الموضوع: من هون وهون
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2010, 09:10 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 



--- 7 ---

البحث الخادع عن السعادة
في الأدب الغريب وثقافة الآخر



وقع بعض دارسي الاستشراق في إشكالين بحثيين، هما: حصر ظاهرة الاستشراق في الاستشراق نفسه، بتجريدها مما يصاحبها من مؤثرات ثقافية تسبقها أو تتزامن معها؛ أو بالعكس، تعميم الظاهرة وجعل الاستشراق وعاء شاملا يبتلع الظواهر الثقافية المصاحبة لها. النظرتان تلحقان أذى بسبل رصد حدود الظواهر وتطورها. ولكن، عند كسر القوقعة الاستشراقية الصلدة، تسيل محتوياتها الى غير اتجاه، وتبرز أمامنا ظواهر ثقافية أعمّ وأشمل، منها "ثقافة الآخر" و"الأدب الغريب"، وما يمكن أن نسميه بـ"الاستكشافات الفكرية"، كعملية عقلية موازية ومتمّمة للاستكشاف الجغرافية.
ترتبط ظاهرة البحث عن المشهد الغريب بأدب الرحلات. الميل الى الرحلة في الثقافة الأوروبية، ولا سيما الإنكليزية، نزوع معروف. فالسفر "يحقق المتعة والتجديد"، كما يقول فولتير في "كانديد".





---- مقتطفات من مقال :
استكشافات جغرافية وأخرى ثقافية --


كانت الرحلة الى جنوب أوروبا تجديدا اجتماعيا ونفسيا وروحيا للكثيرين، عدا ما تحمله من مضامين ثقافية وعقلية. لكن البحث عن الغريب تجاوز حدود التنقل بين أجزاء أوروبا الشمالية والجنوبية. وتجاوز في أهدافه التغيير البيئي والنفسي، الى الغايات العلمية والثقافية، ومن دون شك، الى الأغراض التي اقتضتها سعة المصالح الدولية وتضاربها وتنوعها أيضا. عدّ النقاد مشاهد بروسبير ميريميه (1870-1803)
المتوسطية (اسبانيا، كورسيكا) أدبا غريبا ودخيلا، واعتبرت مشاهد فيكتور هوغو الاسكندينافية، في أولى رواياته والأسوأ بينها، "هو من إيسلندا" (1823)، ضربا من الأدب الغريب أيضا. فالغريب قد يعني عبور الحاجز المحلي، أو القومي، أو حتى العرقي، كما هي الحال في "الأدب الغريب" الأميركي المبكر. وقد يمتد الشرق و"الأدب الغريب" الى ما وراء البحار. أمّا حدود الشرق فلم تسلم من تغيير مواقعها الثابتة. فتارة تمتد حتّى جنوب أوروبا ومنطقة البحر المتوسط: تركيا والبلقان؛ وقد تعني الدولة العثمانية وما جاورها. في "كانديد" التي تعجّ بالمحمولات التاريخية: بابل، اليهود، الأندلس، كان الضغط قادما من "العرب والبلغار"، ولم نر عربا في الرواية، لكننا أحسسنا بثقل الأتراك. وقد يعني الشرق الهند وشرق آسيا، وقد يضيق فينحصر في جنوب البحر المتوسط وشرقه والعراق وفارس.







حتى اللغة أنجبت مخلوقاتها الفطرية الاستشراقية. ففي الهند المستعمرة اكتشف القاضي البريطاني وليم جونز (1786) ما يُعرَف باللغات الهندو أوروبية، طفل الأدغال اللغويّ، كثمرة من ثمار التلاقح بين العلم واللغة والمنابع الثقافية المحروسة بالجيوش الغازية. ومسحت الحملة الفرنسية على مصر من على وجه اللغة الهيروغليفية رمالَ النسيان.
أمّا الرحلات النقلية، التي قادت الى ترجمة أشهر قصص الشرق، "ألف ليلة وليلة"، على يد أقدم مترجميها وأشهرهم، الفرنسي انطوان غالان، فلم تخف رغبتها في ترجمة القصص كخامات ثقافية مبكرة، بل تعدّت ذلك الى "تحسينها" بالإضافة والتعديل، ومساعدتها فنيّا "كمن يعلّم طفلا على المشي"، لكي تكون قريبة من الذوق الأوروبي، "الأكثر نضجا!"، والأكثر بعدا عن المنابع الثقافية الفطرية الصافية .






----- في مقال آخر :
تحوّلات في مجرى العقل --- هذه مقتطفات منه :


حين ننظر الى لوحة التبادل الثقافي من منظور شامل، هو منظور النظر الى الآخر، نعثر على تمايزات لونية عديدة تصبغ ظاهرة الاستكشافات الثقافية وتربط بعضها ببعض بروابط خفية أو علنية، لكنها في النهاية تشكل الهوية العامة للظاهرة، باعتبارها شكلا من أشكال الاستحواذ الثقافي، ووسيلة من وسائل الهيمنة العقلية على الواقع، بصرف النظر عن غاياتها المباشرة أو غير المباشرة، وبصرف النظر عن أهداف المنتفعين بها.
ففي حقب عديدة من التاريخ الأوروبي الحديث ظهر أدب اتخذ الآخر، المغاير، سواء أكان مجتمعا أم فكرا أم بيئة جغرافية، وسيلة فنية مجردة ظاهريا من الإيديولوجيا والبعد السياسي المباشر. نستطيع أن نعثر على هذا الضرب في رحلات الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون وقصصه
(1894-1850)، ومنها قصة المغامرات الشهيرة، "جزيرة الكنز"، التي تقوم على عناصر التشويق والإثارة، ونعثر عليها في "موبي ديك".



أولى بوادر التغيير الفكري كانت تعديل القاعدة العقلية للنظر الى القضايا الفلسفية الكبرى. فعلى انقاض الثنوية القديمة: ماديّة- مثاليّة (أرسطو وإفلاطون)، ولدت ثنوية فلسفية جديدة، وإن لم تفلح في إلغاء الثنوية الأولى. كان القرن السابع عشر هو قرن ولادة المنظورين الفلسفيين الجديدين، العقلانية والتجريبية، اللذين أحدثا انعطافة جديدة في سبل النظر الى الطبيعة والفكر والمجتمع.
كانت البيئة السياسية والاجتماعية الانكليزية مؤهلة تأهيلا تاما لإنتاج أفكار التيّار التجريبي وحملها، الذي شرع فيه كثيرون، منهم جون لوك (1704-1632)،
صاحب الفضل الرئيسي في إنضاج حزمة مترابطة من التجديدات العقلية والسياسية والاجتماعية، ووضعها موضع التطبيق العملي. كانت فكرة الدولة، ككيان أعلى يتولى مهمة حماية الثروة (الملكية) والحرية (الفردية والعامة)، التي تنتهي حالما تبدأ حرية الآخر، وارتباطها بالمسؤولية الاجتماعية، أحد أعمدة فكر لوك، التي أسست لظهور الليبيرالية الغربية.


رؤية وتحليل : سلام عبود



 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس