس التوظيف والاستخدام في شعر الشقر مثل :
أخاف حسـودي يفـرق شملـنا وَهْلِـْك
تِشمتْ بِنا الناسْ وخلقْ الله وهلـي وهْلِـك
مـا دام وهلتنـي واجـب أنا وهلـك
ليما يدور الفلـك نقضـي الوطـر منـا
ويسمى هذا النوع من الزهيريات بـ ( الذهب الأحمر ) وهو الأقوى والأفضل ، من حيث القوة للكلمة والتي ستكون هيَّ قافيةُ القصيد بمعنى أن تكون كلمة القافية واحدة ، ولكنها تحمل في كل بيت معناً آخر لها – كما يقول أصحاب هذا الفن – وهذا يقابل الجناس التام والشقر التام وهناك مايسمى ( بالذهب الأبيض ) من الزهيريات وهو مايقابل الجناس غير التام والشقر غير التام بحيث ترد المفردة مككرة باللفظ والمعنى او باواخر حروفها
ولكنني استغرب من استماتة بعض الشعراء في إيراد الشقر تاماً في قصائده حتى ولو أدى ذلك إلى ( لوي عنق البيت ) وهذا مخالف لأسس هذا الفن الذي ما ظهر إلا لتعديل الأعناق الملتوية وكمحسّن بديعي لفظي وليس ( مُشَوِّه ) .
والأغرب هو ورود كلمات جديدة لا تعني أي شيء , بل ولا يمكن إدارجها إلا في قاموس لغة مخترعها , لأنها تفسّر من هذا ( المتكلف في الشقر ) فقط وإلى معاني في قاموسه هوَ دون مراعاة للذوق العام متفاخرا بذلك بأنه اخترع ( شقر جديد ) بل وحريصاً على نشره , ولكنه في الحقيقة أسهم في تشويه هذا الفن الجميل .
صحيح أن هناك كلمات ومصطلحات لم تكن معروفة عند الجيل الأول بطبيعة الحال ولكن ينبغي الإجادة في شقرها دون الوقوع فيما أشرت إليه من خطأ يفقد هذا الفن عذوبته وسلاسة ألفاظه , وخير مثال على هذه الإجادة قصيدة اللخمي التي رد فيها عبدالواحد- قصيدة الواتساب - ( مرفقة برابط يوتيوب أدناه ) فيها كلمات لم تكن عند الجيل السابق وشقرت شقر تام من غير اخلال .
واخيرا اريد إقناع هذا النوع من الشعراء أن إيراد كلمات شبه غامضة أو لا معنى لها على أنها شقر ليس بدليل على قوة الشاعر بل دليل على ضعفه وهذا كما أشرت تشويه لهذا الإرث اللفظي المميز وهناك الكثر الكثير من النماذج التي يمكن أن تحذون حذوها من الجيل القديم من شعراء العرضة الجنوبية لم يوردو الشقر تاما في كثير من قصائدهم , ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك ماورد للشاعر المشهور محمد بن ثامرة في هذا النص الذي لم يلتزم فيه بالشقر التام بل خلط بين التام والغير التام :
آنَّ آهلك ياكاذيٌ جالت انهار
في العين والصرعوب واجّا ولوبات " اجّا و لوبات هي أسماء أماكن "
ومن هلك سبتان يامنشعاني
الرد / بن ثامرة
لي عزوة والف رجل في تيا الدار
اهل نوافع ومروت وشدّات
ومعابرٌ نشعي بها من شعاني
الشاعر والكاتب عبدالهادي بن حربي الزهراني