عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2009, 06:42 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road

بخيت بخيت الحظ ( 2 )


 

ولولت حليمة وصاحت وسكبت الدموع طالبة منهم ترك زوجها لقدره فإما عاش وهذا ما ترجوه أو واجه قدره فيكون موته بين أبنائه وفي قريته إلا أن توسلاتها لم تجد معهم نفعاً
حُمل سالم فيما يشبه ( النعش ) على جمل وأُخذ إلى أقرب مكان تصل إليه السيارة على مسافة تقارب السبعين كيلو متر عن القرية ، وانقضى اليوم الأول والثاني ولم تصل السيارة وفي اليوم الثالث لفظ سالم أنفاسه الأخيرة ودفن بعيدا عن أهله وعن قريته .

{ في سُرادق العزاء }


عريفة القرية يهمس في أُذن ( ناصر ) واش بتسوّي هالحين في مَرَةْ أخوك وسفانه ؟
ناصر : واش باسوى فيهم ؟ يقعدون في بيتهم وشار حلالهم .
العريفة : وتخلي الغريب ( يقصد أهل حليمة ) يكوَّشون على المال والحلال ؟!
ناصر :المال أظنّ ماشَيّ مال وأما البلاد فبلادنا والحلال حلالنا .
العريفة : وانت في خاطرك إن عوض (أخو حليمة ) وأبوه بيخلون بنتهم عندك ويعطونك ( الهوش ) والحمارة من الباب للطاقة ؟! ما أظنك صاحي !
والدّبرة ؟ ! ردّ ناصر في ذهول .
العريفة : الدّبرة إنك ( تأخذ ) حليمة (وتتشبَّر) الله إنه يرزقك منها ( بذِرا ) مادام ( ما جا لك سفان ) ويبقى سمننا في دقيقنا .
ردّ سالم : على الله ! وغيّر مكانه .


في الجانب الآخر من العزاء ( عوض ) يجلس بجوار أبيه ويجول بناظريه في وجوه المعزِّين وفي ذهنه الدياس الذي أوشك موعده أن يحلَّ ومدى حاجته إلى ثور أخته وحمارتها في الأيام القادمة فالصق رأسه برأس أبيه وتمتم قائلا :
أنحن ما بنخلّي حليمة عند الأجناب لازم ناخذها هي وعيالها واهي فرصة بخيت وصل عمره تسع سنين ما دخل المدرسة يدخل مدرستنا مع عيالي والبنت تتربى مع بناتي واختي ( مِيَتِّم ) تبقى شارعيوننا .
راقت الفكرة لوالد حليمة لكنّه لم يشأ مناقشتها مع عوض في ذلك الوقت فردّ على عجل: ما بعد غلّق العزا وانا ابوك خلّه يغلّق وإن شاء الله خير.


بعد انقضاء أيام العزاء لم يقَدِّر أحد مشاعر الحزن الذي يكاد يفتك بحليمة أو يحس بمدى الرعب الذي كان يكتنفها خوفا من المستقبل المجهول الذى ينتظرها وابناءها ولم تترك لتقضي عدتها في بيتها بل أستبدل ذلك كله بإركابها وأبنائها حمارة الفقيد وأرغمت على اقتياد الثور والبقرة والعودة برفقة أهلها إلى مسقط رأسها.
لم يكن ناصر ليسمح لوالد حليمة وأخيها باصطحاب شيء مما تم اصطحابه معهما لولا أن حديث عريفة القرية عن زواجه من حليمة مازال يطنطن في أذنيه فأراد أن يبقي على شعرة معاوية دون انقطاع.

حلّ موعد ( صرام ) الصيف ( ودياسه) في قرية عوض وأبيه وذاق بخيت وأخته من أنواع الشقاء ما الله به عليم فهما يتواجدان رغما عنهما في كل موقع يأمرهما خالهما بالتواجد فيه مفتقدين حنان والدتهما التى لا يكادان يريانها إلا بعد مغرب كل يوم إذ كانت طوال الوقت بمنأىً عنهما إمّا في ( الصّدر) للحطب أو في الوادي ( للسَّوْق ) أو ( للصرام ) أو في إحدى ( الجُرُن ) للدياس أو تشارك الغير في نقل إحدى ( الدّمون ) أو... أو ... ولاغرو في ذلك فهي وأبنائها كالبهائم في نظر أخيها يعيرهم لمن يحتاج لخدماتهم من أفراد القبيلة مقابل ما يسدٌّ رمقهم فقط .

فتحت المدرسة أبوابها بعد إجازة الصيف والتحق بخيت بصفها الأول وهو ابن التاسعة حيث وافق مدير المدرسة ( وهو ابن قريتهم ) على تسجيله بها بعد أن بعث به خاله في موسم صرام الصيف الذي انتهى للتو مع والدته وثورها وحمارتها لمساعدة المدير وعائلته في حصاد الموسم .

تفاجأت حليمة بمتطلبات المدرسة التى لم تتعود عليها من قبل والتى لم تكن تنقطع ووقفت حائرة أمام رفض ابنها الذهاب إليها في كثير من الأيام خوفا من عقاب الأستاذ جمال الذي يصر على أن يحضر كل طالب كرّاس جديد لكل مادة ويغلّف كتبه ويحضر ( بدلة ) وحذاء للرياضة إلى جانب البرَّاية والمسَّاحة والمرسم وما إلى ذلك فحمدت الله على أن أخيها لم يلحق ابنتها بالمدرسة كما فعل ببناته وإنما أبقى عليها من بينهن لرعي الماشية .
ذهبت حليمة لزوجة مدير المدرسة التى لم تكن غريبة عليها إذ أن عَرَقها وعرق ابنها ودوابِّهم لم يجف بعد من ( جرينهم ) وشكت عليها ضيق ذات اليد وطلبت منها تدخل زوجها لدى ( المقاول ) جمال ليعفي ابنها من بعض ما يطالب به الآخرين تقديرا لظروفه التي لا تخفى عليها فهزّت الأخيرة رأسها ووعدتها خيرا إلا أنها لم تحرك ساكنا خوفا من أن يعطف زوجها على حليمة ويتزوجها بعد أن سرت شائعة بين نساء القرية مفادها أن أخيها عوض سيزوجها لأول رجل يتقدم لخطبتها .

أثار كبر سِنَّ بخيت عن المستوى الدراسي الذي هو فيه سخرية أبناء القرية منه وخصوصا ابن خاله ( علي ) الذي يصغره ببضعة أشهر ويدرس في الصفّ الثالث فزادت عليه الضغوط وكأن ضغط الفقر وحده لم يكن كافياً ليربّي في أعماقه عقدة من الدراسة والمدرسة .

بعد أن رجع بخيت في يوم من الأيام إلى أمه يبكي ويريها آثار الضرب الذي أحدثه بجسمه الغض أستاذه جمال بعثته باحدى ( بنجرتيها ) خفية عن أخيها إلى العم ( موسى ) ليبتاعها لها وتحلُّ بثمنها مشكلة طلبات المدرسة ، أما مشكلة سخرية أبناء ألقرية من ابنها فقد بقيت دون حل .


اشترت حليمة بجزء من ثمن البنجرة ديكا ودجاجتين وأودعتها لدى إحدى قريباتها لتوفرمن ثمن البيض الذي يبيعه لها العم موسى في سوق الخميس ما يؤمن لها بعض متطلبات ابنها وذلك قبل أن يكتشف ابن أخيها الأكبر ( حسن ) الأمر ويتسلط في غفلة منها ومن قريبتها علي البيض ويسوِّقُ جزءاً كبيراً منه لصالحه على بعض المغرمين بالبيض البلدي من المدرسين الأجانب العاملين في المدرسة .
في نهاية العام الدراسي نجح بخيت ورسب علي وحضرت الوفاة والد حليمة أثناء إجازة الصيف فجاء ناصر بعد انتهاء العزاء ببضعة أيام لأداء الواجب معتذرا بأن خبر الوفاة لم يصله إلاّ متأخرا .


نواصل بقية الأحداث في الحلقة القادمة بإذن الله .


معاني الكلمات :

الهوش: كلمة يقصد بها ( الثور ، البقرة )
تتشبر : تطلب
ذرا : مولود
سفان : أولاد ( بنين وبنات )
ميتِّم : المرأة التى توفى عنها زوجها ولها منه أطفال لازالوا في حاجة للرعاية
جُرُن : جمع ( جرين ) وهو الساحة أو الفناء المعد لدرس الصيف أو دياسة
القاول : كانت تطلق هذه الكلمة في الديرة على المدرس المتعاقد معه من خارج المملكة وخاصة من يرتدي منهم ( البنطلون ) من إخواننا الأردنيين والفلسطينيين وأظن ان مصدرها ( أنه تم التقاول معه _ أوالإتفاق معه من قبل الدولة على التدريس في المملكة ) .

 

 

   

رد مع اقتباس