12.سئل فضيلة الشيخ: عن قول أحد الخطباء في كلامه حول غزوة بدر :
( التقى إله وشيطان) . فقد قال بعض العلماء أن هذه العبارة كفر صريح،
لأن ظاهر العبارات إثبات الحركة لله – عز وجل- نرجو من سيادتكم توضيح ذلك ؟
فأجاب بقوله:
لا شك أن هذه العبارة لا تنبغي ، وإن كان قائلها قد أراد التجوز فإن التجوز إنما يسوغ
إذ لم يوهم معنى فاسدا لا يليق به .
والمعني الذي لا يليق هنا هو أن يجعل الشيطان قبيلاً لله – تعالى -، ونداً له ،
وقرناً يواجهه ، كما يواجه المرء قرنه ، وهذا حرام ، ولا يجوز .
ولو أراد الناطق به تنقص الله –تعالى – وتنزيله إلى هذا الحد لكان كافرا ،
ولكنه حيث لم يرد ذلك نقول له :
هذا التعبير حرام ، ثم إن تعبيره به ظاناً أنه جائز بالتأويل الذي قصده فإنه لا يأثم بذلك لجهله،
ولكن عليه ألا يعود لمثل ذلك .
وأما قول بعض العلماء الذي نقلت : (إن هذه العبارة كفر صريح ) ،
فليس بجيد على إطلاقه ، وقد علمت التفصيل فيه .
وأما تعليل القائل لحكمه بكفر هذا الخطيب أن ظاهر عبارته إثبات الحركة لله – عز وجل- ،
فهذا التعليل يقتضي امتناع الحركة لله ، وإن إثباتها كفر ، وفيه نظر ظاهر ،
فقد أثبت الله – تعالى – لنفسه في كتابه أنه يفعل ، وأنه يجئ يوم القيامة ،
وأنه استوى على العرش ، أي علا عليه علوا يليق بجلاله ،
وأثبت نبيه صلى الله عليه وسلم ،
أنه ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليله حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:
من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟
واتفق أهل السنة على القول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة من ذلك غير خائضين فيه ،
ولا محرفين للكلم عن مواضعه، ولا معطلين له عن دلائله . وهذه النصوص في إثبات الفعل ،
والمجيء ، والاستواء ، والنزول إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم الحركة لله
فالحركة له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمها ،
وإن كنا لا نعقل كيفية هذه الحركة،
ولهذا أجاب الإمام مالك من سأله عن قوله تعالى
( الرحمن على العرش استوى) . كيف استوى ؟
فقال : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وإن كانت هذه النصوص لا تستلزم الحركة لله – لم يكن لنا إثبات الحركة له بهذه النصوص ،
وليس لنا أيضاً أن ننفيها عنه بمقتضى استبعاد عقولنا لها ،
أو توهمنا أنها تستلزم إثبات النقص ، وذلك أن صفات الله – تعالى- توقيفية،
يتوقف إثباتها ونفيها على ما جاء له الكتاب والسنة، لامتناع القياس في حقه – تعالى -،
فانه لا مثل له ولاند ،وليس في الكتاب والسنة إثبات لفظ الحركة أو نفيه ،
فالقول بإثبات لفظه أو نفيه قول على الله بلا علم. وقد قال الله ـ تعالى _:
(قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق
وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطان وأن تقولوا على الله مالا تعلمون)
وقال تعالى _:
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)
فإن كان مقتضى النصوص السكوت عن إثبات الحركة لله _تعالى _أو نفيها عنه ،
فكيف نكفر من تكلم بكلام يثبت ظاهره _حسب زعم هذا العالم –التحرك لله –تعالى-؟!
و تكفير المسلم ليس بالأمر الهين ، فإن من دعا رجلاً بالكفر فقد باء بها أحدهما ،
فإن كان المدعو كافرا باء بها ، وإلا باء بها الداعي .
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله – في كثير من رسائله
في الصفات على مسألة الحركة ، وبين أقوال الناس فيها ، وما هو الحق من ذلك ،
وأن من الناس من جزم بإثباتها ، ومنهم من توقف ، ومنهم جزم بنفيها .
والصواب في ذلك :
أنما دل عليه الكتاب والسنة من أفعال الله – تعالى - ،
ولوازمه فهو حق ثابت يجب الإيمان به ، وليس فيه نقص ولا مشابهة للخلق ،
فعليك بهذا الأصل فإنه يفيدك ،
وأعرض عن ما كان عليه أهل الكلام من الأقيسة الفاسدة
التي يحاولون صرف نصوص الكتاب والسنة إليها ليحرفوا بها الكلم عن مواضعه ،
سواء عن نية صالحة أو سيئة .