الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجلال والإكرام والعِزَّة التي لا تُرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزيزٌ ذو انتقام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد:
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وارجوا ثوابَه، واخشَوا عقابَه، واسمعوا قول الله - تبارك وتعالى -: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 98]، فخافوا عقابَه، وارجوا رحمتَه وثوابَه.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: لرجلٌ يُوضَع في أخمص قدمَيه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا».
وروى مسلم من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سأل موسى - صلى الله عليه وسلم - ربَّه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: «هو رجلٌ يجِيءُ بعدما أُدخِل أهل الجنةِ الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أيْ ربِّ! كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟! فيقول له: أترضى أن يكون مثلُ مُلكِ ملِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ ربِّ، فيقول الرب - تبارك وتعالى -: لك ذلك، ومثلُه ومثلُه ومثلُه ومثلُه، فيقول في الخامسة: رضيتُ ربِّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهَت نفسُك، ولذَّت عينُك، فيقول: رضيتُ ربِّ».
فالخوف من عذاب الله والرجاء في ثوابه أمرٌ لا بد منه في استقامة المسلم، وفي هذا العصر الذي غلبت فيه القسوة والغفلة وحب الدنيا على القلوب، وتجرَّأ أكثر العباد على الآثام والذنوب، يُقوَّى جناحُ الخوف؛ لتستقيم النفوس، وتزكُو القلوب، وعند الانقطاع من الدنيا يُغلَّب الرجاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يمُت أحدكم إلا وهو يُحسِنُ الظنَّ بربه».
فالخوف من الله يقتضي القيامَ بحقوق الله تعالى، ويُبعِد المسلم عن التقصير فيها، ويحجُز العبدَ عن ظلم العباد والعدوان عليهم، ويحثُّه ويدفعه إلى أداء الحقوق لأصحابها وعدم تضييعها والتهاوُن بها، ويمنع المسلمَ من الانسياق وراء الشهوات والمُحرَّمات، ويجعله على حذرٍ من الدنيا وفتنتها وزخرفها، وعلى شوقٍ إلى الآخرة ونعيمها.
ومن وحَّد الله - تبارك وتعالى - وعافاه الله من دماء الناس وأموالهم وأعراضهم فقد نجا من شقاوة الدنيا وكُربات الآخرة ومن عذاب الله - تبارك وتعالى -، وفاز بجنةٍ لا يفنى نعيمُها ولا يَبيد.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما بارَكت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين وأصلِح ذات بينهم.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك يا قوي يا عزيز.
اللهم أذِلَّ البدع يا رب العالمين إلى يوم الدين.
اللهم احفظ دماء المسلمين، اللهم احفظ دماء المسلمين، اللهم احقِن دماء المسلمين، واحفظ أعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم واكفِهم شر المُعتدين الظالمين يا رب العالمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم أعِذ المسلمين من شر الظالمين ومن عدوان الظالمين يا رب العالمين.
اللهم أطفِئ الفتن التي هبَّت على المسلمين يا رب العالمين، اللهم أطفِئها بعزٍّ للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، وبما يُرضيك يا أرحم الراحمين، وبذلٍّ لأعداء الدين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وأعِنْه على ما يُرضيك وما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيْه لما تحب وترضى، ولما فيه العزُّ للإسلام يا أرحم الراحمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شر كل ذي شرٍّ يا رب العالمين، اللهم أعِذنا وذرياتنا من إبليس وذريته وجنوده وشياطينه، اللهم أعِذ المسلمين من إبليس وذريته وشياطينه يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.