يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-10-2011, 10:31 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road

خطب الجمعة من المسجد الحرام


 

اخواني خطرت لي فكرة وضع نسخة من خطبة الجمعة من السجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة للإستفادة من مايرد بها من نصائح وعبر وساحاول بمشيئة الله الحرص على وضعها اسبوعيا على الساحات متمنيا للجميع التوفيق والله من ورا اء القصد .
خطبة الجمعة من المسجد الحرام الجمعة 3/6/1432
لفضيلة الشيخ / سعود الشريم


الخطبة الأولى
أمّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، مِن رَحمةِ الله جَلّ وعلا عَلَى عِبادِه أَن بَعثَ رسولَ الهدَى شاهِدًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بِإذنِه وسراجًا مُنيرًا، ولقَد لَقِيَ صَلواتُ الله وسلامُه عليه خالقَه ومولاه وهو لم يدَع خَيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حَذَّر الأمَّةَ منه.
وإنَّ مما حذَّر منه أمتَه الفتنَ التي تكون آخرَ الزمن وتكاثُرها وترادُفَ حلقاتها، والغواسِق التي تُحيطُ بالناس والمُجتمعات من كل جانبٍ، فتمُوجُ بهم كمَوجِ البحر، وتقعُ القَوارِعُ في دارِهم أو قريبًا مِن دارِهم على حِين غِرَّةٍ لم تخطُر على بالِ آمِنٍ لاهٍ، ولم تلُحْ له في أُفُق؛ فتحِلُّ الفجأة، وتعظُم الدهشةُ والذهول؛ لهولِ الأحداث والمُستجدَّات وسرعتها، حتى يتلقَّاها السامعُ والمُشاهِد ولا يكادُ يُسيغُها إلا بشَرَق الرَّوْع؛ لأنها لم تدُر بخلَده أو تقع في ظنِّه أنَّ غِيَرًا وأحداثًا كونيةً واجتماعيةً وسياسيةً وفكريةً ستحلُّ فجأةً على وجهِ التسارُع والتدافُع.
وهذا ما يُذكِّرنا بما أخبرنا به المصطَفَى عن أشراطِ السَّاعةِ وقيامِها في سرعةٍ لم تخطُر على بالِ الأحياء إبَّانَها، كما جاء في "الصحيحين" أنَّ النبيَّ قال: ((لتقُومنَّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايَعانه ولا يطوِيانه، ولتقُومنَّ السّاعةُ وقد انصرفَ الرجلُ بلَبنِ لِقحَته فلا يطعمُه، ولتقُومنَّ الساعَة وهو يُليطُ حَوضَه فلا يسقِي منه، ولتقُومنَّ السّاعة وقد رفَع أكلَته إلى فِيه فلا يطعَمها)).
كلُّ ذلك -عباد الله- دليلٌ على سرعة وقوعِ الحدث وما يحمِلُه من مفاجآت، وأنَّ نفسًا لا تَدري ماذا تكسِب غدًا ولا بأيِّ أرضٍ تموت.
ألا وإنَّ تعاقُبَ الأحداث وترادُفها وطلبَ بعضها بعضًا طلبًا حثيثًا لهو من سِمات هذه البُرهة من الزمن الحاضِر الذي بلَغَت فيه الحضارةُ المادّية أوْجَها، والغليَانُ المعرفيّ والتِّقَنيُّ قمَّته، ويخلقُ الله ما لا تعلمون.
ولقد صار مِن سرعة الأحداثِ والمُدلهِمَّاتِ أن رياحَها لا تُتيحُ لأيِّ رمادٍ أن يجثِمَ مكانَه، ولا لأيِّ جمرةٍ أن ينطفِئَ وميضُها، فتتراكمُ التداعيات بعضُها على بَعضٍ ليخِرَّ سَقفُ الهدوء، وتُقبِلَ فُلولُ الطوارِق والمُفاجآت في عسعسةِ الليل أو تنفُّس الصبح.

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة ابوحاتم ; 05-10-2011 الساعة 10:59 PM. سبب آخر: تعديل العنوان

   

رد مع اقتباس
قديم 05-10-2011, 10:33 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

غيرَ أنَّ هذا كلَّه لم يأتِ طَفرةً دونَ مُقدِّماتٍ أو مُسبِّبات، مع اتِّفاقنا جميعًا بأنَّ ساعةَ الحدوثِ تُعدُّ مفاجِئةً بسبَب شَرَر وَميض جمرٍ خِلَل الرَّماد، اشتدَّت به الريحُ في يومٍ عاصفٍ، فتطايَرَ شَرَره إلى قشٍّ يَباسٍ، فما هو إلا الضِّرام ما منه بُدٌّ، مع أن أصواتًا صادقةً وصَيحاتٍ ناصحةً قد سُمِعت، فلَم تلقَ رجعَ الصّدَى، ولم يستبِن السامعون ذلكم النُّصح إلا ضُحى الغد، ولاتَ حين مناص.
عبادَ الله، إنّنا في الوقتِ الذي يحمَدُ اللهَ فيه كلُّ مسلِم أو مجتمعٍ لم تنَلْه تلكمُ الأحداث والمُستجدَّات، ولم تحُلَّ بدارهم؛ يجبُ أن لا يبخَلوا على أنفسهم مِن سؤال اللهِ العافيةَ والسلامة، وأن لا تمُرَّ عليهم تلكم الخطوب دون أخذ الدروس والعِظَة والعِبرة؛ فالنبيُّ يقول: ((السَّعيدُ من وُعِظَ بِغيره، والشَّقيُّ من شقِيَ في بطن أمِّه)) رواه مسلم.
وإنَّ أحسنَ أحوالِ العِبرةِ والعِظة -عباد الله- ما كان مُتزامنًا مع سبَبها، لكونِ الاستعدادِ النفسيِّ أبلغَ في مُقابل قوة الحدث، وإلا وقع السهو والنسيان، وإذا لم يُغبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعدَ الوقوعِ غُبار، وحينئذٍ فإنَّ أيَّ قُربانٍ سيجيءُ مُتأخِّرًا فستأكله نيران الأحداث بِتغيُّظٍ وزفير.
كلُّ ذلك -عباد الله- لتكون العِبرة والعِظة داعيةً إلى الاستباق الآمِن من الوقوع في مثلها، أو بعبارة العصريّين: الوقاية خيرٌ من العلاج، أو ما يُسمَّى بـ"الأمن الوقائيّ"، أو بالعبارة الشرعيّة الأصيلة: "الدفع أولى من الرّفع"، فإنَّ مما يتفق عليه العُقلاء جميعًا أنَّ منعَ وقوع الشيءِ المكروهِ خيرٌ وأولى من رَفعِه بعد وقوعِه، وشريعتُنا الغرَّاء جاءت حاضَّةً على المُبادرةِ والمُسارعة بالأمورِ الدافعة للمكاره قبل أن تحلَّ بالمرء والمجتمع.
فمن ذلك قولُه تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [الزمر: 54]، ومنه قولُه سبحانَه: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام: 151]؛ فنهَى عن القُربِ منها؛ لأنَّ القُربَ سَببٌ في الوقوع، وهذا دليلٌ على وجوبِ الوقاية.
وقد جاء في السنة المطهَّرة ما يُؤكِّد هذا المعنى صراحةً؛ حيث قال النبيُّ : ((بادِروا بالأعمالِ فِتنًا كقِطع الليل المُظلِم، يُصبِحُ فيه الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمِنًا ويُصبِح كافرًا؛ يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا)) رواه مسلم، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرَمِك، وصحَّتك قبل سقَمِك، وغِناءَك قبلَ فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)) رواه الحاكم وغيره.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-10-2011, 10:35 PM   رقم المشاركة : 3

 

ومما يدلُّ أيضًا على رعايةِ الشريعة وحَضِّها للوقايةِ والمُبادرة والحَذر ما جاء من قول النبيِّ : ((لا يُورِد مُمرِضٌ على مُصِحّ)) رواه الشيخان، وعند مسلم في "صحيحه" أنّه كان في وفدِ ثقيف رجلٌ مجذوم، فأرسلَ إليه: ((أنِ ارجع؛ فقد بايعناك)). وفي ذلك دليلٌ -عباد الله- على الوقاية من جُذامه بالاكتفاء بالمُبايعة عن بُعدٍ دفعًا للعدوى.
إذا عُرِف ذلكم -عبادَ الله- فإن مبدأ "الوقاية خيرٌ من العلاج" مبدأٌ شاملٌ لكلّ شؤون الحياة، وإنّ من الخطأ الصريح قصرَه على المجال الصحيّ فحَسب؛ بل إنه يمتدّ إلى المجالِ الغذائيِ والعلميِ والفكريِ والإعلاميِ والاقتصاديِ والسياسيِ على حدٍّ سواء، وإنَّ الجهدَ الذي يُبذَل في الوقاية في ذلكم كلِّه ينبغي أن يكون أسبق، وأن ينالَ اهتمام جميع الفئات في المجتمع بِصورةٍ أكبَرَ ممّا يُبذَل في العلاجِ، وهنا مَكمنُ شعور كلّ فردٍ مسلم وإدراكه للعواقب والتوجُّس من المُدلهِمَّات.
وإذا كانت الشَّريعةُ الغرَّاءُ قد حضَّت على المُبادرة بالأعمال فإنَّ هذا التحضيض لم يكن قاصرًا على جهةٍ دون أخرى؛ بل إنه يشمل الفردَ والأسرة، والعامِّيَ والعالِم، والسياسيَّ والمُفكِّر، وأمثالهم ممّن هم صورةُ المجتمع وتكوينه؛ إذ منَ الخطأ قصرُه على جِهةٍ دون أخرى؛ كأن يُقصَر على القيادةِ فقط، أو العلماءِ فحسب؛ كلا، فلُحمة المجتمع والشّعور بالواجب تجاهَه مهمَّةُ الجميعِ، والحرصُ على حمايتِه من أيِّ داخلةٍ فيه انتماءٌ إيجابيّ يدلُّ على الأمانةِ الحقَّةِ في سبيلِ الاجتماع على الحقِّ والخير، والتعاوُنِ على البرِّ والتقوى، لا علَى الإثمِ والعدوان؛ ليتمَّ السيرُ بسفينةِ المجتمَع الماخِرةِ إلى برِّ الأمان بعد الخروجِ بها من ظُلماتِ البحرِ اللُّجِّي الذي يغشَاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ.
وبعد: يا رعاكم الله، فإنَّ ذهولَ الكثيرين منا تجاهَ ما يقَع في هذه الآونةِ من مُستجدَّاتٍ وغِيَرٍ لم يكن عائِدًا إلى تدنٍّ في مستوى ذكاءِ عموم المجتمعات، أو لِضعفٍ في آلياتِ الإنذار المُبكِّر بقدرِ ما كان سببَ إهمال مبدأ الوقاية وتوفير أسبابها واستِحضار حُكمها؛ لأنَّ الإفراطَ في الأمنِ منَ المُتغيِّرات هو مَكمنُ الخوفِ والخطَر، كما أنَّ الحذر المُفرِط أيضًا مَكمنٌ للجُمود والبَلادة وتأخُّر المسير. وخيرُ الأمورِ في ذلكم الوسَط، وقد قيل:
إن التوسُّط في الأمور سلامـــةٌ كي لا ضِرارَ ينالُ منك ولا ضَرَر
قد يُهلِكُ الإنسانَ أمنٌ مُفرِطٌ أو يعتَريــــه الســــوءُ من فرطِ الحذر
إنَّ عدمَ الوعيِ التامّ بقيمةِ الوقايةِ من قِبَل العمومِ ومدَى تقديرِهم لحجمِ وطبيعة مُتطلَّبات الوقاية لهُوَ سببُ تحمُّل وقوع الشيء، ومن ثَمَّ علاجُه، وكِلا الأمرين بُعدٌ عن الواقِع وبرودٌ في التّعامل مع المُتغيِّرات بما من شأنهِ دفعُ عجلة المُدلهِمَّات عن الوقوع، أو على أقلِّ تقديرٍ الإبطاءُ بها إلى حينِ وضعِ السياج الآمِن الذي يحمِي من خطر وقوعها إن هي وقعَت؛ فضلاً عن أنَّ الشعورَ بوجودِ عصًا سحريّة لديها الاستعداد على دفعِ كلِّ شيء إنما هو شعورٌ مُتولِّدٌ من لا شُعور؛ لأنَّ الفائدةَ من الوقاية هي التطلُّع إلى وضعٍ أفضَل، أو التخلُّص من وَضعٍ أسوأ؛ لأن أيَّ أحدٍ منَّا لن يَستطيع إصلاحِ عجلة الطائرة بعد إقلاعها، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال: 53].
وبما أنَّ الشيءَ بالشيءِ يُذكَر فإنَّ هذه البلاد -حرسها الله- قد ضربَت مثلاً في الصلة والتلاحُم بين قيادتها وعلمائِها وأفرادِها، ووقفَت في خِضَمِّ الأحداثِ موقف المسؤوليّة والشعورِ بالخطر، فيما لو أهمَل كلّ واحدٍ منا مسؤوليته، فكان ذلك البيانُ الشافي من هيئة كبارِ العلماء في هذه البلادِ حرسها الله، وكانت تلكم القراراتُ المشهودة الصادرةُ عن وليِّ أمرنا حفظه الله، والتي أكَّد من خلالها أنَّ الشريعةَ الإسلامية هي قدَرُ هذه البلاد، وأكَّد من خلالها أيضًا مكانةَ العلماءِ وأثرَهم في المجتمَع بقيادتهم العلميّة الداعِمَة للقيادة السياسيّة، كما لامَسَت تلك القراراتُ احتياجات المجتمعِ والمواطنَ التي تفتقِرُ إلى إصلاحٍ وتجدُّد.
جعَل الله ذلك في ميزانِ الحسنات، ووفَّق هذه البلادَ قيادةً وعلماءَ وشَعبًا إلى البرِّ والتقوى، ووقاهم كلَّ سوءٍ وفتنة، ووقى جميعَ بلاد المسلمين شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن كان صوابًا فمِن الله، وإن كان خطأً فمن نفسِي والشيطان، وأستغفر الله إنَّه كان غفَّارًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-10-2011, 10:37 PM   رقم المشاركة : 4

 

الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، وعلى آلهِ وأصحابِه ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فاعلموا -عبادَ الله- أنّنا إذا اتفقنا على ضرورةِ الأخذ بمبدأ الوقايةِ والإقرارِ به فإنَّ المشكلة حينئذٍ لن تكونَ في: كيف نقِي أنفسنا؟ وإنما هي في: متى نقِي أنفسنا ومجتمعنا؟ لأنه متى دبَّ في النفوسِ داءُ التسويف والتأجيلِ فإنَّ القابليَّة للمفاجآت والطوارقِ أشدُّ تواجُدًا، وإذا كانت المقولة المشهورة تقول: "لا تُؤجِّل عملَ اليوم إلى الغدِ"، فإنَّ لسانَ حال كثيرٍ من الناس يقول: "لا تُؤجِّل إلى الغد ما تستطيع أن تفعله بعد غدٍ"، وكأنَّ الدنيا -عباد الله- بلا صُروفٍ ولا غِيَر ولا قوارع، ولقد أحسن من قال:
مــا عند يومي ثقةٌ لي بغدِ لا بُدَّ من دار خلودِ الأبدِ
فحذارِ -عباد الله- أن يتسلَّلَ بعضُنا لِواذًا بداءِ التسويف في زمنٍ يتَحتَّمُ فيه العزمُ والعملُ على التهذيب والتربية على مبدأ الوقاية الذي ينقِل من السوء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن.
وإذا كانت الغايةُ نبيلةً فإنَّ مبدأ الوقاية سيكون محورُه العدلَ في جميع السُّبُل، فلا يمكن أن يتجاوزَ جمهورُ الناس في عمَلهم ما يُسمُّون به حقًّا للغير، وسيكون المصبُّ الأخير في القيمة المُطلقة التي تُؤلِّف بين أفرادِ المجتمع الواحدِ في منظومةٍ واحدةٍ يعمُّها مِعيارٌ واحد؛ ليُؤدِّيَ كلٌّ منهم عملَه لبقاءِ البِنْية الجامعة للمجتمع الواعي بلا فُتوق؛ كلٌّ في مجالِ عملِه وتخصُّصه وما انتهى إليه علمُه. فلا ينبغي أن يُطلَبَ من العين أن تبطِش وهي للإبصَار، ولا مِن الأذن أن تمشِي وهي للسَّمع، وإلا لأصبَحنا كمن يأكل المِلح ليدفَع به العطَش، أو يشرب الماء ليدفع به الجوعَ، أو يستنشق الغاز ليتنفَّس.
ألا وإنَّ لكل سفينةٍ ملاَّحًا، وإذا غَابَ ملاَّحُ السّفينة وارتمَت بها الريحُ يومًا دبَّرَتها الضّفادِع، وإنَّ أيَّ أمةٍ يكون الواقي والدافعُ فيها إنما هم بنوها من أفرادها إلى قادتها، ويكون كلُّ واحدٍ منهم آخِذًا بحقِّ الكلّ، لا يقصد مقصدًا بعكس مقصدِ السوادِ الأعظم، ولا غايةً تميلُ به عن غايَتهم، فهي الأمّة التي علا فيها التكامُل وحُسن الانتماءِ وتحقيقُ المصلحة المُشتركة التي يسعَى بذِمَّتهم فيها أدناهم، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115].
هذا، وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية...

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 02:57 PM   رقم المشاركة : 5

 

خطبة الجمعة 10/6/1432 من المسجد الحرام بمكة المكرمة
لفضيلة الشيخ / اسامة خياط

الخطبة الأولى
الحمد لله فالق الحبِّ والنوى، أحمده - سبحانه -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقُ الأرض والسماوات العُلى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله النبيُّ المُجتبى والرسولُ المُرتضى والحبيبُ المُفتدَى، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أئمة الهُدى ونجوم الدُّجَى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
أيها المسلمون:
عندما تُحدِقُ الأخطار وتعظُم الخُطوب وتُطِلُّ الفتنُ برؤوسها ينظرُ أولو الألباب إلى الشباب نظرَ أصحاب الثروات إلى ثرواتهم، فيرون لزامًا عليهم المُسارعة إلى سلوك كل سبيلٍ يبلُغُون به ما يريدون من الحِفاظ عليهم والذبِّ عنهم بما يحفظُ الحَوزَة، ويردُّ الغائلة، ويدفعُ الصَّولة، ويدرأُ العُدوان؛ ذلك أن للحفاظ على شباب الأمة أعظمَ الآثار في صيانة كِيانها وإعلاء صُروح نهضتها لتأخذ مكانها اللائقَ بها بين الأمم، ولتكون كما أراد الله: [آخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ل عمران: 110].
وإنما يكون ذلك بكمال العناية بهم، وجمال الرعاية لهم؛ لأنها من أقوى البواعِث على امتلاك القلوب، والأخذ بمجامع النفوس.
وكما تكون هذه العناية والرعاية غرسًا لصحيح العقيدة، وحراسةً لشرائع الدين بالعلم والعمل، وبذرًا لمحاسن الأخلاق، وتعويدًا على صالح العادات والمُفرَط من المثالب والمعايب وكل ما يُعتَذر منه؛ تكون أيضًا بحُسن تعهُّدهم في باب المُصاحبة والمُجالسة والمُعاشَرة؛ لأنها من أعظم الأسباب فيما يكون من تقدُّم أو تأخُّر، ونجاحٍ أو إخفاقٍ، وقلقٍ أو اطمئنان.
ولما كان للصاحب أو الجليس أثرُه العميق في نفس صاحبه وجليسه فإن من الحكمة البالغة: الاحتياط في أمره، والتريُّث في وصل حبل وُدِّه حتى تُبلَى أخبارُه، ويتميَّز معدِنُه، ويُوثَق بدينه وخُلُقه.
وقد عبَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا أبلغَ تعبيرٍ؛ فقال في مقام التبصير والتحذير: «المرءُ على دين خليلِه؛ فلينظُر أحدُكم من يُخالِل»؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود، والترمذي واللفظُ له، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بإسنادٍ حسنٍ.
لأن الطبع يسرقُ من الطبع، وسُرعان ما يمضِي المرءُ في الطريق الذي يُؤثِره ويختارُه جليسُه، ولذا صوَّر نبيُّ الرحمة - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى في مثلٍ نبويٍّ بليغٍ؛ فقال: «مثلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحالِ المِسكِ ونافخِ الكِير؛ فحامِلُ المِسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجِدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكِير إما أن يُحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجِدَ ريحًا خبيثة»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.
فأما إن كان الجليسُ ممن يسُدُّ الخَلَّة، ويغفرُ الزَّلَّة، ويُقيلُ العَثْرة، ويستُر العَورة، ويقودُ جليسَه إلى الخير ويُراقِبُه فيه، ويُعينُه عليه، ويُزيِّنُ له الطاعة، ويُقبِّح له المعصية، ويحُولُ بينه وبينها بتذكيره بما تعودُ عليه من ذلٍّ وخِزيٍ وعقابٍ في الدنيا والآخرة؛ فذلك هو الجليسُ الصالحُ الذي يسعَدُ به جليسُه، وتحسُنُ بمجالسته عاقبتُه.
وأما إن كان الجليسُ ممن يُزيِّنُ القبيحَ، ويُحسِّن السوءَ من الأقوال والأفعال والعقائد الفاسدة، والنِّحَل الضالة، ويحُثُّ على الانضواء تحت لوائها، والتردِّي في وَهدتها؛ فذلك هو الجليسُ السوء الذي يشقَى به جليسُه؛ لأنه كان وبالاً عليه؛ إذ أطاعه وأسلمَ إليه قِيادَه، فانتهى به إلى البوار وعذاب النار، فقرَعَ سِنَّ الندم حين لا ينفعُ ندم، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 27 - 29].

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-16-2011, 03:05 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

فلا عجَبَ أن تنقلِبَ خُلَّة هذا الفريق إلى عداوة، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].
وهذا كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "شأنُ كل مشتركين في غرضٍ يتوادُّون ما داموا مُتساعدين على حصوله، فإذا انقطعَ ذلك الغرض أعقبَ ندامةً وحُزنًا وألمًا، وانقلَبَت تلك المودةُ بُغضًا ولعنًا وذمًّا من بعضهم لبعض لما انقلب ذلك الغرضُ حُزنًا وعذابًا، كما يُشاهَد في هذه الدار من المُشتركين في خِزية، إذا أُخِذوا وعُوقِبوا فكلُّ مُتساعِدَيْن على باطلٍ مُتوادَّيْن عليه لا بدَّ أن تنقلِبَ مودتُهما بُغضًا وعداوة". انتهى.
ولا عجَبَ أن يضِنَّ اللبيبُ بصُحبته ومُجالسته؛ فلا يجعلها إلا لأهل الإيمان، ولا يبذُلُها إلا لأصحاب التُّقى؛ عملاً بتوجيه خير الورى - صلوات الله وسلامه عليه - في قوله: «لا تُصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ»؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"، والترمذي في "جامعه" بإسنادٍ حسنٍ.
إن المُصاحبَة - أيها الإخوة - يجب أن تكون خالصةً لوجه الله، نقيةً من الأغراض، بعيدةً عن الأهواء؛ بأن تنشأ وتنمو في رِحاب الإيمان، محكومةً بسلطان العقيدة ونِظام الشريعة، بما فيه من أوامر ونواهٍ يستوحيها المؤمنُ في كل اتجاهات قلبه وحركات وسكَنَات جوارِحه، هنالك يرتقِي بحبِّه أهل الخير والصلاح فوق منزلته في الدار الآخرة درجات، فيلتحقُ بمن أحبَّ وإن لم يعمل مثل عمله.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجلٍ أحبَّ قومًا ولمَّا يلحَق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المرءُ مع من أحبَّ».
هذا؛ وقد كان لتطوُّر وسائل العصر - لا سيما في مجال الإعلام الحديث بشبكات معلوماته، وقنواته، وما اشتملت عليه من مواقع تواصلٍ وغرفِ مُحادثةٍ وغيرها - كان لهذا التطوُّر أثرُه في الانتقال بمعنى المُجالسة والمُصاحبة إلى معانٍ جديدة لم تكن معروفةً من قبل، وأضحَى لهذه المُجالسة التي تكون عبر هذه المواقع من قوة التأثير ما يربُو على غيرها؛ لاتساع دائرة استخدامها، وتنوُّع وتعدُّد ثقافات ومشارِب وبُلدان مُستخدميها.
وهذا يفرِضُ علينا عِبئًا ثقيلاً، ومسؤوليةً مُضاعفة على عاتق الآباء والأمهات، والعلماء والدُعاة، والمُربِّين والمُربِّيات، وغيرهم من ذوي الشأن في سبيل الحِفاظ على شباب الأمة وتحصينهم.
وإن في جهود المُخلِصين وفيما أُوتوا من حِنكةٍ وحكمةٍ ودرايةٍ، ونيةٍ صادقةٍ، ورغبةٍ في بذلِ النُّصح، و حرصٍ على الخير ما يُسدِّد الله به الخُطَى، ويُبارِك السعيَ، ويُبلِّغُ الآمال.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن أظهر صفات الجليس الصالح وأجلَّها وأقواها أثرًا في قلب وعقل جليسه: أنه ذو قلبٍ سليم، والقلبُ السليمُ الذي ينتفعُ به صاحبُه في دُنياه وحين يأتي ربَّه يوم القيامة قد اختلفت عباراتُ الناس في معناه، لكن الجامع لذلك كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أنه الذي سلِمَ من كل شهوةٍ تُخالِف أمرَ الله ونهيَه، ومن كل شُبهةٍ تُعارِضُ خبرَه، فسلِمَ من عبودية ما سواه، وسلِمَ من تحكيم غير رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فسلِمَ في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكُّل عليه والإنابة إليه والذلِّ له وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعُد من سخَطه بكل طريقٍ، وهذه حقيقةُ العبودية التي لا تصلحُ إلا لله وحده، فالقلبُ السليم: هو الذي سلِمَ من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجهٍ ما؛ بل قد خلُصَت عبوديتُه لله تعالى إرادةً ومحبةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً، وخلُصَ عملُه لله؛ فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منعَ منعَ لله".
فاتقوا الله - عباد الله -، واتخذوا من جُلساء الخير أفضل ما تعتدُّون به لبُلوغ رضوان الله، وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله: محمد بن عبد الله؛ فقد أُمِرتم بذلك في كتاب الله؛ حيث قال - سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين أجمعين، وارزقهم العملَ الصالحَ والفقهَ الدين، وقِهِم شر الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنهم في أوطانهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعَ سخطك.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.
اللهم احفظ المسلمين في كل بلادهم، اللهم احفظهم وأيِّدهم وانصرهم على عدوك وعدوِّهم يا رب العالمين.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-19-2011, 01:16 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
مشرف
 
الصورة الرمزية مشرف الإسلامية
 
إحصائية العضو











مشرف الإسلامية غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
مشرف الإسلامية is on a distinguished road


 



 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 05-19-2011, 05:59 PM   رقم المشاركة : 8

 

.

*****

أبا حاتم



كتب الله لك الأجر والثواب وجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك

لا شك أننا نستفيد من مثل هذه المواضيع فلك الشكر والتقدير

*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
قديم 05-21-2011, 11:23 PM   رقم المشاركة : 9

 

خطبة المسجد الحرام - 17 جمادى الثانية 1432 - السعادة في الإعتصام بالكتاب والسنة - عبد الرحمن السديس



الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينُك ونستغفرُك ونُثنِي عليك الخير كلَّه، سبحانك ربنا وبحمدك، توالَت مِنَنُك علينا وُحدانًا ووفدًا، الحمد لله حمدًا دائمًا وكفى، شكرًا على سيبِ جدواه الذي وكَفَا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستلهِمُ به التوفيقَ والرُّشدَا، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله أزكى البريَّة سيدًا وعبدًا، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهار محتِدًا لم يزَل يندَى، وذريَّتِه المُبارَكين ثناءً ومجدًا، وصحابته الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ممن هامَ بهم اقتداءً ووجدًا، سلِّم إله العرش تسليمًا عديدًا مديدًا هم به أحرى وأجْدا. أما بعد،
فيا عباد الله:
اتقوا الله تعالى حقًّا حقًّا؛ فتقواه تعالى هي الحُلَّة الأنقى والعصمةُ الأبقى، تصلح أحوالُكم وترقَى، وتبلُغوا من الأمجاد شأوًا مجيدًا وسَبقًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
فمن تدرَّع بالتقوى استنارَ بها وباتَ في بهجةِ الأعمال جذلانًا
فسِرْ أمامك دربُ الخير مُزدهِرٌ شُجونُه امتلأت روحًا وريحانًا


أيها المسلمون:
حينما تكثُر الفتنُ في الأمة والمُتغيِّرات، وتدلهِمُّ الخُطوبُ والمحنُ في المجتمعات، ويُخيِّمُ على سمائها الصافية سُحُبُ المخالفات، فيلتبِسُ الحق بالباطل، ويختلطُ الهدى بالضلال؛ فإن الأمة لن تجِدَ إلا في التمسُّك بالكتاب والسنة المُستعصَم؛ لأن في الكتاب والسنة الفوزَ والنجاةَ من المحَن، والمخرجَ من الورَطات والفتن.
وإنه في هذا العصر وبعد أن تسرَّبَت إلى صفوف الأمة ألوانٌ من المسالك المُنحرفة، وتسلَّلت صنوفٌ من الطرق الفاسدة، واختلطَ الحابلُ بالنابل، وتشعَّبت المناهجُ والغايات، وعمَّت الفتن والابتلاءات، وتفرَّقت الأمةُ شيَعًا وأحزابًا، وتاهَت في أيام الزمان أعوامًا وأحقابًا، وثارَت عليها عواصفُ التغيير والمُستجِدَّات، وهبَّت عليها أعاصير التموُّجات والتحوُّلات، وتداعَت عليها الأمم؛ فإنه لا منجَ لهذه الأمة إلا بالتمسُّك بكتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -.
يقول - سبحانه -: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه: 123]، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تضِلُّوا بعدي أبدًا: كتابَ الله وسنتي»؛ خرَّجه مالك في "الموطأ".
معاشر المسلمين:
وإن الوهَن الذي أصابَ الأمة، والضعفَ الذي حلَّ عليها كالغُمَّة، حتى انقلَبَت الموازين واختلفَت المقاييس، وانتكَسَت الرايات، واحلولَكَت الظلمات، وعلَت الفتنُ كأمواج البحار الهادِرة، وصار أفرادُ الأمة كضرائر الحسناء، وفشَت فيهم مُعضِلات الأدواء، فعَلا صوتُ الغوغاء فوق الحُكماء.
فالوحيُ كافٍ للذي يُعنَى به شافٍ لداء جهالةِ الإنسان
واللهِ ما قال امرؤٌ مُتحذلِقٌ بسواهما إلا من الهَذَيَان
إخوة الإسلام:
وإن امتطاءَ صهوة الأهواء، والافتتان بالآراء، والبُعد عن كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - لهُوَ الضلال والخُسران والخِزيُ والحِرمان؛ حيث الفتنةُ المُشتدَّة، والمحنُ المُتلاحقةُ المُمتدة، وقد قال ربُّنا - سبحانه - وهو أصدق القائلين -: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران: 101].
قال الإمام الطبري - رحمه الله -: "ومن يتعلَّق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته فقد وُفِّق لطريقٍ واضح، ومحجَّةٍ مُستقيمةٍ غير مُعوجَّة".
وفي الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتن، ولمن ابتُلِي فصبَر فواها»؛ خرَّجه مسلم في "صحيحه".
وأحييتَ في الإسلام علمًا وسنةً ولم تبتدع حكمًا من الحكم أزحمَا
ففي كل يومٍ كنتَ تهدِمُ بدعةً وتبنِي لنا من سنةٍ ما تهدَّمَا
يقول الإمام مالك - رحمه الله -: "لا يصلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صلح بها أولُها"، فإذا كان أولها صلَح بالكتاب والسنة فلن يصلُح آخرُها إلا بالكتاب والسنة.
أمة الإسلام:
لقد أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - عند التنازُع والاختلاف، يقول - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].
قال مجاهد - رحمه الله - في قوله تعالى: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ : "أي: فرُدُّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -".
وأخرج أهلُ السنن من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «.. فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعيد، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة».
ولذلك فإن الواجبَ على الأمة الرجوع في المُشكِلات - لا سيما عند الأزمات - إلى الراسخين في العلم الصادقين في الدين؛ فهم أكثرُ الناس فقهًا وعلمًا، وأعلم الناس بالحلال والحرام ومقاصد الأحكام، الذين يعرفون المُحكَم من المُتشابِه، كما جاء عنهم في قوله - سبحانه -: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7].
فالرجوع للعلماء الراسخين في العلم - لا سيما في زمن الفتن والنوازل - ليس اختيارًا؛ بل هو فرضٌ شرعي، وأمرٌ إلهي.
يقول تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
ومن منارات ودلائل الاهتداء في الفتن: البُعد عن كل ما يُفضِي إلى الفُرقة والاختلاف؛ ومن ذلك: ما يحصُل من بعض المُجادَلات العقيمة التي تُثير الشحناء والبغضاء، فقد كرِه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المُجادَلة ما يُفضِي إلى الاختلاف والتفرُّق؛ فقد روى الترمذي في "سننه" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على قومٍ من أصحابه وهم يتجادَلون في القدَر، فكأنما فُقِئَ في وجهه حبُّ الرمان، وقال: «أبِهذا أُمِرتم؟ أم إلى هذا دُعيتُم؟ أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض، إنما هلكَ من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض».
أمة الإسلام:
وإنه إزاء ما تعيشُه بعضُ بلاد المسلمين من فتنٍ وأحداث فإن كل غيورٍ مهتمٌّ بشأن أمته يُلاحِظُ أنه حدَثَت فتنٌ في تضاعيف هذه الأحداث تُشعِلُ فتيلَها والأُوَار، وتسكُبُ الزيتَ على النار، وتعمل على إذكاء النَّعَرات والعصبيات التي تُفاقِمُ الأوضاع سوءًا، وتُمكِّن لأعداء الأمة استغلالَها لأغراضٍ خطيرة، مما يتطلَّبُ الوعيَ والإدراكَ لما يُحاكُ للأمة الإسلامية من مُؤامرات ترمي إلى الإضرار بوحدتها والعبَث بأمنها واستقرارها، وتشحنُ النفوس نحو الفتنة والفُرقة بدعواتٍ مُضلِّلة، وشائعاتٍ مُغرِضة تنالُ من الثوابت والمُسلَّمات، وتطالُ الإساءة للرموز والمُحكَمات، أو المُزايَدة على الشريعة والتهجُّم على دُور العبادة ليتحقَّق للأعداء ما يُريدون من إهدارٍ للطاقات، وتدميرٍ للمُقدَّرات، بما أفضى إلى إشغال أمتنا عن كُبرى قضاياها ونكئِ مآسيها في ذكرى نكبتِها.
ولعل الغُيُر يتفاءَلون بأَخَرة بالمُصالحة والاتفاق بعد التجافي والافتراق.


أمة التوحيد والوحدة:
وإن من الفتن التي ضاعَفت المِحنُ علَّتها، ودأَبَت على تأجيج جذوَتها: فتنةَ إذكاء النَّعَرات الطائفية المَقيتة المُحتدَّة، والعصبية الشتيتة المُمتدَّة التي انحرَفَت عن الولاء الصحيح، وفرَّقَت صفَّ الأمة الصريح.
إن ركوبَ موجة النَّعَرات الطائفية الجانحة المُتدرِّعة بحُجَجٍ واهية - وفي هذه الآونة تحديدًا - لم يكن من دَيدَنه إلا تصديرُ الفتن والقلاقِل والبغضاء، وصناعةُ الزوابِع والشحناء، وإفسادُ العلاقات البريئة بين أفراد المجتمع الواحد، وبين أفراد الأمة جمعاء؛ تشتيتًا للوحدة الإسلامية، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 92]، دون عقلٍ رادِع، ولا ضميرٍ وازِع.
وإن من المُقلِق للغَيُورين: أن تلكم النَّعرات الرَّعناء قد أمِرَ أمرُها وازداد، وتوسَّع مدُّها وارتاد، ولكن دون إنصافٍ أو سداد؛ حيث تتناولُ الحقائقُ المُدلَّلة الراسخة بالمُغالطات الماسِخة، وتتصدَّر الحقَّ الصُّراح، بالتمويه والجُناح، وأسانيد مبتورة الجَناح.
ولعَمرُ الله؛ إنه لا فوز للأمة وسعادة للخلق إلا بالدين الحق على هدي الوحيَيْن الشريفين.
وإن كتابَ الله أعدلُ حاكمٍ فيه الشِّفا وهدايةُ الحيرانِ
والحاكمُ الثاني كلامُ رسوله ما ثمَّ غيرُهما لذي إيمانِ
وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه الكريم - وهو أصدق القائلين -: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 05-21-2011, 11:24 PM   رقم المشاركة : 10

 

فالرجوع للعلماء الراسخين في العلم - لا سيما في زمن الفتن والنوازل - ليس اختيارًا؛ بل هو فرضٌ شرعي، وأمرٌ إلهي.
يقول تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
ومن منارات ودلائل الاهتداء في الفتن: البُعد عن كل ما يُفضِي إلى الفُرقة والاختلاف؛ ومن ذلك: ما يحصُل من بعض المُجادَلات العقيمة التي تُثير الشحناء والبغضاء، فقد كرِه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المُجادَلة ما يُفضِي إلى الاختلاف والتفرُّق؛ فقد روى الترمذي في "سننه" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على قومٍ من أصحابه وهم يتجادَلون في القدَر، فكأنما فُقِئَ في وجهه حبُّ الرمان، وقال: «أبِهذا أُمِرتم؟ أم إلى هذا دُعيتُم؟ أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض، إنما هلكَ من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض».
أمة الإسلام:
وإنه إزاء ما تعيشُه بعضُ بلاد المسلمين من فتنٍ وأحداث فإن كل غيورٍ مهتمٌّ بشأن أمته يُلاحِظُ أنه حدَثَت فتنٌ في تضاعيف هذه الأحداث تُشعِلُ فتيلَها والأُوَار، وتسكُبُ الزيتَ على النار، وتعمل على إذكاء النَّعَرات والعصبيات التي تُفاقِمُ الأوضاع سوءًا، وتُمكِّن لأعداء الأمة استغلالَها لأغراضٍ خطيرة، مما يتطلَّبُ الوعيَ والإدراكَ لما يُحاكُ للأمة الإسلامية من مُؤامرات ترمي إلى الإضرار بوحدتها والعبَث بأمنها واستقرارها، وتشحنُ النفوس نحو الفتنة والفُرقة بدعواتٍ مُضلِّلة، وشائعاتٍ مُغرِضة تنالُ من الثوابت والمُسلَّمات، وتطالُ الإساءة للرموز والمُحكَمات، أو المُزايَدة على الشريعة والتهجُّم على دُور العبادة ليتحقَّق للأعداء ما يُريدون من إهدارٍ للطاقات، وتدميرٍ للمُقدَّرات، بما أفضى إلى إشغال أمتنا عن كُبرى قضاياها ونكئِ مآسيها في ذكرى نكبتِها.
ولعل الغُيُر يتفاءَلون بأَخَرة بالمُصالحة والاتفاق بعد التجافي والافتراق.

أمة التوحيد والوحدة:
وإن من الفتن التي ضاعَفت المِحنُ علَّتها، ودأَبَت على تأجيج جذوَتها: فتنةَ إذكاء النَّعَرات الطائفية المَقيتة المُحتدَّة، والعصبية الشتيتة المُمتدَّة التي انحرَفَت عن الولاء الصحيح، وفرَّقَت صفَّ الأمة الصريح.
إن ركوبَ موجة النَّعَرات الطائفية الجانحة المُتدرِّعة بحُجَجٍ واهية - وفي هذه الآونة تحديدًا - لم يكن من دَيدَنه إلا تصديرُ الفتن والقلاقِل والبغضاء، وصناعةُ الزوابِع والشحناء، وإفسادُ العلاقات البريئة بين أفراد المجتمع الواحد، وبين أفراد الأمة جمعاء؛ تشتيتًا للوحدة الإسلامية، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 92]، دون عقلٍ رادِع، ولا ضميرٍ وازِع.
وإن من المُقلِق للغَيُورين: أن تلكم النَّعرات الرَّعناء قد أمِرَ أمرُها وازداد، وتوسَّع مدُّها وارتاد، ولكن دون إنصافٍ أو سداد؛ حيث تتناولُ الحقائقُ المُدلَّلة الراسخة بالمُغالطات الماسِخة، وتتصدَّر الحقَّ الصُّراح، بالتمويه والجُناح، وأسانيد مبتورة الجَناح.
ولعَمرُ الله؛ إنه لا فوز للأمة وسعادة للخلق إلا بالدين الحق على هدي الوحيَيْن الشريفين.
وإن كتابَ الله أعدلُ حاكمٍ فيه الشِّفا وهدايةُ الحيرانِ
والحاكمُ الثاني كلامُ رسوله ما ثمَّ غيرُهما لذي إيمانِ
وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه الكريم - وهو أصدق القائلين -: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir