يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-02-2012, 09:30 PM   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
الخيرُ والسعادةُ والصلاحُ والنجاحُ في تقوى الله - جل وعلا - وطاعته وسرًّا وجهرًا، ليلًا ونهارًا إلى الممات.
إخوة الإسلام:
إن من أسوأ الأخلاق وأقبَح الصفات: الفُحشُ بالقول أو الفِعلِ، أو في المُزاحِ ونحو ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المؤمنُ باللعَّان ولا الطعَّان ولا الفاحشِ ولا البَذِيء».
فكلُّ تصرُّفٍ قارنَه الفُحشُ فهو قبيحٌ شرعًا وطبعًا وعقلًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الفُحشُ في شيءٍ إلا شانَه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زانَه».
يا مَن ابتُليتُم بالولايات والمناصِب! ترفَّقوا بالمُسلمين، عامِلوهم بالحُسنى، سُوسهم بالرِّفق واللِّين، والوَيلُ ثم الوَيلُ لمن تولَّى للمُسلمين أمرًا ثم أطلقَ عليهم يدَه أو لسانَه بالظُّلم والاضطهاد والفُحش في القول أو الفعلِ، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم من ولِيَ من أمر أمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه».
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالصلاةِ والسلامِ على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّة عيونِنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم احفظ المُسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المُسلمين في كل مكان يا حافِظُ يا عليمُ، اللهم أنت خيرُ حافظٍ فاحفظ المُسلمين في سُوريا، اللهم أنت خيرُ حافظٍ فاحفظ المُسلمين في سُوريا وفي فلسطين وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم ودماءَ المسلمين في كل مكانٍ، اللهم ارفع الهمَّ عنهم، اللهم فرِّج كُرُباتهم، اللهم فرِّج كُرُباتهم وكُرُبات المسلمين.
اللهم يا حي يا قيُّوم ارحم المُستضعفين في كل مكانٍ، اللهم ارحم المُستضعفين في كل مكانٍ، اللهم ارأَف بهم، اللهم ارأَف بهم، اللهم ارعَهم برعايتك، اللهم الطُف بهم بعنايتك ورعايتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيِّئ للمُسلمين أمرًا رشَدًا، اللهم هيِّئ للمُسلمين أمرًا رشَدًا، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائبَه لما تحبُّه يا رب وترضَى، اللهم وفِّقهما لخدمة الإسلام والمسلمين، اللهم أطِل في أعمارهما على الطاعة والتقوى. اللهم يا حيُّ يا قيُّوم احفظ بلاد المسلمين من كل مكروهٍ وسوءٍ وسائرَ بلاد المُسلمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، اللهم أرضِنا وارضَ عنَّا، اللهم أرضِنا وارضَ عنَّا، اللهم أرضِنا وارضَ عنَّا.
اللهم اشفِ مرضانا مرضى المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا مرضى المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا مرضى المسلمين، اللهم فرِّج همومَنا، اللهم اكشِف كُرُباتنا، اللهم نفِّس عن كُرُباتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اقضِ الدَّينَ عن المدينين، اللهم اقضِ الدَّينَ عن المدينين.
اللهم اجعل هذه البلادَ آمنةً مُطمئنَّةً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المُسلمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم نسألُك أن تُبلِّغَنا رمضان وأن تجعلَنا فيه من عبادك المُتَّقين يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أدخِل علينا شهرَ رمضان بالعفو والغُفران والصلاح والإصلاح للإسلام والمُسلمين.
عباد الله: اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-02-2012, 10:53 PM   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

رمضان عبر ونفحات
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 16/شعبان 1433هـ بعنوان: "رمضان عبر ونفحات"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما أعدَّه الله لعباده من فضلٍ وخيرٍ، وضاعفَ الثوابَ فيه على الأعمال الصالحة، وذكَّرَ بتنويع العبادة فيه بين صلاةٍ وقيامٍ وقراءة قرآنٍ وغير ذلك.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
أيها المسلمون:
خلقَ الله الثَّقَلَين لعبادته، وهو - سبحانه - غنيٌّ عنهم ولا غِنى للخلق عنه؛ فهو الذي يكشِفُ ضرَّهم وهو الذي ينفعهم، ولحاجتهم إليه أوجبَ عليهم عبادتَه، وأولُ أمرٍ في كتاب الله هو الأمرُ بعبادته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 21].
وأمرَ الرُّسُلَ بالعمل الصالح فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا[المؤمنون: 51]، وقال لموسى - عليه السلام -: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي[طه: 14]، وقال لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[الزمر: 66].
ومن الميثاقِ الذي أُخِذَ على بني إسرائيل: لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ[البقرة: 83]، وأمرَ قُريشًا بالتعبُّد فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ[قريش: 3]، وأمرَ المؤمنين به في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ[الحج: 77].
ووصفَ الله صحابة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بكثرة التعبُّد، وظهر أثرُ ذلك على جوارِحهم، فقال - سبحانه -: تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ[الفتح: 29].
والعبوديةُ لله شرفٌ عظيمٌ، ولمنزلتها دعا سليمان - عليه السلام - ربَّه أن يكون منهم، فقال: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل: 19].
وكان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - إذا رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: «أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ»؛ رواه مسلم.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربَّه بحُسن العبادة له كما أمرَه الله لينالَ رِضاه، فكان يقول دُبُر كل صلاةٍ مفروضةٍ: «اللهم أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسن عبادتك»؛ رواه أبو داود.
وكلُّ مُسلمٍ يُعاهِدُ ربَّه على القيامِ بهذه العبادة في صلاته المفروضة في اليوم سبعَ عشرة مرَّة، يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5].
ومن حقَّقَها ونشأَ على الطاعة والصلاح أظلَّه الله في ظلِّ عرشه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه ..»، وذكرَ منهم: «.. وشابٌ نشأَ في عبادة ربِّه»؛ متفق عليه.
والعبدُ الصالحُ يدعُو له كلُّ مُصلٍّ بالسلامة من الآفات والشُّرور، فإذا قالَ المُصلِّي في التشهُّد: «السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين»، قال - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك: «أصابَت - أي: الدعوة - كلَّ عبدٍ لله صالحٍ في السماء والأرض»؛ متفق عليه.
وعبادةُ الله وحده سببُ دخول جنات النعيم؛ جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عمِلتُه دخلتُ الجنةَ. قال: «تعبُد اللهَ لا تُشرِكُ به شيئًا، وتُقيمُ الصلاة المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاةَ المفروضة، وتصومُ رمضان»؛ متفق عليه.
ومن فضل الله على عباده: أنه لم يترُك عبادَه حيارَى في كيفية التعبُّد؛ بل أرسلَ الرُّسُلَ ليُبيِّنوا لأقوامهم كيف يعبدون اللهَ، ولم يُكلَّف العبادُ إلا بالامتِثالِ فحسب، فقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[النور: 54].
وإذا أخلصَ العبدُ عملَه لله واتَّبَع نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في طاعته قبِلَ الله ذلك العملَ منه، ورفعَه إليه، قال - عز وجل -: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[فاطر: 10].
والله - سبحانه - قضَى أن أعمار هذه الأمة قصيرة، وجعلَها ما بين الستين إلى السبعين، والأيامُ والليالي فيها تذهبُ سِراعًا، والعامُ يطوي شهورَه تِباعًا، وسنةُ الله في كونه قدومٌ وفواتٌ، وعوَّض - سبحانه - هذه الأمةَ لما قصُرَت أعمارُهم بمواسم في الدهر تُضاعَفُ فيها أعمالُهم، وتُغفَرُ فيها ذنوبُهم.
وفضَّلَ شهرًا في العام على بقية الشهور، فبعثَ فيه رسولَه وأنزلَ فيه كتابَه، يرتقِبُه المسلمون في كل حولٍ وفي نفوسهم له بهجة، يُؤدُّون فيه رُكنًا من أركان الدين، جعله الله ميدانًا يتسابقُ فيه المُتنافِسون بأنواع الطاعات والقُرُبات، وخصَّه بليلةٍ مُباركةٍ تتنزَّلُ فيها الملائكة، والعملُ فيها خيرٌ من ألفِ شهرٍ.
ولشرف رمضان؛ من أخلصَ صيامَه لله ابتغاءَ الثواب غُفِرَ له ذنبُه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ متفق عليه.
ومن صلَّى التراويحَ في رمضان مُخلِصًا لله غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ متفق عليه.
ومن صلَّى مع الإمام حتى ينصرِفَ كُتِب له قيامُ ليلةٍ كاملةٍ.
والقرآنُ العظيمُ كلامُ ربِّ العالمين، وصفَه الله بالنور والبركة والهداية، من تلاه نالَ من البركة والضياءِ بقدرِ قُربِه منه، والماهِرُ بقراءته مع الملائكةِ السَّفَرة الكرامِ البَرَرة، ومن قرأَه تضاعَفَت له الأُجُورُ بقدر ما رتَّلَ من الحروف، والقرآنُ أُنزِل في رمضان، وتتأكَّد تلاوتُه فيه، وكان جبريلُ - عليه السلام - يُدارِسُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيه.
والصومُ مظِنَّةُ إجابة الدعاء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصائمُ حتى يُفطِر، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلوم يرفعُها الله فوقَ الغَمام ويفتحُ لها أبوابَ السماء ويقول: وعِزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ»؛ رواه الترمذي.
وأنزلَ الله قولَه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة: 186]، أنزلَها بين آيات الصيام إيماءً بالإكثار من الدعاء في رمضان.
وشهرُ رمضان شهرُ الفقراء والمساكين، يرقُبُونَه عامًا بعد عامٍ لينالُوا فضلَ الله فيه، فلا تردَّ ذا مسكنةٍ أو متربةٍ، وابذُل الكفَّ فيه بالعطاء، ومُدَّ اليدَ فيه بالكرم والسخاء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجودَ ما يكونُ في رمضان.
ومن أغدقَ على عباده منحَه الله من فضله خيرًا مما بذَل، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ[سبأ: 39].
ورمضانُ غنيمةُ التائبين؛ فنفحاتٌ من التواب الغفورِ فيه في ليله ونهاره أغلقَ فيه أبوابَ النيران، وفتحَ أبوابَ الجِنان ليعود العبادُ إليه بالتوبة والإنابة. فعلى المُسلم أن يصدُقَ فيه مع الله ويتوبَ إليه مما اقترفَتْه جوارِحُه من السيئات، وأن يفتحَ صفحةً مُشرِقةً مع مولاه؛ فالمعصيةُ لا تأتي بخيرٍ قطُّ.
وأبوابُ الخيرِ تُفتحُ على العبدِ حينًا، وقد تُغلَقُ سريعًا، وإن أدركتَ رمضان فقد لا يعُودُ، وإن عادَ عليك عامًا آخر فالنفسُ قد تتبدَّلُ من ضعفٍ في العبادة، أو التسويفِ، أو قُصور العافية، أو غيرها من الصوارِف. فبادِر إلى كل عملٍ صالحٍ قبل الفوات.
والمحرومُ من فرَّط في دُرَر لحظات رمضان وحرمَ نفسَه العملَ في لياليه، وبارزَ اللهَ فيه بالعِصيان؛ بنومٍ عن الصلاة المفروضة، أو سهرٍ على المُلهِيات والمُحرَّمات. والصومُ ليس امتناعًا عن الأكل والشربِ فحسب؛ بل شُرع لتحقيق التقوى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183]، فصومُ الجوارِحِ واجبٌ بحفظِ اللسان عن المُحرَّمات؛ من الكذبِ، والغِيبة، وغضِّ البصر عن النظر إلى ما نهَى الله عنه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ متفق عليه.
وعلى المرأة أن تصُونَ نفسَها وشهرَها بالسِّترِ والحجاب والعفاف، والبُعد عن مواطن الفِتَن، وصلاتُها في بيتها خيرٌ من صلاتِها في مسجدِها.
والسعيدُ من سابقَ إلى الطاعات ونوَّع منها، وحفِظَ جوارِحَه عن المعاصي والأوزار وابتعدَ عنها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا[الكهف: 107، 108].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ من صيام شعبان توطِئةً لصيام أفضل الشهور؛ قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "ما رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في شهرٍ أكثرَ منه صيامًا في شعبان"؛ متفق عليه.
ومن كان يصومُ من أول شعبان فله أن يصُوم في نصفِه الأخير، ولم يثبُت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضلِ شعبان شيءٌ سِوَى الإكثار من صومِه، وليست فيه ليلةٌ فاضلةٌ لا في أوله ولا مُنتصفه ولا آخره.
قال ابن رجبٍ - رحمه الله -: "قيامُ ليلة النصفِ من شعبان لم يثبُت فيها شيءٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه".
وخيرُ الهديِ ما شرعَه نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، والمُوفَّقُ من جمعَ بين إخلاصِ العمل لله والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألُك التوفيقَ والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القول والعمل.
اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في الشام، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم احفَظ لهم دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم، اللهم عليك بمن طغَى عليهم، اللهم زلزِل الأرضَ من تحت أقدامهم، اللهم سلِّط عليهم جنودًا من عند يا قوي يا عزيز.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-02-2012, 10:59 PM   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أهمية الأُخُوَّة الإسلامية
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 23 شعبان 1433هـ بعنوان: "أهمية الأُخُوَّة الإسلامية"، والتي تحدَّث فيها عن الأُخوَّة الإسلامية والمحبَّة الإيمانية التي يجبُ أن تكون بين أمة الإسلام أفرادًا وجماعاتٍ، وسردَ شيئًا من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك.

الخطبة الأولى
الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلَّام، وأشهد أن نبيَّنا ورسولَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي السعادةُ المُبتغاة، وهي سببُ كل فوزٍ وعِزَّةٍ ونُصرةٍ في الدنيا وفي الآخرة.
إخوة الإسلام:
من أعظمِ أُصول الإسلام وأمتنِ قواعد الإيمان: الحِرصُ على تحقيق الإخاءِ بين المُسلمين، وإفشاء المحبَّة بين المُؤمنين، يقول ربُّنا - جل وعلا -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10]، ويقول نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -: «مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتعاطُفِهم وتراحُمهم مثَلُ الجسَد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى»؛ متفق عليه.
الإسلامُ الذي جاء به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو أعظمُ رابطٍ، والإيمانُ هو أكبرُ جامعٍ، والمُسلمُ الحقُّ هو من يحمِلُ لإخوانه المُسلمين المودَّة بشتَّى معانيها، ويُكِنُّ لهم المحبَّةَ بصُنُوفِها وأشكالِها، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[التوبة: 71]، ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتَّى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه».
وإن من أعظم أسبابِ الفوز في الدارَيْن: المُبادَرةَ إلى مُعاملة المُسلمين بكل ما تُحبُّ أن يُعامِلُوك به، مُعاملةً حسنةً بسلوكٍ فاضلٍ، وخُلُقٍ جميلٍ، وعملٍ حسنٍ؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويُدخَلَ الجنةَ فلتأتِه منِيَّتُه وهو يُؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه»؛ رواه مسلم.
ومن هنا جاءت شرائعُ الإسلام تحمِلُ الأحكامَ التي تُؤصِّلُ هذا المبدأَ العظيمَ، وتنشُرُه بين المُسلمين.
وإن مما يُضادُّ هذا الهدفَ النَّبيلَ: أن يحمِلَ المُسلمُ البُغضَ لإخوانه المُسلمين، أو أن يُكِنَّ لهم الحِقدَ الدَّفين، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَروا، ولا تقاطَعوا، ولا يبِع بعضُكم على بيعِ بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المُسلمُ أخو المُسلمِ لا يظلِمُه ولا يحقِرُه ولا يخذِلُه، التقوى ها هُنا» - ويُشيرُ إلى صدرِه - عليه الصلاة والسلام - ثلاث مرات، ثم يقول: «بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كلُّ المُسلِم على المُسلمِ حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه»؛ وأصلُه في "الصحيحين"، واللفظُ لمُسلم.
إنها مُثُلٌ عُظمَى يحمِلُها هذا الدينُ، تجعلُ المُسلِمَ يقِفُ من إخوانه المُسلمين موقفَ الحبيبِ لحبيبه، موقفَ الناصِحِ المُشفقِ الأمين، لا يُؤذِيهم بقولٍ سيِّئٍ ولا بفعلٍ بذِيءٍ، يُقيمُ لهم حقوقَهم، ويرعَى لهم مكانتَهم، يسعَى فيما يجلِبُ المودَّة، وينأَى عما يُفسِدُ المحبَّة، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[الأحزاب: 58].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسلم من سلِمَ المُسلِمون من لسانه ويدِه»؛ متفق عليه.
وفيما رواه مُسلمٌ أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: «من حمَلَ علينا السلاحَ فليس منَّا».

معاشر المسلمين:
إن الأمةَ متى ابتعَدَت عن منهجِ الله - جل وعلا - ولم تُحكِّم شرعَه - تبارك وتعالى -؛ فإنها تفقِدُ هذه النعمةَ العظيمة: نعمةَ الإخاء والتوادِّ، ويحُلُّ بها حينئذٍ التفرُّقُ والتحزُّبُ، ويسُودُ صفَّها الاختلافُ والتشرذُم، فحينئذٍ تحُلُّ بها كروبٌ عُظمَى، ومصائبُ شتَّى.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «.. وما لم تحكُم أئمَّتُهم بكتابِ الله إلا جعلَ اللهُ بأسَهم بينهم».
وفيما رواه مسلمٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سألتُ ربي ثلاثًا فأعطاني اثنتَيْن، ومنعَني واحِدةً، سألتُه ألا يُهلِكَ أمَّتي بالسَّنَة. فأعطانِيها، وسألتُه ألا يُهلِكَ أمَّتي بالغرق. فأعطانِيها، وسألتُه ألا يجعلَ بأسَهم بينهم. فمنعَني إياها».
وفي بعض الألفاظ: «وسألتُه - جل وعلا - ألا يُسلِّطَ عليهم عدُوًّا من غيرهم يجتاحُهم، حتى يكون بعضُهم يسبِي بعضًا ..» الحديث.
إخوة الإسلام:
إن من يتتبَّعُ تاريخَ الأمة يجِدُ أن الفتنَ والمصائب تقعُ بالأمة حينما يعدِلُ أبناؤُها عن هديِ الوحيَيْن، وحينما يُغلِّبون الدنيا على الدين.
وهل سالَت الدماء وأُزهِقَت الأنفُس إلا حينما فُقِد هذا الأصلُ العظيمُ وحلَّ محلَّه اتباعُ الهوى والنفسِ الأمَّار بالسوء، واتباعُ الغربِ والشرق؟!
روى الحاكمُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عذابُ هذه الأمة جُعِل بأيديها في دُنياها».
فيا أبناءَ الأمة الإسلامية! حقِّقوا بينكم المحبَّة الإيمانية والأُخُوَّة الإسلاميَّة، واحرِصُوا على وحدة صفِّكم، واتفاقِ كلمتِكم، قُودوا أنفُسَكم بالمحجَّة البيضاء: محجَّة القُرآن العظيمِ وما أرشدَ إليه النبيُّ الكريمُ - عليه أفضلُ الصلاة والتسليم -.
وإلا فمتى زالَت القدمُ، وزاغَت الأبصارُ، وجنحَت المناهِجُ عن ذلك الهديِ العظيمِ، والنورِ المُبين فإنه حينئذٍ تُغلَّبُ المنافعُ الذاتية، والمصالحُ الشخصيَّة، وحينئذٍ يقعُ التحزُّبُ، وتنتشرُ البِدَعُ، وتنقسِمُ الأمةُ فِرَقًا وشِيعًا، فيكون حينئذٍ عذابُها بأيديها جزاءً وِفاقًا، فأفسَدَت حينئذٍ دينَها، وخرَّبَت دُنياها.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقَى المُسلِمان بسيفيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النار». قيل: يا رسول الله! هذا القاتلُ فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِه»؛ متفق عليه.
فاللهَ اللهَ - أيها الأمة -، حقِّقوا أُخوَّتكم التي دعاكم إليها نبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن السيفَ إذا وقعَ في هذه الأمة لم يرتفع إلا يوم القيامة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا وُضِع السيفُ في أُمَّتي لم يرتفِع عنها إلى يوم القيامة»؛ رواه الترمذي، وقال: "حسنٌ صحيحٌ".
بارك الله لي ولكم في القُرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله أولًا وآخرًا، الحمدُ لله ظاهرًا وباطنًا، وأُصلِّي وأُسلِّم على النبي الكريم.
أيها المسلمون:
إن أعداء الإسلام في كل زمانٍ ومكانٍ يحرِصون على بثِّ الفتن بين أبناء الأمةِ الإسلاميةِ، ينشُرون سُمومَهم في كل زمانٍ وفي كل مكانٍ بُغيةَ إيقاع العداوةِ والبغضاء بين المُسلمين؛ لعلمِهم أنَّ نبيَّهم مُحمدًا - صلى الله عليه وسلم - جاء بما يُؤلِّفُ القلوبَ، ويُوحِّدُ الصفَّ، ويجمعُ الكلِمةَ.
ففي الأعداء يقول ربُّنا - جل وعلا -: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ[التوبة: 47].
فاللهَ اللهَ أيها المسلمون! إن الاختلافَ بين المُسلمين الذي يكون على أمورِ الدنيا ويبتعِدُ عن منهجِ الوحيَيْن إنه شرٌّ على البلاد والعِباد، إن التفرُّقَ نقمةٌ في الدين والدُّنيا، إن الاتحادَ على التقوى قوةٌ ونعمةٌ، والتعاوُن على مصالحِ الدَّارَين مِنَّةٌ ومِنحةٌ.
فحافِظوا على سلامة القلوب، واحذَروا الأعداءَ، وتجنَّبوا الفُرقةَ والعَداءَ يتحقَّقُ لكم الأمنُ والأمانُ، والسلامةُ في الدنيا وفي الآخرة.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالصلاةِ والتسليمِ على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّدنا وحبيبِنا وقُرَّة عيونِنا نبيِّنا محمدٍ، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعمَّن تبِعهم إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم احفظ كل مسلمٍ ومُسلمة، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم نفِّس كُرُباتهم، اللهم أدخِل السعادةَ والسرورَ على قلوبِهم، والأمنَ والأمانَ على بُلدانهم، اللهم انشر الرخاءَ والسخاءَ في بلاد المُسلمين.
اللهم أبطِل مكرَ الماكرين، اللهم أبطِل مكرَ أعداء المُسلمين، اللهم أبطِل مكرَ أعداء المُسلمين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمُسلمين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمُسلمين، اللهم اجعلهم غنيمةً للمُسلمين.
اللهم أدخِل علينا رمضان بالسُّرور والفرحةِ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أدخِله علينا بالعِزَّة والنُّصرةِ للإسلام والمُسلمين، اللهم اجعله خيرَ شهرٍ وعافيةٍ للإسلام والمُسلمين، اللهم وفِّقنا فيه لما تُحبُّ وترضَى، اللهم بلِّغنا رمضان ووفِّقنا فيه لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم اجعله سببًا لرضوانك عنَّا، اللهم اجعله سببًا لرضوانك عنَّا يا ربَّ العالمين، اللهم وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه يا كريم.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين، اللهم أطِل عُمره على الطاعة والتقوى، اللهم وفِّقه ونائِبَه لما تحبُّه وترضاه.
اللهم احفَظ هذه البلاد، اللهم احفَظ بلادَ الحرمين من كل سوءٍ ومكروهٍ، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من كل سوءٍ ومكروهٍ، اللهم حقِّق لنا الأمنَ والإيمانَ، اللهم حقِّق لنا الأمنَ والسلامةَ في البُلدان وفي الأوطان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار. اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم احفَظ المُسلمين في سُوريا، اللهم احفَظ المُسلمين في سُوريا، اللهم احفَظ المُسلمين في فلسطين، اللهم احفَظهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم فرِّج كُرُباتهم، اللهم حقِّق لهم ما يصبُون إليهم يا عزيزُ يا حكيمُ.
اللهم فاكشِفِ الغُمَّة، اللهم فرِّج الهَمَّ، اللهم فرِّج الهَمَّ، اللهم يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغمِّ فرِّج الهمومَ والغمومَ عن المُسلمين في كل مكانٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وحِّد صفَّهم، اللهم اجمَع كلمتَهم إنك على كل شيءٍ قديرٌ.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاةٌ وسلامٌ على النبي الكريم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-02-2012, 11:54 PM   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أظلكم شهر المغفرة والرحمة
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة ا رمضان 1433هـ بعنوان: "أظلكم شهر المغفرة والرحمة"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان المبارك وما فيه من نفحاتٍ لا تُعوَّض ولا تتكرَّر في العام إلا مرة، وأنه ينبغي للمسلم أن يغتنِمه بالأعمال الصالحة، ويجتنِبَ المُوبقات والبدعَ والمُحدَثات.

الخطبة الأولى
الحمد لله الرحيم الرحمن، الحمد لله على شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الديَّان، وأشهد أن نبيَّنا ورسولَنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقى اللهَ وقاه، وأسعدَه ولا أشقاه.
أيها المسلمون:
هنيئًا لكم هذا الشهر، أعاننا الله فيه على الصيام والقيام، وجعلَه شهرَ خيرٍ وبركةٍ وأمنٍ وسلامٍ على المُسلمين.
إخوة الإسلام:
إن بلوغَ هذا الشهر نعمةٌ كُبرى، ومنَّةٌ عُظمى، إنه شهرُ الخيرات والبركات، فيه تُكفَّرُ السيئات وتُرفعُ الدرجات.
يقول نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -: «من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ متفق عليه.
فكن - أيها المسلم - مُغتنمًا لحظاته فيما يُرضِي اللهَ - جل وعلا - تفُز وتغنَم، فلقد قال رسولُنا - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جاء رمضان فُتِحت الجنة، وغُلِّقت النار، وصُفِّدت الشياطين»؛ متفق عليه.
معاشر المسلمين:
إن الفوزَ الأعظمَ والفلاحَ الأتمَّ في اغتِنام أوقات هذا الشهر بالمُبادرة إلى الطاعات، والمُسارعة إلى فعل القُرُبات، والجُودِ بكلِّ برٍّ بأنواعه المُختلفة، فلقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان.
وإن الخسارة الكُبرى التي لا تُعوَّض في الإهمال والتفريط وتضييع أوقات هذا الشهر سُدى؛ فكيف بتضييعها في المعاصي وفعل السيئات؟!
صعِد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المِنبرَ فقال: «آمين» ثلاثًا. فقيل له. فقال: «إن جبريل أتاني فقال لي: رغِم أنفُ امرئٍ أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفَر له فدخل النارَ، فأبعدَه الله، قل: آمين، فقلتُ: آمين».
فيا أيها المسلم:
احبِس نفسكَ على طاعة الله - جل وعلا -، وعلى فعل كل سببٍ يجعلُك وليًّا من أولياء الله، واعكُف بقلبك وجوارِحك على ما ينفعُك في آخرتك، فهذا هو الفوزُ الأعظم، وهذا الطريقُ طريقُ عاقبة الجنة التي هي أكبرُ معمول ومسؤول.
نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلَنا وإياكم ممن يُرضِي خالِقَه، وأن يجعلَنا من المُبادرين إلى الطاعات.
يقول ربُّنا - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
بارك الله لي ولكم في القُرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والفرقان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمد ربي وأشكُره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إن أعظمَ الأعمال فضلًا: تلاوةُ القرآن بتدبُّرٍ وتعقُّلٍ وتمعُّنٍ، خاصَّةً في هذا الشهر؛ فهو شهرُ الصيام وتلاوة القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ[البقرة: 185].
أيها المسلمون:
اجتهِدوا في هذا الشهر بالابتِهال والتضرُّع للمولَى - جل وعلا -، واصرِفوا صادقَ دعائِكم أن يُصلِح الله أحوالَ المُسلمين، وأن يحفظَهم في كل مكانٍ.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم ..»، وذكرَ منهم: «.. الصائم حين يُفطِر». وفي روايةٍ: «حتى يُفطِر».
إخوتي أئمةَ المساجد! اجتهِدوا في تطبيق السنةِ في دعاء القُنوت؛ فهذه هي البركةُ الكُبرى، إنها تطبيقُ سنة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فذلك أعظمُ سببٍ لاستِجابة الدعاء، واجتنِبوا السَّجعَ المُبالَغ فيه، فلقد قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنه - لإمامٍ من الأئمة: "واجتنِب السَّجعَ؛ فإني وجدتُ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتنِبونه".
احرِصوا على الإخلاص والصدق، وتجنَّبوا الاعتداءَ في الدعاء، وتجنَّبُوا التطويلَ الذي يشقُّ على المُصلِّين.
جعلَني الله وإياكم من المُطبِّقين لسنة نبيِّنا محمد - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين.
اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم أبطِل مكرَهم وكيدَهم، اللهم أبطِل مكرَهم وكيدَهم. اللهم اجعل هذا الشهر شهر خيرٍ وبركةٍ وأمنٍ وأمانٍ وسلامٍ على المُسلمين، اللهم فرِّج فيه هُمومَهم، ونفِّس فيه كروبَهم يا حي يا قيوم، اللهم احفَظهم بحفظِك، واكلأهم برعايتك وعنايتِك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم أطِل عُمره على طاعة الله، اللهم بارِك في حياته، اللهم وفِّقه لما تحبُّه وترضاه ونائِبَه يا حي يا قيوم. اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما فيه خيرُ رعاياهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خيارَهم. اللهم أصلِح أحوالَ الأمة الإسلامية، اللهم أصلِح أحوالَ الأمة الإسلامية، اللهم أصلِح أحوالَها بالقرآن، اللهم أصلِح أحوالَها بالقرآن، اللهم ورُدَّها إلى سنة سيدِ ولد عدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام -.
اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنا، اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنا.
اللهم اشفِ كلَّ مريض، اللهم اشفِ كلَّ مريض، اللهم اقضِ الدَّينَ عن المدينين، اللهم اقضِ الدَّينَ عن المدينين يا حي يا قيوم.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-03-2012, 12:02 AM   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

فضائل وفوائد الصيام
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 15 رمضان 1433هـ بعنوان: "فضائل وفوائد الصيام"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل وفوائد شهر رمضان والصيام والقيام فيه.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى أجمل ما أظهرتُم، وأكرمُ ما أسررتُم.
أيها المسلمون:
بنى لله الدينَ على قواعد لا يقوم إلا بها، ونوَّع - سبحانه - بين أركان الإسلام في الأداء؛ فمنها ما يُقام في اليوم مرات، ومنها ما يُؤدَّى مرةً فيالام، ومنها ما أُمِر بفعله في العُمر مرة، ومنها ما يكون مُلازمًا للمُسلم في كل حينٍ وهما: الشهادتان.
وهذه الأُسس تشملُ عبادةَ القلب واللسان والمال والجوارح، ليكون المرءُ كلُّه لله، مُمتثلًا أمرَه في قوله: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162، 163].
وركنٌ في الإسلام جعلَه الله شهرًا كاملًا في العام ليتزوَّد فيه المسلمون من التقوى، قال - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
وخصَّ رمضان بالصوم؛ لأنه الشهرُ الذي أُنزِل فيه القرآن، فيشكرُ المسلمون ربَّهم بالصيام في هذا الشهر؛ لأنه الشهر الذي حلَّت فيه السعادةُ للبشر بنزول القرآن وبعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، قال - عز وجل -: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ[البقرة: 185].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "يمدحُ تعالى شهرَ الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم".
ورفع الله قدر هذا الشهر؛ فأبوابُ الجنة تُفتح فيه وتُغلَّقُ فيه أبوابُ النار، وتُصفَّدُ فيه الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا جاء رمضان فُتِّحت أبوابُ الجنة، وغُلِّقت أبوابُ النار، وصُفِّدت الشياطين»؛ رواه مسلم.
قال ابن العربي - رحمه الله -: "وإنما تُفتح أبوابُ الجنة ليعظُم الرجاءُ، ويكثُر العملُ، وتتعلَّق به الهِمم، ويتشوَّق إليها الصابر. وتُغلَق أبوابُ النار لتُخزَى الشياطين، وتقِلَّ المعاصي".
وأساسُ التقوى إخلاصُ الأعمال لله وحده، والصائم يدَع شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، وهو سرٌّ بين العبد وربِّه لا يطَّلِع على صومه سوى الله، وتلك حقيقةُ الإخلاص والمراقبة لله.
في رمضان عباداتٌ تُكفِّرُ الخطايا؛ فصيامُه يغفِر الزلَّات والأوزار، قال - عليه الصلاة والسلام -: «رغِمض أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخَ قبل أن يُغفَر له»؛ رواه الترمذي.
ومن حافظَ على صيامه كان وقايةً له من النار، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الصيامُ جُنَّة»؛ متفق عليه.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "إذا كفَّ نفسَه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار في الآخرة".
ومن صلَّى في ليله غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ متفق عليه.
قال النووي - رحمه الله -: "والمرادُ بقيام رمضان: صلاة التراويح".
شهرٌ مُبارَك، العُمرةُ فيه عن حجَّة، قال - عليه الصلاة والسلام - لامرأةٍ من الأنصار: «ما منعَكِ أن تحجِّي معنا؟». قالت: كان لنا ناضِحٌ فركِبَه أبو فلانٍ وابنُه - لزوجها وابنِها - وترك ناضِحًا ننضحُ عليه. قال: «فإذا كان رمضان اعتمِري فيه؛ فإن عُمرةً في رمضان حجَّة»؛ رواه البخاري.
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "فيه أن ثوابَ العمل يزيدُ بزيادة شرف الوقت كما يزيدُ بحضور القلبِ وبخُلوص القصد".
في الصوم تزكيةٌ للبدن وتضييقٌ لمسالك الشيطان، وهو يُهذِّبُ اللسانَ فيدعو إلى مُجانبَة الكذب وقول الحرام، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه»؛ رواه البخاري.
قال ابن القيم - رحمه الله -: "من جالسَ الصائم انتفعَ بمُجالسته، وأمِن فيها من الزور والكذب والفُجور والظلم، فإن تكلَّم لم يتكلَّم بما يجرحُ صومَه، وإن فعل لم يفعل ما يُفسِدُ صومَه، فيخرج كلامُه كلُّه نافعًا صالحًا".
ورمضان شهر الكرم والبذل للفقراء، فإذا صام الغنيُّ تذكَّر من لا قوتَ له، فيدعُوه ذلك إلى العطاء والسخاء.
سُئِل بعضُ السلف: لِمَ شُرع الصيام؟ قال: "ليذوق الغنيُّ طعمَ الجوع فلا ينسَى الجائِعَ".
رمضانُ نهارُه عبادةٌ بالصوم والدعاء ونفع المُسلمين، وفي ليله دعاءٌ واستغفارٌ وتلاوةٌ للقرآن العظيم، في ليله كانت مُدارسةًُ جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُارِسه القرآن"؛ رواه البخاري.
الصيامُ جُنَّةٌ من أمراض الروح والقلب والبدن، قال ابن القيم - رحمه الله -: "منافعُه تفوقُ الإحصاء، وله تأثيرٌ عجيبٌ في حفظ الصحة".
في الصوم دقَّةُ العبادة، فجميعُ المسلمون يُفطِرون في وقتٍ واحدٍ، لا يتقدَّم أحدٌ على آخر، ولا يسبِقُ واحدٌ واحدًا في الطعام.
الصائمُ يجمعُ حفظَ الجوارح الظاهرة وحراسة الخواطر الباطنة، فينبغي أن يُتلقَّى رمضانُ بتوبةٍ نصوحٍ وعزيمةٍ صادقةٍ.
رمضانُ موسم التعبُّد لله، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخُصُّه بالعبادة بما لا يخصُّ غيرَه من الشهور، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - أحرصَ الناس على العبادة في رمضان، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "كانوا إذا صاموا جلسُوا في المسجد".
وإذا فُتِح لك بابُ خيرٍ فبادِر إليه؛ فأبوابُ البرِّ لا تُفتحُ للمرء على الدوام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[الحديد: 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
الحكمةُ من تشريع الصيام: التقوى، ومن التقوى: الإمساكُ عن الأقوال المحرمة كما يُمسِك عن الطام والشراب.
قال جابرٌ - رضي الله عنه -: "إذا صمتَ فليصُم سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمآثِم، وليكُن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فِطرك سواء".
وقال أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -: "إذا صُمتَ فتحفَّظ ما استطعتَ".
وإذا صُمتَ عن الطعام والشراب والأقوال الآثِمة فلا يكن للشيطان عليك سبيلًا بالنظر والسمع المحرم، واجعل الجوارح كلَّها صائمةً لله.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا سألك الإخلاص في القول والعمل، اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، اللهم أدخِلنا الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ، اللهم حرِّم بشرَتنا ولحومنا عن النار.
اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومثعينًا وظهيرًا، اللهم قوِّ عزائِمَهم، وسدِّد رميَهم، واحقِن دماءَهم، واحفظ أعراضَهم وأموالَهم.
اللهم وأدِر دوائر السوء على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم إنا جعلُك في نحورهم، وندرأُ بك من شرورهم.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-03-2012, 12:07 AM   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الاعتكاف وآدابه
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 22رمضان 1433هـ بعنوان: "الاعتكاف وآدابه"، والتي تحدَّث فيها عن الاعتكاف وآدابه، وما يجب على المسلم فيه وما يحظُر، ولم ينسَ توجيه النصائح الخاصة به للنساء.

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المُسلمون:
ما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجل ما ينصرِم الزمان، فها هو شهر رمضا قد تقوَّضت خيامُه واصرمَت أوقاتُه، فلنحرِص جميًا على اغتنام ما بقِيَ من أوقاته فيما يُقرِّبُنا إلى المولَى - جل وعلا -، يكون سببًا لفوز دُنيا وأخرى.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
إن العشر الأخيرة من رمضان عظيمٌ فضلُها، كبيرٌ أجرُها، شريفٌ قدرُها، كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهِدُ فيها ما لا يجتهِدُ في غيرها، فكان - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلت العشرُ أحيا ليلَه، وأيقظَ أهلَه، وشدَّ مِئزَره.
فيها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».
ألا وإن آكَد ما يكون في هذه الليلة: التضرُّع إلى الله - جل وعلا -، والابتهالُ إليه بالدعاء، فلقد قالت عائشة - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن وافقتُها فبِم أقول؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني».
أيها المسلمون:
ومما يُسنُّ في هذه العشر: الاعتكافُ: الذي هو لُزوم المسجد لطاعة الله - جل وعلا -؛ فلقد اعتكفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه العشر، واعتكفَ أزواجُه في حياته ومن بعد وفاته.
أيها المسلمون:
إن مقصود الاعتكافُ حبسُ النفس على طاعة الله - سبحانه -، وقطعُ العلائق عن الخلق للقُرب من الخالق، وأقلُّ مدة الاعتكاف على الصحيح من أقوال العلماء: يومٌ أو ليلةٌ.
ولا يجوز للمرأة الاعتكاف إلا بإذن زوجها، ولا يصِحُّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تُقام فيه الجماعة، والأفضلُ في مسجدٍ تُقام فيه الجُمعة إذا كان اعتكافُه يتخلَّل الجمعة.
وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكِف في كل مسجدٍ سِوى مُصلَّى بيتها، وإن على المرأة أن تكون في أكمل الأحوال من التحشُّم والتستُّر.



أيها المسلمون:
إن المُعتكِف لا يخرجُ شرعًا إلا لما لا بُدَّ له منه؛ إما شرعًا كالخروج إلى الجُمعة، وإما حِسًّا كقضاء الحاجة، أو الإتيان بمأكلٍ لعدم من يأتيه به، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "السنةُ للمُعتكِف ألا يخرُج إلا لما لا بُدَّ له منه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل بيتَه إلا لحاجةِ الإنسان".
ولا يعودُ مريضًا، ولا يشهَدُ جنازةً، ولا يزورُ قريبًا إلا إن اشترطَه في بداية اعتكافِه.
ومن اعتكفَ العشر الأخيرةَ من رمضان فالأولَى له أن يخرُج من مُعتكَفه إلى المُصلَّى، كما ورد ذلك عن السلف.
ألا وإن مما ينبغي أن يُعلَم أن التحدُّث إلى الآخرين والانشغال بذلك مما يُضيِّع الأوقاتَ سُدًى، أو مما ربما يؤدِّي إلى الحرام كالغيبة، والنميمة، فإن ذلك مُنافٍ للاعتكاف، وإلا فلا بأس من التحدُّث للزائر، كما تحدَّثَت صفيةُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما زارَته في المسجد وهو مُعتكِف.
ويجبُ على المُعتكِف أن يحترِم المسجد وأحكامَه، وأن يتأدَّب بآدابه، وأن يكون على غاية التنظُّف والتجمُّل وأن يلبسَ أحسن ثيابه.
ألا وإن الأفضل للمُعتكِف أن يتجنَّب التجمُّعات ولو كان ذلك لمسائل علمية، أو التباحُث في مسائل فقهية؛ فإن أهل العلم ذكروا أنه لا يُستحبُّ للمُعتكِف إقراءُ القرآن ولا الاشتغالُ بتدريس الحديث والفقهِ، كما نُقِل ذلك عن مالكٍ وأحمد - رحمهما الله -، وذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في أحكام الاعتكاف.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وأرُوا اللهَ من أنفسكم خيرًا، وأكثِروا من الابتهال والدعاء.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمدُ ربي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.
إن من الوقفات الخيِّرة لخادم الحرمين الشريفين: سعيَه لتجميع قادة المُسلمين للتباحُث في أحوال الأمة التي تمرُّ ببلايا ورزايا ومِحَن يعلمُ بها الصغيرُ والكبيرُ.
ألا وإن الواجبَ على جميع حُكَّام المُسلمين أن يستلهِموا من هذا المُؤتمر في هذه الأيام المُباركة وفي البُقعة المُباركة أن يستلهِموا تقوى الله - جل وعلا -، والصدقَ معه ظاهرًا وباطنًا، وأن يستشعِروا عِظَم المسؤولية، وأن يتعاونوا على البرِّ والتقوى، وأن يُغلِّبوا مصالح الدين على الدنيا، وأن يسعَوا ويهبُّوا لنُصرة المظلومين ولردع الظلَمة والفجَرة، فذلك هو ما دعا إليه القرآنُ الكريمُ وحثَّ عليه النبيُّ الكريمُ - صلى الله عليه وسلم -.
وإن على حُكَّامنا جميعًا وعلى الشعوب معهم أن يتعاونوا على أن يُحكَموا بالقرآن والسنة؛ فذلكم هو طريقُ السعادة والعزَّة والريادة في الدنيا والآخرة، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء: 9].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضِلُّوا: كتابَ الله وسنتي».
ألا وإن من أفضل الأعمال: الإكثارُ من الصلاةِ والتسليمِ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولنا وحبيبِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم فرِّج همومَنا وهمومَ المؤمنين، اللهم نفِّس كرباتنا وكربات المسلمين، اللهم نجِّنا ونجِّ المسلمين من كل كربٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم نجِّنا ونجِّ المسلمين من كل كربٍ وهمٍّ وغمٍّ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اكشف السوء عن المسلمين في الشام، وفي بورما، وفي فلسطين، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا، اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا، اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بكرةً وأصيلًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-03-2012, 12:12 AM   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الثبات على الطاعات بعد شهر الرحمات
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 29 رمضان 1433هـ بعنوان: "الثبات على الطاعات بعد شهر الرحمات"، والتي تحدَّث فيها عن الثبات على الطاعات بعد شهر رمضان المبارك، وأن العبدَ لا بُدَّ له من المُثابرة والمواظبة على الطاعات؛ لأن ذلك دليلٌ على قبول الأعمال الصالحة.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
يُنزِل الله على عباده مواسِم الخيرات ليتزوَّدوا من الطاعات، ولحكمته - سبحانه - لا تدوم الأيام المُباركات ليتسابقَ المُتسابِقون في لحظاتها، ويُحرَم من فضلها المُقصِّرون.
زمنٌ فاضلٌ حلَّ بالمسلمين، في نهار صيامٌ وبذلٌ وعطاءٌ، وليلِه تهجُّدٌ وقرآنٌ ودعاءٌ، كم من مُسيءٍ غُفِر له، وكم من محرومٍ وُهِب له، وكم من شقيٍّ كُتِبت له السعادة، وكم من دعوةٍ استُجيبَت، وكم من .
أيامُ مُباركةٌ أذِنت بالرحيل وأوشكَت على الزوال، موسمٌ يُودِّعه المسلمون، كم من حيٍّ لن يعود عليه رمضان وكُتِب في عِداد أهل القبور، فيكون مرهونًا بعمله، قال - سبحانه -: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[المدثر: 38].
والعاقلُ من انتهزَ بقيَّةَ حظات شهره فشغلَها بالطاعات وعظيم القُرُبات، واستبدلَ السيئات بالحسنات.
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "العبرةُ بكمال النهايات لا بنقص البدايات".
، وليشكُر النعماء ولا يكون كالتي نقضَت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا، ومن كان مُسيئًات فليتُب إلى الله ما دام بابُ التوبةِ مفتوحًا، فرمضانُ موسمٌ لتوبة العاصين.
أيها المسلمون:
الاستغفارُ ختامُ الأعمال الصالحة يُختَم به الصلاة والحجُّ وآخر الليل، ومن خير ما يثختَم به شهرُ رمضان: كثرة الاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء، فالأعمال بالخواتيم، وإذا أكملَ المُسلِمُ العملَ وأتمَّه بقِيَ عليه الخشيةُ من عدم قبوله، أو فسادُه بعد قبوله.
قال علي - رضي الله عنه -: "كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، قال - عز وجل -: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة: 27]".
قال سلمة بن دينار - رحمه الله -: "الخوف على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".
والمرءُ مأمورٌ بعبادة الرحمن في كل وقتٍ وحين، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99]، ومن كان يعملُ الصالحات في رمضان فليُداوِم عليها، قال - عليه الصلاة والسلام -: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ»؛ متفق عليه.
قال النووي - رحمه الله -: "قليلُ العمل الدائم خيرٌ من كثيرٍ مُنقطِع".
وإنما كان القليلُ الدائمُ خيرًا من الكثير المُنقطِع لأن بدوام القليل تدوم الطاعةُ والذكرُ والمراقبةُ والنيةُ والإخلاص والإقبال على الخالق، ويُثمِر القليلُ الدائمُ بحيث يزيدُ على الكثير المُنقطِع أضعافًا كثيرة.
ومن كرم الله أن الأعمال الصالحة في رمضان دائمةٌ ، كان كصيام الدهر، وتلاوةُ القرآم مأمورٌ بها على الدوام، وقيامُ الليل مشروعٌ في كل ليلةٍ يغلبُ شمسُ نهارها، والصدقةُ بابٌ مفتوحٌ، والدعاءُ لا غِنى للمرء عنه في حياته.
ومن عمِلَ طاعةً فعلامةُ قبولها أن يصِلها بطاعةٍ أخرى، وعلامةُ ردِّها أن يُعقِبَ تلك الطاعةَ بمعصية، وما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحُها، وأحسنُ منها الحسنةُ بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقُها، والإخلاص في عبادته، وصدق التوبة إلى الله طمعًا في عظيم مغفرته وواسع رحمته وجزيل عطائه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ[الأعراف: 156].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.



أيها المسلمون:
شرع الله في ختام الشهر زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين. قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "فرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على العبد والحُرِّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين".
ويُستحبُّ إخراجُ الزكاة عن الجنين، ولا بأس بنقل الزكاة إلى بلدٍ آخر، وإخراجُها في المحل الذي أنت فيه أفضل، ويجوزُ إخراجُها قبل العيد بيومٍ أو يومين، ويُستحبُّ إخراجُها حين الذهابِ إلى صلاة العيد.
والعيدُ فرحٌ بتفاؤُل قبول الأعمال الصالحة في شهر البركة، فيُشرع التكبير من ليلته إلى صلاة العيد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرجُ إلى العيد في أجمل (..)، أكل تمراتٍ وخرجَ من طريقٍ إلى المُصلَّى وعاد من طريقٍ آخر.
ومن فاتَته صلاةُ العيد فإنه يُصلِّيها على صفتها سواءٌ في المُصلَّى أو في غيره جماعةً أو فُرادَى. قال البخاري - رحمه الله -: "إذا فاتَه العيدُ يُصلِّي ركعتين".
والعيدُ سرورٌ واستبشارٌ بإسباغ فضل الله على عباده، فيُكثِرُ العبدُ في يوم العيد من ذكر الله؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن هذه الأيام أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله - عز وجل -»؛ رواه أبو داود.
وليحذرِ المُسلمُ أن يتجاوزَ في العيد ما حدَّه الله له، فيهدِمَ ما بناه في رمضان، وليكن على وجهِك في العيد وغيره نورُ الطاعة وسمتُ العبادة.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من عُتقائِك من النار، اللهم لا تدَع لنا فيه ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًّا إلا فرَّجتَه، ولا دَينًا إلا قضيتَه، يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
اللهم انصر المُستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عجِّل لهم بالنصر والفرج، اللهم احقِن دماءَهم، واستُر عوراتهم وآمِن روعاتهم، اللهم اجعل لهم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا.
اللهم عليك بمن تسلَّط عليهم، اللهم سلِّط عليهم جندًا من عندك يا قوي يا كبير يا عظيم.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-03-2012, 12:19 AM   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

عنوان الخطبة: ماذا بعد رمضان؟
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 6 شوال 1433هـ بعنوان: "ماذا بعد رمضان؟"، والتي تحدَّث فيها عن ما بعد شهر رمضان، وما ينبغي من الاستقامة على طاعة الله تعالى بعده.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِره ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المُسلمون:
في انصِرام الأزمان أعظمُ مُعتبَرٍ، وفي تقلُّب الأيام أكبرُ مُزدَجَر، يقول - جل وعلا -: إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ[يونس: 6].

معاشر المسلمين:
لقد عاش المُسلمون في رمضان لذَّة المُناجاة لربهم - جل وعلا -، وأُنسَ القُرب منه بالتضرُّع إليه والدعاء، فطابَت بذلك نفوسُهم، وانشرحَ صدورُهم، واستأنَسَت أفئدُهم، فلله الحمدُ والمنَّة، وله الشكرُ على هذه النعمة.
إخوة الإسلام:
إن الفوزَ الأعظمَ، والفلاح الأتمَّ، والسعادة الكُبرى، والغنيمةُ العُظمى، كل ذلك لا يكون إلا بالاستقامة على الإيمان والتُّقَى، والطاعة الدائمة لله - جل وعلا -، ولذا تعدَّدَت مطالِبُ القرآن الكريم بالاستقامة على البرِّ والتُّقَى، والثبات على الخير والهُدى، يقول - جل وعلا - لنبيِّه محمدٍ - عليه الصلاة والسلام -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ[هود: 112]، ويقول - سبحانه -: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ[فصلت: 6].
ولقد أوصى نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه بوصيةٍ عظيمةٍ، جميلةِ المبنى، جميلةٍ المعنى، قليلة العبارة، كثيرة الإشارة، وذلك في حديث سُفيان الثَّقفي حينما جاء إليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللهَ! قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال - عليه الصلاة والسلام -: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم».
إنها وصيةٌ عظيمةٌ تتضمَّنُ الأمرَ بلزومِ الإيمان الكامل والاعتقاد الصحيح، وفعلِ الواجبات، واجتناب المنهيَّات، وفعلِ الفضائل والمكرُمات.
إن هذه الوصيةُ هي وظيفةُ الإنسان في عُمره حتى الممات، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99]، ويقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم -: «قارِبوا وسدِّدوا».
والتسديدُ هنا معناه: الاستقامةُ والإصابةُ على السُّنَّة.

أيها المسلمون:
إن من أنعمَ الله عليه بالعمل الصالحِ وفعلِ الطاعات فإنه يجبُ عليه أن يشكُر الله - جل وعلا -، وأن يبذُلَ المزيدَ، وليحرِص أشدَّ الحِرص على أن يحفظَ حسناته.
ألا وإن أشدَّ ما ينبغي أن يكون عليه المُسلمُ من الحَذَر: التعدِّي على المخلوقين بقولٍ أو فعلٍ، أو النَّيل منهم في عِرضٍ أو مالٍ أو نحو ذلك؛ فإن حقوقَ الخلق عظيمةٌ عند الله - جل وعلا -، وهي من الديوان الذي لا يُغفَر حتى يتحلَّل المرءُ من أصحابِ المظلمات.
يقول الله - جل وعلا -: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[الأحزاب: 58].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما رواه البخاري -: «من كانت عنده لأخيه مظلمةٌ فليتحلَّل منه قبل ألا يكون درهمٌ ولا دينارٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذ منه بقدر مظلَمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئات صاحبِه فحُمِل عليه».
ألا وإن من الخسارَة الكُبرى: أن تُسدِيَ لخيرِك أعظمَ ما تحصَّلتَ عليه من الحسنات، فذلك هو الإفلاسُ الحقيقيُّ؛ ففيما رواه مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة: «ما المُفلِسُ فيكم؟». فقالوا: المُفلِسُ فينا من لا متاعَ عنده ولا دينار. فقال - عليه الصلاة والسلام -: «المُفلِسُ من أمتي: من يأتي بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وضربَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وأخذَ مالَ هذا، فيأخُذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرِحَت عليه ثم طُرِح في النار».
ألا فاستقيموا على طاعة الله - جل وعلا -، واستجيبوا لأمره في جميع أدوار حياتكم، وشتَّى أحوالكم؛ تفوزوا وتغنَموا، وتسعَدوا وتُفلِحوا.
يقول ربُّنا - جل وعلا -: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأحقاف: 13، 14].
بارك الله لي ولكم فيما نقول وما نفعل، وأقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضوانه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله - جل وعلا - للأولين والآخرين.
عباد الله:
مما شرعَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته بعد رمضان من النوافل والقُربات: صيامُ ستَّة أيامٍ من شوال؛ فيقولُ - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه مسلم -: «من صامَ رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر».
ولا بأس بصيامِها مُتتابعةً أو مُتفرِّقة، واعلموا أن من عليه قضاءٌ من رمضان فإنه لا ينبغي له أن يأتي بالنَّفل قبل الواجبِ؛ فإن قواعد الشريعة تقضِي بتقديمِ الواجبِ على النَّفل.

عباد الله:
أن من واجبِ التناصُح بين المُسلمين أن يتناصَحوا، وأن يُعلِّم بعضُهم بعضًا.
ألا وإن من المُلاحَظات التي يلحظُها كثيرٌ من المُصلِّين في هذا المسجدِ العظيمِ: انشغالُ بعض المُصلِّين بأجهزة الهواتف النقَّالة، فتجِده إما أن يُصوِّر بها، أو أن يُكلِّم بها، أو أن يشتغِلَ بها بأي صُورةٍ ما، وذلك غيرُ لائقٍ بالمُسلم في بيتٍ من بيوت الله - جل وعلا -؛ فإن هذه المساجد إنما أثعِدَّت للصلاة، ولقراءة القرآن، وللانشغالِ بالذِّكرِ.
فانشغِلوا بطاعة الله - جل وعلا - عن توافِهِ الدنيا، ولا يليقُ بالمُسلم أن يفعلَ مثلَ هذه الأفعال في مسجدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
نسأل الله لنا ولكم التوفيقَ والسدادَ.
ثم إن من أفضل الأعمال: الصلاةَ والسلامَ على النبيِّ الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحابةِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ دماءَ المسلمين في الشام، اللهم اكتب لهم الفرجَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ إخواننا في بُورما، اللهم احفظ إخواننا المسلمين في بُورما، اللهم احفظ إخواننا في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيِّئ لإخواننا في مصر وفي تُونس وفي اليمن وفي ليبيا الأمنَ والأمان، والرخاءَ والاستقرارَ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
اللهم ارزقنا الاستقامةَ على دينك يا حي يا قيوم، اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لما تُحبُّه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما تُحبُّه وترضاه يا حي يا قيوم.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بكرةً وأصيلًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-03-2012, 12:24 AM   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

من الخذلان: الجهل بالأعداء
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 13 شوال 1433هـ بعنوان: "من الخذلان: الجهل بالأعداء"، والتي تحدَّث فيها عن الجهل بأعداء الدين، وبيَّن أنه لم تُستبح بلدٌ من بلاد المُسلمين ويُقتَّل من فيها، وتُغتصبُ نساؤُها وأراضيها إلا بكيد هؤلاء الأعداء ومكرهم، فعلى المسلمين أن يكونوا أشدَّ وعيًا حمايةً لدين الحق من شرار الخلق.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله أنشأ وبرَا، وأبدعَ كل شيءٍ ذرى، لا يغيبُ عن علمه ما عنَّ وما طرا وما جرى، أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حذَّرنا من كيد العِدا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله سيدُ الخلق بلا مِرا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ليوث الوغَى، وأُسد الشَّرَى، وغيظ العِدا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يَترى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حق التقوى؛ فبالتقوى يُرفع البلا، ويُدفَع كيدُ العِدا، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا[آل عمران: 120].
أيها المسلمون:
من أعظم الخُذلان أن يجهل المرءُ عدوَّه، فلا يعرفُ جليَّة أمره، ولا يعلمُ عِظَم كيده ومكره، ولا يسعَى لإيقاف خطره وشرِّه، وربما ركنَ إليه ووثِق بموعوده واغترَّ بشعاراته، وكم رأينا شعاراتٍ وراياتٍ، وكم سمِعنا نداءاتٍ وهُتافات تُنادي بالموت لأعداء الأمة، وتحمِل لواءَ المُمانعة والمواجهة والمُقاومة في وجه المُعتدِي المُحتلُّ!
وما هي إلا شعاراتٌ خدَّاعة تخدعُ البُسطاء، وتستميلُ عواطِف البُلهاء والغوغاء، شعاراتٌ يُكذِّبُها التآمُر المكشوف، ويدحضُها التواطُؤ المفضوح والولاء المُتبادَل. والتاريخُ يحكي والتاريخُ لا يكذِب.
فحينما كانت المعركةُ قائمةً بين الأمة وعدوِّها كان حامِلو تلك الشعارات هم الحامُون لظهره، المُستودَعون لسرِّه، المُنقادون لأمره.
ولم يستبِح العدوُّ أرضَ الإسلام في تاريخٍ غابرٍ أو حاضرٍ إلا على ظهورهم، وبسبب كيدهم وتآمُرهم وخيانتهم، وقد دبَّروا على الإسلام وأهله من الأمور الفظيعة ما لم يُؤرَّخ أبشع منه، وحصل في التاريخ الحاضر من البشائع والفظائع من أحفاد أولئك مثلُ ما حصل من أسلافهم أو أشد، وصدق الله - ومَن أصدقُ من الله قيلاً -: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا[المائدة: 82].
وكل من حمل رايةَ الجهاد من الأمة مُصيبًا كان أم مُخطئًا طالَته آلةُ العدو بالقتل والتصفية، ومن حمل رايةَ الجهاد من أولئك لم يبلُغه من أعداء الأمة إلا السلامةُ والإعانة؛ لأنهم يعلمون أن سلاحَه لم يكن يومًا لقتالهم أو مُنابَذتهم أو مُجابهتهم.
يُعادونهم ظاهرًا، ويُوالونهم باطنًا، وما استباح سفَّاحٌ ديارًا للمُسلمين فقتلَ رجالَهم، واغتصبَ نساءَهم، ودمَّر مساجِدَهم، وحرَّق كُتبَهم إلا نالَه من ثنائِهم وتأييدهم وعونِهم ما يدلُّ على أنهم أعداء الأمة حقًا، وأنصارُ العدو صدقًا.
ولا يذمُّون عدوًّا للإسلام إلا لهدفٍ يخدِم مصالِحَهم لا لولاءٍ لدين الإسلام وأهله، وما امتدَّ سُلطانهم على أرضٍ إلا أزالوا منها معالمَ الدين الحق، ونشَروا ما يُناقِضُ دينَ نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولا أدلَّ على العداوة لدين الله من ذلك.
فعلى المُسلمين أن يكونوا أشدَّ وعيًا وأسرعَ سعيًا لصدِّ الخطر المُحدِق من شرار الخلق حمايةً للدين الحق، والعقيدة الصحيحة، ودين الإسلام الذي جاء به نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وهو الواجبُ الذي أوجبَه الله على الأمة في قوله - عز وجل -: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[التوبة: 36]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «جاهِدوا المُشركين بألسِنتكم وأنفسكم وأموالكم وأيديكم»؛ خرجه أحمد من حديث أنسٍ - رضي الله عنه -.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا خير إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، أحمده حمدًا لا انقطاع لراتبه، ولا إقلاع لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لمن يُناديه، قريبٌ ممن يُناجيه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على ذلك السبيل، وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبيل.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
طاغيةُ الغي وقائدُ البغي ومعه أحلافُ الخُرافة، وأشياعُ الضلالة، وأعداءُ السنة يرتكِبون العظائم، ويقترِفون المخازي والمآثِم في شامِنا الحبيبة، ولا يُرجى من عدوٍّ للإسلام أن يُحارِبَ عدوًّا للإسلام لأجل أهل الإسلام؛ فإن فعلَ فلمصالح لا تعدُو أن تكون في حقيقتها عداءٌ للإسلام.
فيا أهل الإسلام! لا تخذلوا أهلَكم في الشام، لا تخذلوا أهلَكم في الشام، لا تخذلوا أهلَكم في الشام، انصُروهم وأعينوهم وأمِدُّوهم بما يُمكِّنُهم من كسر شوكة عدوِّهم، وحسم معركتهم معه.
واعلموا أن أعظم العارِ خُذلانهم، وأعظمُ الخطر تركُ مُناصرتهم، فانصُروهم فانصروهم، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا[النساء: 84].
اللهم انصر أهلَنا في الشام، اللهم انصر أهلَنا في الشام، اللهم انصر أهلَنا في الشام على القوم المُجرمين يا رب العالمين.
اللهم عليك بمن يقتُل أهلَنا في الشام، اللهم عليك بمن يقتُل أهلَنا في الشام، اللهم اقصِم ظهرَه، اللهم اقصِم ظهرَه، اللهم اقصِم ظهرَه، اللهم اقصِم ظهرَه يا قوي يا عزيزُ يا رب العالمين، اللهم عليك به وبمن عاونَه وساندَه يا قوي يا عزيزُ يا رب العالمين.
اللهم دُكَّ عروشَهم، وفُلَّ جيوشَهم، وانصُر جيشَ المُوحِّدين عليهم يا رب العالمين يا قوي يا عزيزُ يا أكرم الأكرمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم وأدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارَها يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا وقائدَنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوى، واجزِه خيرَ الجزاء على نُصرته لإخواننا في الشام يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَهه وإخوانَه وأعوانَه لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، وآله الأطهار، وصحابته الأبرار المُهاجرين منهم والأنصار، وارض عنَّا معهم بمنِّك وجُودِك وكرمِك وإحسانِك يا عزيزُ يا غفَّار.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-12-2012, 05:55 PM   رقم المشاركة : 90

 

قصة عاد في القرآن والسنة
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 20شوال 1433هـ بعنوان: "قصة عاد في القرآن والسنة"، والتي تحدَّث فيها عن قصة قوم هودٍ - عليه السلام - كما وردت في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن أن عاقبة الظلم في الدنيا والآخرة وخيمةٌ.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله تُستجلَبُ بها النعم، وبالبُعد عنها تحلُّ النِّقم.
أيها المسلمون:
خلق اللهُ الخلقَ ليعبدوه وحده بإخلاص الأعمال له وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأداء حقوق عباده بإقامة العدل بينهم والإحسان إليهم، والنهي عن ظُلمهم والبغي عليهم.
والله - سبحانه - في كتابه يأمر وينهى، ويُرغِّبُ ويُرهِّب، ويقُصُّ أحسنَ القصص للعِظة والاعتبار، وسنَّتُه تعالى فيمن عصَى وطغَى من الأمم الخالية والحاضرة والآتية لا تتحوَّل ولا تتبدَّل، قال - جل وعلا -: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الأحزاب: 62].
والله قصَّ في كتابه خبرَ أمةٍ لم يُرَ مثلُها في القوة والاستكبار، والبطش والظلم، سُمِّيت سورةٌ في القرآن باسم نبيِّها: هود، وسورةٌ أخرى باسم مكانهم: الأحقاف.
قال السُّدِّيُّ - رحمه الله -: "كانوا باليمن بالأحقاف".
وقد ذكر الله خبرَهم في مواضع عِدَّة. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "ذكر الله قصَّتَهم في القرآن في غير موضعٍ ليعتبر بمصرعهم المؤمنون".
كانوا أعظمَ أهل زمانهم خلقًا، وأطولَهم أبدانًا، وأشدَّهم بطشًا، قال - عز وجل -: وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً[الأعراف: 69].
بل لم يخلُق اللهُ مثلَ قوتهم؛ قال - سبحانه -: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ[الفجر: 8].
قال البغوي - رحمه الله -: "أي: لم يُخلَق مثلُ تلك القبيلة في الطول والقوة".
ومساكنُهم أعظم ما ترى وأجملَه، ذواتُ أعمِدةٍ ضِخامٍ وبُنيانٍ شاهق، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ[الفجر: 6، 7].
أترَفوا أنفسَهم في مساكنهم، فكنوا يبنُون في كل مكانٍ مُرتفعٍ بُنيانًا مُحكَمًا باهرًا هائلاً، يفعلون ذلك عبثًا لا للحاجة إليها؛ بل لمُجرَّد اللهو وإظهار القوة والمُفاخَرة، فأنكر عليهم نبيُّهم ذلك: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ[الشعراء: 128]؛ لأنه تضييعٌ للزمان، وإجهادٌ للأبدان في غير فائدة، وإشغالٌ بما لا يُجدِي لا في الدنيا ولا في الآخرة.
واتخذوا لهم بروجًا مُشيَّدةً ليُخلَّدوا في الدنيا بزعمهم، قال - سبحانه -: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ[الشعراء: 129]، فكانوا يبنون ما لا يسكُنون، ويُؤمِّلون ما لا يُدرِكون.
فتحَ الله عليهم أبوابَ رزقه فزادَت أموالُهم، وكثُرت أبناؤُهم، وأنبتَ لهم الزروعَ وفجَّر لهم العيون، قال لهم نبيُّهم: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ[الشعراء: 133، 134].
وأمرَهم أن يتذكَّروا نعمَ الله ليفوزوا برِضا الله وسعادة الدَّارَين، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الأعراف: 69].
فقابَلوا نعمَ الله بالجُحود والنُّكران، وعبَدوا الأصنام، وهم أولُ من عبدَها بعد الطوفان، وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ[الأعراف: 69].
ودعاهم هودٌ - عليه السلام - إلى عبادة الله وحده ونبذ الأوثان: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ[الأعراف: 65].
فاستخفُّوا بنبيِّهم ورمَوه بالجُنون، وقالوا له: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ[هود: 54] أي: أصابكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍأي: بجنونٍ في عقلك، وسخِروا منه وقالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ[الأعراف: 66]، وصارَحوه بالكفر وقالوا له: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ[هود: 53]، وردُّوا دعوتَه وأنِفوا عن قبولها واستكبَروا عنها، وقالوا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ[الشعراء: 136].
وزادوا في الطغيان فقالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ[الشعراء: 137] أي: سنبقى على عبادة الأصنام، وأبَوا أن يتَّبِعوا رسولَهم تكبُّرًا منهم لأنه من البشر فقالوا: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ[المؤمنون: 33].
ولِغرورهم يُريدون أن يكون رسولُهم من الملائكة، فقالوا: لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ[فصلت: 14].
وأنكرُوا البعثَ والنشور، وقال بعضُهم لبعضٍ: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ[المؤمنون: 35]، بل استبعَدوا يوم الحشر والنشر فقالوا: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ[المؤمنون: 36] أي: بعيدٌ بعيدٌ وقوعَ ذلك.
وظلَموا ضعيفَهم بغِلظتهم وجبروتهم، قال - سبحانه -: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ[الشعراء: 130].
لم يقوموا بحق الخالق ولا المخلوق تجبُّرًا على الله وعلى عباده: وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ[هود: 59].
والله - عز وجل - يُملِي للظالم وإذا أخذَه لم يُفلِته، سخِروا من نبيِّهم وبما دعاهم إليه، وقالوا: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا[الأحقاف: 22] أي: من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
فاستدرَجهم الله من حيث لا يعلمون، وأمسكَ عنهم القطرَ فأجدبَت الأرضُ وأصبَحوا مُمحِلين، فساقَ الله سحابةً لما رأوها مُستقبِلةً أودِيَتهم استبشَروا وقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا[الأحقاف: 24] قال الله: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِأي: من العذاب رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌسلَّطها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حُسُومًا دائمةً لم تنقطِع لحظةً، وكانت ريحًا عقيمةً لا خير فيها ولا بركة، لا تُلقِّح شجرًا ولا تحمِلُ مطرًا، صرصرًا باردةً شديدةً لمسيرها صوتٌ قويٌّ مُفزِعٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا[الأحقاف: 25]، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا[الذاريات: 42] أهلكَته.
تحمِلُ الرجلَ منهم عاليًا ثم تُنكِّسُه على رأسه فينقطِع عن جسده، فتراهم صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ[الحاقة: 7] بلا رُؤوسٍ، فبادُوا عن آخرهم ولم تبقَ لهم باقية، فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ[الأحقاف: 25]، وأتبعَهم الله في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة.
وجعلَهم عبرةً لمن بعدَهم، قال - سبحانه -: لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ[فصلت: 16].
وبعدُ، أيها المسلمون:
فاللهُ قويٌّ لا يُقهَر، عزيزٌ لا يُغلَب، والقوةُ له جميعًا، وما يعلمُ جنودَه إلا هو، كبيرٌ مُتعالٍ أمرُه كلمح البصر أو هو أقرب.
استكبرَ قومُ عادٍ وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً[فصلت: 15] فأهلكَهم الله بالهواء.
والله للظالم بالمِرصاد لا يغفُل عنه؛ بل يستدرِجُه ثم يُهلِكُه، فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا[مريم: 84].
وطلبُ النصر من الله نهجُ المُرسلين؛ هودٌ - عليه السلام - استُضعِف من قومه، فقال: رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ[المؤمنون: 26]، فنصرَه الله بريحٍ لا تُرى.
والتوكُّل على الله سبيلُ النصر على الأعداء، قومُ عادٍ أشدَّاء أقوياء، ولا طاقة لهودٍ - عليه السلام - بقوتهم، ففوَّض أمرَه إلى الله وقال لهم: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ[هود: 56]، فدمَّرَهم الله.
وحسبُنا الله ونِعم الوكيل قالَها الخليلان في الشدائد، والاستغفارُ والتوبةُ من أسباب القوة والأمن والرخاء، قال هودٌ - عليه السلام - لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ[هود: 52].
والنصرُ قد يتأخَّرُ لحكمةٍ من الله، ولكنه لا يتخلَّفُ عن المؤمنين أبدًا، قال - عز وجل -: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[الروم: 47].
وقوةُ الخلق لا تمنعُ من عذاب الله، قال - سبحانه -: وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد: 11].
والنصر مع الصبر، واليُسر مع العُسر، وإذا اشتدَّ الكربُ لاحَ الفرَجُ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[يوسف: 111].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
أنصحُ الناس للناس من دعا إلى عبادة الله وحده وإخلاص العمل له وحده وطاعته، والله - سبحانه - مُطَّلعٌ على عباده رقيبٌ عليهم، من كفرَ به أذلَّه، ومن لم يشكُر نعمَه سلبَها منه، ومن تسلَّط على عباده قصَمَه، وإذا زادَ الطاغي من طُغيانه فهو أمارةُ هلاكه، قال - عز وجل -: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[الإسراء: 16].
فرعونُ أفسدَ في الأرض، ولما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى[النازعات: 24] أغرقَه الله بالماء.
والعذابُ قد يأتي في صورة نعمةٍ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا هبَّت ريحٌ عُرِف ذلك في وجهه، يخشى أن تكون عذابًا. فلا يأمنُ العبدُ مكرَ الله وسُرعةَ عقابه
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم انصر المُجاهدين المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم وحِّد كلمتَهم، وقوِّ صفوفَهم، وسدِد رميَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين، وأمِدَّهم بمددٍ من عندك يا قوي يا عزيز.
اللهم وأدِر دوائر السوء على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم اقتُلهم بددًا، وأحصِهم عددًا، ولا تُغادِر منهم أحدًا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القول والعمل.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir