مناهضة للشطة بأنواعها والفلافل الحارة بأشكالها حتى مع فوائدها التي تقال عنها..
وذلك حين كنت أشتريه من مقصف مدرسة الحسن ابن الهيثم الابتدائية..
وأما جبن الكرافت شيدر فهو صديق لي منذ الطفولة و لا أزال هذه الأيام أصيب منه في
بعض الأحيان..ولا أنسى في ذلك المقام ابنة عمه الحسناء الست قشطة تاج..
علبة من جبن الكرافت مع أخرى من قشطة التاج مع حبة تميس من تميس الطائف
خصوصا لو كان تميساً بخارياً مع علبة بيبسي أو سفن آب تلك كانت وجبتي المفضلة
وزادي المحبب وظلت كذلك حتى وقت قريب ..
وكان الوالد أطال الله عمره وعافاه ربما أعطاني إذا عدت من المدرسة قرشين وربما
قرشاً ..فأهرع فرحاً إلى الشارع لأشتري قطعة من حلوى البسبوسة التي كانت أثيرة
لدي..من بائع متجول..يضعها في جزء من قرطاس الله أعلم بحالها ونظافتها..فما إن
تقع في يدي إلا ويظهر عن يميني وعن شمالي شقيقاي الكبيران خضران وعبد الله
يتربصان بقطعة البسبوسة الأواكل..
وما زلت أتذكر توسلاتهما واستجداءهما لأعطيهما بعض تلك القطعة..فيكون الجواب مني
تصعيراً للخد..ونهراً شديدأً لهما بالابتعاد عني وإلا أخبرت والدي بقبيح صنيعهما وثقيل
تطفلهما!!..
ولكن حين يكون رد فعلهما زيادة في السؤال وإمعاناً في الاستجداء وأجد نفسي أنه لا
مناص من تقاسم الغنيمة مع هذين المتطفلين النهمين!!فإنني اضطر لأخذ نتفة صغيرة
من البسبوسة لا تزيد في حجمها عن حبة الفصفص الصغير الذي تبيعه النساء
التكرونيات في بسطاتهن المعروفة..وربما كانت أصغر من ذلك..فأقوم بتقسيم تلك النتفة
الصغيرة التي لا تكاد ترى إلى قسمين..وعبد الله وخضران يتحلقان حولي ويحملقان
بدهشة في غريب صنيعي ينتظران ما سوف أجود به عليهما..فإذا فرغت من التقسيم
أمسكت بالقسم الأكبر والتهمته على الفور..ثم أخذت القسم الثاني الأصغر فقسمته مرة
ثانية إلى قسمين اثنين..وأعطيت لعبد الله قسماً ولخضران قسماً!!!!!..والعجيب أنهما
كانا عفا الله عنهما وأجزل مثوبتهما يتسابقان لأخذ ذرات البسبوسة المتناثرة بين إبهامي
وسبابتي ويلتهمان ما قد ينجو منها من التفتت والسقوط..
وما زلت أتذكر صراخهما واستهجانهما واحتجاجهما واستنكارهما لذلك البخل المريع
والشح الفظيع..ومع ذلك فلا يكفان عن السؤال والاستجداء حتى آخر لحظة.. إلا بعد أن
أقضي على قطعة البسبوسة بالكامل..وربما ألقيت لأحدهما بالقرطاس فيسارع لأخذه
ويبدأ في تتبع خارطة وجود بقايا البسبوسة على ذلك القرطاس!!..
ومن الطرائف أن عبد الله وخضران ما يزالان يقومان بتعييري حتى الآن في كل مجلس
نجتمع فيه ونخرج من خلاله إلى فضاء الذكريات وعبق الماضي الجميل..
وحتى لا يحنق عليَّ أحد ويظهر التعاطف مع شقيقيَّ عبد الله و خضران على حسابي..
ويتهم والدي حفظه الله بالانحياز التام لي..أسوق هذه القصة الطريفة والواقعة
الظريفة..
فقد اعتاد والدي سلمه الله-وهو شهد الله سخي كريم مع الآخرين ومع أهله وأولاده لم
يبخل علينا بشيء يوماً من الأيام-على إعطاء كل منا بضعة قروش كل يوم تقريباً..
فأما عبد الله حفظه الله فربيب المطاعم والبقالات والكاكولا والبيبسي والكعك
والبسكويتات والحلويات لا تكاد تصنع معه الريال ولا الريالان ولا الثلاثة ريالات
شيئاً ..فهو يهبر هبراً من الوالد ومن الوالدة أطال الله عمرهما وعافاهما..ليشتري بها ما
لذَّ له من المأكولات والمشروبات وطاب..
وأما الشيخ خضران فقد كان جمَّاعة للقروش والريالات مناعاً للصرف حتى مع الجوع
والحاجات!!..كلما أعطاه الوالد قرشين أو أربعة قروش أو ربع ريال أو نصف ريال أو
ريال لا أذكر بالضبط..قال:مرحباً بقروشي الحبيبة..ونقودي اللبيبة..هذا مكانك الأمين
ومخبأك الدفين الذي لن تخرجي منه حتى حين !! ويبدو أنه لا حين لقروش خضران لو
ترك له الأمر..ثم يدسها في حصالة كبيرة..ويقوم بإخفاء الحصالة في حرز مكين في
حجرة نوم والدتي..
ومرت الأيام وكادت أن تغص الحصالة بالقروش والنقود بل قد غصت فعلاً..وخضران
يتأبطها كل يوم وربما اعتنقها وقبلها ثم ردها إلى مكانها..
والمكَّار عبد الله يراقب الوضع عن كثب..وربما احتاج عبد الله إلى سيولة..وسال لعابه
وهو يمر من أمام البقالة ولكن يده فارغة وجيبه خاوٍ ..فماذا يعمل؟؟..
قرر عبد الله وخطط تخطيطاً استراتيجياً للاستيلاء على ثروة خضران الطائلة وأن ذلك
هو الحل الأكيد والطريق السريع لسد حاجات نفقاته الباهظة اليومية على متطلبات البنية
التحتية الأساسية لكرشه ومعدته من كعك وبسكويت وحلوى وأيسكريم وعصير وكاكولا
وبيبسي و ميرندا وأنواع مختلفة من الساندويتشات..
ولكن عبد الله يعلم جيداً أن الغزو المباشر لحصالة خضران وثروته أمر مستبعد بل يكاد
يكون هو المستحيل بعينه..فخضران وهو معروف في صغره بشراسته وعصبيته وحدته
إذا اعتدي عليه لن يقف مكتوف الأيدي وسيلقن الغازي درساً صعباً لن ينساه أبداً..وفوق
ذلك فإن المجتمع الدولي و المتمثل في الوالدين حفظهما الله بمؤسساته المدنية
والعسكرية والأمنية سوف يعارض ذلك الغزو بشدة..خصوصاً وأن هذا المجتمع لديه من
الآليات والطرق والوسائل ما يقوم بردع المعتدي وتأديبه ورد الحق إلى أصحابه مع
عزل المعتدي عن العالم وحصاره اقتصادياً ومالياً واجتماعيا..
أما أنا وشقيقاتي الثلاث فكنا كحال الدول النامية أو ما يسمى بدول العالم الثالث هذه
الأيام لا نحل ولا نربط كما قال الشاعر العربي:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يسـتأذنون وهم شـــــهود
فماذا صنع عبد الله لتفادي حرب ضروس مع خضران وحتى يتجنب سخط ونقمة
المجتمع الدولي..
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى..