الغنيمة الأولى
الحرية الإيجابية
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة ،
عليك ليل طويل فارقد ،فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة،
فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس،
وإلا أصبح خبيث النفس كسلان )
[ متفق عليه ] .
الشيطان يقيّدك ، وعن الخير يقعدك ، وفي أسره يحبسك ،
إنه يصدك عن الذكر ويحرمك من عظيم الأجر ،
إذا أردت أن تجيب النداء " حي على الصلاة" ردك بالترغيب في النوم ،
وإذا سمعت المقارنة " الصلاة خير من النوم" صرفك عن الخير بالمزيد من النوم ؛
فإن كنت ذا عزيمة ، وتنبهت وتوضأت وبادرت إلى أداء الصلاة ،
كنت في كل خطوة تحطم قيداً من قيوده ،
وتهزم جنداً من جنوده ، وما تزال مواصلاً تذكر الله فتحل عقدة ،
ثم تمضي مصرّاً على مخالفته فتتوضأ فتنحل الثانية ،
ثم تتابع مقبلاً على الله فتقل قوته وتنفك من أسره فتصبح وقد تحررت من قيده ،
وتغلبت على مكره وكيده .
ذكر القرطبي - رحمه الله - في قوله – صلى الله عليه وسلم - :
( نم عليك ليل طويل فارقد )
أن هذا من كيد الشيطان وتغريره بالإنسان ، وقال :
أنه – أي الشيطان - يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد…
ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه ،
وفي قوله : ( يعقد الشيطان… ) نقل ابن حجر :
أنه عقد على الحقيقة كعقد الساحر على من يسحره ،
كما في قوله تعالى : {ومن شر النفاثات في العقد } ثم قال:
وقيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور ،
فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم…
وقيل العقد كناية عن تثبط الشيطان للنائم بالقول المذكور ،
ومنه عقدت فلاناً عن امرأته أي منعته عنها
[ الفتح 3/25 ] .
وعلى كل فالمراد أن التارك للذكر والطهارة والصلاة واقع تحت تأثير الشيطان ووسواسه ،
بل إن البيضاوي أشار إلى ما يدل على الوقوع تحت سلطان الشيطان حيث قال :
" التقيد بالثلاث إما للتأكيد ، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة ،
فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه ،
وكان تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه ،
وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته "
[ الفتح 3/26]
أي كأنما يتحكم فيه فيقوده ويوجهه بسيطرته وقبضه على قفاه ،
فهل ترضى أن تكون ذلك المأسور المستعبد ؟
أم تكون ذلك القوي المنتصر - بإذن الله - .
إنه انتصار الطاعة على المعصية ، والذكر على الغفلة ،
والعزيمة على الضعف ،
والخير على الشر ، فما أعظمها من غنيمة ،
احرص عليها ولا تفرط .