ساحات وادي العلي

ساحات وادي العلي (http://www.sahat-wadialali.com/vb/index.php)
-   ساحة الأدب الشعبي (http://www.sahat-wadialali.com/vb/forumdisplay.php?f=88)
-   -   المعلامة (http://www.sahat-wadialali.com/vb/showthread.php?t=9874)

سعيد الفقعسي 03-14-2010 10:27 PM

المعلامة
 
دشن وكيل محافظ الطائف عبدالله بن ماضي الربيعان الاسبوع المنصرم كتاب (المعلامة) للأديب عقيلي الغامدي وذلك بالخيمة العكاظية بنادي الطائف الادبي وبحضور رئيسه حماد السالمي وجمع غفير من المثقفين والإعلاميين وعقيلي بن عبدالغني آل عقيلي الغامدي من مواليد رغدان 1365هـ يعمل بالتدريس بالطائف عضو نادي الطائف الادبي من اعماله الاخطبوط والمستنقع ( مجموعة قصصية ) وشجرة الليمون ( مجموعة قصصية ). وعقيلي أديب بارع وقاص واقعي له العديد من المشاركات في الاندية الثقافية والصحف المحلية.
ويسرني أن انقل للساحات فصول من المعلامة حيث صور فيها عقيلي ببراعة مرحلة مهمة من مراحل التعليم في منطقتنا العزيزة وأرخ لها بسردية بديعة


بسم الله الرحمن الرّحيم
الجزء الأول

( المـعـلامـــــة )

مع بداية عام 1372 هجرية بدأت أسمَعُ عن (المعلامة) من والدي وممن حولي تمهيداً لإرسالي إليها في (رغدان)، كنت أنتظر هذا الحدث بشوق، فقد كان في القرية من المعلمين:
(أحمد بن سعيد) و(جمعان بن خميس) و(مسفر بن عبد لله الأعمى). وكانوا معلمين على نظام الكتاتيب آنذاك، ومن شدّة اهتمامي بهذهِ المرحلة الجديدة في حياة أيّ طفل.. فقد كنت أسأل وأركّز اهتمامي بأي مسميات أو مصطلحات تتعلّق بالمعلامة/المدرسة، حين أسمعها ممن سبقني إليها مثل: (سيّدنا) معلمنا، وإذا نودي يقال له: (يا سيْد) يا أستاذ. (القراية) تعني الطلبة. (خَبَطَُه) ضربه، (الخباء) حافظة الدفاتر/الحقيبة، وبها مرسمة وكِسْرة من الخبزة أو (عفسة من التّمر) والخباء من القماش يتقلده التلميذ على جنبه حين يذهب إلى المعلامة. (امسكوه) وتعني أن يقوم اثنان من التلاميذ بربط قدمي الطالب لعقابه فيوثق بعمامته أو بعمامة آخر وتُرْفع رجلاه إلى أعلى ثم يُضرب في باطن قدميه. (افتِش/ فتَشَ) افْتح وفتح المصحف أو الكتاب على موضوع الدّرس. (قُصّ) بمعنى تتبّع، تبّع بالسبّابة على الكلمات والسّطور. (طيَّسْ) نسِيَ الدّرْس ولم يفهمْه.
وإذا أريد تحيّة المعلم جماعيّاً فإن التلاميذ يهتفون بصوتٍ واحد قائلين:
( يا سيدنا قمْ قيّدنا.. فَتَحَ الله لك باب الجنّة وباب النار للكفار).
هذه بعض (المصطلحات المعلامية) سردتها هنا ويتبعها غيرها في المكان المناسب.
في العام الذي كنت سأذهب فيه إلى المعلامة عند أولئك (الفقهاء)، ولم يبقَ سوى أن يختار والدي أحدهم مقابل ريالات بل قروش قليلة مع كثير من التوقير والتقدير وزكاة الفطر التي يقدمها التلميذ له في رمضان . وقبل أن أبدأ عند أيّ منهم أعلِن عن فتح مدرسة (للحكومة) باسم (مدرسة بني خثيم) برغدان. فانتظمنا بها وأخذ يفد إليها التلاميذ من جميع القرى المجاورة، فكانت حدثاً فريداً، كما انتقل إليها الطلبة الذين كانوا يدرسون في المعلامة، وكانت الدراسة في حلقات حسب المستويات.. مستويات القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم، واختير لها بيت (العدنان) بيت الشيخ في (السافلة)/الدور الأرضي.. ولم يكن التغيير والتمييز واضحاً في البداية بين المدرسة الحكومية والمعلامة.
أوّل معلم شاهدته في حياتي الدراسية في هذه المدرسة الأستاذ (عبدالرحمن بن رمزي) أثابه الله.
ومع أنّ أخي (عبدالهادي) يرافقني إلى المدرسة فهو قد ختم القران الكريم أو كاد..، فقد تصارعت في نفسي مشاعر متباينة من التشوّق والخوف،والرغبة والرّهبة .. مشاعر غريبة وعجيبة كنت أشعر بها ولا أستطيع وصفها في ذلك الحين، بقدر ما أستطيع وصفها الآن ولم أعد أشعر بها. وعلى الأخص حينما كنا نشاهد طالباً من الكبار يُعاقب بالضرب! أو نسمع البكاء وضربات العصىّ،والاستنجاد بالأب أو الأمّ.. فتتراكم على نفوسنا مشاعرٌ شتّى من الخوف والذّعر.
مع صباح كلّ يوم نذهبُ إلى المعلامة، فمازال هذا الاسم قائماً ثم بدأ ينحسر ليحل محلّه مسمى (المدرسة).
وكان كل منّا يعلق على كتفه (خباء) المدرسة الذي يحوي كرّاساً مثنيّ الأوراق مع بقية (مرسمة)، تلتصق بهما بقايا التّمر وفتات الخبز المتراكمة من يوم إلى آخر.
كنّا نجلس في حلقة المبتدئين الصغار في ذلك المنزل الواسع من غير حجرات تفصل بين المجموعة والأخرى.. فنجلس على الأرض من غير فراش يُذكر سوى قِطعٌ من الحصير يتميّز به التلاميذ المتقدمون في قراءة القرآن الكريم.
طلاب كل حلقة أو مجموعة يشاهدون المجموعة الأخرى، ويتنقّل (الأستادْ) بالدال المهملة.. بين الحلَقات، ثم يوكل إلى بعض التلاميذ المتقدمين مهمة الإشراف على المبتدئين. مع التحفيظ والتسميع لما درسوه وحفظوه فيمارسون مهمتهم بسعادة قد تتطوّر إلى أوامر ونواهٍ واستغلال..

أخذنا في البداية نردد قراءة سورة الفاتحة.. ثم حفظ السور القصيرة، فتتعالى الأصوات وتختلط من مجموعة إلى أخرى حسب الدرس المقرر حفظه وترديده، لننتقل بعد ذلك إلى تعلّم حروف الهجاء حسب ما يُطلق عليه اليوم (الطريقة الجزئية) فندرس الحرف باسمه (ألف.. باء.. تاء.. ثاء) ثم بصوته مع الحركة (أَ بَ تَ ثَ) فنردد:
(أَ نصب.. باء نصب.. تاء نصب... ثاء نصب) وتعني نَصَب: الفتحة، ثمّ ننتقلُ إلى حركة الكسرة:
(إِ خفض.. بِ خفض تِ خفض......) ونعني بخفض: الكسرة (وهذا ما عرفته فيما بعد).
وبنفس الطريقة بالنسبة للضمة والسكون (الرفع والجزم) فنقول: (أُ أو رفع ) (بُ بو رفع)، (اْ جزم ، أبْ جزم..) وهكذا بقية حروف الهجاء بترديد جماعي، ثم ننتقل إلى التنوين بالفتح والكسر والضم (بً ، بٍ ، بٌ) ونردد جماعياً باللفظ:
(بَنْ... بِنْ... بُنْ) وهكذا، وننتقل إلى ترديد كلمات مثل: (أينكم.. بينكم.. تينكم.. ثينكم...) فنرددها ونحن لا نعلم ماذا تعنيه!
لم يكن في المدرسة تحديد زمنيّ للحصص الدراسية أو المواد،فالدراسة كانت تقتصر على حفظ سور من القرآن الكريم، وتعلّم القراءة ثم الكتابة، ويأتي بعد ذلك الحساب للمجموعات المتقدمة، وكثيراً ما كنا ننظر مشدوهين إلى ذلك اللوح العريض الأسود مسنوداً على الحائط أمام التلاميذ الكبار، وهو البديل عن الألواح الفردية التي كان يحملها التلاميذ سابقاً في المعلامة/الكتّاب.


يتبع ................................

رحيق 03-14-2010 11:18 PM

قرأتُ الموضوع بذهول ... هل معقول كانت الدراسة في الماضي بهذه الطريقة؟؟!! ... سألت والدي الذي كان بجواري ... أيّد ذلك الإجراء المتبع في القرى ... سألته : هل قرأتَ بنفس الطريقة ؟ أجاب بالنفي ..

زرنا في صيف العام الماضي غابة رغدان ... واستمتعنا كثيرًا ... فهل رغدان هي القرية المجاورة ؟ -سألت أبي- ... قال حول غابة رغدان عدة قرى ... ورغدان إحداها ...

قلتُ : ربما في ذلك الزمن.. كان هناك فرق بين تعليم القرى ومدن الوسطى ... قال لا . لكن أنا تعلمت صغيرًا خارج البلاد بصحبة أسرتي كما تعلمين .. قلتُ: عفوًا .. غاب ذلك عن ذاكرتي الآن.

سبحان الله ... إذًا كيف تعلم أباؤكم وأجدادكم ؟ .. قال بطرق أكثر بدائية ... رحم الله الأجداد الذين عانوا الأمرين .. والحمدلله على ما نحن فيه الآن من النعم وتطور التعليم ..
نعم .. نعم ..( يرحمهم الله ) والحمد لله على نعمه التي لا تحصى .... ( انتهى الحوار مع الوالد العزيز )


سعيد الفقعسي ... مشكور على الخبر ..وعلى عرض جزء من كتاب المعلامة ... نتمنى الاسترسال في عرض الجوانب المهمة منه ... وسأقتني الكتاب عند عرضه بالمكتبات .. للاطلاع على حقبة تحدي المصاعب والاستعصاء .. وعلى طرق التعليم التلقيني لخلق عقول فذة .. رائدة .. أمثال الأديب الكاتب.




http://sahat-wadialali.com/vb/upload...1268244550.gif

سعيد الفقعسي 03-15-2010 09:31 AM

رحيق بارك الله فيك واشكرك على مرورك العذب الجميل وتعليقاتك الثرية على الموضوع

وبخصوص قرية رغدان فهي القرية التي توجد بها الغابة وهي من اكبر قرى المنطقة مكان وسكان
واما نظام التعليم في السابق فقد تميز بأمور كثيرة منها اساليب العقاب التي برغم حدتها خلقت اجيال من النابغين.
وسنتابع مع الكاتب بمشيئة الله الكثير من المفارقات والمعلومات في سياق المعلامة.......

سعيد الفقعسي 03-15-2010 09:56 AM

المعلامة

الجزء الثاني

وكم كنّا _نحن المبتدئين_ نتمنى أن يكون لنا مثل ذلك اللوح الذي يُكتب عليه (بأقلام بيضاء كالأصابع)! فنزداد تعجباً لتك الظاهرة الغريبة.. (الطباشير والسبّورة)!! ومنّا من ينطقها (السنمبورة).
ولم تكن خبراتنا وذكرياتنا عن المدرسة سعيدة بعد أن انتظمنا بها، لما كنا نشاهده _نحن الصغار_ من أساليب الضرب والعقاب لكل طالب لم يحفظ درسه أو سورته، أو من الذين يحدثون فوضى أو مشكلات مع غيرهم، كنا نشهد أساليب عجيبة ومُرعبة لنا، وما أكثر طرق العقاب.. فمنها:
· معاقبة تلميذ أو مجموعة بالوقوف على رِجلٍ واحدة، وحين يرتفع مستوى العقاب لتلك الفئة يُطلبُ من الأشد تقصيراً أن يمسك إذنه اليمنى بيده اليسرى والأذن اليسرى باليد اليمنى.. فيظل يتأرجح والويل له حين يغير هذا الوضع...
· لمحنا من بعيد أحد أولائك الطلاب، وما كان منه إلا أن نفخ في صفحات دفتره فأحدث صفيراً سمعه المعلم، فلم يجرؤ أحد أن يخبر عنه لكبر سنه، وتوعده لمن يخبر عنه من الواقفين معه. فما كان من الأستاذ إلا أن عاقب الجميع...
· العقاب في القدمين كان مألوفاً، حين ينادي المعلم قائلاً: (امسكوه) فينطلق اثنان من الطلاب وهم سعداء ليربطوا ساقيه بالعمامة وتُشدّ رجلاه إلى الأعلى ويُضرب في باطن القدمين.
· وقد يتدرج العقاب حتى يصل أحياناً إلى إحضار حلس الحمار ويُشد على ظهر (البليد) كما يقال عنه، ويُطاف به على جميع التلاميذ!!
· أن يوضع على رأسه (الشن) وهو بقية دلو أو قربة تالفة تلتقط من إحدى الدمون (جمع دمنة).
· أحياناً يدار به إلى كل فرقة ويُطلب منهم المناداة عليه بـ:
(يا بليد.. يا بليد.. يا مطيس عين ألف، خذ دواتك واستلف..)!!
· أحياناً يُحوّل المقصر من مجموعته إلى مجموعة أقل في المستوى الدراسي ليبقى بها يوماً أو يومين ثم يُعاد إلى مجموعته وقد فاته عدد من الدروس.
· ويعزز ذلك كله مقولة الأب المشهورة للمعلم: (لك اللحم ولنا العظم).
· ومن طرق العقاب.. أن يُستدعى أحد التلاميذ الجيدين (الشطار) من صغار السن فيُسأل عما لم يستطع الطالب الكبير الإجابة عنه، فإذا أجاب من هو أصغر منه يقال للطلاب (صفقوا عليه)* ثم يُطلب منه أن يصفع من لم يعرف الإجابة ، فلا يسعه إلا الامتثال وتمكينه من ذلك بثبات مهين..!!!
وكثيراً ما يتطوّع بعض الطلاب بإحضار مجموعات من عصيّ بعض الأشجار، وأذكر حين انتقلت إلى مستوى أعلى أنني أحضرت لأحد معلّميّ عدداً من العصي من نبات (الأركوض) قدمتها إليه مزهوّاً.. وفي نفس اليوم لم أسلم من العقاب بواحدة منها على يديّ،وظل زملائي.. وحتى أهلي يضحكون مني أياماً...
وقد يوكل إلى أحد التلاميذ أن يكون (عريفاً) حين يكون المعلم غائباً أو منشغلاً،فيقوم العريف بتلك المهمة التكريمية بشيء من الفخر والتسلط.. فلا يسمح بأي حركة ولا همسة، ويسجل أمام اسم كل طالب (مشوّش) أو يكتب (عاصي) أو عاصي مكرر، ومن ثم يعاقب من قبل المعلم عندما يحضر حسب مستوى المشاغبة... وكثيراً ما يتعاطف ذلك (العريف) مع بعض التلاميذ، إما لقرابة أو صداقة.. أو اقتسام ما معه من خبز أو تمر..، وبالنسبة لكبار السن يُغض الطرف عنهم تفادياً للتهديد والتوعد بعد الانصراف من المدرسة إذا كُتِب من (المشاغبين).


* التصفيق على الطالب من وسائل العقاب آنذاك، فيقال (صفقوا عليه) للتعبير عن اللوم والاستهجان، وليس كما هو عليه الآن: للتحية والتشجيع، فأصبح يقال اليوم: (صفّقوا له) للاستحسان وليس للاستهجان.

حفظنا أحرف الهجاء قراءة وكتابة مع عدد من سور القرآن الكريم القصيرة، وكان (سيْدنا) بتسكين الياء/معلمنا.. لا يسمح لكل من أراد أن يخرج لقضاء حاجة إلا في حالات قليلة ترتبط بمصداقية التلميذ، مع وجود زمن فسحة عامة للجميع.
كما تعلمنا طُرق الاستئذان من المعلم بالحركة والإشارة التي ترمزُ إلى نوع الحاجة التي يراد الخروج من أجلها، فإذا ما رغب التلميذ أن يشرب.. فعليه أن يضم أصابع يده اليمنى ويرفعها إلى فمه، فيعرف المعلم حين ينظر إليه أنه يريد أن يشرب فيسمح له أو (ينتهره)/رفضاً طلبه.
وإذا أراد طالب أن يُخرج ما في أنفه... (وما أكثر سيلان الأنف في ذلك الوقت) فعليه أن يمسك أنفه بسبابة وإبهام يده اليسرى، ويقف أمام المعلم فيعرف أن حاجته.. إفراغ مافي أنفه..
وإن أراد الذهاب للتبول فعليه أن يقبض يده اليسرى ويرفعها عالياً، مع بسط أصبع الخنصر، ومن أجل إثبات شدة الحاجة للذهاب إلى الخلاء فإنه يقوم بثني جسمه وتقطيب وجهه تأكيداً للرغبة الملحّة.. ولئلا يمنع من الخروج فيبتل الحصير، وقد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك.
يتبع .........

صالح بن سعيد 03-15-2010 06:31 PM


سعيد الفقعسي ...
تأبى النفوس الشامخة إلا أن تصل إلى المعالي وتسمو إلى القمم العالية
فهذه نفسك الشامخة دائماً تنتقي لنا الإبداع والتميز هنا و هناك و حيثما تكون ..
فلك مني تحية وتقدير بحجم محبتك في قلبي .

انا في شوق لمتابعة كتاباتك ومواضيعك المميزة ..

دمت ودام لنا هذا العطاء .


سعيد الفقعسي 03-16-2010 07:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالح بن سعيد (المشاركة 89679)

سعيد الفقعسي ...
تأبى النفوس الشامخة إلا أن تصل إلى المعالي وتسمو إلى القمم العالية
فهذه نفسك الشامخة دائماً تنتقي لنا الإبداع والتميز هنا و هناك و حيثما تكون ..
فلك مني تحية وتقدير بحجم محبتك في قلبي .

انا في شوق لمتابعة كتاباتك ومواضيعك المميزة ..

دمت ودام لنا هذا العطاء .



الأخ الغالي صالح بن سعيد

اصالة معدنك النفيس يكشف طيبك وصدقك وجمالك في كل مرة لك مني كل الشكر والتقدير والمعزة الدائمة حفظك الله ورعاك

سعيد الفقعسي 03-16-2010 08:01 AM



المعلامة
الجزء الثالث:

لم تستمر الدراسة طويلاً في موقعها السابق فقد انتقلنا إلى موقع آخر (للعدنان) أيضاً، وهو أكثر اتساعاً إلى حدٍّ ما.. به حجرات يفصل بينها ألواح من الخشب، وجدران من خشب العرعر وكُسيت بالطين المخلوط بالتبن (الرّص) لتكون غرفاً صغيرة سميت بعد ذلك بالفصول الدراسية، وفرشت بمساطح الخصف/الخوص، ثم استبدلت بعد ذلك بحنابل مخططة تسمى (الحنابل الهندية).
أخذت المدرسة تضم عدداً كبيراً من التلاميذ من مختلف الأعمار.. يأتون إليها من عشرِ قُرى سيراً على الأقدام، وقد تأخر بعضُ الآباء في إرسال أبنائهم إلى المدرسة مفضلين الاستعانة بهم في مصالحهم الأسرية، وظل بعضهم يتلقى التعليم عند أولائك المعلمين (الفقيه) في المعلامة حتى أغْلِقَت نهائياً، ولم يبقَ أحدٌ بعد ذلك إلا وأرسل ابنه أو أبنائه إلى المدرسة، مع توصية المعلم والتأكيد عليه بالقول: (لك اللحم ولنا العظم).
يخضع تصنيف جلوس التلاميذ في مجموعات إلى ما حفظوه من السور ومستوى القراءة.. خصوصاً للقرآن الكريم بغض النظر عن مراحل العمر مهما تفاوتت بين التلاميذ، فقد ينتقل صغير السن إلى فرقة أكبر منه سنّاً لتميّز مستواه.. وأحياناً يحدث العكس، فقد يحول الطالب المقصر إلى من هم أصغر منه، لأن قلبه _كما يقول المعلم _ قلب ثور!! لا يستوعب الدرس وينسى ما درسه، فيسمى: (مطيّس/بليد)، وقد يكون الطالب الكبير مع حلقة الصغار لأن أهله لم يرسلوه إلى المعلامة من قبل...، فليس غريباً أن تضم إحدى حلقات المبتدئين من هم في سن الخامسة وحتى الرابعة عشر من العمر..
أحد هؤلاء الكبار جداً قدم إلى المدرسة بجسمه الكبير وملامحه القاسية فأثار فينا الخوف، فنحن لا نعرفه من قبل (من قرية أخرى) ويحمل حقيبة حديدية من الصفيح وكبيرة الحجم تستخدم للسفر والملابس وليست للمدرسة، كان يضع فيها دفتراً صغيراً و(جزء عم) وكِسْرة خبز أو(دغبوساً)، فطلب منه المعلم أن يضعها بعيداً لكبرها، فكنا في البداية نهابه ونتفادى الاقتراب منه.. إلى أن اكتشفنا أنه أكثر خوفاً ورهبة منا، يخاف من المدرسة وممن فيها، وكان يتودد إلى الجميع.. لكنه لم يستمر في المدرسة سوى عدة أيام، فلم نشاهده بعد ذلك إلا بعد سنوات طويلة وهو يدير مقاولات معمارية ناجحة.
في البدء كانت حلقات الدرس يشرف عليها معلمنا الوحيد، ينتقل من حلقة إلى أخرى فلا نكاد ننظر إليه إلا خلْسة.. له في نفوس جميع التلاميذ مشاعر متداخلة من الخوف.. الاحترام.. الرهبة، كنا نعتبره يختلف عن الناس الآخرين في كل شيء.. تلك (الخيزرانة) الطويلة لا تفارق يده، فترتجف منا الأوصال بمجرد سماع كلمة: (الأستادْ... الأستادْ جاء).
أسعد الأيام على نفوسنا إذا لم يحضر معلمنا ذلك اليوم، فنستمتع فرحين بما نسمعه من الآخرين بأنه مريض.. أو سافر إلى الشام: (الطائف ومكة المكرمة) فإذا به قادم على الرغم مما سمعناه من إشاعات،وفي كل مرّة يتأخر قليلاً نصدق مثل تلك الإشاعات الكاذبة.
في فصل الشتاء يشتد البرد في (الحجاز) بلاد غامد وزهران، منطقة الباحة كما تسمى الآن، ويتواصل هطول الأمطار وينتشر الضباب فيغيب عن المدرسة طلاب القرى الأبعد، ونمكث نراقب مطلع الطريق المؤدي إلى المدرسة لنطمئن أن المدير ومعاونه الأستاذ مقبول لم يأتيا في هذا اليوم الممطر.
وندعوا الله (يارب لا تجعلهم يأتون..)، فكان الأستاذ (عباس) الذي عُيّن حديثاً في المدرسة بمسمى (فراش/محضر) يقوم بالإشراف والتدريس والتوجيه.. فكان له في نفوسنا مكانة كبيرة، وأخيراً يطلب منا أن ننصرف، فننطلق فرحين إلى منازلنا.. وفي كثير من الأحيان يكون نهيق حمار معلمنا يعلن عن قدومه، حتى أصبحنا نميز صوته من بعيد، ذلك النهيق المجلجل الذي انطبع له في أذهاننا وقعاً خاصاً امتداداً لما نشعر به نحو معلمنا من رهبة وخوف وإعجاب..
وكثيراً ما يتنافس التلاميذ في إحضار ما عندهم من (تبن أو برسيم) يطلبه المعلم لعلف حماره.. تقرباً منه واعترافاً للمعلم بالفضل والجميل، والفخر والعز الذي ما بعده.. حين يقرر والد التلميذ دعوة المعلم أو المعلمين لتناول الغداء في بيتهم.
فلا ينقطع التلميذ عن الفخر بذلك الحدث، ويظل يحدث رفاقه عن المعلم.. طريقته في الأكل.. الجلوس.. ماذا قال..؟ وكيف يتحدث؟ فننصت باهتمام إلى حديث زميلنا المحظوظ.
وفي تلك الأيام الباردة يطلب المعلمون من التلاميذ القريبة بيوتهم أن يحضروا حطباً من أجل إيقاده داخل المدرسة للتدفئة.. فتتكاثف سحب الدخان ويتوقف الدرس.. ونواصل السعال.. ونذرف الدموع، فلا نكاد نبصر شيئاً سوى تلك الفئران الخارجة من جحورها وهي تنطلق كالسهام من مكان إلى آخر.




* * * * * *


في أحد أيام عام 1373هـ أخذنا أماكننا في المدرسة.. مرّت الدقائق والساعات دون أن ندرس شيئاً!! أساتذتنا الذين أصبح عددهم ثلاثة: (عبدالرحمن بن رمزي، ومقبول العرابي، وعبدالله بن عطية).. كانوا يتحدثون بينهم غير ملتفتين إلى التلاميذ وغير آبهين لما يحدثونه من جلبة وشجار، وبين وقتٍ وآخر يحضر بعض من رجال القرية إلى المدرسة ترتسم على وجوههم علامات التساؤل والقلق فلم نلبث حتى أُمرنا بالانصراف من المدرسة وانطلقنا نتسابق إلى منازلنا لأجد أسرتي والجيران ملتفين ومنصتين إلى (الرادي)/المذياع النادر وجوده في القرية... الحزن مخيّمٌ على كل شيء، والناس يرددون: (مات عبدا لعزيز..) سمعت والدي يقول:
(أخو نورة.. الله يرحمه..) وسألت أمي: من عبدالعزيز الذي مات؟! أجابتني باقتضاب: (الملك).
ومن هو أخو نورة؟! وانتهرتني جدتي (عليّة) رحمها الله قائلة:
(آصه.. من الهذر.. هذا الولد ما يخلّي شيء إلا وينشِد عنه..)!
مع غروب ذلك اليوم الذي وصل فيه خبر موت الملك عبدالعزيز أخذت الأسر تُدْخل أشياءها وممتلكاتها من الحيوانات إلى داخل المنازل بعد أن كانت تُتْركُ في أفنية البيوت والساحات، قررت جدتي ضرورة إدخال الحمار والبقرة إلى (السِّفل) بدلاً من البقاء في الساحة كالمعتاد، دخل الحمار بسهولة لكن البقرة ظلّت تمتنع من الدخول، وتتراجع عند المدخل.. وتهرب بعيداً..
وكنت أشاهد الموقف بتعجب وتساؤل، لماذا نُدْخلها البيت ومكانها في الساحة.. تحت الحماطة والعشّة..!؟ وبسبب إصرار البقرة كان لها ما أرادت، فبقيت في الساحة وظل والدي _ يرحمه الله يكلأ البقرة بين فترة وأخرى طوال الليل... ولا تنسى والدتي أن توصد الباب (الجامع) وباب (السِّفل) بـ (الرّصد). فألاحظها تعود إليها للتأكد من غلقها بإحكام، لم تستمر هذه الحالة طويلاً.. فعاد الشعور بالأمن والطمأنينة ليحل محل الحذر والتوجس، والذي أكّد لي زوال الخطر أن أمي تركت استخدام ذلك الرّصد الكبير.. وبقيت الأشياء في الساحة ليلاً كالمعتاد.


* * * * *

مازال المستوى الدراسي يتحدد بما وصل إليه التلميذ من تلاوة القرآن الكريم، مع ما تميز به من إجادة للكتابة وحسن الخط، فإذا وصل التلميذ إلى سورة العنكبوت تقوم بعض الأسر بذبح شاة احتفالاً بهذا المستوى، وهي امتداد لعادة قديمة ومقولة يرددها البعض:
( عند سورة العنكبوت، شاة تحيا... وشاة تموت..)

وحين يختم التلميذ القرآن الكريم يعود لقراءته مرة أخرى فيقال: (ختم .. ونكس) وهذه شهادة فخر واعتزاز..
فيستعين المعلمون بأولئك الذين يختمون القرآن لمتابعة وتدريس الطلبة الآخرين، والمستجدين الصغار (فيذكرني ذلك.. أو يكون أشبه بالطالب المعيد في الجامعة اليوم)، كما يتولون المراجعة والاستماع إلى ما كان مطلوبٌ حفظه وتلاوته، فيحصون ويعدّون علينا أخطاءنا على أصابعهم، ويبلِّغون بها المعلم ويكون العقاب بقدر عدد الأخطاء، وكثيراً ما يتوسل الطالب الصغير من الكبير الذي يستمع إلى القراءة بأن يخفض عدد الأخطاء ويعتمد الأمر حينها على الأريحية والتسامح أو الهبات الصغيرة...
كنا قد وصلنا إلى سورة (البلد) ونسمي السورة بمطلعها فنقول: سورة: (لا أقسم بهذا البلد ) فطلب (الأستاد) من أحد التلاميذ الكبار أن يستمع إليّ في تلاوة هذه السورة، فوقعت في ثلاثة أو أربعة أخطاء فما كان من (عطية) إلا أن تعاطف معي مشكوراً وقال للمعلم: (حافظ يا أستاد).. نظر المعلم إلى كل منا.. وكأنه بتلك النظرة المرعبة كشف الحقيقة، وعلى الفور نادى (غرم الله) وقال له: سمّع له سورته، وشرع يستمع ويقبض أصبعاً بعد الآخر على كل خطأ بترصد ودقة متناهية، فازددت ارتباكاً وكثرت الأخطاء.. فكنت أقرأ وأنظر إلى أصابعه أكثر مما أنظر إلى الآيات، فذهب إلى المعلم ليخبره بأني أخطأت: (ثمان غلطات). نظر إليّ المعلم وقال (بليد ...!) ثم استدعى عطيّة فأتى يرتجف خوفاً وحاول أن يحلف بأني كنت حافظاً.. فأسكته المعلم متوعداً إياه بعقاب شديد، أما أنا فكنت في وضعٍ مزرٍ لا أرى سوى تلك العصا الطويلة فأنظر إليها بهلع وأخذت ركبتاي تصطكان ببعضهما من شدة الخوف..
وبعد فترة تحقيق عصيبة في هذه القضية، قال الأستاد (امسكوهما)..
فانطلق اثنان من التلاميذ وأخذا يربطان أقدامنا بعمامة كريشي (شماغ) وشدها إلى أعلى من طرفها فأصبحت أقدامنا إلى أعلى، ونحن على الظهر.. وأخذت تتساقط الضربات على باطن الأقدام وعلى الساق وارتفع الصياح.. ونداء الاستغاثة.. وإعلان التوبة، فكنت إلى جانب رفيقي كجندب بجوار عصفور، وكان يتلقى ضربات أكثر مني لكبر رجليه بالنسبة لي..
عدت إلى البيت وأنا لا أقوى على السير..
رأت أمي ما أنا فيه.. لكني توسلت إليها بألا تُخْبر أبي، فيزيدني ضرباً وتوبيخاً، ومع هذا لم يغب عنه الأمر حين سمعته يقول للوالدة: (يستاهل ما جاءه) أحسست بأنه ينظر إليّ بنظرات ظاهرها الغضب من إهمالي.. وعدم حفظي لدرسي، وباطنها الشفقة على ما أصابني بعد أن رأى الآثار الدامية في رجلي وباطن قدمي.
نمت بلا عشاء _ موعد العشاء بعد صلاة المغرب مباشرة _ بعد أن دهنت أمي أقدامي بالزبدة أو السمن، وكنت أسمعها تتذمر من هذا العقاب وتدعو على (الأستاد) قائلة:
(.. من يخبط هذا الخبط!؟.. الله يكفينا فيه..) فأشعر بالرهبة وكأن الأستاذ يستمع إلى هذه الكلمات والدعوات (أو سيعلمُ بها!!).
استيقظت في اليوم التالي متثاقلاً كئيباً، لا أرغب في الذهاب إلى المدرسة، ولكن هل أستطيع؟!.. أخذت والدتي تقول لي بهمس:
( آصه.. اُسْ.. لا يسمعك أبوك..)..
مع أن والدي علم بما أريد لكنه _ عادة _ يتغافل حتى آخر لحظة.. ثم يتدخل بحزم ويحسم الموقف، فسمعته يطلب من أخي (عبدالهادي) أن ينتظرني ليصطحبني معه إلى المدرسة فقد أنهى دراسته فيها وكان في جدة عند عمي شقيق والدي.
يتبع .........



سعيد الفقعسي 03-18-2010 09:59 PM



المعلامة
الجزء الرابع:


وما أن استقر بي الجلوس في المدرسة وحضر الأستاذ فإذا به يستدعيني أنا و (عطية) الذي تعاطف معي، أوقفنا أمامه وبيده عصا وإلى جواره أخرى، كان يجلس على مكتب خشبيّ قديم.. يسند إحدى قوائمه بحجر مستطيل.. أما المقعد الذي يجلس عليه فهو صندوق من الخشب غُطّي ببطانية بالية..، لعلي كنت أهرب مما أنا فيه من خوف برصد هذه الأشياء المميزة والتي يتمنى كل من يشاهدها أن يجلس عليها، على اعتبار أنه أعز مكان،، التفت إلينا قائلاً: (يا بلداء) ونادى:
(امسكوهم) وقفز طالبان كبيران لربطنا في العمامة وشُدّت أرجلنا إلى أعلى، كما طُلب من كل منا أن يمسك ثوبه ويشده إلى ركبتيه لستر ما قد ينكشف أثناء الضرب، كان يقف بعصاه الطويلة ينتظر أن نتهيأ للعقاب، أخذت أبكي بشدة..
وفي تلك اللحظة رأيت والدي يقف معنا عاقداً كفيه خلف ظهره، وكأنه نزل من السماء، أخذ ينظر إلى المشهد بصمت، فلا حديث سوى حركة العيون حائرة في محاجرها، مرت ثوان معدودة خلتها دهراً.. سأل والدي:
- لماذا تضربهما اليوم؟!!
* لأن ولدك (ما حفظ) والثاني كذاب...
- ألم تضربهم أمس؟! ألا ترى ما أصاب قدم الولد... إلمح بطون رجليه...
* إذا كسرت العظم فلك الحق.. ما ودّك ينتج مثل (آخوه)؟ يقصد أخي عبد الهادي.
- قطّعت رجل الولد.. حتى المدرسة ما بغى يجيها!!
* وسأضربهما حتى اليوم .. ليتوبا .. وما يتكرر منهما الذي صار..
- يكفي (ما جاهم).. ترى الولد ما يحتمل هذا كله.. والله ما قدر يمشي..
* لازم.. لازم نزيدهم.. المفروض اليوم وبكره.. لمصلحتهما..
- والنهاية.. النهاية معك أبا عبدالرحمن!!
أعرفُ ملامح والدي _ رحمه الله _ إذا غضب، أحسست بهذا الحوار المشحون بين والدي ومعلّمي.. الكلمات تكاد تتفجّر.. تمنيت _بقدر ما فرحت بوجود والدي_أنّه لم يحضر، فلم أتخيل أحداً يستطيع أن يقول للمعلم أيّ شيء يغضبه..
* هل جئت لتضارب؟!
- أنا ما جيت أضارب لكن القهر ما نبغيه.. تفكّهم؟ وإلا لأ؟!! اتق الله فيهم.. وأنا ماجيت أضارب.. أتيت للسؤال عن درسه وما كنت أدري أنّك (بتطيح) فيهم بالضرب كل يوم... (عليّ الطلاق.. لما تفكهم ليخبث بالك).
* تطلق علينا في المدرسة...! طلّق على (مرتك)..
- إنك (سمعتاها)..
* طيّب عساهم ما درسوا.. ولا تعلّم ولدك.. خذه من المدرسة.. خذ ولدك خلّه يشتغل معك في الفضة.. وإلا مع الغنم..
- ولدي ما آخذه.. بيدرس في مدرسة (ابن سعود) ما هو في بيت (أبوك)..
وانطلقنا الاثنان كعصفورين انفلتا من القفص على حين غفلة.
أخذت أشعر بقلق وخوف لا أستطيع التعبير عنه في ذلك الوقت بعد تلك المشادة بين والدي ومعلمي.. فلن يكون والدي معي في المدرسة كل يوم، سوف يكرهني الأستاد ويعاقبني في كل مرّة ولأي سبب مهما كان بسيطاً..
كانت تستبد بي هذه الأفكار السوداء التي لم يحدث منها شيء.. ومرت الأيام بشكل عادي.. ثم تلاشى هذا الشعور نهائياً حين علمت أن الأستاذ سوف يحضر إلى منزلنا لتناول طعام الغداء، وأخذت أعلن هذا الخبر لرفاقي بكل فخر واعتزاز، بعد ذلك كنت أسرد لهم كل شيء عن تلك الزيارة.. ماذا قال.. كيف يتحدث.. هل يضحك.. كيف يأكل...؟؟ فأصف لهم ذلك بطريقة طفوليّة وأقلّد حركاته.. وكلماته بإعجاب شديد، وخيال واسع.
كان للمدرسة وللمعلمين والتلاميذ مكانة كبيرة في نفوس الآباء والأمهات والأسر عامة، ويعبّر عن ذلك بعض الآباء الميسوري الحال بدعوة المعلمين وجميع الطلاب للغداء في المنزل، فيكون هذا الحدث فريداً يتناقله الناس، وقد حضرت دعوتين من هذه.. عند (سعد بن فيضي) و(صالح بن جمعان) رحمهما الله _ ويقدم عدد من الطلاب الأناشيد والخطب في منزل صاحب الدعوة.
وأحياناً يصل إلى المدرسة كمية من التمر الجاف (الهليل) من عند بعض الأسر لتوزيعه على التلاميذ هديه أو صدقة. فيُوزع على كل طالب ثلاث حبات أو أكثر أو أقل حسب الكمية.. ويكون التوزيع مع بداية خروجنا للفسحة التي ننتظرها بفارغ الصبر فنتزاحم على ذلك (البرميل) الذي أصابه الصدأ لنشرب منه بعد أن يُمْلأ كل صباح بواسطة إحدى النساء، بقربتها الجلدية، ويرتبط بالبرميل (مغراف) علاه السّواد وتلبّدت به الأوساخ وهو عبارة عن علبة قديمة من العلب التي يُحفظ فيها الأناناس الذي يُجْلبُ من المدينة، ومن كان منزله قريب.. فيمكنه الذهاب إلى المنزل في فترة الفسحة، وعليه أن يتوضأ في البيت من أجل أداء صلاة الظهر في المدرسة، فكنت أنا وزميل لي نعاني من ضيق في الوقت حين نذهب إلى المنزل فنجد أمهاتنا قد أعددن لنا ما نأكله، ونخشى أن نتأخر وعلينا أن نتوضأ..
وكثيراً ما نذهب ونعود ونحن نجري.. فلا نستمتع بتلك الفسحة،فما كان من زميلي هذا _ غفر الله لي له _ إلا أن قال:
( وهل يمديك أن تتوضأ؟!).. فقلت: لا.. أكمّل فسحتي (أكلي) من أجل الوضوء.. فقال: ( أنا لا أتوضأ..)..
فصِرتُ إذا ضاق بي الوقت ( أفعل مثله..).
بعد ذلك طُلِب من الجميع أن يتم الوضوء في (الجلّة) الوادي القريب.. ثم نصلي في مساحات داخل المدرسة على الأرض.. أو على قطع من الحصير، أما (الحنبل) الوحيد فيخصص للمعلمين في المقدمة.
أرضية المنزل الذي ندرس فيه ترابية، وجدرانه من الداخل من الحجر المغطى بالطين والشيدة (تراب أبيض) بحلب والتي تُجلب من بعض الجبال القريبة، والسقف من سيقان شجر العرعر، ومهما بُذل فيه من جهد للنظافة فهي لا تكاد تظهر، ومع ذلك تقوم (امرأة) بمحاولة التنظيف والكنس في الصباح قبل بدء الدراسة أو يوم الجمعة من كل أسبوع، مع صبّ قربة ماء لإكمال ما نقص من ذلك البرميل الذي نشرب منهُ.
في بداية يوم دراسي جديد، أحسسنا بأن هذا اليوم غير عادي إذ سمعنا النداء:
( دخول.. دخول ).. لم نعتد أن ندخل في هذا الوقت المبكر قبل أن نقضي فترة نلهو .. ونترامى بالحجارة والأشياء تحت أشعة الشمس، أخذنا أماكننا بصمت، كانت حركات معلمينا غير عادية، ذلك الوقار المعهود تعرض إلى شيء من الاضطراب والتوجس.. سمعنا (الأستاد عباس الفرّاش) يهمس قائلاً:
( المفتش... المفتش..)..
لم يكن يعني لنا هذا الأمر شيئاً في أوّل الأمر لولا سُحنته المختلفة وهو يهمس بهذا الاسم، وعباس لا نراه من قبل إلا ضاحكاً يتندر على كل طالب، ويمازح المعلمين.. فانتقلت عدوى مشاعره إلى كل منا لتحفر في نفوسنا رهبة قدوم زائرٍ مخيف.. وبعد فترة انتظار قاسية على الجميع شاهدنا رجلاً ممتلئاً يدلف من المدخل بخطوات ذات إيقاع مهيب ووجهٍ صارم.. يصوب منه نظرات حادة وفاحصة إلى كل شيء.. أخذ يتجوّل في كل مكان.. رأيناه يقف بجانب ذلك البرميل الذي نشرب منه.. كشف غطاءه.. نظر إلى داخله باشمئزاز.. تفحص (المغاريف) الصّدئة، كان جلوسنا قريباً من ذلك البرميل، فأخذنا نشهد تأففه وهو يقول كلمات غاضبة لم نفهمها، فما كان منه إلا أن أخذ يقذف بتلك المغاريف بعصبية إلى الخارج.. كان يشير إلى أشياء كثيرة لم نتبينها، وفي الحال رأينا ذلك البرميل يُنْقل إلى الخارج.. وأخذنا نتساءل بصمت وذهول عن تصرفه هذا؟!! لماذا يحرمنا من شرب الماء، ويمنع شُرب الماء في المدرسة؟!!
وفي اليوم التالي علت وجوهنا الدهشة والانبهار لتلك الحنفية الجديدة اللامعة ذات (البزبوز) الأصغر، والغطاء المحكم و(المغاريف) البيضاء التي تغرينا بشرب الماء من غير حاجة إليه.


يتبع .........

رحيق 03-19-2010 01:27 AM

سعيد الفقعسي .....


لا أبارح مقعدي أمام هذا التميز ... واصل بارك الله فيك .... فنحن لازلنا مستمتعين بهذا الرصد الدقيق ...








http://sahat-wadialali.com/vb/upload...1268244550.gif

سعيد الفقعسي 03-20-2010 11:02 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رحيق (المشاركة 90078)
سعيد الفقعسي .....


لا أبارح مقعدي أمام هذا التميز ... واصل بارك الله فيك .... فنحن لازلنا مستمتعين بهذا الرصد الدقيق ...



[http://sahat-wadialali.com/vb/upload...1268244550.gif

اشكرك على اهتمامك وحلاوة مرورك حفظك الله ورعاك

سعيد الفقعسي 03-20-2010 11:12 PM

المعلامة

الجزء الخامس :


تصاعد عدد تلاميذ المدرسة مع تفاوت كبير بينهم في الأعمار والأجسام وقد يحدث أحياناً خلاف بين طالب وآخر ثم يتطور الخلاف إلى مشاكسات وتحديات بين طلاب قرية وقرية أخرى، فيصل الأمر إلى خصام.. ومضاربة وتشابك بالأيدي والحجارة بعد الانصراف من المدرسة، فلا يفك الاشتباك إلا رجال ونساء القرية التي بها المدرسة، وإذا لزم الأمر فإنهم (يعصبون) مع أبنائهم إن كانوا طرفاً في (الهوشة)..
في أحد الأيام فوجئنا برجل يقتحم المدرسة شاهراً سلاحه ( الجنبيّة ) وهو يقول:
( أين هو.. أرونيه.. والله لأفعل به كذا وكذا...)..
رأينا الأستاذ ( مشرف ) وقد عُيّن في المدرسة منذ أيام قليلة _ رأيناه يتصدى لهذا الرجل الذي كان يبحث عن تلميذ تعرّض لابنه في طريق عودتهما من المدرسة، وقام بضربه حسب قوله...
حاول المعلمون صدّه وإقناعه وإيقافه عن ذلك الهجوم الذي شنّه على الطالب والمدرسة ومن فيها. لم يستمع لأحد، وأصرّ على الإمساك بذلك الطالب لينتصر لابنه، فما كان من (مشرف) رحمه الله إلا أن هجم عليه، فأمسك يد الرجل التي يقبض بها على (سلة الجنبية) وطبق بيده الأخرى على حلقه فكاد أن يسقط الرجل أو سقط، وانتزعت الجنبية من يده ورأيناه أخيراً يخرج من المدرسة بصمت، وليست معه تلك الجنبية التي دخل بها ..!!
لمْ ندرِ في حينه _ نحن الطلاب _ عمّا انتهى إليه الأمر حول هذا التّصرف من الرجل، ومن خلال أحاديث الكبار علمنا أن (سلة الجنبية) حُجِزت، وحُكم على الرجل (حقوق قبلية) إدانة له.
كان كل من الأستاذين: (عبدا لرحمن بن رمزي) و(مقبول العرابي) يحذران الطلبة وعلى الأخص كبار السن من المضاربات والاعتداء على بعضهم بعضاً، أو التعرض للطلبة الصغار، ومن اعتدي عليه فليأت إلى المدير ومعاونه، ومع ذلك يندر أن يشتكي أحد من أحد خوفاً من العقاب الذي لن يسلم منه حتى الشاكي المتظلم لئلا يقوم المتظلم بالانتصار لنفسه بيده أو يستنصر بأبناء قريته.
كان الأستاذ (عبدا لرحمن بن رمزي) يولي الخطابة والإلقاء اهتماماً كبيراً فلكل طالب _ في الغالب _ خطبة تخصه، يختارها له.. وحسب السن والمستوى الدراسي.. خطبة طويلة أو محاورة بين طالبن، أحدهما يمثل (العلم) والآخر يمثل الجهل، بين العلم والجهل، فيختار الطالب المجتهد ليمثل العلم، والطالب المهمل ليمثل الجهل، ومحاورات مختلفة بين (الليل والنهار) فيختار لمن يمثل الليل أن يكون (أسوَداً) ومحاورة بين (السيف والقلم) وكانت هذه المحاورات امتداداً إلى ما كان يهتم به أحد معلمي المعلامة/الكتّاب (جمعان بن خميس) رحمه الله_ أما الطلبة الصغار فكان الأستاذ عبدا لرحمن يلقنهم حِكماً صغيرة أو بيتاً من الشعر.. أو عبارة طريفة، وفي الغالب تنطبق على شخصية صاحبها مثل:
(تضرب في حديد بارد)، (أكلتم تمري وعصيتم أمري)، (يوم لك ويوم عليك.. ويوم كفاك الله شر بلاه ..).
وطريقة الأداء أن يتقدم الطالب الصغير أمام المعلمين والطلاب والآباء.. فيقول بجرأة:
( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... يوم لك ويوم عليك.. ويوم كفاك الله شر بلاه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..)..
وهذه كانت خطبتي ، وبعد ذلك _ حين كبرت _ أُعطيت خطبة من قصيدة لعنترة بن شداد ومطلعها:


إذا كشفَ الزمانُ لك القناعا ** ومدّ إليك صرفُ الدهرِ باعا
فلا تخشَ المنيـّةَ والتقيـها ** ودافعْ ما استطعتَ لها دِفاعا
ولا تخترْ فِراشاً مـن حريرٍ ** ولا تبـكِ المنـازلَ والبِقاعا

ويجب على الطالب حين يؤدي الخطبة أن يرفع صوته جداً، ويؤشر بيده ويهزها هزاً.. ثم يتقدم من بعده حين يناديه المعلم.
وفي يوم الأحد من كل أسبوع، وهو اليوم الذي فيه السوق (سوق رغدان) تكون الدراسة فيه خفيفة ومشتتة لانشغال الأساتذة بارتياد السوق.. وغياب عدد من التلاميذ لمساعدة آبائهم، وفي ذلك اليوم يطلب منا بين حين وآخر الخروج إلى السوق من المدرسة بطريقة منتظمة.. في طابور يتقدمنا الطلاب الكبار، وقد اختار الأستاذ بعضاً منهم لتقديم الأناشيد والخطب أمام أهل السوق جميعاً، فيصعد أولئك (المحظوظون) على حائط، أو سطح مرتفع (على الدكاكين الحجرية المسقوفة بالأخشاب) فيقوم كل طالب بأداء ما عنده، فيتوقف الناس ويتركون السوق للاستماع باهتمام.. فيظلون مشدوهين بإعجاب ومدح يتناقله الرجال والنساء.. وكان يُطلق على هذا النشاط: (بدوة) قياساً على التسمية التي كانت تطلق على رجال كانوا يقومون بالوعظ في الأسواق، ويحذرون الناس من المنكر ويأمرونهم بالمعروف، وأذكر مما كانوا ينهون عنه ويحذرون منه: (الرادي) في بداية ظهوره، وأضراره.. وأنه لا يجوز اقتناؤه، فقد تأثر بذلك أحد من يمتلك (الرادي) فقدم به بعد فترة إلى السوق، وأخذ يعلن على الناس بأنه سيتخلص من صندوق الراديو.. فأعلن التوبة منه، وقام بتكسيره وتحطيمه في السوق أمام الناس..!!


* * * * *

يوم الخميس دراسة، وزمن الدراسة فيه أقل من الأيام الأخرى،ومتعة الإجازة الأسبوعية مساء يوم الخميس، ويوم الجمعة نذهب للسباحة في الآبار.. ونقوم بآداء ما علينا من واجبات المدرسة،ويتسع الوقت في هذا اليوم لإنهاء كثير من المشاغل، وتبادل الزيارات داخل القرية وخارجها، ولقد علمنا ونحن في السنة الثالثة أن المدرسة سوف تقفل من أجل (العطلة)،سيكون عندنا إجازة طويلة بعد إنهاء العام الدراسي، فقد تحددت مسميات الفصول الدراسية إلى الصف الخامس، وبمناسبة هذا الحدث السعيد فقد طلب الأستاد (عبدا لرحمن) من جميع التلاميذ أن يقفوا صفاً دائرياً داخل المدرسة، قدم عدد من الطلاب الكبار الأناشيد والخطب، ثم النشيد الجماعي ومنه:
] أهلاً وسهلاً مرحباً..
آنستمونا يا كرام..
( شرّفتمو) هذا المقام..
( وعليكمو) منا السلام [.
وقبل الانصراف طلب من الجميع الاهتمام بما أعطينا من واجبات دراسية، ولأن الإجازة طويلة فقد طلب منا جميعاً أن نأتي إلى المدرسة كل يوم أحد من كل أسبوع لتسليم وتقديم الواجبات بعد أدائها وأخذ واجبات جديدة، ومن تلك الواجبات حفظ جدول الضرب وكتابته عشر مرات.. أو كتابة الأعداد من واحد إلى (ألفين).. ثم من ألفين إلى ثلاثة آلاف، وتكليف مجموعة أخرى بكتابة موضوع في القراءة (عشرين مرة) أو أكثر، وآخرون يُطلب منهم حفظ عدد من سور القرآن الكريم... وتظل المدرسة مفتوحة يوم الأحد، وكان سبب اختيار هذا اليوم، لأنه يوم السوق الأسبوعي في القرية، يأتيه الناس من كل مكان، وهو اليوم المناسب لمعلمنا ليرتاد فيه السوق.. وللطلبة من القرى المجاورة ليحضروا مع آبائهم، وهكذا حتى تنتهي هذه (الإجازة)!!!
وفي أول يوم نعود فيه إلى المدرسة بعد انتهاء (العطلة) وقبل أن نبدأ الدرس الأول نقف صفوفاً للسلام على الأستاد، فيتهيأ بالجلوس على كرسيه ثم يمدّ يده اليمنى على طرف مكتبه الخشبي، ويتقدم التلاميذ لتقبيل كفّه.. ونتزاحم على كفه ونتناطح بالرؤوس.. وتصطدم الأجساد، وبعض التلاميذ وبالأخص الصغار منهم يكررون التقبيل أكثر من مرّة، فإذا ما تم لهم التقبيل في المرة الأولى فإنهم يذهبون من خلف المعلم، ثم يعودون أمامه لتقبيل كفه ونيل هذا الشرف أكثر من مرّة، فلا تنتهي تلك المراسيم إلا حين يسحب المعلم يده التي طُليت بطبقة غروية من الرساب (اللعاب) وما يسيل من أنوف التلاميذ الصغار....
المعلم نراه مثالياً في كل شيء.. نطيعه ونأخذ بقوله وأوامره أكثر من الوالدين، وإذا خالف الابن أمر أبيه أو أمّه وأصرّ على ما يريد.. ثمّ هدداه بإبلاغ المعلم فإنه سرعان ما يستسلم ويتوسل بألا يخبرانه..
فذا كنّا نمشى أو نلعب في الطريق ورأينا معلمينا أو أحدهم من بعيد فإننا نهرب بعيداً من طريقه، ونتمنى ألا يكون قد شاهدنا نلعب فيحاسبنا على هذا اللهو، ويزيد في معاقبة المقصر في دروسه أو لم يحضر ما طلب منه من واجبات في اليوم التالي لانشغاله باللعب... وليس من حق الطالب أن يسترسل في التعبير عمّا يريد، أو يدافع عن نفسه حول موقف من المواقف، وليس من حقه أن يعترض على العقاب أو يبلغ والده لأنه سيزيده عقاباً وتوبيخاً، فقد كانت المفاهيم في ذلك الوقت متشبعة بأن العقاب (بالضرب) أمرٌ أساسيّ ولابد منه للنجاح والتعلم والتربية.
حتى أن المقعد الخشبي المخصص لجلوس المعلم له مكانة اكتسبها من شخصيته، فلايجروء التلميذ أن يجلس على هذا (الكرسي)، سوى عدد قليل من الطلاب الكبار اللذين ختموا دراسة القرآن الكريم وأوكل إليهم الإشراف على التلاميذ الصغار.. فنراهم يسترقون الجلوس على هذا المقعد فنغبطهم بصمت، ونتمنى مثل تلك المزايا الراقية،فلم نصدق _ أوّل الأمر _ أنه سيصل (كراسي) للطلاب!!
وبعد أسابيع شاهدنا هذه المقاعد الخشبية التي يتصل فيها الكرسي بالمقعد، وكل مقعد لطالبين، فجعل كل مقعد لأربعة طلاب، وبها أدراج.. اقتنينا لها الأقفال والمفاتيح فيما بعد، فكنا سعداء بهذا الحدث العجيب، وصُرف للمعلمين كراسِ معدنية من الصاج وأخرى من الخيزران..




يتبع .........

سعيد الفقعسي 03-22-2010 10:41 PM

المعلامة

الجزء السادس :


أخذ يتزايد عدد المدارس ليكون في كل قرية مدرسة، تكون في الغالب في منزل شيخ القبيلة أو عريفة القرية، فظهرت الحاجة إلى أعداد كبيرة من المعلمين،والبحث عمّن لديه مبادئ ولو بسيطة في القراءة والكتابة مع قراءة القرآن الكريم..
وحين سمع بعض هؤلاء بحضور رجل إلى المنطقة يقوم بتوظيف من يقرأ ويكتب لمهنة التدريس لتأمين احتياج المدارس، ويقوم هذا (المفتش) المعتمد باختبار من يتقدم بعدد من الأسئلة، التي يرون فيها صعوبة وتعجيزاً، فأخذوا يحاولون تحقيق رغبتهم بشتى الوسائل، وبوسطاء آخرين.
قال أحد هؤلاء عن اختباره للتدريس: ]... لم أتوقع أنني سأصبح في يوم من الأيام معلماً ثم مديراً للمدرسة، حتى كان ذلك اليوم _ يوم خميس _ يوم السوق في قرية الباحة.. والناس (هابطون) إلى السوق، كنت أعمل في سقي زرع لنا بواسطة الثيران من البئر، فمرّني (عبدالغني) فقال:
( لماذا لا تذهب إلى هذا الرجل الذي يوظف (أستادين) فأنت تقرأ وتكتب ) فقال له:
(وماذا عندي من القراية والكتابة). قال: (رُح له) مثلك مثل غيرك، اسمع كلامي، وبعد أن واصل سيره، أخذت أفكر وأتردد،ثم قررت أن أذهب، وفي الحال استدعيت إحدى زوجاتي لتكمل العمل، وانطلقت إلى قرية الباحة، أو قال (الظفير)، وكنت أشد الجنبية على وسطي، وحافي القدمين، وحين اقتربت من المكان الذي هو فيه، بدأت أشعر في نفسي بشيء من الرهبة، فلم أكن أهاب أحداً من قبل، قابلت رجلاً نصحني بأن ( أحط ) الجنبية قبل أن أدخل إليه، كدت أرفض أن أفكها من وسطي تحرجاً وأنفة.. جلست أمام الرجل فطلب مني أن أتلو آيات من القرآن الكريم، لم يتركني أواصل حينما اطمأن إلى قراءتي، طلب أن أكتب بعض الكلمات والجمل.. سألني عن اللام القمرية والشمسية، فلم أستطع الإجابة... فسألني عن إشارات الجمع والطرح والضرب، لم أكن أعرفها أو أفرق بينها، كتب لي أعداداً لأجمعها، وأطرحها، وأضربها... أجبت على الجمع ثم الطرح، فسجلت النتيجة، أما الضرب فقد أطلت في حساب نتيجته... كانت مسألة الضرب شبيهة بضرب: (230 * 12) وأخيراً وبعد طول حساب كتبت الجواب (2760)، سألني: كيف حليتها؟ قلت باعتزاز وفخر: حليتها بعقلي، قال لي: كيف.. كيف توصلت إلى النتيجة؟! فقلت: (ضربت مئتين وثلاثين في عشرة، ثم ضربتها في اثنين، ليكون الناتج (ألفان وسبعمائة وستون). قال: (الجواب صح، والطريقة غلط.... راجعنا فيما بعد..)، بعد ذلك جاءتني البشرى من رجل أوصيته بأمري، لأكون معلماً في المدرسة ومديراً لها بعد انتقال المدير الأول..)
فكان يدعو لوالدي حين كان سبباً في ذهابه....
شخص آخر (توظف) بنفس الطريقة، قال: (لقد سألني هذا الرجل في الكتابة والقراءة ثم الحساب وكنت أعتبر نفسي من أجود المتقدمين، ومشهود لي بأن عندي (قلم) وهذا كناية عن حسن الخط والمعرفة، وبعد أن أبدى إعجابه بالخط والإملاء، سألني: (ما هي الأسماء الخمسة)؟ صمت مفكراً، ثم قلت: (الأسماء كثيرة) قال: ماهي؟ قلت: (السماء.. الأرض.. الليل.. محمد.. صالح.... إنها كثيرة..) قال: (ألم تسمع بشيء يسمى الأسماء الخمسة؟) قلت: (لم أسمع بها... لم تمر عليّ...). وخرجت كئيباً، بسبب هذا السؤال، (ماهي الأسماء الخمسة؟؟!!).
أخذت أسأل عن الجواب كل من يقرأ ويكتب، ولا جواب سوى احتمالات وتخمينات بعيدة وطريفة.... وبعد أيام جاءني خبر تعييني معلماً، وأن عليّ أن أباشر العمل فوراً، وكلمة (فورا) هذه أحدثت سوء فهم عند أحدهم في خطاب وُجّه إليه، هل (فوراً) تعني أن الوظيفة اسمها (فوراً) أنها اسم مكان العمل؟، فلم تهدأ نفسه إلا حين فُسّرت له من أحد (العارفين).. وكنا على المدى الطويل نداعب ذلك الرجل ونتعمد أن نذكر هذه الكلمة في أحاديثنا لنذكِّره بها...
وفي ذلك الحين انضم إلى التدريس عدد من أبناء المنطقة والمناطق الأخرى، لم يكن لديهم _أول الأمر_ سوى مبادئ بسيطة من التعليم لا تتعدى المستوى الدراسي للصف الثالث الابتدائي أو الرابع، وكان يغبطهم الآخرون ويشار إليهم بإعجاب.
ومع ذلك قاموا بما أوكل إليهم بجد وحماس مع مواصلة التعليم الذاتي والتثقيف المعرفي لسد حاجة المدارس مع الذين قدموا إلى المملكة من المعلمين الوافدبن من البلاد العربية..


* * * * *
مع بدايات عام 1376هجرية أخذنا نشهد مفاجآت جديدة في دراستنا... استلمنا كتباً دراسية للقراءة.. والتاريخ.. وتقويم البلدان، وحين لا تفي بالعدد يشترك طالبان أو ثلاثة في كتاب واحد.
استخدمت الصفارة للدخول والخروج.. وبدء الحصص الدراسية.. صار عدد المعلمين في المدرسة (سبعة) ثلاثة منهم من المنطقة.. والآخرون من خارج المملكة من (مصر والأردن وفلسطين..) لقد كان لكل معلم طريقته في التدريس، وأسلوب التعامل مع التلاميذ يختلف بين معلم وآخر، أحدهم يعاقب بالضرب في القدمين،وآخر يكتفي باليدين... وآخر يتميز بطريقته المحببة في التعليم ولا يعاقب إلا نادراً فنمدحه قائلين: (الأستاد فلان ضعيّف) بتشديد الياء.. فيتبوأ مكانة كبيرة في نفوسنا، ومع ذلك فكثيراً ما نهتم أولاً بواجبات معلمينا الذين نخاف منهم ونخشى عقابهم، وبصفة عامة فإن معلمينا المتعاقدين أقل قسوة من الوطنيين.
ويمكنني تسجيل ما تحتفظ به الذاكرة من أساليب بعض معلمينا في ذلك العهد من (الوطنيين) أو (المتعاقدين) ولا يعني هذا التشهير أو إنكار فضلهم في ذلك الوقت وحتى اليوم فجزاهم الله خير الجزاء... ومع الأخذ في الاعتبار طبيعة الحياة واختلاف المفاهيم التربوية بين زمن وآخر... فما كان مألوفاً في ذلك الزمن، كثيراً ما يكون مستنكراً في زمن آخر، والعكس:
· أحد معلمينا الذي عيّن في المدرسة لأول مرة، كان يصفع الوجه لأي سبب مهما كان بسيطاً، فقد كان يطلب من جميع الطلاب عند تلاوة القرآن الكريم أن يمسك الطالب مصحفه بيده اليسرى، ويتتبع الآيات (يقصّ) بسبابة يده اليمنى،والويل لمن يخالف هذا، وقد كنت أعسر (أشول) استخدم يدي اليسرى أكثر من اليمنى، فأعكس المطلوب مني ويصر عليّ أن أمسك المصحف بيدي اليسرى وأتابع بيدي اليمنى (فأتلخبط) وأرتبك وترتجف يدي، فأصبحت أهتم بالوضع المطلوب وطريقة الإمساك بالقرآن الكريم، فأقع في خطأ التلاوة باستمرار... فلا أسلم من صفعة على الوجه.. أو الرأس، أو ضربة شديدة على كفّي فأزداد ارتباكاً، وتتزايد أخطائي فيحكم علي _بكل قناعة_ بأنني غير (حافظ/مطيّس).
· أكثر المعلمين من الوطنيين كانوا في البدايات يطلبون منّا حفظ الدرس غيباً مهما كانت المادة الدراسية، فكنا نحفظ موضوعات القراءة (من سلم القراءة العربية) فنحفظ التاريخ حفظاً.. ولم يستمر ذلك طويلاً، فاقتصر الحفظ على سور الحفظ من القرآن الكريم.. والتوحيد والفقه والحديث...
· من وسائل العقاب التي أخذ بها فيما بعد أحد المعلمين، هي (الشتم) و (التفل) في الوجه/(البصق) أو الوعيد بتحويل الطالب المقصر إلى صف دراسي أدنى، وتسميته بلقب يعيّره به، وسرعان ما يلتصق به هذا الاسم الجديد.. ويظل التلاميذ ينادونه به، فيستسل لذلك اللقب مرغماً... وقد سبق الإشارة إلى أساليب مختلفة من طرق العقاب في المدارس بصفة عامة وفي بداية عهدها، والمثل الشائع حينذاك: (ما يقرأ إلا راغب وإلا راهب).. والشيء العجيب أن من تخرّج في هذه المدارس، وعلى يد أولئك المعلمين، ومرت عليه أساليب العقاب المختلفة، أو شاهدها أخذ يمارسها أو بعضاً منها مع تلاميذه حين أصبح معلماً.. !!
· أحد معلمينا (المتعاقدين) إذا قرر عقاب طالب، فإنه يدعو أحد الطلاب الأشداء ليمسك به من الأمام فيقول: (اعبطه) فيشده، ويقوم هو بضربه في ظهره بسرعة فيبادر العم (قرطان) برمي (الجبّة) بينه وبين العصا، يحتميه بها، ولئلا يصاب بشيء من تلك الضربات..

..يعتمد التعليم والتدريس في الماضي عامة على التلقين والحفظ، لا أقول هذا من باب التنظير _الآن_ أو التعليل والتحليل، ويندر جداً أن يهتم بمعنى موضوع أي درس، ومغزاه، أو الهدف منه، وعلى الأخص في المرحلة الابتدائية، فما على الطالب إلا أن يردد ويحفظ ويكرر، ومع أن ما اختير من موضوعات القراءة والأناشيد لها أهداف توجيهية، إلا أننا نقرأ بدون فهم، ونحن في وادٍ والمعنى في وادٍ آخر، والمطلوب منا سلامة القراءة واستظهار ما طُلِب منا حفظه، وأقرب الأمثلة البسيطة الساذجة، أننا درسنا موضوعاً بعنوان: (صاحب الحمار.. والولد الشقي)، وخلاصته:
أن رجلاً مرّ في طريقه على عدد من الأولاد ومعه حمار يحمل عليه علفاً ليبيعه، فقال له ولد من هؤلاء الأولاد: (السلام عليكم يا أبا الحمار) فرد عليه الرجل قائلاً: (وعليك السلام يا بني العزيز ..)، فضحك عليه رفاقه.. فخجل الولد[..
فلم نفهم هذه الحكاية ، فماذا يعني بقوله: (أبا الحمار) ورده عليه بقوله: (يا بني العزيز) ولماذا ضحك الأولاد.. ولماذا خجل!!
ومقطوعات قصيرة تجلي الهم وأناشيد عن الأب.. والأم، وعن الكرة (كرة القدم... كل يعدو.. وله ندّ، ذا يقذفها.. ذا يلقفها.. وأخو الشرف رامي الهدف..). ونحن أصلاً لا نعرف معنى الكرة إلا بمسمى (الكبابة)

لم نكن ندرك أو نفهم معاني المفردات لهذه الأناشيد ولا المعنى العام إلا في وقت لاحق.. وكذلك الحال بالنسبة لأساسيات فهم مواد الفقه والتوحيد والحساب.



يتبع .........

أحمد بن قسقس 03-25-2010 12:42 PM

لله ما أثمر قلمك يا سعيد في هذه الصفحات النديّة .
وللشكر وأحسن من ذلك هذا الإبداع وهذا الفكر وهذا التميّز .
والله إنّه لجهدٌ مبارك وعملٌ رائق وتوثيقٌ يستحقّ الإشادة والشكر والذكر ، فشكر الله سعيك وجزاك الله كلّ خير .

سعيد الفقعسي 03-26-2010 11:32 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد بن قسقس (المشاركة 90744)
لله ما أثمر قلمك يا سعيد في هذه الصفحات النديّة .
وللشكر وأحسن من ذلك هذا الإبداع وهذا الفكر وهذا التميّز .
والله إنّه لجهدٌ مبارك وعملٌ رائق وتوثيقٌ يستحقّ الإشادة والشكر والذكر ، فشكر الله سعيك وجزاك الله كلّ خير .

بارك الله فيك وجزاك خير

مرورك من هنا شرفني رفع الله قدرك

سعيد الفقعسي 03-26-2010 11:38 AM

المعلامة

الجزء السابع:



أحد معلمينا كان ذا صوت جميل إذا قرأ القرآن الكريم ينصت له جميع من في المدرسة وخارجها إذا شرع يتلو في المصحف، فأعطي تدريس القرآن الكريم في الصف السادس.. يبدأ أولاً بالاستماع إلى تلاوة كل منا للآيات السابقة بحيث يتلو كل واحد ثلاث إلى أربع آيات وأثناء ذلك يشرع في استخراج (علبة السجائر والكبريت) ويشعل عود الكبريت، ويبدأ في إيقاد طرف السيجارة من غير أن يضعها في فمه، ويستمر في هذه العملية بعدد من أعواد الثقاب وببطء وهدوء حتى يشتعل طرفها كلياً، ثم يبدأ في (شفطها) ويواصل التدخين، ويستمع إلى تلاوة كل منا، كنا نتابعه بتعجب.. ليس لأنه يدخن في المدرسة.. أو في الفصل.. أو في مادة القرآن الكريم!! وإنما لطريقته في إشعال السيجارة، كان لطيفاً معنا، مما جعل أحدنا يسأله عن طريقته هذه في (توليع السيجارة ؟!) فأجاب بشرح طويل خلاصته:
(لأن الكبريت به غازات تضر الجسم، فإذا شفطت السيجارة مع الكبريت، فيدخل دخان الكبريت مع دخان السيجارة إلى الجسم فيضرّه....!!)..
لقد أذهل هذا المعلم الجميع بما يظهره من مواهب وقدرات داخل المدرسة وخارجها، فقد أثبت لأهل القرية والقرى المجاورة أنّه يداوي (حكيم) يعالج مختلف الأمراض.. ويصف الدواء.. ويقوم بضرب (الشرنقات)/إعطاء الحقن العلاجية، ومع أنّه لا يوجد حينذاك صيدلية في المنطقة.. فهو يوصي بإحضار الأدوية والوصفات الطبية من مدينة الطائف مع سائق السيارة التي تذهب إلى الطائف مرّة كل أسبوعين، ثم قام الأستاذ (فؤاد) هذا بعمل لوحين عريضين بكل منهما حلقة دائرية، ونصبهما على عمودين طويلين وبينهما مسافة في سوق القرية، وقال هذه لعبة تُسمى (كرة السلة)، وأخذ يعلمنا هذه اللعبة.. ويلعب معنا، ويساعد معلم الرياضة (المادة الجديدة).
كان هذا المعلم يتعلم كل شيء من خلال تعامله مع الآباء، ويتعرف على مختلف العادات والتقاليد، وقصائد العرضة ومعانيها، ثم أحضر أسرته، فكان يدعونا إلى منزله لإعداد وتقديم موضوعات، وصحيفة مدرسية مبسطة، فاكتسب شهرة واسعة عند قطاع كبير من الناس...
لم يكن للرياضة البدنية حصة دراسية في المدرسة حتى عام 1376هجرية تقريباً، فكان الأولاد وحتى الكبار أحياناً يمارسون ألعاباً لها مواسمها ومناسباتها مثل:]القطرة أو المقطار، يالسح وسالي، الذئب سرى بالناقة، لعبة الأمثال، والألعاب الرمضانية، ولعبة (السُّقطة) للبنات والأولاد [ وكل لعبة لها طريقتها وقانونها، إلى جانب ألعاب (العرضة) بأشكالها المختلفة، ولم يكن الآباء في البداية يتصورون أنه سيكون في المدرسة حصة (لعب) بمسمى حصة رياضة، فكان أكثر رجال القرية يعلنون صراحة انتقادهم وتذمرهم لتحول المدرسة إلى لعب وضياع.. فكان أحد الآباء يلوم المدرسة والمعلم، ويصيح بنا قائلاً: (ياسفان الكورة) عندما تسقط الكرة في الركيب (أرض زراعية)، ثم يتوعدنا (بفقعها) لو عادت مرّة أخرى.. لم نعرف من قبل سوى لعبة (الكبابة) قماش أو خروق بالية مدورة الشكل.
أصبحت الكرة (كرة القدم) لعبتنا المفضلة على جميع الألعاب ويندر أن نمارس غيرها في حصة الرياضة أو خارج المدرسة.. في سوق القرية، أو بأحد الأراضي غير المزروعة، وقد اتفق الأستاذ (طلال) أستاذ الرياضة بمدرستنا مع معلم الرياضة في مدرسة قرية الباحة على إقامة مباراة (ودية) بين المدرستين،ذهبنا إليهم.. وبدأت المباراة، فكانوا أكثر استعداداً ومهارة في هذه اللعبة، لم يشركني الأستاذ في الفريق، كم كنت أتمنى أن أشارك.. مع أنني كنت مستعداً بلبس (البدلة) تحت ثوبي.. لأن ارتداء البدلة شرط أساسي بين الفريقين، ولا يشترط لبس الحذاء..
فهُزِمنا في الشوط الأول، وأخذ معلمنا يجري تغييراً لبعض اللاعبين، ويطلب من آخرين النزول إلى الملعب.. ناداني،فانطلقت إليه بسرعة وشوق من أجل المشاركة في اللعب.. وقفت أمامه.. سألني: (عندك شورت) لم أعلم ماذا يعني شورت.. قال بتذمر وسرعة: (بدلة.. سروال) فأجبته بسعادة: نعم.. وكدت أنطلق إلى الملعب، لكنه استوقفني قائلاً: (أعط البدلة زميلك...).. كتمت غيظي.. فهو أكثر مهارة منّي، وعدنا من هذه المباراة الودية مهزومين وغير معترفين بفوزهم علينا لوجود لاعب معهم ليس من مدرستهم، فهو يدرس في إحدى المدن.. أتى لزيارة أهله فاستعانوا به، وحين علم بعض رجال قريتنا بأننا غُلِبنا وهزمت مدرستنا غضبوا منا... وأحسوا بمرارة الهزيمة أكثر منا نحن الطلاب، فكانوا يلوموننا ويعيروننا بهذه الهزيمة في كل مناسبة.




* * * * *

مناسبة كبيرة شملت المنطقة كلها (غامد وزهران) حين سمعنا في المدرسة وفي البيت بأن الملك سعود بن عبدالعزيز سيزور (الحجاز) ويقصد به حينذاك منطقة الجنوب، من الطائف حتى بلجرشي وما بعدها...
كان ذلك في عام 1376هـ فقامت كل قبيلة وكل قرية وبادية بالاستعداد لهذه الزيارة، نصبت الأعلام والأقواس والسرادقات والمخيمات الجماعية الكبيرة والفردية البسيطة على الطريق الترابية الوحيدة، ونصب بعض الأهالي المجاورين لطريق الموكب مثل (آل سابي) حسب علمي خيمة بسيطة لتقديم القهوة والحليب الطازج (حليب الغنم) للملك ومرافقيه حين مروره، فيقف الملك _رحمه الله_ لتناول فنجان القهوة.. ثم يواصل الموكب سيره ومروره على مواقع استقبال أخرى، وقد قام والدي بتصميم وخياطة علم كبير نصبه فوق بيتنا على عمودين من طرفيه احتفاءً بتلك المناسبة، ولقد أسهم أيضاً.. عدد من أبناء المنطقة الذين يقيمون في المدن الرئيسة.. بما لديهم من قدرات وإمكانات وخبرات متمدنة لمثل هذه الزيارة التفقدية الكبيرة، ومن هؤلاء رجال من بلجرشي وبني كبير وبني ضبيان وبني عبدالله وبني خثيم.. وأذكر ممن عرفت في قريتنا (رغدان):
آل حجر، وأحمد عقيل، وعبدالرحمن مجحود وغيرهم، وكذلك الحال بالنسبةللقرى والقبائل الأخرى البعيدة من زهران وغامد.
كنت في تلك الفترة مصاباً ووالدتي بمرض شديد (الحمى) ويسمى (السابع) نحُل لها جسمي، فلم أعد أقوى على المشي أو الوقوف، وتغيبت عن المدرسة.. وعالجني والدي _يرحمه الله_ بالكيّ في قمّة رأسي، فقد كان ذا مواهب متعددة وله أفكار وتصرّفات جريئة لمواجهة كثير من المواقف أو المشكلات التي قد تواجهنا في البيت أو أيّ بيت في القرية.. يقاوم الثعابين ويُسْتنجد به في القرية من أجلها، وكان يختن أطفال القرية ويخلع الأسنان المؤلمة، ويقوم بتركيب بدائل الأسنان الأمامية من عظام الجمل ويلبسها بالفضة أو الذهب لمن يريد.. ويُصلِح الأجهزة المستحدثة في ذلك الوقت كالساعات أو الرادي، إلى جانب صياغة الحليّ والسيوف والخناجر ولا أبالغ _لأنه أبي_ فهو يكاد أن يكون مبدعاً أو مخترعاً لأشياء كثيرة حتى الأجهزة التعويضيّة الصغيرة إذا تلفت للسيارة التي أخذت تأتي إلى المنطقة لأول مرة يقوم بإصلاحها أو عمل البديل.
وأذكر أن عمي (عقيل) يرحمه الله أراد أن يرمي بالبندقية هدفاً في الجبل وحين أطلق الزناد انفجرت البندقية في وجهه فأصيبت عينه وتعرض أنفه لقطع عميق فعالجه والدي بتثبيت الشق بمساكة صنعها من الفضة لأنفه لتثبيته ليلتئم ولا يتشوّه..
كما أسعف امرأة من القرية شربت الماء من فم القربة وكان في الماء (علقة) سوداء مستطيلة فاندفعت إلى فم المرأة واستقرت في حلقها، وكادت تختنق.. نظر إليها فرأى الطرف الأخير لهذه العلقة يظهر ويختفي في البلعوم فعمل ملقطاً مدبباً طويلاً وتصايد العلقة حتى أمسك بها وانتزعها بعد عدة محاولات، فقد كانت متشبثة بفمها الذي يشبه الشفّاط...
ولم أدرك في حينه أنّ في المجتمع من (يحتقر) بصمت كثيراً من المهن ويأنف من ممارستها أو مصاهرة أصحابها.. وقد كان الوالد محط إعجاب الآخرين...
مع اقتراب موكب الملك سعود يرحمه الله من قريتنا كان قد أُعدّ له حفل استقبال في مخيم كبير في إحدى الأراضي الزراعية الواسعة، قدمت خلاله العرضة الشعبية والخطب الترحيبية، ومنها خطبة ألقاها أخي (عبدالهادي) بعد أن ألقى خطبة مدرسة قرية الباحة بصفته مديراً للمدرسة ولأن العلم والتعليم كان في بداية عهده في المنطقة عامة والمعلمون (المتنورون) في ذلك الزمن قليلون، بل أنهم يُعدّون على أصابع اليد الواحدة في كل قبيلة وقرية، حتى الرسائل وكتابة الوثائق (الحجج) المتعلقة بالبيع أو الشراء أو الصلح يستمر البحث عمّن يقرؤها أو يكتبها على يد أناس معروفين ونادري الوجود في بعض القرى يسمى أحدهم (الفقيه) إلى جانب إمامة المسجد مثل (علي بن محمد بن اسماعيل) وكذلك الحال في كل قبيلة أو قرية من القرى الرئيسة في المنطقة.
وفي قريتنا لقد اصطفّ الطلاب في هذا الحفل للهتاف والترحيب والإنشاد ولست معهم بسبب المرض، وتم توزيع عشرة ريالات من الفضّة لكل طالب.
في آخر أيام زيارة الملك رافقت جدتي (عليّة) للاصطفاف مع الناس على طريق الموكب، في انتظار السيارة التي بها النقود التي تُوزع على الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً.. فيقفون أو يقعدون منتظرين الموزّع، فينزل من سيارة حمراء (وانيت أو لوري) لا أعرف الفرق بينهما أو الاسم.. فيبدأ بتوزيع الريالات الفضيّة على الناس، والسيارة تمشي ببطء فقد ينال أحدهم عشرة ريالات أو أقل أو أكثر، فكان نصيبي بقية ما بيده (ثلاثة ريالات)، كما تمّ توزيع مجموعات من العمائم والثياب من قماش الدوت أو المبرم.. على بعض الرجال.
ويواصل عدد من الرجال والنساء العجائز السير من مكان إلى آخر من أجل اللحاق بغنيمة توزيع هذه النقود،ولا أنسى ذلك الموقف... الذي رأيت فيه إحدى النساء ومعها ثلاثة من أبنائها، ولكنها جعلتهم خمسة.. فقد ألفت قطعة قماش (حوكة) واحتضنتها على أنها الطفل الرابع الرضيع، وألبست حجراً بقطعة قماش أخرى وكأنه طفلها الخامس،فأعطى الموزع لها ولكل واحدٍ من الخمسة نصيبه.. فذهب ذلك التصرف مثلاً طريفاً.
كما منح الخطباء والمشائخ نصيبهم، وكذلك أصحاب الضيافات على جانب الطريق مهما كانت بساطتها.
والطرق في ذلك الوقت ترابية ووعرة خلال الجبال والشعاب والأودية.






يتبع .........

سعيد الفقعسي 03-28-2010 10:24 PM

المعلامة

الجزء الثامن:


في عام 1377 أو 1378هـ حدث أمر عظيم وعجيب في قريتنا.. (الكهرباء ... !!) الكهربة تدخل (رغدان) فقد اشترى (عبدالله بجاد).. (ماطور) للكهرباء عن طريق أحد أبناء القبيلة المقيم في مدينة جدة.. وامتدت الأسلاك على ظهور المنازل، وعلى الجدران، وعلى عدد من الأعمدة الخشبية، فدخل (الكهرب) أغلب المنازل مقابل (خمسة ريالات للمبة) المصباح الواحد.. وتستمر الإضاءة من أذان المغرب إلى بعد العشاء بنصف ساعة، من الساعة (12) إلى الثالثة والنصف على الأكثر بالتوقيت الغروبي حينذاك، يتخللها انقطاع أو انطفاء مفاجئ قد يستمر أياماً، فكانت الفوانيس أو الأتاريك القليلة في صراع مستمر لإثبات وجودها أمام الكهرب هذا الدخيل الجديد..!!
في ليلة من تلك الليالي،لم يأت النور (الكهرب ما ولّع !؟) واستمرّ الانقطاع عدّة أيام، بعد أن كانت القرى المجاورة تغبط أهل رغدان على هذا التحضر والازدهار لوجود السوق الأسبوعي والكهرباء وكثيرٍ من المستجدات الحديثة والدكاكين المفتوحة يومياً، وبها يسكن عدد من المعلمين من الدول المجاورة، ويرتادها أهل الدول المجاورة للتسوق ولحل المشكلات عند شيخ القبيلة (هاشم بن عدنان).. أو لمراجعة (فؤاد) الذي يمارس التطبيب إلى جانب التدريس..
وقد علمت أن (دار عيسى) وهي إحدى قرى (الحبشي) دخلتها الكهرباء لفترة قصيرة.. بواسطة ( ) أحد أبناء القرية و لم تستمر.
كان موقع (الماتور الكهربائي) في طرف السوق (الأسفل) من القرية، ويعتبر سوق (رغدان) في ذلك الوقت من أكبر الأسواق في المنطقة وأكبر تجمع لأهالي القرى المجاورة والقبائل، يجلب إليه كل شيء يحتاجه الناس من حبوب وماشية وسمن وعسل وحطب وقماش وتمر وبن.. على الجمال والحمير وفي السوق دكاكين صغيرة مبنية بالحجر ومسقوفة بجريد الخشب مملوكة لأهل القرية، وتُعرض بعض البضائع على أرضية السوق، وفي السوق الأسفل شجرة الجميز الكبيرة (الرقعة) تظلل كثيراً من البائعين والمشترين،وللسوق كما عرفنا _فيما بعد_عقود وعهود واحترام، فلا يعتدي أحد على أحد.. وإلا نال جزاءه بتغريمه ماديّاً ومعنوياً على يد شيخ القبيلة والأطراف الأخرى من العرفاء وذوي العلاقة.
انقطع التيار الكهربائي واستمر الخلل عدة ليالي وأياماً، وكما قال العامل الذي يقوم بتشغيله.. ونسميه (المهندس) بأن أحد العابثين وضع كمية من السُّكر في الماكينة!
لكن.. من هؤلاء العابثون أو الحاقدون؟؟ ولماذا السّكر؟!
لا أدري حتى الآن، لقد وُجّه الاتهام إلى كل الأولاد... فقرر شيخ القبيلة وعرفاؤها استدعاء جميع الأولاد في القرية _كإحدى وسائل التحقيق_ للوصول إلى المتسبب، أو من يدل عليه.
وقد يكون الاشتباه في آخرين أكبر سناً.. من الذين لم يُدخلوا الكهرباء إلى بيوتهم..
أخذ مندوب الشيخ (ابن خموس) يطوف على المنازل، لإبلاغ جميع شباب القرية بالحضور إلى بيت الشيخ هاشم، كنت لا أعلم عن سبب هذه الدعوة المفاجئة مع أن والدي وأخي نصحاني بعدم الذهاب.. والبقاء لمذاكرة مادة الحديث للصف السادس، لكنني رغبت بشوق في حضور هذا الاجتماع الذي لم يحدث للأولاد من قبل؛ فلم نكن نذهب إلى منزل الشيخ إلا في عيد الفطر برفقة الآباء، فنستمع إلى الكبار وهم يتحدثون وبأصوات مرتفعة عن بعض القضايا المتعلقة بالغابة أو الحمى، والمشكلات الفردية أو بين طرفين، ثم ننقضّ _نحن الصّغار_ على صحون التمر، وقد نحشو الجيوب.
في هذا الاجتماع الذي كنا نعتبره شيئاً مسلّياً يشبع استطلاعنا عمّا يراد منّا، لم يقدم لنا التّمر كالعادة في كل عيد، بل فوجئنا بالوعد والوعيد والتهديد إن لم نعترف بمن (خرّب الماطور) أو ندلّ عليه..
وحينما لم يعترف أحد؛ قرر الشيخ وكبار أهل القرية إنزالنا إلى (الدبلة) وهي مكان منخفض جداً تحت الدور الأرضي.. تحت (السافلة)، وقيل أن هذا مكان السّجن قديماً، فكان منّا من يضحك، أو الغاضب أو الخائف الحزين...
تذكرت نصيحة والدي لقناعته ببراءتي؛ بألا أذهب.. ولأن مثل هذه الفعلة لا يفعلها صغار السّن؛ (ما تغدي عن العزبان الكبار).كما قال.
أخذنا نتزاحم في ذلك القبو المظلم للاقتراب من نافذة صغيرة لاستنشاق شيء من الهواء، ولنستمد منها بصيصاً من النور..
سمعت أخي عبدالهادي يناديني من خارج النافذة ليعطيني كسرة خبز، وضعها في كتاب الحديث (مادة اختبار الشهادة الابتدائية لليوم التالي). أخذ يضحك قائلاً: ذاكر.. ذاكر، اختبار الحديث غداً..
ومع حلول ظلام الليل سمعنا الباب يفتح لإطلاقنا، فاندفعنا نستبق الخروج عائدين إلى بيوتنا.



* * * * *


كان عددنا في الصفّ السادس "عشرة طلاب" في عام 1378هـ فقد بدأت تتزايد المدارس سنة بعد أخرى، وكل قرية مهما قل عدد أبنائها تسعى لفتح مدرسة بها للبنين، أما البنات فلا مدارس لهن في ذلك الوقت حتى عام 1381هـ حيث فتحت أوّل مدرسة للبنات في (بلجرشي).
كان الاختبار شيئاً رهيباً لنا، فقد توافد إلى القرية طلاب الصف السادس من المدارس الأخرى، فمنهم من أقام مع أسرة من أهل القرية.. أو رافقهم بعض أهلهم للاهتمام بهم، وإعداد طعامهم أو إيقاظهم. وآخرون يأتون صباح كل يوم لأداء الاختبار ثم يعودون إلى منازلهم سيراً على الأقدام أو على الحمير..
ويتم الاختبار أمام لجنة من المعلمين وعدد من مسؤولي التعليم.. موظفين أو مفتشين، وكان رئيس هذه اللجنة مدير التعليم (المعتمد) كما نسميه، وكانوا يسكنون داخل المدرسة المبنية من الحجر ومسقوفة بالخشب.. فنخضع لتفتيش دقيق للجيوب، والسراويل وتحت العمامة والظهر، وأذكر أن طالباً حضر وهو يرتدي ثوبين، فاكتُشِف أنّ ثوبه الداخليّ منقوشاً بالمعلومات، فطلب منه بعد بكاء وتوسّل أن يخلع ثوبه، ويتركه خارج المدرسة، وأثناء الاختبار نسمع من أحد المراقبين أو الملاحظين يقول بصوت مرتفع:
(مضى من الوقت نصف ساعة.. عند الامتحان يُكرم المرء أو يهان... أو بقي من الوقت عشر دقائق...) فنزداد قلقاً وتشتيتاً وربكة.
كنّا قبل بدء الاختبار بعدة أسابيع قد كتبنا (استمارة الاختبار)، وكان هذا الإجراء حدث كبير وهام بالنسبة لأساتذتنا في المدرسة، ولنا الويل والتهديد لمن يخطئ في ملء هذه الاستمارة، ثم يعاد جزء من هذه الاستمارة تحت مسمى (رقم الجلوس) أثناء أداء الاختبار.. فلكل طالب رقم جلوس خاص به على مستوى جميع المدارس الابتدائية في المملكة التي بلغ عدد طلابها (5182) طالباً للمرحلة الابتدائية في ذلك العام، عرفت هذا العدد حين تسلمنا الشهادات بعد سنوات.
كان فراشنا الحنابل وبسط الخصف، مع تثبيت بطاقة رقم الجلوس أمام كل طالب على البساط.
كان جلوسي على الأرض أمام مكتب رئيس اللجنة.. وكلما جلس على مكتبه؛ أخذ ينظر إلى ما أكتبه من إجابات فأجد حرجاً وتشتيتاً لذهني وأفكاري، فأشعر بأنه يحاسبني على إجاباتي أو أخطائي، فأكتب وأشطب. ويسألني شقيقي عبدالهادي عن الأسئلة ومدى سهولتها، فأقول إنها سهلة لولا مداومة نظر (المعتمد) أو قلت المفتّش.. لما أكتب بحكم جلوسي تحت مكتبه، مما يجعلني أحياناً (ألخبط) في إجابتي، فما كان من أخي بحكم معرفته بأعضاء اللجنة، وهو حينها مدير لمدرسة قرية الباحة.. ولعله أوعز لأحدهم بهذه المعاناة، فانحلت هذه المشكلة التي أعاني منها. ثم بلغني أن رئيس اللجنة كان مغتبطاً بإجاباتي، ومعجباً بحسن خطّي.
لم نكن ندري عن مصير إجاباتنا، وأين وكيف يتم التصحيح.
فعلمنا أنها تُرتّب في ظروف مختومة بالشمع الأحمر وبالأرقام/أرقام الجلوس، مع فصل الأسماء وترسل إلى مكة المكرمة، وربما إلى الرياض لتصحيحها.
بعد عدة أسابيع ظهرت النتائج، فكنّا ثلاثة فقط في الدور الأول.
وقد تسلمنا شهادات النجاح من الصف السادس "الشهادة الابتدائية" بعد سنوات من وزارة المعارف بتوقيع وكيل الوزارة معالي الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع .
لا ننسى ذلك الموقف، حين نجحت من الصف السادس (الشهادة الابتدائية) عدت إلى المنزل فرحا أنهب الأرض جريا لأبشر والدي, فقد كنت أحمل في جيبي (سيجارة) فأخفيتها فوق رأسي تحت القبعة والعمامة لئلا يراها والدي, فهنأني, وقبلني, ومنحني ريالاً أو ريالين, مع عبارات المديح والتشجيع, جلست بجانبه مزهوا, وشعرت بتدفق العرق من رأسي بسبب سيري السريع إلى البيت فما كان مني إلا أن خطفت العمامة من فوق رأسي لألقيها بجانبي, فإذا بالسيجارة تنطلق لتستقر في حجر والدي, فنظر إليها بابتسامة مريرة, والتفت إليّ بعد صمت رهيب وقال:من أين جاءت هذه السيجارة, لعلها سقطت من السقف.. اجبني؟؟ من أين، لم لا ترد؟اصفر وجهي, وارتعدت أوصالي خوفا, فما كان منه إلا أن أطبق يده عليّ قبل أن أنطلق هاربا, ونالتني منه الصفعات والتوبيخ بدل تلك القبلات والمديح, فلم ينقذني غير توسلات أمي ووعودي وعهودي بالتوبة عن هذه العادة الســيـــئة, ولا عجب فقد كان عدد من رجال القرية وعلى الأخص من كان يسافر إلى مدن أخرى.. يدخنون وكذلك والدي ومعلمنا الذي ذكرته في الصف الخامس والسادس, ابتداء من أنواع الدخان (الأخضر , واللف , وأبو غليون , وأبو ورده... الخ)..
فقد كنا نشعر –عن جهل– بأن ممارسة التدخين يكمل لنا سمات الرجولة والشباب, وكان احد الرفاق ممن لدى أسرته دكانا لبيع مختلف الحاجيات الأسرية والمواد الغذائية ومنها (الدخان), فكان رفيقي وصديقي هذا يجلب لنا بعض الدخان وتعلمنا منه كيف ندخن والطريقة الصحيحة لامتصاص وشفط السيجارة فكان يقول:
شفط السيجارة ونفث دخانها مباشرة خطأ, والأصح أن (تكنها) أي بشفطها وتبلع الدخان ثم تعيد إخراجه من الصدر والأنف, وهذه الطريقة جعلتنا (نتولع) وندمن على التدخين, ونشتريه, وكان والدي يكره هذا الصاحب الذي علمني الدخان ولا يود أن أصاحبه أو امشي معه أو أزوره أو يزورني في المنزل وظل على هذا الموقف لا يرتاح إليه حتى بعد أن كبرنا.

يتبع........................

عبدالحميد بن حسن 03-28-2010 11:40 PM

جهد موفق اخي سعيد الفقعسي بارك الله فيك وفي من الف كتاب المعلامة واحسنت صنعا عندما نشرت فصوله وجزاك الله عنا خيرا وتقبل خالص تحياتي وتقديري .

سعيد الفقعسي 04-02-2010 10:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالحميد بن حسن (المشاركة 91061)
جهد موفق اخي سعيد الفقعسي بارك الله فيك وفي من الف كتاب المعلامة واحسنت صنعا عندما نشرت فصوله وجزاك الله عنا خيرا وتقبل خالص تحياتي وتقديري .

شرفني مرورك اخي الحبيب عبدالحميد وجزاك الله كل خير وحفظك ورعاك

سعيد الفقعسي 04-02-2010 11:01 PM

المعلامة

الجزء التاسع:


السفر إلى مدينة الطائف أمنيه لايعادلها شيء ونحن في تلك المرحلة من العمر وكان بعض أهلنا في الجنوب مازالوا يقولون عن الطائف, ومكة, وجدة (الشــــام) وقد يطلقون على أهل هذه المدن مسمى (المكاكوة) نسبه الى مكة المكرمة كما يطلقون أهل هذه المدن كلمة (الحجز... حجازي) على أهل الجنوب عامة, ولقد رأيت – فيما بعد– في سجل قيد الطلاب الدارسين في المدرسة التي درست بها أمام كل اسم, الجــنــســيـــة: (حجازي) يا لسعادتي حين قرر والدي رحمه الله أن أسافر معه في سيارة لنا يقودها شقيقي (أحمد), وهي لوري موديل 1952م, فكان عمي (أحمد عقيل) يقيم في الطائف ويقتني عدد من السيارات ومعه عمي (عقيل) يرحمهما الله, كانوا ينقلون المسافرين الحجاج الى اليمن, والبضائع وصفيحات وبراميل والكاز إلى خميس مشيط وجيزان وصنعاء وكذلك ممن أعرفهم وأسمع عنهم في ذلك الحين (آل حجر, والمروة, وال ملّة, والعريكة, والعبيدالله, آل محفوظ, الرامي .... الخ) ثم تكاثرت الأسر والأسماء في كل قرية كبني جرّة وخيرة.....
قبل تلك الفترة بسنوات قليلة لا تصل السيارة إلى المنطقة (قرى غامد وزهران) فكانت تقف في (بطحان, بيدة), ويواصل المسافرون السير على الدواب, ثم شق طريقان عبر (عرق بني يسار في زهران) و(الصنة) في (بني عبدالله), وقد ساهم الأهالي من الجهتين في توصيل الطرق بجهود تعاونية مع الدولة, من أصحاب الأراضي التي فيها هذا الطريق الترابي, مع إسهام عدد من الرجال المتنورين ومن أصحاب السيارات الذين يقدرون أهمية شق الطريق إلى كل قرية, وأذكر منهم (سعد بن شيبان وأحمد عقيل) وبالتأكيد هناك رجال آخرون في زهران وغامد أسهموا في هذه المهمة التعاونية بتنافس وأريحية.


* * * * *
سافرت لأول مره عام 75 أو 1376هـ إلى الطائف في صبيحة يوم الاثنين (اليوم المعتاد في السفر) فكان معنا في السيارة عدد من الركاب المستأجرين عن طريق (عرق بني يسار) ثم (بطحان وبيده) ثم توقفنا في السويسية لتناول الغداء والعشاء والنوم في (شقصان) ثم وصلنا إلى مدينه الطائف اليوم التالي (الثلاثاء). كان الطريق ترابيا لا يخلو من عوائق رملية وحجرية وأودية, ومن شدة الشوق إلى رؤية مدينة الطائف.. كنت في كل مره اسأل والدي: (متى نصل الطائف)؟؟ فيحدثني أنه قد سافر عدة مرات على (رجله) مشياً أو على حمار أو جمل, فيقطعون المسافة في مدة (سبعة أيام) ولا يسافرون إلا جماعات خوفاً من مخاطر السفر وقطاع الطريق, وحين العودة يتزايد احتمال النهب والسلب, ومن لديه نقود كسبها من العمل يفضل أن يحولها إلى (جنيه ذهب) كنت أتشوق إلى هذه الحكايات والقصص الواقعية فأستزيده بإلحاح, فيقول:
(عملت في مكة المكرمة وهي المدينة المباركة التي يجد الناس فيها أعمالاً مختلفة وعلى الأخص في موسم الحج.. (صبياناً) في المنازل (لصغار السن) أو مع مطوفي الحجاج أو في دفع عربات السعي للحجاج أو حمل (الشبرية) في الطواف أو في السقاية والتحميل.. يقول: (ولقد عملت صبيا في دكان صائغ يسمى: (عبدالغني) وازددت مهارة ومعرفه بعد أن علمني (فرج).. مهنة الصياغة،وكسبت أجرا كثيراً, حولته إلى (جنيهين اثنين), وفي عودتي إلى الديرة/الحجاز, مررنا بالطائف, وجدناهم يبيعون الأراضي حول مستشفى الملك فيصل الحالي بسعر المتر (أربع قروش), وقد كان في مكان المستشفى حين ذاك (المجزرة) كان يمكن شراء مساحات شاسعة بمبلغ بسيط لكننا ورفاقي رفضنا مستنكرين على من يشتري أرضاً في ديرة غير ديرته!!).
يقول: (قررنا أنا ومن معي ممن لديه (جنيها ذهبياً) أن نقوم ببلعها مع حبة تمر أو طعام, ونفذنا ذلك, ونظل نبحث عن (الكنز) الذي في بطوننا كلما ذهبنا إلى الخلاء لئلا نفقده دون أن نشعر..., كنا متعاونين في السراء والضراء, ولا نسير على الأخص في السفر إلا جماعات ومتحزمين با السلاح, ثم يقول: يا الله لك الحمد اليوم أمان وطاعة رحمان.., ثم يعقب –يرحمه الله– وبأسلوب طريف قائلا : (كيف لو عشتم ما عشناه.. كان الواحد منكم مات من الجوع, أو هرب وخلى الجمل بما حمل لو بدا بادي أو عادي...) كان يحدثني يرحمه الله عن أشياء ومواقف عجيبة, وهي اليوم أعجب, ولا نكاد تُصدق أو يستوعبها جيل هذا العصر.. فيما يتعلق بعادات الزواج أو طريقة الختان. ومقاومة (النمور) في مناطق تهامة... يقول: نشأنا أيتاماً صغاراً ومكثت فترة أسكن مع خالي (هادي) في بيشة وكان ابنه (محمد) (نديدي)، وافتقد خالي (ربع قرش) فقال لنا (أنا وابنه): من أخذها؟ فحلف كل منا بالنفي، وأخيراً قال: والله لئن لم تعترفا (لألحسكما) وحين لم يصل إلى نتيجة، قام بتسخين سكين عريضة في النار حتى احمرّت، ثم بدأني فلحستها، فوالله لم أشعر بشيء بإذن الله _لأنني بريء_ وحين جاء دور ابن خالي انطلق هارباً، وكان هو الذي اختلس (ربع القرش)...
فينسيني بهذه الأحاديث سؤالي المتكرر عن الطائف ومتى نصل إليها؟! كنت متذمراً من طول السفر, بالرغم من حبنا لامتطاء السيارة وعلى الأخص حين نتسابق على الجلوس (فوق البرندة) وعلى السيارة (اللوري) مع ما نتعرض له من غبار واهتزاز وشمس وهواء شديد, وكأننا على كفوف الراحة والمتعة وذلك لحداثة العهد بركوب السيارات وقلة وجودها.
حين اقتربنا من ضاحية الطائف الجنوبية (ليّة), قال: والدي (مازحاً).. هذا هو الطائف.. فأخذت أشرئب متأملاً منازلها الصغيرة البيضاء, ونوافذها الجميلة, يحيط بها ألوان بيضاء أو زرقاء, وتكاد تغطي البيوت مزارع وبساتين كثيفة.. (كدت أصدق أنها الطائف) ثم توقفت السيارة, وطلب من الركاب دفع (الحساب) أجرة الركوب, وهي (أربعة ريالات عربي فضه), أو دفع عشرة ريالات ورقية (إصدار عام 1373هـ) مع دفع تكاليف طعام الغداء والعشاء بين الركاب المشتركين..
وصلنا الطائف ضحى اليوم الثاني, حين رأيت الطائف ــأول مره سافرت إليهاــ أحسست أنني في حلم كل شي بالنسبة لي غريب وعجيب ومذهل, تلهتم نظري المرئيات وأندهش أمام كل صغيرة وكبيرة.. المنازل بأشكالها وألوانها، المحلات والدكاكين.. المقاهي.. الناس وهيئاتهم, وأحاديثهم المختلفة عن فهمي أو ما اعتدت عليه في الكلام.. , وما أكثر أسئلتي التي لا تنقطع, حتى ذلك المنادي كل صباح بائع اللبن المتجول, اسمعه يقول: (.. بون.. بون) فأسأل والدي عن (بون.. بون) فيجيبني مبتسماً: هذا بائع اللبن يقول : ( لبن .. لبن ) ومع تنغيم نداء البائع فإنني أسمعها وأفهمها هكذا. وآخر ينادي (فريينيا.. فريينيا) بمعنى (ملابس فرقنا) والماء يأتي إلى منزل عمي بواسطة الزفة في برميل كبير يجره الحمار كنت أرافق والدي في جميع تحركاته, وعند ذهابه من حي الشهداء الذي يتوقف العمران بها قبل سوق ودكاكين (منشية خان با فيل) القائم الآن. فأرافقه إلى (سوق البلد) سيراً فأجد متعة في مشاهدة ما حولي, وتلك السيارات القليلة جدا والمختلفة الأشكال.., ويجيبني والدي –يرحمه الله– على أسئلتي المستمرة الساذجة أو المضحكة.
كان عمي أحمد عقيل يرحمه الله, لديه سيارة (فورد موديل 46) فأشعر بسعادة كبيرة حين أركب وأبناؤه معه, فيأخذنا مرة في كل أسبوع للتنزه إلى جهة المثناة قريباً من مسجد (عداس) ومسجد (الخبزة ), ويرافق عمي صديقه (عبدالرحمن مجحود) يرحمه الله.
نشاهد المزارع وبساتين العنب وأشجار السدر المحملة بالنبق على جانبي الوادي (وادي وج).
كان عمي أحمد حازماً مهاباً يخافه أبناؤه إلى درجة كبيرة ولا نسلم من عقابه لأي خطأ. وأتذكر حين قدم إلينا في الحجا/رغدان, وعلم بأنني وابنيه ذهبنا إلى الوادي الذي يتدفق بالمياه طوال العام, وسبحنا في بئر يسمى (بئر الحبل), مكثنا (نتشرّع في البئر) فترة طويلة, فعاقبنا بربطنا في المكان الذي تربط فيه الحمير في الساحة أمام البيت بجوار ( مذود الحمير) استنجدت بوالدي لينقذنا من هذا العقاب فردعليّ قائلاً: (تستاهلون..) ثم أطلق سراحنا بعد أن همس له والدي بإطلاقنا، فالزوار لا يكادون ينقطعون عن منزلنا لقضاء حاجاتهم عند والدي لصياغة حلي الفضة وصناعة الخناجر والسيوف وإصلاح البنادق وللاستماع إلى (ألرادي) المذياع الوحيد, الذي جلبه عمي معه من (الشام) الطائف ومكة. كان يجتمع الرجال والنساء من القرية للاستمتاع ومشاهدة هذا (الصندوق) الذي كنت أحسب أن الذين يتحدثون منه هم أناس بداخله..!
أذكر في تلك الرحلة إلى الطائف أو في سفره بعدها.. أن رجلاً من سكان الطائف حين راني برفقه والدي في طريقنا إلى (سوق البلد) نادي والدي قائلا: (.. الواد يجاود)؟ فأجابه والدي بالنفي ثم قال: هذا ما يجاود.. عنده شهادة سادسة. لم أعلم ماذا يعني بقوله (يجاود) و(الواد) شرح والدي كلام الرجل وهو يضحك: ( يعني تشتغل عندهم في البيت.. صبي.. وتكنس وتنظّف البزورة...) وسألته عن معنى البزورة؟
قال: ( السفان الصغار.. تنظفهم) وقهقه ضاحكاً، فما كان مني إلا أن غضبت من ذلك الرجل الذي يسأل والدي هذا السؤال، ويعتبر هذا السؤال عاديّاً من أهل مكة أو الطائف المتحضرين حين يشاهدون رجلاً من خارج المدينة يرافق ولداً صغيراً في العاشرة.
فكان أبي وعمي يمازحاني فيقول لي أحدهما: (.. ياواد تجاود..) فأنصرف غاضباً, ويضحكون مني..


يتبع .....................

سعيد الفقعسي 04-09-2010 10:39 PM

المعلامة

الجزء العاشر :




ذات يوم من عام (1376)هـ حدث في القرية في الجبل الشرقي انفجار لغم في رجلين أحدهما من أهل القرية (فائز) والآخر رجل يمني, كانا يقومان بتكسير وقطع الصخور لجلب الحجارة على الجمال واستخدامها في بناء المنازل وقد كانا طوال النهار يثقبان الصخر في عدة أماكن, مع وضع (البارود), ولعله حصل خطأ ما فأنفجر اللغم (اللغب) فيهما.. سمعنا الانفجار والاستغاثة فأصيبا إصابات شديدة , ولم يكن في ذلك الوقت مستشفى أو طبيب سوى في الظفير (الحكيم ابن طلميس) ثم بعده قدم الدكتور بشندي في الظفير نقل (فائز) إلى بيته ونقل الرجل اليمني إلى بيت هاشم بن عدنان شيخ القرية والقبيلة..
انطلقنا إلى الجبل نحن الصغار للمشاهدة, فرأينا أحدهما محمولاً على ظهر رجل من أهل القرية (عبدالله بن سعيد), والآخر على سرير. في ذات اليوم أو بعده بيوم حدثت (الفاجعة الكبرى) لأهل القرية في الطائف, حين وصل أسوأ خبر عن حادث احتراق (أحمد عقيل وعبدالرحمن مجحود وسعدي بن ضرمان, ورجل من أهل الطائف اسمه الأسيود) ماتوا جميعا حين انفجرت سيارة عمي, وهم بها متجهين من الشهداء إلى (سوق البلد) وبجوار مسجد (البقيرة) أُقيم العزاء في الطائف وفي القرية ( رغدان ), والجميع في حزن عميق.. لأول مرة أشاهد والدي يحجب عينيه بكفه ويبكي. حضر الناس والأقارب وأفراد القرية للمشاركة والعزاء والتحقق من هذه المصيبة.. وقد صادف أن جدتي لأمي (مستورة) قدمت إلينا من قرية في زهران, ورأت البكاء والعويل من جميع النساء, فأخذت تبكي وتواصل البكاء, وبعد أن هدأ البكاء وسكنت الأصوات, قامت –يرحمها الله– تسأل ببراءة إحدى النساء قائلة: (يا بنتي.. ليش يبكون..؟).
وبعد فترة طويلة كانت الأهل يتذكرون هذا الموقف منها, ويتندّرون به عليها قائلين: (كيف تبكين ولاتدرين..) فقد كانت تبكي بحرقة شديدة.
توجه الرجال من ذوي المصابين ومعهم آخرون من أفراد القرية إلى الطائف بعد بحث في القرى المجاورة عن سيارة تنقلهم فلم يجدوا بسهولة, وأخيراً وجدوا سيارة (إسماعيل بن ملّة) يرحمه الله (الأبلاكاش) فرحل بهم إلى الطائف ثم وصل خبر تفاصيل الحادث كما قيل: فقد ركبوا _يرحمهم الله_ السيارة وكان معهم في السيارة (تنكة) صفيحة مليئة بالبارود لإيصالها إلى دكان عبد الرحمن مجحود, وكان إلى جانب الصفيحة بطارية للسيارة, فربما كانت ألصفيحة فوق البطارية, وبعد سيرهم مسافة قصيرة, وأمام مسجد البقيرة حدث الانفجار داخل السيارة .. اكتظ الدخان داخلها.. حاول الناس مساعدتهم وإنقاذهم, لكن أبواب السيارة تمددت من الحرارة ولم تفتح, حاول الناس استخدام السواطير والفؤوس من المجزرة المجاورة.., وبدأت النيران واللهب يخرج من النوافذ, وقيل أن (عبدالرحمن بن مجحود) كان في جيبه وثائق أو أمانات ولفّها في عمامته وقذف بها من داخل السيارة, وبعد وصول (الإطفاء) كما يسمى ذلك الوقت, وأُطفئت النيران وفتحت الأبواب أخرج الرجال ولم يعرفوا, وقد كان عمي موظفاً مرموقاً في الإطفاء (الدفاع المدني). وقد فارقوا الحياة وبقي (الأسيود) فيه رمق، وحين سئل قال: معي (أحمد عقيل وعبد الرحمن مجحود, وواحد حجازي من جماعتهم _يعني سعدي بن ضرمان) ثم توفي (يرحمهم الله) وتعرف عليهم للتأكد ابن عمي (سعيد) بمعرفته لسيارة والده. يقول (عبدالله بن محمد): كنت معهم في ذلك الوقت, وتمنيت أن أركب معهم في السيارة لكنني تأخرت قليلاً فذهبوا بدوني..
وكثيرا ما يتذكر والدي مقولتهما منذ زمن, وأمنيتهما إذا جاءت الوفاة, أن يموتا معاُ: (عبدالرحمن بن مجحود, وعمي).





* * * * *

حصلت على (الشهادة الابتدائية ) عـــام 1378هــ, وكأنها شهادة الدكتوراه, والدي يود أن أذهب إلى معهد المعلمين الابتدائي الذي افتتح حديثا في (عراء/بني ضبيان) أما أخي عبدالهادي فقد اقترح أن أدرس في متوسطة بلجرشي الجديدة وتبعد عنا ثلاثين كيلاً, وهي المتوسطة الوحيدة في المنطقة, كان يستمع إلى هذا الحديث أحد الأرحام من المنطقة وكان مقيما في الطائف, فأبدى ترحيبه بأن أدرس في الطائف, وأسكن معه في منزله بعد وفاة عمي.
كانت هذه الفكرة غاية ما أتمناه بأن أرحل للدراسة في مدينة الطائف, فرحت فرحاً شديداً, فلم أصدق أنني سأذهب إلى الطائف وأقيم فيها للدراسة, رافقت والدي إلى الطائف للمرة الثانية من أجل أن أسجل في المتوسطة أو المعهد,.. لم أقبل في المعهد _لصغر سني_ كما قيل لنا, وكان المعهد أو مقر التسجيل في مبنى مجاور لمقر إدارة التعليم السابق في حي العزيزية, وفي المدرسة المتوسطة العزيزية سجلت للدراسة بها, وكان موقعها في شارع الملك فيصل, ثم انتقل مقرها في (نجمة) تلك المباني الفخمة في ذلك الوقت (تبرع بها للتعليم محمد سرور الصبان يرحمه الله), وتضم المتوسطة والثانوية بمسمى (المدرسة الفيصليّة المتوسطة والثانويّة) ومديرها حين ذاك (الأستاذ حامد مير) يرحمه الله, ودّعني والدي عائداً إلى(الحجاز), بعد أن قام بشراء حاجاتي البسيطة , وأصر على إعطاء (رحيمنا محمد بن علي) يرحمه الله مبلغاً وقدره (مائة ريال), فرفضها قائلا: (أتريد أن تعطيني مصاريف طعامه؟ هذا لا يمكن, فأقنعه والدي قائلا: (إنها ليست للطعام, اعتبرها لفسحة المدرسة كل يوم نصف ريال).
أقمت مع صهرنا هو وإحدى زوجاته (من الحوطة) لا أكاد افهم حديثهما وكنت أعاني من الخجل والوحدة والغربة, كان يقيم مع الأسرة غلام في سنّي من أبناء (الديرة) لأهله صلة أو معرفه بربّ هذه الأسرة (محمد بن علي) فأُرسل للطائف للعمل في فترة الصيف فكان يعمل في هذا المنزل (صبياً), وفي المحل يقوم بجلب المقاضي والمهام الأخرى, فكان سلوتي في هذه الغربة لعدة أيام, لكن مشاعر الحزن على ذهاب والدي وفراق أسرتي, واشتياقي إلى قريتي البعيدة أخذت تتزايد حين علمت أن هذا الذي يؤنس غربتي سيذهب ويعود إلى أهله ليدرس بعد فتح مدرسة ابتدائية في قريتهم, وتفاقم إحساسي بمرارة الغربة والوحدة بعد أن سافر (خميس), وبالتدريج وبطريقة غير مباشرة، أخذت أقوم بمهام (خميس) في خدمة الأسرة في المراسلات فلا أجد غضاضة أو إحساساً ما, أول الأمر لكنّي تفاجأت بعد ذلك, بأن معارف (رحيمنا) وجيرانه في السوق وفي المنزل يعتبرونني (الصبي) صبي هذه الأسرة, وأنا البديل للصبي السابق (خميس) مرّ رجل برحيمي (محمد), وتحدثنا قليلا, ثم قال له: (أرسل لي الصبي..) يعنيني طبعاً, فلم يكلف نفسه بالتعريف بي, بأني لست (صبيا), وتذكرت عبارة: (ياواد تجاود..) فتزايد قهري وحنيني للعودة إلى أهلي, فأنفرد بنفسي باكياً منطوياً..
لم يكن الوسط المدرسي أخف وطأة, فلم أستطع الاندماج أو الانسجام مع من حولي, أجلس منفرداً مع أوقات الفسح, اكتشف كثير من طلاب الفصل أنني أتحدث بكلمات ذات لهجة قروية يضحكون منها, فأتوقف عن التحدث معهم, أما مادة الانجليزي فكانت أثقل الدروس علي, منذ أن بدأ المعلم يحفظنا نطق بعض المفردات, ويطلب منا ترديدها جماعياً, ثم فرادي ومنها مثلا (ييس... نو) ولا أدري ما الذي يضحكهم حين أنطقها, وسرعان ما يضحك المعلم, ثم ينفجر التلاميذ يضحكون مني, وكرهت الانجليزي, ومدرس الانجليزي.. حتى الدراسة كنت أذهب إليها بجسمي أما قلبي وعقلي فهما يحلقان هناك عبر المسافات البعيدة نحو قريتي الحبيبة "رغدان".
علمت أن أحد أبناء العم من المقيمين في المدينة انتظم للدراسة في هذه المدرسة, فاستأنست به, مع أنه يدرس في فصل آخر.. فرحت بوجوده لتبديد وحدتي, وكآبتي في الييت وفي المدرسة, وكنت أشاهده يحضر إلى المدرسة قبل الدخول, وأبحث عنه في الفسحة أو بين حصة وأخرى فلا أراه؟! وكل يوم لا همّ لي سوى البحث عنه داخل المدرسة، أشاهده يومياً قبل الدخول, لكنه يتجنبني, وينسحب عني بطريقه لبقة ثم لا أجده؟! حيّرني أمره, سألته في صباح أحد الأيام عن مكانه وأين فصله, قال: إنني موجود, لم تقنعني إجابته, تساءلت في نفسي, لعله لا يحب أن يلتقي بي, فعزمت بإصرار على مرافقته لندخل إلى المدرسة معا ولأعرف فصله الدراسي, لكنه بقي بجوار المدرسة, ولم يدخلها, ودخل جميع الطلاب, ولم يبق إلا أنا وهو, وتلميذاً آخر بقي بعيداً سألته: لم لا تدخل المدرسة؟ قال: وأنت لماذا لاتدخل قلت: إنني انتظرك, فأجابني متذمراً مني: لن ادخل اليوم.
أين ستذهب.. هل أنت مريض؟ لست مريضاً.. فلم أقم بحل الواجبات, فهل تذهب معنا إلى شهار, فنشتري (تميسة) ونفطر في (قهوة) هناك.. في قهوة البستان. استنكرت هذا الأمر قائلا: أتريد أن نهرب من المدرسة؟! فأجابني بغضب.. ادخل.. ادخل. ماذا تنتظر؟!
وركبا الدراجة (البسكليت) وانطلقا تتبعهما نظراتي الحائرة.. بلغ ضيقي مداه من كل شي.. البيت.. المدرسة.., الطائف كله ضاق بي, لم أهتم بالدراسة, وحل الواجبات, ولم أجد من يحس بحالتي وعقدتي النفسية التي تراكمت من كل جانب تبخرت تلك السعادة التي كنت أنتظرها للعيش في مدينة الطائف, كان كل همي أن يأتي والدي لأعود معه.
ذات يوم وصلت إلى المدرسة متأخراً, المنزل يقع من حي الشرقية من جهة وادي وج, والمدرسة في (نجمة) دار التوحيد حالياً, وذهابي على الأقدام.., حين وصلت وجدت الطلاب قد دخلوا.. عدا من يريد الهروب, وجدت ابن العم ومعه آخر, سألته ماذا تفعلان؟ قال: (سنفرك) سألته: ماذا يعني؟ قال: (سأغيب) قلت: سآتي معكما, وكان مع كل منهما دراجته, فكم كنت أتمنى أن أتعلم قيادة (البسكليت) أو ركوبها على الأقل, رحبا بي فرِحَين, ركبت خلفه على الدراجة, وأكاد أسقط بين مرة وأخرى. وصلنا إلى مقهى البستان بعد شراء (التميس والجبنة والسجائر والفصفص) كانت القهوة ترى منفردة من بعيد في حي شهار الخالي من العمران حينذاك، سببت لرفيقي ضيقاً وتذمراً لسقوطي عدة مرات من فوق الدراجة, وبقينا في المقهى حتى وقت الانصراف, ثم عدنا إلى المنزل, وتواصل التغيّب مره بعد أخرى بهذه الطريقة, فكانت النتيجة نصف العام الرسوب في أكثر المواد, مع نجاحي في ركوب (السيكل) وقيادته

سعيد راشد 04-09-2010 11:50 PM





أخي الكريم:
سعيد الفقعسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مجهود جبار قمت به ولا تزال في نقل أجزاء من كتاب "المعلامة" للكاتب الأديب الأخ الكريم : عقيلي الغامدي.
تابعتُ كلَّ الأجزاء المنقولة بجهدكم ، وأعجبت بهذا الأسلوب السهل الممتنع للكاتب لرصد حقبة زمنية للتعليم والحياة الاجتماعية المصاحبة.
لقد زوى لنا تلك الحقبة بكل تفاصيلها الدقيقة وكأننا نرى فلمًا وثائقيًا سينمائيًا يجبرك على المتابعة.
ومع إنني دخلتُ زائرًا لمنتدى رغدان عدة مرّات ، وأحسبُ أنني قرأتُ له حلقات من هذا الكتاب ، والأعضاء يتابعونه بشغف ويطالبونه بالمزيد.
زاملتُ الأستاذ / عقيلي أثناء الدراسة بمركز الدراسات التكميلية عام 1388 / 1389 هـ بمدينة الطائف، وكان من أميز الدارسين خلقًا واجتهادًا وحقّق مركزًا دراسيًا متقدمًا. ويحمل ثقافة واسعة في كثير من المجالات وخاصة في الإسلاميات واللغة العربية بكل فروعها.
أخوه عبد الهادي لا يقل عنه خلقًا وعلمًا وشياكة في مظهره الأنيق بملابسه البيضاء الناصعة.

شكرًا لك أخي سعيد على جهدك الملموس بساحاتنا،
وكثَّر الله من أمثالك.


لك التحية والسلام ، والتقدير والاحترام.




سعيد الفقعسي 04-11-2010 10:15 PM

استاذي وسميي الغالي

الجميل يرى الأشياء جميلة

وانت جميل في كل شؤونك واحوالك

مرورك على هذا المتصفح مصدر فخر ونور وتألق

اشكرك جزيل الشكر واتمنى لك دوام الصحة والعافية

ودمت لمن يغليك

بن ناصر 04-12-2010 05:47 PM


هذه إطلالة جميلة أخرى تضاف إلى روائع الأخ سعيد الفقعسي الذي آثر أن يلقي بثقله هنا بين أخوته ومحبيه .. لقد شاهدت لك مشاركات متعدده بمنتديات مشابهة .. إلا أنني أجد القلب يتجه حيث يميل به الهوى .. ولا غرابة في هذا فأنت بين إخوتك ومحبيك ولا توجد فواصل بين الإبداع ومحبي الإبداع

حديثي معك هنا سيطول .. ولا أدري هل أبدأ بالترحيب المتأخر .. أو بالإعجاب لما تسطره الأنامل .. أو بسرد بعض الخواطر .. أم بالتعليق على رواية العقيلي

سأبدأ بالخواطر : لقد كنت متابعا للكثير من مشاركاتك ولم أجد الفرصة لكي أحظى أو أتمكن من كتابة رد واحد على مشاركاتك المتعددة .. ذلك أن (( الأدب )) بيني وبينه جفاء.. وخاصة الشعر فلا أحفظ منه شيئا وليس لي قدرة على الخوض في موارده .. عدا الإعجاب ببعض رموزه ونقد ما تيسر لي من فهم بعض نصوصه .. وسبق لي أن كتبت ردا لمشاركة لك سابقة عن الشاعر خرصان .. وأجهدت أصابعي ( على الجهاز ) بكتابة ما أحسبه تحليلا ونقدا ( أتجمل بها منك مرة واحدة ) لكن بعد أن أنتهيت وشعرت بطمأنينة لما كتبت .. إذا بإحدى أناملي تخطيء بلمس الجهاز .. فيختفي بلحظات كل جهدي .. ومن الصعب الإعتماد على الذاكرة لإستعادة قرابة صفحة واحدة

اليوم وجدت هذه الفرصة هنا من خلال الإطلاع على مذكرات أخي وزميلي الأستاذ عقيلي عبدالغني الذي تشرفت بمعرفته منذعام 1395 هجرية عندما تأسس نادي الطائف الأدبي واستمرت علاقاتنا معا بحكم العمل والإلتقاء بالنادي أحيانا .. لقد أخبرني بكتابه هذا قبل أشهر .. لكنني بصراحة لما قال ( المعلامة ) ما ارتحت للعنوان ولم يخطر ببالي الإستعجال في اقتنائه أو قراءته

لكن لفت نظري الموضوع المسطر بإسمك .. قلت أشوف .. وفعلا رأيت العجب العجاب وقرأت بنهم ما كنت أبحث عنه مستمتعا .. وضاحكا ( لوحدي ) في كثير من الأحيان على تلك المواقف الطريفة ( المباشرة فورا -- البكاء في المعزاه بدون معرفة السبب -- ييس و نو ) وغيرها الكثير .. حتى أنني قرأت العشر حلقات وما أن انتهيت إلا وراسي ( يدوج ) من التعب وطول الجلسة .. وأعقبتها بمقابلة جاري أمين مكتبة النادي أطلبه نسخة عاجلة لكي استمتع بقراءة ما تبقى .. وها أنذا الآن أسطر لكما مشاعري قبل اكمال قراء المعلامة .

فتقبل منى خالص الود والتقدير .. وأملي أن أسعد بمقابلتك على النت أو مواجهة .. والله يحفظك


نايف بن عوضه 04-14-2010 09:45 AM

يا سعيد الحقيقه انني سعيد باختيارك لمقتطفات من الكتاب وكله يستحق القرأه وابو عبدالغني علم من اعلام غامد وزهران والحديث عن مثله لا يكتمل كما ان الحديث معه يسلب الوقت 0 فهو قاص من الطراز الاول 0 ان انتقأك 0 يدل على ذوقك وحسك الادبي وفقك الله 00

سعيد الفقعسي 04-22-2010 07:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن ناصر (المشاركة 92377)

هذه إطلالة جميلة أخرى تضاف إلى روائع الأخ سعيد الفقعسي الذي آثر أن يلقي بثقله هنا بين أخوته ومحبيه .. لقد شاهدت لك مشاركات متعدده بمنتديات مشابهة .. إلا أنني أجد القلب يتجه حيث يميل به الهوى .. ولا غرابة في هذا فأنت بين إخوتك ومحبيك ولا توجد فواصل بين الإبداع ومحبي الإبداع

حديثي معك هنا سيطول .. ولا أدري هل أبدأ بالترحيب المتأخر .. أو بالإعجاب لما تسطره الأنامل .. أو بسرد بعض الخواطر .. أم بالتعليق على رواية العقيلي

سأبدأ بالخواطر : لقد كنت متابعا للكثير من مشاركاتك ولم أجد الفرصة لكي أحظى أو أتمكن من كتابة رد واحد على مشاركاتك المتعددة .. ذلك أن (( الأدب )) بيني وبينه جفاء.. وخاصة الشعر فلا أحفظ منه شيئا وليس لي قدرة على الخوض في موارده .. عدا الإعجاب ببعض رموزه ونقد ما تيسر لي من فهم بعض نصوصه .. وسبق لي أن كتبت ردا لمشاركة لك سابقة عن الشاعر خرصان .. وأجهدت أصابعي ( على الجهاز ) بكتابة ما أحسبه تحليلا ونقدا ( أتجمل بها منك مرة واحدة ) لكن بعد أن أنتهيت وشعرت بطمأنينة لما كتبت .. إذا بإحدى أناملي تخطيء بلمس الجهاز .. فيختفي بلحظات كل جهدي .. ومن الصعب الإعتماد على الذاكرة لإستعادة قرابة صفحة واحدة

اليوم وجدت هذه الفرصة هنا من خلال الإطلاع على مذكرات أخي وزميلي الأستاذ عقيلي عبدالغني الذي تشرفت بمعرفته منذعام 1395 هجرية عندما تأسس نادي الطائف الأدبي واستمرت علاقاتنا معا بحكم العمل والإلتقاء بالنادي أحيانا .. لقد أخبرني بكتابه هذا قبل أشهر .. لكنني بصراحة لما قال ( المعلامة ) ما ارتحت للعنوان ولم يخطر ببالي الإستعجال في اقتنائه أو قراءته

لكن لفت نظري الموضوع المسطر بإسمك .. قلت أشوف .. وفعلا رأيت العجب العجاب وقرأت بنهم ما كنت أبحث عنه مستمتعا .. وضاحكا ( لوحدي ) في كثير من الأحيان على تلك المواقف الطريفة ( المباشرة فورا -- البكاء في المعزاه بدون معرفة السبب -- ييس و نو ) وغيرها الكثير .. حتى أنني قرأت العشر حلقات وما أن انتهيت إلا وراسي ( يدوج ) من التعب وطول الجلسة .. وأعقبتها بمقابلة جاري أمين مكتبة النادي أطلبه نسخة عاجلة لكي استمتع بقراءة ما تبقى .. وها أنذا الآن أسطر لكما مشاعري قبل اكمال قراء المعلامة .

فتقبل منى خالص الود والتقدير .. وأملي أن أسعد بمقابلتك على النت أو مواجهة .. والله يحفظك


الأستاذ الفاضل بن ناصر

أشكرك جزيل الشكر وأقدر واثمن مشاعرك النبيلة الصادرة عن كريم ابن كريم غمرني بأدبه وكريم خلقة.
واجدني عاجزا عن الرد عليك بما تستحق وبما انت اهلة ولا املك إلا الدعاء بأن يديم الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة ودمت لمن يغليك.

سعيد الفقعسي 04-22-2010 07:17 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نايف بن عوضه (المشاركة 92458)
يا سعيد الحقيقه انني سعيد باختيارك لمقتطفات من الكتاب وكله يستحق القرأه وابو عبدالغني علم من اعلام غامد وزهران والحديث عن مثله لا يكتمل كما ان الحديث معه يسلب الوقت 0 فهو قاص من الطراز الاول 0 ان انتقأك 0 يدل على ذوقك وحسك الادبي وفقك الله 00

الغالي نايف بن عوضه

اشكرك جزيل الشكر على تشريفي بمرورك الكريم
حفظك الله من كل سوء

علي ابوعلامه 04-30-2010 10:51 PM

الاستاذ/ سعيد الفقعسي

مهما قلت ومهما كتبت اجد الحروف والكلمات تعاتبني على القصير معك خاصة
ومع الساحات عامة فانا مقل في دخول الساحة ...

ولكن اجد لنفسي العذر لانني مع عمالقة الادب والخلق الراقي ومن يقدر الظروف

يبقى ان اقول انت الابداع باختيارك هذه الفصول من هذا الكتاب وهذا دليل على ذوقك
الراقي لا حرمنا الله تواجدك ..

تقبل مني عاطر تحياتي


مشرف الأدب 06-10-2010 08:43 PM




الأخ الكريم : سعيد الفقعسي

الساحة الأدبية وزوارها يشكرونك على هذا الطرح الرائع ، والجهود الملموسة.

كلنا أمل في استمرار التواصل معنا وتزويدنا بالجديد المفيد. وفقك الله وبارك جهودك.


مشرف الأدبية


الساعة الآن 11:34 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir