عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-2011, 01:46 AM   رقم المشاركة : 8

 

قصة ، من : عبدالعزيز مشري

الطريق المتثني على حافة الوادي وصخور الجبل.. يحلم في أحشائه المدهوكة بالحجارة والتراب وبصمات أظلاف المواشي مع بقايا تتسلق الأنوف من الروث .. تحمل صبياً يبعثر خطواته ، فتصطك قدماه بكل قوامها في النعلين البلاستيكيتين ؛ بالحجارة الصغيرة، ويربض بشراسة غبار التراب على الأصابع .
انحنى الصبي الماضي في الطريق فالتقط حجراً بحجم القبضة ، وقذف به المنحدر.. فطار طائر صغير نحو الفرار، وتسرب حلم جميل مع الجناحين الهاربين .
أما ذلك القماش الملفوف كالذراع الطرية في يد؛ فقد نالته مع هزة البدن وقت إذ رمى بالحجر؛ هزة أطاحته في القريب ، حيث انحنى جذع الصبي مرة أخرى على قيد فينة، فالتقط القماش، وكان بلون يفيح في القلب الصغير سروراً، ويقابل اخضرار الشجر والأحلام والحلوى المغلفة وعيون القطط في الظلام.
العيد على مرمى أيام قليلة ، وفرحة الصبي لا تليق بدون ثوب جديد، والأب اشترى هنداستين من البز الأخضر الذي يصلح لحركة البدن الصغير بين نزو الأنف على الكم ، وحبر قلم الجيب على الصدر .
وحيث إذ تلمس الصبي ريالين هامدين في جيب الصدر، من يد الأب .. نقلته النشوة المجنحة إلى العم أبو صالح خياط القرية من أقصاها إلى أقصاها .
عندما ولج الصبي من باب الدار .. مد بلفافة القماش ، وفرط ريالين مرهقين من كثر التداول، وقال:
قبل العيد .. يا عم
ابشر يا ولدي .. وسأل عن أبيه .
كان العم أبو صالح يؤرجح موطئ قدميه فوق لوح حديدي كبير الفتاح، يدير عجلة تهرهر بسير يلزم عجلة لماعة من عنقها .. تلمسها أصابع اليد اليمنى فتتناسق مع ضغط القدمين المتأرجحتين، وتذهب عيناه بين مكان الإبرة، وموضع السيجارة الرابضة في المنفضة الملزقة على خشب طاولة مكنة الخياطة .
نظر الصبي إلى المقص الكبير الأبيض بممسكيه الأسودين .. يخشخش في القماش الذي نال قياساته السريعة، وتمنى لو أنه يملك مثله ولو ساعة من نهار .
وألقى نظره مراراً إلى وجه العم أبو صالح ، وهو ينفض رذاذاً خفيفاً من بين شدقيه، ويخرج كلمات ثقيلة ومدعوكة برائحة السجائر، وقال كلاماً اعتيادياً عن العمر والمدرسة وأحوال الأب، وسأل :
قل لي .. إنت رجال ، وإلا رجرجة ؟
احتار الصبي كيف يجيب ، واستحي، وبالغ في التردد، وحار في الاختيار ، فالرجال مقصد ما يريده كل صبي أن يكون، والرجرجة ربما كانت بقايا خوضة اللبن إن كان على ما يعتقد ورد :
أنا رجال
بارك الله .. بارك الله .
دعا العم الخياط زوجته .. فجاءه صوتها الملبي من الداخل، وطلب منها شيئاً لم يبن للصبي إلا بعد أن قبض عليه في يده الصغيرة، ومضى يدخل خطواته في أمعاء الطريقة التي جاء منها، ويقذف بنوى التمرات المعدودات التي نالها دون توقع من زوجة العم أبو صالح الخياط . كان العيد يزحف بجناحين أخضرين، وكانت فرحة الثوب الجديد تتأهب لتعقد أياماً في صدر الصبي.. أما ما عدا هذا فلتذهب الجبال الثقيلة بما حملت .


الاستاذ سعيد راشد
دمت بصحه و عافية

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس