عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2008, 03:01 AM   رقم المشاركة : 1
Berightback ||| تبخر حلم الدكتوراه |||


 

تبخر حلم الدكتوراه

وذهب الطموح أدراج الرياح



( الحلقة الأولى )

في أولى حصة دراسية لمادة القواعد للصف السادس ؛ كتب المعلم على السبورة:
بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ : ؟ / 4/1385 هـ
المادة : قواعد
الموضوع : مراجعة لما سبق دراسته بالصف الخامس .

وتبدأ المراجعة
التمرين الأول : قطعة نثرية يتبعها بعض الأسئلة حول ما تحويه من أسماء وأفعال وحروف ، وما ورد بها من الجمل الاسمية والفعلية .
التمرين الثاني . . . اعرب ما يلي :
1 - ( جاء الذي سافر ).
قام المعلم بمناقشة طلابه لإعراب الجملة موزعاً الأدوار بينهم مع تسجيل رؤوس أقلام على السبورة .

طلب المعلم من أحد طلابه قراءة الجملة الثانية .
صاح أحد طلابه وبإلحاح : أستاذ أستاذ أستاذ .
التفت الجميع إلى مصدر الصوت في زاوية الفصل الخلفية اليمنى ليشاهدوا طالباً صغيراً نحيلا رافعاً يده اليمنى المقبوضةً عدا سبابته الممدودة . وبعد حصوله على الإذن من معلمه بالكلام قام قائلاًً :
ما هو محل ( سافر ) من الإعراب ؟

لم يكد يسمع المعلم السؤال حتى رأى بريق النجوم تتراقص في شبه ظلام أمام عينيه من هول المفاجأة .

أتعلمون لماذا ؟

لأن المعلم مسكين حاصل على كفاءة معهد المعلمين الابتدائي ، ومستواه التعليمي أقل من مستوى الكفاءة المتوسطة اليوم وخبرته في التدريس سنة واحدة قي تدريس الصف الثاني الابتدائي ، وتأكد له أنه أمام سؤال مُحرِج للغاية ولا يعرف إجابته ، ولا يعلم هل السؤال حقيقي يوجد له إجابة مقنعة ؟ . أم سؤال استفزازي في غير محله ليس له إجابة مقنعة ، ويحتمل أن الطالب طرحه ليختبر قدرة معلمه على التصرف .
قفز إلى ذهن المعلم اقتناع أن السؤال استفزازي في غير محله ، فلم يمر عليه في دراسته (شيء اسمه محل من الإعراب ) ، وتمنى لو أن تنشق الأرض لتبتلعه ، ولا يرى نفسه في الحصة الأولى من المنهج مُحْرَجَاً أمام طلابه الذين بعضهم أكبر منه سناً ، إذ المدرسة في قرية نائية وحديثة الافتتاح . كل هذه الأفكار تواردت إلى ذهنه بسرعة كلمح البصر .

استجمع المعلم قواه وبثبات وجّه السؤال للطلاب قائلاً :
سأل زميلكم سؤالاً جيداً فمن منكم يستطيع أن يجيب على سؤاله ؟ والتفت إلى السبورة مدوناً ذلك السؤال ووضع تحته خطاً .

خيّم السكوت على الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ، ولو سقطت الإبرة على الأرض لسمعت صوتها .
استمر المعلم بمطالبة الطلاب بمحاولة الإجابة ، وهم يتبادلون نظرات الحيرة والذهول ، ولا من مجيب .
التفت المعلم إلى صاحب السؤال متحركاً باتجاه باب الفصل المفتوح في الزاوية الأمامية اليسرى والتي تواجه إدارة المدرسة ( الطلاب لا يشاهدون الإدارة من مقاعدهم لانحرافها قليلاً ) وقد خطر له فكرة يمكن أن تنقذه من الموقف المحرج الذي لا يحسد عليه وأشار بيده إلى الطالب السائل .
المعلم : هل تعرف الإجابة ؟. . . إذا كنتَ تعرفها فاذكرها لزملائك ؟
الطالب : لو كنتُ أعرفها ما سألتك .

وصل المعلم أمام باب الفصل الذي يطل على الإدارة عبر الساحة فالتفت فجأةً باتجاه الإدارة وأوهم طلابه أن المدير يؤشر له بالذهاب إلى الإدارة إذ قال مستفسراً وبصوت عال ٍ :
أنا ؟. . . نعم ؟ . . . لكن الحصة ما خلّصتْ ؟ . . طيّب .. طيّب .
والتفت إلى طلابه واقترب من طاولة أحدهم ليضع الطباشير قائلاً : المدير أشّر إليّ لأذهب إليه .. سأعود حالاً .

خرج المعلم من الباب مسرع الخطوات ، وأدلف من باب الإدارة ليرتمي على مقعدٍ متهالك بجوار مكتب حديدي رصاصي اللون قد جثم خلفه مدير المدرسة .
المدير : خير يا طير . . إشبك خرجت من حصتك ؟ باقي نص ساعة ؟
تنهّد المعلم ليتنفس الصعداء ومدّ بصره بانكسار إلى عيون مديره ، ثم تناول ورقة وكتب عليها جملة الإعراب وشرح ما حدث له في الفصل .
المعلم : هل تعرف الإجابة يا أستاذ صالح ؟ .
المدير : هآه ؟ لا والله ما أعرفها ــ قالها مندهشاً فاتحاً فاه وعينيه القابعتين خلف النظارة الشمسية السوداء –، ثم أردف قائلاً : سنسأل الأستاذ جودت (جودت : معلم رياضيات أردني الجنسية من أصل فلسطيني )
المدير : اذهب يا عم عبد الله ادع الأستاذ جودت من الصف الخامس .(عم عبد الله : فراش المدرسة ) .
عم عبد الله : ابشر . . حاضر .
( جاء الأستاذ جودت إلى الإدارة ).
جودت : السلام عليكم .
الحاضرون : وعليكم السلام ورحمة الله .
المدير : اعرب لنا يا أستاذ جودت هذه الجملة وبيّن لنا محل ( سافر ) من الإعراب .
جودت : لا اعرف - بعد أن تفحّص الجملة محاولاً إعرابها – تخصصي كما تعلمون رياضيات .
المدير : شكراً . عد إلى فصلك .
المدير : ادع لنا يا عم عبد الله الأستاذ عوض الكريم .
( عوض الكريم : معلم دين سوداني الجنسية درًس بمعهد المعلمين الابتدائي ببني ظبيان عام 1383 هـ وتمَّ نقله تأديبياً إلى هذه المدرسة الابتدائية النائية ، ومعلم القواعد المسكين تلقى دروسه الدينية على يديه بالمعهد الابتدائي ببني ظبيان ) .
( جاء الأستاذ عوض الكريم إلى الإدارة ) .
عوض الكريم : السلام عليكم والرحمة.
الجميع : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المدير :اعرب لنا يا أستاذ عوض الكريم هذه الجملة ووضّح لنا محل ( سافر ) من الإعراب .
عوض الكريم : ــ بعد تفكير شديد ــ قال ( والله يازول ما مرّت معاي آآي . أنا تخصص دين مغدر أفيدك .. داير شنو تاني مني ؟ ) .
المدير : لاشي . عد إلى فصلك مشكوراً .
معلم القواعد : والله لن أعود إلى الفصل . اذهب أنت يا أستاذ صالح أكمل الحصة إن كنت تستطيع .
المدير : لا .لا. لا. اجلس عندي حتى تنتهي الحصة .
المدير : اذهب يا عم عبد الله إلى الفصل السادس واختر أحد الطلاب ليقف عريفاً عليهم .
عم عبد الله : حاضر .
بعد نهاية الدوام عاد معلم القواعد إلى البيت ، ولم يشارك في إعداد الغداء مع زملائه الساكنين معه . ولم يأكل معهم منه شيئاً. إذ انشغل بفتح كرتون مملوء بالكتب وبعثرها على الحنبل ( فرشة الغرفة ) وبدأ يبحث ويبحث ويبحث في كتب اللغة العربية للمراحل الثلاث المتوسطة والمراحل الثلاث لثانوية دار التوحيد .وشرح ابن عقيل ، وألفية ابن مالك .

سؤال يتبادر للذهن : من أين جاء المعلم بهذه الكتب والمراجع ؟

الجواب : معلمنا كان يطمح منتشياً لتحقيق حلم يراوده لنيل شهادة الدكتوراه بعد حصوله على ترتيب متقدم في كفاءة معهد المعلمين الابتدائي على مستوى المملكة عام 1383 هـ .
وقد أخذ مناهج المتوسطة بمراحلها الثلاث من الأستاذ : عبد الله مسفر بدران – حفظه الله – عندما كان مديراً لمتوسطة الباحة ، وسافر إلى الطائف وتقدّم إلى دار التوحيد المتوسطة والثانوية للموافقة على الانتساب للدراسة والحضور لاختبار 3 سنوات في سنة واحدة للمرحلة المتوسطة وكذلك بالنسبة للثانوية واستلم مناهج الثانوية وشرح ابن عقيل وألفية ابن مالك منها .

بعد عناء البحث والتقصي تعرّف معلم القواعد على الجُمل التي لا محل لها من الإعراب ومنها جملة صلة الموصول .

في الحصة الثانية لمادة القواعد دخل المعلم الفصل ، وسلّم على طلابه .
معلم القواعد : أين وصلنا في المراجعة ؟
الطلاب : انتهينا من جملة ( جاء الذي سافر ) .
معلم القواعد : مشيراً إلى أحد الطلاب ؛ اقرأ الجملة التي تليها .
وكأنه نسي ما جرى له في الحصة السابقة من إحراج كبير أو أنه تظاهر باللامبالاة رغم ما يشعر به من شوق للإجابة على السؤال المحرج . ولكنه يريد ذلك بطريقة غير مقصودة مباشرة .

صاح الطالب السائل سابقاً : أستاذ أستاذ أستاذ . في الحصة الماضية دعاك المدير ولم تجبني على سؤالي.
المعلم : ما هو سؤالك ؟
( المعلم تجاهل الطالب وتناسى سؤاله حتى يوهمهم أنه كان بإمكانه الإجابة عليه لولا دعوة المدير له ).
الطالب :سألتك ما موقع سافر من الإعراب ؟
( انظروا إلى حرص الطالب على معرفة الإجابة ؟. . . بماذا تفسرون ذلك ؟ )
المعلم : آه .. افتكرت .. ثم التفت إلى طلابه قائلاً : هل تعرفون الإجابة ؟
الطلاب : لا ما نعرف .
المعلم : ولا أنت ؟ - مشيراً إلى الطالب نفسه –
الطالب : ولا أنا .
المعلم : جملة سافر المكوّنة من الفعل الماضي وفاعله الضمير المستتر هي صلة الموصول لا محل لها من الإعراب .
ومر اليوم بسلام ، ولكن حدث موقف آخر من الطالب نفسه في حصة التعبير أجبر المعلم الطموح أن يترك مواصلة دراسته لنيل الدكتوراه إلى غير رجعة.

سأخبركم في الحلقة الثانية إذا أعطانا الله عمرأً وعافية إن شاء الله .

أتمنى أن تكتبوا شيئاً عن انطباعاتكم عن هذه الحلقة التي سأعتبرها حافزاً لي لكتابة الحلقة الثانية .

متمنياً لكم الصحة وطول العمر ، ولفكركم وأقلامكم التألق المستمر .

ولكم أطيب وأزكى سلام ، وأجمل تقدير واحترام

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس