عرض مشاركة واحدة
قديم 07-29-2008, 06:05 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 



فكرة النهايات
فخري صالح جريدة الحياة - الثلاثاء - 27/07/08//

كان الباحث والكاتب المصري عبدالوهاب المسيري، الراحل قبل أيام، من الأشخاص الذين ينكبون على عملهم يجودون فيه من دون انتظار تقدير أو جوائز أو مساعدة من شخص أو مؤسسة أو دولة. ومع أنه عكف على أبحاثه ودراساته وكتبه طوال نصف قرن، وحقق في عمله ما لا تقوم به سوى المؤسسات الكبيرة التي تجند عشرات الأشخاص لينجزوا ما أنجز، إلا أنه ظل ذلك الرجل المتواضع الذي يتحلى بالموضوعية والرقة.
عبدالوهاب المسيري مثال نادر في العمل الثقافي العربي، فهو قضى حياته في البحث والكتابة والمعرفة، وصرف من ماله الخاص لكي ينجز مشروعه الذي نذر عمره له. أنفق الرجل ما جمعه من عمله الأكاديمي في جامعات عربية وأجنبية وفي مكتب الجامعة العربية في الأمم المتحدة خلال سبعينات القرن الماضي لكي يحقق حلمه بصدور موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية». وقد سمعت من بعض من عملوا معه أنه كان يخصص لهم رواتب شهرية من جيبه الخاص على رغم صعوبة العيش وكثرة المال الذي يحتاجه العمل على موسوعة كبيرة.
لم يكن الرجل يسعى الى مال أو جاه أو وظيفة كبيرة، وكان في إمكانه أن يفعل، وهو ابن عائلة تنتمي الى الطبقة المصرية المتوسطة، علمته في أفضل الجامعات الأميركية وهيأت له الظروف لكي يتصل بالثقافة الغربية. لكنه آثر أن يخلص للمعرفة والإنجاز العلمي على مدار أعوامه السبعين التي عاشها على هذه الأرض. وهكذا توالى صدور كتبه حول الأدبين الإنكليزي والأميركي، وحول الثقافة الغربية بعامة، وشعر المقاومة الفلسطينية، كما تتابعت ترجماته لدراسات ونصوص أساسية في اللغة الإنكليزية، إضافة إلى الشعر وكتب الأطفال، بحيث حقق حضوراً في حقول إنجاز وكتابة وبحث متعددة.
فعل ذلك لأنه أخلص للعلم والمعرفة، وواصل نهاره وليله يقرأ ويبحث ويدقق، بصبر العالم وأناته وقدرته على التقريب بين المتباعدات وملاحظة السمات الدقيقة في المعارف الإنسانية. ومن يقرأ موسوعته حول «اليهود واليهودية»، وقد سبقتها كتب له في الموضوع نفسه، وبذور أساسية لمشروعه الكبير، يلاحظ أن الرجل لا تأخذه العاطفة والهوى في ما يكتب، ولا يلجأ الى الأيديولوجية لكي يدلل على صدق أطروحته. بل إنه يبحث بدربة العالم المدقق في مادته المعرفية، وموضوعية الباحث الحصيف، وسعي رجل المعرفة إلى العثور على الحقيقة بين ركام الأوهام والأهواء والأكاذيب. كما أن أطروحته الأساسية عن نهاية الصهيونية والدولة العبرية لا تقوم على أحكام غيبية وتفكير غيبيّ، يقيم في أساس ما نقرأه من كتابات عربية، هذه الأيام، عن الصهيونية، بل على دراسة المشروع الصهيوني وما يسميه المسيري «وظيفية» هذا المشروع، وارتباطه بالمشروع الإمبريالي الغربي، ووصوله إلى أفق النهايات لأسباب موضوعية تتصل بموقعه في منظومة المشروع الإمبريالي الأميركي في الوقت الراهن.
لم يقل الرجل إن إسرائيل ستزول بعد سنوات، لأن عالماً مثل المسيري، لا يمكن ان يتحول إلى منجّم وقارئ بخت! لكن المؤسف أننا فهمنا أطروحته فهماً وهمياً، ونمنا على فراش من ريش النعام عندما سمعناه، فقلنا إن إسرائيل تتفكك من الداخل وسوف تتلاشى قريبا، بعد سنة، بعد سنتين وجيل!
لم يقل المسيري ذلك، وإنما نحن قوّلناه وأوّلناه بطريقة تتنكب نموذجه التفسيري، ورؤيته التحليلية العميقة للثقافة والمجتمعات الغربية. وهذا دليل على إفلاس النخب السياسية والثقافية والفكرية العربية في زمان النهايات العربي.

.... أخي فايز :
اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
أن لاتفارقهم فالراحلون هم
...... عبدالوهاب المسيري لم ولن يرحل ....

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس