عرض مشاركة واحدة
قديم 12-07-2012, 08:33 PM   رقم المشاركة : 1
الاتحاد وعادل وأنا


 




منذ أن فتح عادل بن حسن بن سعد عينيه على الدنيا لم تكتحل عيناه بحديقة أو خضرة ولا أشجار ، رأى فقط عمائر شاهقات وشوارع وسيارات وصخبا وحديثا عن المباريات والفريق هذا غلب الفريق ذاك وهكذا دواليك .

سمع ورأى كل واحد يشجع فريقا وحماسا زائدا للكرة وللفريق هذا دون ذاك فظن المسكين أن هذه هي الحياة ، فعاش فترة بزوغ نجم الاتحاد وكثرة مشجعيه ، فاختاره فريقا وقال ( مع القوم يا شقرا ) وما درى أن الأيام دول ، حتى صُدم بخسارته أمام الأهلي .

بكى عادل بحرقة ولم تنفع معه المهدئات ، رثيت لحاله فهو ما زال في رياض الأطفال وكان من حق عادل هو وأترابه على المجتمع أن تنشأ لهم حدائق واسعة الأرجاء وارفة الظلال بها يلهون ويلعبون ولكنهم أغتالوا الطفولة عندما حذفوا من قواميسهم مثل تلك الخدمات .

كان من حق عادل هو وأضرابه على المجتمع أن يستمتعوا بطفولة بريئة بعيدة عن هذا الصخب واللجاج ، انتحى عادل دولابا للملابس وبقي ينزف دموعا غزارا !! لم يستطع أحد مواساته ، فالخطب لديه كبير وهزيمة فريقه أمر خطير ، هو أكبر من كل الكلمات وأبلغ من كل العبارات .

تقربت منه وقلت له أسمع مني يا عادل : لست وحدك من اغتالت طفولته عبث العابثين فأنا مثلك يا بني ، أخذ صغيري يصغي إلي باهتمام ، والشهقة تكاد تفك صدره ، فقلت له :

في يوم من الأيام كنت أحب الكرة مثلك ألعبها في المدرسة وفي جرين الدياس في القرية ، كرتنا نسميها ( كبابة ) مصنوعة من طمور مهترئة ، ألعبها بدون حذاء لأنه لا يوجد لدينا أحذية في ذلك الزمان ، وكثيرا ما نعود إلى البيت وقد انقلع أحد أظفار أرجلنا والدماء تسيل من أقدامنا بسبب الصخور التي نلعب عليها .

وفي المدرسة كان عندنا معلم رياضة يدربنا في طابور الصباح وفي أحد الأيام ضربني بعصا غليظة وقال أعدل الطابور يا تعبان !!

التويت من شدة الألم ، ضحك عادل وحمدت الله أن نفست عنه بعض همومه ، قال وبعدين ؟ قلت ضحك علي زملائي ، وأسريتها في نفسي وكرهت كرة القدم ومعلم الرياضة وعزمت على مغادرة المدرسة عندما تبدأ حصة الرياضة وقد فعلت ، كنت أتخفى في منعطفات القرية وأسترق النظر إلى زملائي وعندما أراهم يهمون بالدخول أعود إلى المدرسة .

ولكن اليوم الضرب ممنوع ، وإذا اعتدى عليك أحد فاخبر مدير المدرسة أو أخبر والدك ، أحذر يابني أن تفعل مثلي ففي ذلك الزمان لا يوجد سيارات ولا أولاد صائعون ضائعون مثلما هو اليوم واستمع إلي وأنا أحكي لك كيف كان مدرسنا يدربنا

صاح فينا سابقا يحسب علينا كمعلم
أستعد أسترح أستعد أسترح
جاء يعدو رافعا فينا عصاه
ثم أهوى بعصاه فوق جسم من عظام
أعدل الطابور يا تعبان واعقبها بصفعه
ضحكوا مني رفاقي واعقبت في الصدر تعبه
كنت تعبانا كئيبا كان حزني كالجبال
وأبي شيخ مريض وامنا كانت مريضه
وأبي كان إماما دون راتب
لا ضمانا مثل هذا اليوم لا جسما يصابر
مرت ايام وأيام وأشهر
لم نذق طعما للحمة
أكلنا قرص تبلله دموع وحقينه
صاح فينا ذاك ذا يدعى معلم
دب فينا الذعر لم نعرف أنحن نستعد أم نسترح
وانبرى فينا خطيبا ، أيها الأبقار صكوا وتبازوا
صك تباز *** صك تباز
فضحكنا من كلام قد تجاوزه الزمان
هب كالمجنون يجري ثم أمطرنا عصاه
موقعا ركلا وضربا ثم صفعا في الجباه
ثم صاح : أسمعوني أيها الأبقار وافهموا ما ذا أقول
عليَّ تدريبكم في كل شارقة **** وليس ذنبيَ إن لم تفهم البقر
صك تباز *** صك تباز
يقول نزار قباني : كان بودي أن أبكي ولكني ضحكت
وأنا أيضا ضحكت
فأتى كالموت نحوي وبكلتا قبضتيه اهوى بحقد فوق عظم ناتئ عارٍ من اللحم فأوهى معصميه
ومضى ينفض من ألم كلتا يديه
ورماني بنظرة غيض شزرا من مقلتيه
وتحسست من الآلام كتفي
شاكرا أن دافع عني ضد طغيان تجرعناه غيضا غصة في إثر غصه
وتمنيت لو ان العظم سكين وحربه
ربما تشفي غليلي وتفرج عني كربه
ولهذا قد كرهت الكرة بل كل الرياضه وهربت
وإذا جاءت في التلفاز قطبت جبيني وانصرفت
لا تلمني يا صديقي ( عادلٌ ) فأنا من قبل أن تبكي بكيت
وتجرعت من الآلام أنفاسا وألوانا رأيت
لا تلمني أيها العصفور عادل ، يا فدى دمعا جرى من مقلتيك
لم تساعفني حظوظي كي أعزيك ، لم أضيء ليلك الداجي بشمعه
فلقد جفت دموعي كان ودي أن اواسيك بدمعه

كتبت الموضوع بعجره وبجره فاستروا ما واجهتم
شاكرا صبركم على ثرثرتي

عبد الرزاق بن صالح الفقيه

 

 

   

رد مع اقتباس