وقفات مع القصّة
ما أعظم اللمحة التربويّة التي تحملها هذه القصّة ،
إنها إشراقةٌ أخلاقيّةٌ ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ،
وتفجّر بين جنباته معاني الإحساس بالمسؤوليّة واستشعار المراقبة الذاتيّة ؛
ومن تربّى على التحرّز من قتل نملة واحدة بغير حقّ ،
لا يمكنه أن يفكّر مجرّد تفكير أن يسفك دماً حراماً ، أو يأكل أموال الناس بالباطل ،
أو يعيث في الأرض فساداً وإهلاكاً .
كما أن في الحديث توجيهٌ إلهيٌّ للنبي نحو الأليق بمقام نبوّته والأنسب لمكانته ،
بأن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة ،
بدلاُ من الانتقام للنفس وإهلاك جميع النمل بذنب واحدة ، كما ذكر ذلك الإمام القرطبي .
ويبدو من السياق أن التعذيب بالنار كان جائزاً في الأمم السابقة ،
فإن العتاب لم يقع في أصل القتل أو الإحراق ، ولكن في الزيادة على النملة الواحدة ،
ثم استقرّ الأمر في شريعة الإسلام على حرمة التعذيب بالنار
كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أحمد ،
كما ورد النهي عن قتل النمل بخصوصه في حديث ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربعٍ من الدواب :
النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصُرَد – وهو نوعٌ من أنواع الطيور الجارحة - ،
رواه أحمد .
في حين جاء الأمر بقتل جملة من الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها ،
فأمر بقتل الفأرة – وسمّاها فويسقة - ،
والعقرب ، والغراب ، والحدأة – نوعٌ من الطيور - ، والكلب العقور ،
والوزغ ، وغير ذلك مما جاء في السنّة .
قضية أخيرة يحملها الحديث
وهي أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبوديّة لله وحده وأسلم له طوعاً واختياراً ،
واعترف بقدره وقهره ، وكماله وسلطانه ،
أفلا يكون ابن آدم الذي ميّزه الله بالعقل والإدراك ما استدلّ به على وجود خالقه ووحدانيّته ،
أولى بالعبودية وأحرى بالتسبيح والتنزيه؟ .
(إسلام ويب)
تحياتي
...........