يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-04-2011, 06:46 PM   رقم المشاركة : 41

 

يوم عرفة يومٌ عظيم

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 8/12/1432هـ بعنوان: "يوم عرفة يومٌ عظيم"، والتي تحدَّث فيها عن عِظَم يوم عرفة وذكر بعض فضائله، وأشار إلى بعض العِبَر المأخوذة من مناسك الحج.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
بالتقوى تحصُل البركة، وتندفعُ الهلَكة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
بين الجِبال والتِّلال، والمهابةِ والجلالِ، والبهاءِ والجمال، وفي البلد الأمين والحرمِ الآمِن تجتمعُ قوافلُ الحجيج، وتكتملُ حُشُودُهم ووفودُهم، وفي الرحابِ الطاهرة يسكُبُون عبَرات الشوق وخشَعات الإنابة ودموعَ التوبة.
والحُجَّاجُ والعُمَّارُ وفدُ الله دعاهم فأجابوا، وسألوه فنالوا، والحجُّ يهدِمُ ما قبلَه، ومن حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ من ذنوبه كما ولدَته أمُّه، والحجَّةُ المبرورةُ ليس لها ثوابٌ إلا الجنة.
فهنيئًا لمن وردَ مشارِعَ القبول، وخيَّم بمنازل الرحمة، ونزلَ بحرمِ الله الذي أوسعَه كرامةً وجلالاً ومهابةً.
أيها المسلمون:
ما أعظمَها من أيامٍ، وما أجلَّها من مواسم، وغدًا يوم عرفة يومٌ شريفٌ كريم، وعيدٌ لأهل الموقفِ عظيمٌ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، ويُسمَعُ فيه الدعاءُ ويُجابُ، وما من يومٍ أكثر من أن يُعتِقَ الله - عز وجل - فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟
وخيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة؛ فأظهِروا فيه التوبةَ والاستغفار، والتذلُّل والانكِسار، والندامةَ والافتقار، والحاجةَ والاضطرار.
أيها المسلمون:
ويُستحبُّ صيامُ يوم عرفة لغير الحاجِّ، وصيامُه يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقية، ويُستحبُّ التكبيرُ عقِبَ الصلوات المفروضات من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، والمسبوقُ ببعض الصلاة يُكبِّر إذا فرغَ من قضاء ما فاتَه، ويُكبِّرُ الحُجَّاج ابتداءً من صلاة الظهر يوم النَّحْر.
أيها المسلمون:
قدِّسوا الحرَم، وعظِّموا حُرمتَه، وراعُوا مكانتَه، وتذكَّروا شرفَ الزمان وجلالةَ المكان، والتزِموا بالأنظمة والتعليمات التي تصدُرُ من الجهات المسؤولة، واحذَروا ما يُعكِّرُ صفوَ الحجِّ، أو يُخالِفُ مقاصِدَه، أو يُنافِيَ أهدافَه.
ولا يليقُ بمن دخلَ في النُّسُك وتلبَّس بالإحرام وقصدَ البيتَ الحرام أن يخرجَ عن حُدود الشرع، أو يجعل الحجَّ سبيلاً للخُصومات والمُنازعَات، والمُلاحاة والمُجادلات، والنداءات والشِّعارات والنَّعرات، والتجمهُرات والمُظاهرات والمسيرات، والحجُّ أجلُّ وأسمَى وأعلى من أن يكون مسرحًا للخلافات الحِزبيَّة والمذهبيَّة والسياسية، والحجُّ المبرورُ هو الحجُّ السالمُ عن التجاوُزات والتعدِّيات والجنايات.
والدولةُ السعودية - أيَّدها الله تعالى - أعطَت الحجَّ عَنان العناية وقصَبَ الرعاية، ووجَّهَت جهودَها، وجنَّدَت جُنودَها، وحشدَت حُشُودَها لأمن الحاجِّ، وسلامة الحاجِّ، وصحَّة الحاجِّ، وراحةِ الحاجِّ.
فاحذَروا الأفعالَ المُخزِية، والمسالِكَ المُردِية، والمزالِقَ المُترِبة، والمواقِع المُهلِكة المُنافِية للشرع الحكيم، والعقل السليم.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، الخلقُ بيديه، ولا اعتمادَ إلا عليه، ولا ملجأَ ولا منجا منه إلا إليه، أحمدُه حمدًا لا انقطاعَ لراتِبِه، ولا إقلاعَ لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لراجِيه، قريبٌ ممن يُناجِيه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله ونبيُّه، وصفيُه ونجِيُّه، ووليُّه ورضِيُّه، وأمينُه على وحيِه، وخِيرتُه من خلقِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
هذه التوبةُ قد شُرِعَت أبوابُها، وحلَّ زمانُها، ونزلَ أوانُها، فهُبُّوا من نومةِ الرَّدَى، وأفيقُوا من رقدَة الهَوى، وامحُوا سوابِقَ العصيان بلواحِق الإحسان، ولتكن مواسمُ الخيرات والعشرُ المُباركات بدايةَ عودتكم، وانطلاقةَ رجُوعكم، وإشراقَ صُبحكم، وتباشِيرَ فجركم، وادلِفوا إلى باب الإنابة، وانزِعوا عن الخطيئة، وأقلِعوا عن المعصية، ولا تُؤخِّروا التوبة، وتخلَّصوا من حقوق الناس، ورُدُّوا الحقوقَ إلى أصحابها، وطهِّروا لُقمتَكم عن الحرام؛ فالحرامُ وبالٌ على صاحبه، تنالُه سُقبَتُه، وتُدرِكُه نقمتُه، وتلحَقُه عقوبتُه، وفي الطيِّبِ غُنيةٌ عن الخبيث، وفي الحلال كفايةٌ عن الحرام.
ومن تابَ وأنابَ تابَ الله عليه، والتائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدنا محمد بشير الرحمة والثواب ونذير السَّطوة والعقاب الشافع المُشفَّع يوم الحساب، اللهم وارضَ عن جميع الآل والأصحاب، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا كريم يا وهَّاب.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وأصلِح له بِطانتَه يا رب العالمين.
اللهم واجزِ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبدَ الله بن عبد العزيز ووليَّ عهده الأميرَ نايف بن عبد العزيز خير الجزاء وأوفاه على بذلهم وعطائهم وخدمتهم للحرمين الشريفين والمشاعر المُقدَّسة وحُجَّاج بيتك الحرام، اللهم متِّعهما بالصحة والعافية يا كريم.
اللهم واحفظ رجالَ أمننا، اللهم واحفظ رجالَ أمننا، اللهم واحفظ رجالَنا العاملين في الحج، واجزِهم خيرَ الجزاء، وارفع درجاتهم، وكفِر سيئاتهم يا كريم يا غنيُّ يا رحيم.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وادفع شرَّ الكائدين ومكرَ الماكرين وعُدوان المُعتدين وتربُّص المُتربِّصين وكيدَ الحاسدين وحسدَ الفاجِرين وفُجور المنافقين يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحُجَّاج والزُّوَّار والمُعتمرين، اللهم احفظ الحُجَّاج والزُّوَّار والمُعتمرين، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم حقِّق لهم من الآمال أعلاها، ومن الخيرات أقصاها، اجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام، اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام، اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمن والشام يا كريم.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفَهم عبرةً وآيةً.
اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، اللهم تُب علينا برحمتك وإحسانِك، وتفضَّل علينا بفضلك وامتِنانِك يا كريم.



عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90]. فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 10:00 PM   رقم المشاركة : 42

 

وصايا مهمة لعموم المسلمين
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة عيدالأضحى 1432هـ بعنوان: "وصايا مهمة لعموم المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن بعض الوصايا والنصائح المهمة والتي وجَّهها لعموم المسلمين؛ حيث ذكَّر بالإقلاع عن المعاصي والإقبال على فعل الطاعات والأعمال الصالحة، والبُعد عن المحرمات، وتوجَّه بالنُّصح للمرأة والشباب المسلم وحُكَّام المسلمين.
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[سبأ: 1]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الكبير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله البشيرُ النذيرُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
تمسَّكوا بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ المخرَج من كل كربٍ في الدنيا والآخرة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2، 3].
أيها المسلمون:
إن العيدَ يومُ فرحٍ وسُرور، وإن المسلمون يفرَحون، وكيف لا يفرَحون وقد فازُوا بطاعة المَولَى، وحازوا النعمةَ العُظمى بالمُسابقة إلى الخيراتِ والأعمال الصالحات، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: 58].
ليس العيدُ من لبِسَ الجديد، ولكن العيدَ الحقيقي لمن كان في طاعة ربِّه مُكثِرًا ومن كانت طاعتُه تكثُر وتزيد، ليس العيدُ من ركِبَ أفخمَ مركوب، ولكن العيدَ لمن حُطَّت عنه الخطايا وغُفِرَت له الذنوب.
يقول الحسن - رحمه الله -: "كل يومٍ لا نعصِي اللهَ فيه فهو عيد، وكلُّ يومٍ نقضِيه في طاعة الله - جل وعلا - فهو عيدٌ".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إن هذا اليوم يومٌ عظيمٌ، وهو أعظمُ عيدَي الإسلام وأفضلُهما؛ روى أحمد وغيرُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أعظمُ الأيامِ يومُ النحر».
وهذا اليومُ والثلاثةُ بعده أعيادُ أهل الإسلام، يقول الله - جل وعلا -: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ[البقرة: 203].
وروى أحمد وأهل السنن - بسندٍ حسنٍ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهي أيامُ أكلٍ وشُربٍ».
وخرَّج مسلمٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيامُ مِنَى أيمُ أكلٍ وشُربٍ وذكرٍ لله - جل وعلا -».
ولهذا حرُم صومُها - أي: أيام التشريق - إلا لمن لم يجد هديَ التمتُّع فيصومُ صومًا واجبًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الأضاحِي سنَّةُ الخليلين: محمد وإبراهيم - عليهما أفضلُ الصلاة والسلام -، شُرِعت لتحقيق التوحيد والتعظيم والتبجيل لله - جل وعلا -: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام: 162، 163].
شُرِعت الأضاحي لتحقيق تقوى الله - جل وعلا -: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ[الحج: 37]. ولهذا فأجرُها عظيمٌ، وثوابُها جزيلٌ.
وتتأكَّد مشروعيتها لمن كان لثمنها واجِدًا؛ روى ابن ماجه وغيره - بسندٍ حسنٍ - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من وجدَ سعَةً فلم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا».
ثم إن هناك أحكام شرعَها - عليه الصلاة والسلام - لهذه الفريضة العظيمة؛ فالشاةُ الواحدةُ تُجزئُ عن الرجل وأهل بيته من الأموات والأحياء، والبدَنة والبقرة تُجزئُ عن سبعة، ومن كان عنده وصايا وأوقاف فإنه يجبُ عليه أن يُنفِذَها حسبَ المنصوص.
ولا يُجزئُ في الأُضحِية إلا ما كان سليمًا من العيوب المانعةِ من الإجزاء؛ فلا تُجزئُ العوراءُ البيِّنُ عورُها - وهي ما نتأت عينُها أو انخسَفَت -، ولا العرجاءُ البيِّنُ ضَلْعُها - وهي التي لا تقدِرُ المشيَ مع الصحيحة -، ولا تُجزئُ المريضةُ البيِّنُ مرضُها في بدنها أو الذي يُؤثِّرُ في فساد لحمها -، ولا تُجزئُ العَجفاءُ - وهي الهزيلةُ التي لا مُخَّ فيها -. ثبت ذلك في حديث البَراء.
وألحقَ أهلُ العلم ما كان بمثل هذه العيوب أو أشد، وقد ثبتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عنه أن يُضحَّى بأعضبِ القرن أو الأذن.
ولهذا نصَّ أهل العلم على أنه لا يجوز التضحيةُ بمكسور القرن ولا مقطوع الأُذن إذا كان ذلك النصف فأكثر.
وأما البَتراء التي لم يُخلَق لها ذنَبٌ، أو الجمَّاء التي لا قرنَ لها فإنها تُجزئُ عند أهل العلم.
ولا يُجزئُ في الأضاحي إلا ما تمَّ له السنُّ المُعتبَر؛ ففي الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنتان، وفي الماعز سنةٌ، وفي الشاةِ نصفُها.
ووقتُ الذبح - أيها المسلمون - من بعد صلاة العيد، والأفضلُ أن يكون بعد الخُطبة لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويستمرُّ وقتُ الذبحِ إلى ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر - على الصحيح من قولي أهل العلم -.
والمُستحبُّ - أيها المسلمون - أن يأكل منها وستصدَّقَ ويُهدِي، والسنَّةُ أن يذبَحَها بنفسه إن كان مُحسِنًا، أو يشهَدَ ذبحَها، كما ثبتَ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولا يجوزُ أن يُعطِي الجزَّار أُجرَته منها، وإنما لا بأسَ أن يُعطِيَه على سبيل الهدية.
ولا يجوز بيعُ جلدُها ولا شيءٌ منها، وإنما يُباحُ الانتفاعُ بذلك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
في الأعياد تُظهِرُ الأُمَم زينتَها، وتُعلِنُ فرحَها وسُرورَها، وتُسرِّي عن نفسها ما يُصيبُها من مشاقِّ الحياة ولأوائِها، فتمتَّعوا بالطيباتِ هنيئًا مريئًا، وإياكم والمنهيَّات، وتجنَّبوا المُحرَّمات، والتزِموا بالمفروضات.
ثم أيتها المرأة المسلمة:
عليكِ بتقوى الله - جل وعلا -، وإياكِ والسفورَ؛ فإن ذلك مما يُغضِبُ الله - جل وعلا -، في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صِنفان من أهل النار لم أرَهما ..»، ثم ذكرَ منهما: «.. ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مُميلاتٌ رؤوسهنَّ كأسنِمةِ البُختِ المائلة، لا يدخلن الجنةَ ولا يجِدنَ ريحَها».


أيها الشباب:
اتقوا الله - جل وعلا -، والتزِموا بأخلاق الإسلام ومحاسن الفضائل لتكونوا في ظلِّ الله - جل وعلا - يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه؛ ففي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه»، وذكر منهم: «شابًّا نشأَ في طاعة الله».
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
وفي مثل هذا الموسمِ وأمتُنا تعيشُ حالةً قاسية ومرحلةً خطيرة، فإنه آنَ الأوانَ إلى أن نستدرِكَ ونستيقِنَ يقينًا جازمًا أن المسلمين لن يكونوا في منأًى عن الشقاء والمِحَن، ولا عن العناء والفِتَن إلا حينما يتمسَّكون بثوابتِهم ويعودون لأصالتهم، إن أساس القوة والتمكين ورُكن الأمن المَكين هو التمسُّك بالوحيَيْن والهديَين، ولذلك أعلنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المحفَل العظيم الذي ودَّع فيه أمتَه حينما قال: «وتركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به فلن تضِلُّوا: كتابَ الله»، وفي روايةٍ: «وسُنَّتي».
فقد رأى المسلمون جميعًا ما حلَّ ببعض بُلدان المسلمين التي جعل حُكَّامُها كتابَ الله - جل وعلا - وراءَهم ظِهرِيًّا، واستبدَلوها بالقوانين الوضعيَّة، وما كان مآلُ ذلك إلا الخزيُ والعارُ والتفرُّق والاختلاف والعاقبةُ السيئة والحالُ الحزينة.
نسأل الله - جل وعلا - أن يُهيِّئَ لشُعوب تلك البُلدان حياةً طيبةً وعيشةً راضيةً تُرضِي الخالقَ - جل وعلا -، وتُسعِدُ العبادَ في الدنيا والآخرة.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
إن الدماءَ في الإسلام مُصانة، إن الدماءَ المعصومة مُحترمةٌ مُعظَّمةٌ في القرآن وسنةِ سيد ولد عدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام -، ولهذا حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يعلمُ بعلم الله له بما أوحى إليه ما تؤولُ إليه أمورُ أمته، فوقفَ في مثل هذا اليوم فخطبَ في خُطبة يوم النَّحر - وقبل ذلك في خطبة عرفة -، فكان مما قال: «إن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».
لقد حذَّر أمتَه من التهاوُن في الدماء، ومن التقاتُل بين المسلمين، فقال: «لا ترجِعوا بعدي كفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ».
فالويلُ ثم الويلُ لمن تلطَّخَت يدُه بدماء المسلمين؛ ماذا عُذرُه عند ربه يوم يلقاه؟!
الله - جل وعلا - يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء: 93].
فأين العقل الرَّصين؟ وأين أُخُوَّة الدين؟ وأين محبَّةُ الله ومحبَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟!
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
يتسامَعُ العالَم ما أصابَ بُلدانًا كثيرة من هزَّاتٍ اقتصادية، وانهياراتٍ مالية، يلمَّسون لها الحلولَ والعلاجَ، ألا وإن العلاجَ الأوحدَ والسبيلَ الوحيدَ للإصلاح عند الخالق - جل وعلا - الذي أرسل للبشرية جميعًا رحمةً مُهداة، ونورًا لهذه الأرض ولأهلها، إنه: محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - الذي حذَّر البشرية من أسباب الانهيار الاقتصادي، حينما أعلنَها جليَّةً في موقفه يوم عرفة حينما قال: «وإن ربَا الجاهليَّة موضوعٌ».
فيا عُقلاءَ العالم! هلمُّوا إلى هذه الرحمة وإلى هذا النور، وادرُسوا نظامَ الإسلام الشامل - خاصةً النظامَ الاقتصادي - تجِدون العلاجَ الناجعَ الناجحَ للأزمات كلِّها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
إن هذه البلاد قد أنعمَ الله عليها بنعمٍ عظيمة، ألا وإن أعظمَ نعمةٍ حينما قامت على منهجِ الوحيَيْن منذ بداية الدعوة السلفية على يدِ الإمامَين المُجدِّدين: الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب، حتى نشأت هذه الدولة في مراحلها الثلاث، - ولله الحمد - في رخاءٍ وازدهار، ثم قام الملكُ عبد العزيز - رحمه الله - بهذه البلاد بكل خيرٍ، فقامت مُزدهِرةً سعيدةً هنيئةً - ولله الحمد -.
ألا وإن من أعظم النعَم على حُكَّامها وأهلها: أن جعلهم خُدَّامًا لضُيوف الرحمن، فلم يألُ حُكَّامُها بكل غالٍ ورخيصٍ في خدمةِ الحُجَّاج والمُعتمِرين وفي خدمةِ البيتين العظيمَيْن والمسجدَيْن الشريفين والحرمَيْن الكريميْن.
فجزى الله حُكَّامَها خيرًا، ومدَّ الله في عُمر خادم الحرمَيْن ونائبِه، وجزاهم الله خيرًا، وجعل الله هذه البلادَ آمنةً مُطمئنةً رخاءً سخاءً.
وإن الواجبَ - أيها المسلمون - تجاه هذه النِّعَم التي أنعمَ الله بها على أهل هذه البلاد أن يتكاتفَ أهلُها مع حُكَّامها على الخير والبرِّ، وأن يتعاوَنوا على ذلك، وأن يحذَروا من كل دعوةٍ تَكِيدُ لحُكَّامها ولأهلها ولمُجتمعها.
نسأل الله - جل وعلا - أن يُحقِّقَ لنا الأمنَ والأمان في هذه البلاد وفي جميع بُلدان المسلمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللم أذِلَّ الشركَ والمشركين.
اللهم اغفر لنا في هذا اليوم، اللهم اغفر لنا في هذا اليوم الكريم، اللهم كفِّر عنا السيئات وارفع لنا الدرجات، اللهم اكتُبنا مع الفائزين، اللهم اكتُبنا مع الفائزين، اللهم اكتُبنا مع الفائزين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم اعفُ عنَّا يا عفوُّ يا كريم.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم وأكمِل لهم نُسُكَهم على أحسن حالٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمُسلمات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما فيه خدمةُ رعاياهم، اللهم احفَظ بُلدان المسلمين، اللهم احفظ بلاد المسلمين، اللهم احفظ المسلمين في الشام، اللهم احفظ المسلمين في الشام، اللهم احفظ المسلمين في الشام وفي اليمن، اللهم احفظ المسلمين في مصر وفي تونس وفي ليبيا، اللهم اجعل لهم حياةً سعيدةً طيبةً يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعِد علينا هذا العيدَ أعوامًا عديدة وأزمِنةً مديدة ونحن في صحةٍ وعافيةٍ وفي طاعةٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا غني يا حميد يا ولي يا حميد يا ولي يا حميد أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم ارحمنا رحمةً من عندك، اللهم ارحمنا رحمةً من عندك، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
عباد الله:
اذكروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد وآله وصحبه.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2011, 12:13 AM   رقم المشاركة : 43

 

ما بعد الحج

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "ما بعد الحج"، والتي تحدَّث فيها عما يعقُب مناسكَ الحج من المُداومة على الطاعات، والمُسارعة إلى فعل الحسنات وترك السيئات، وأشادَ بجهود خادم الحرمين والقائمين على تيسير المناسك للحُجَّاج والمُعتمرين، ونبَّه على ضرورة تعلُّم آداب وأحكام زيارة المسجد النبوي الشريف.

الخطبة الأولى


إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمده - سبحانه - أكمل لنا المناسك وأتمَّ، وأسبغَ على الحَجيج فضلَه المِدارارَ الأعمَّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نسمُو بها إلى أعلى القِمَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أزكى من أدَّى المناسِكَ وطافَ بالبيت العتيق وأمَّ، وأبانَ معالمَ الدين ورسَم بأبلغِ عبارةٍ وأوجزِ الكلِم، صلَّى الله عليه وعلى آله الأطهارِ صفوةِ الأُمَم، السالكين النهجَ القويمَ الأَمَم، وأصحابِه الأخيارِ أُسدِ العَرين ولُيُوثِ الأَجَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما قصدَ المسجدَ الحرام حاجٌّ والتزَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله! حُجَّاج بيت الله الحرام:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى؛ فإنها أنفسُ الذخائِر، والأثرُ الجليلُ لما أدَّيتُم من أعظم الشعائر، فتقوى الله - سبحانه - ضياءُ الضمائر، ونورُ البصائر، وترياقُ السرائر، وخيرُ عاصمٍ من الجرائر، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة: 197].
يريدُ المرءُ أن يُؤتَى مُناهُ ويأبَى اللهُ إلا ما أرادا
يقول المرءُ: فائدتي ومالي وتقوى اللهِ أعظمُ ما استفادا

وفودَ الرحمن! أيها الحُجَّاج الكرام:
منذ أيامٍ قلائل نعِمتم بإكمال مناسكِ الركنِ الخامسِ من أركان الإسلام، وأحدِ مبانيه العِظام، في أجواءٍ إيمانية سعيدةٍ، وأوضاعٍ أمنيَّةٍ فريدة، فاقدُرُوا هذه النعمةَ الكبرى التي يغبِطُكم عليها سائرُ الأمم، واشكروا المولى - سبحانه -؛ حيث أفاضَ عليكم أزكَى المِنَن والنعَم، وغمَرَكم فضلُ الباري بالحجِّ إلى البيت الذي جعله مثابةً وأمنًا للناس، وفي ذلك الأجرُ الجزيلُ بغير قياس، وعلى إثر ذلك ودَّعَت أمتُنا الإسلامية مناسبةَ عيد الأضحى الغرَّاء، وأيامَه العبِقَة الزهراء؛ إذ المقامُ بعدئذٍ مقامُ شكرِ المُنعِم - سبحانه -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[إبراهيم: 7].
فاشكروه تعالى حقَّ شكره، واذكروه - جل وعلا - حقَّ ذكره؛ فقد وقفتُم بأزكى البِطاح ترجُون غفرانَ الذنوب والجُناح، وتأمُلون الفوزَ بالأجر والفلاح، وقد نقعتُم أنفسَكم وأرواحَكم في مُغتسَل المغفرة ونفحاتها، وسحجتُم الآثامَ بشآبيب الرحماتِ وهبَّاتها، تدعون ربَّكم بألسنةٍ طاهرة وقلوبٍ خاشعة ونفوسٍ مُنكسِرةٍ ضارِعة وأعيُنٍ بالعَبَرات سكَّابةٍ دامِعة.
عيونٌ إلى الرحمنِ ترنُو ضراعةً فينهَلُّ فيضٌ من مدامِعِها سكبًا
حجيجٌ كموجِ البحر في زحمةِ التُّقَى يُلبِّيه ربُّ العالمين إذا لبَّى


فعلى صعيدِ عرفاتٍ لهَجتُم إلى الله بالتجاوُز عما كان من السيئات وفات، ووقفتُم - أحبَّتنا الحُجَّاج - موقفَ المُفتقِر المُحتاج، فأحرزتُم غايةَ الحُبور والابتِهاج، ونحرتُم الأضاحِيَ والهدايا بمِنَى، ورميتُم الجمرات للمُنى، وحلَّقَت أرواحُكم في أنداء الصفا بالسعي بين المروة والصفا، وعند الركن والمقام انهلَّت منكم العبَراتُ السِّجام.
وعند الرُّكنِ تنحسِرُ الخطايا مُلملِمَةً جوانِحَها انهِزامًا
فتنشرِحُ الصدورُ بطِيبِ ذكرٍ أماطَ الكربَ عنها والقَتَاما

ومن كان بهذه المثابة؛ فأحرِ به أن يُكرِمَه المولى بعظيمِ الأجر والإنابة، وحقيقٌ به أن يعمُرَ بالبُرُور والقُرُبات أوقاتَه وأزمانَه، وأن يُطلِقَ دومًا للحسنات عِنانَه.
فهنيئًا لكم، ويا بُشراكم بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة»؛ خرَّجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الله أكبر؛ لكأنها كلماتٌ من لؤلؤ على بِساطٍ من سُندُس.
معاشر الحَجيج الأكارِم:
وها قد انعطفتُم في حياتِكم إلى عهدٍ جديدٍ، وميلادٍ مباركٍ سعيد، مُشرِقةٍ صفحاتُه، نقيَّةٍ أوقاتُه، سنيَّةٍ ساعاتُه، وها قد انقَضَت المناسِك؛ فماذا بعدُ أيها الناسِك؟!
ألا فالزَموا المُداومَةَ على الأعمال الصالحة والثبات، والاستقامةَ عليها حتى الممات، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وتزوَّدوا - يا رعاكم الله - من مناهلِ حجِّكم بالتوبة النَّصوح واليقين المتين، والنفسِ الزكيَّة، والسجايا السنيَّة لخوضِ غِمار الحياة بصالح الأعمال وخالصِ النيَّة، وحُسن استثمار هذه الدنيا الدنيَّة.
قيل للحسن البصري - رحمه الله -: ما الحجُّ المبرور؟ قال: "أن تعودَ زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة".
أمةَ الإسلام، حُجَّاج بيت الله الحرام:
ومُقتضى الحجِّ المبرور: التغييرُ إلى مرافِئِ الرُّقِيِّ والحُبُور، وذلك بالاعتصام بحبل الله المتين، والتوادُدِ والاتفاق ونبذِ التنازُع والافتراق، والتواصِي بالصلاحِ ومكارمِ الأخلاق، واجتِنابِ المُوبِقات والمُنكراتِ ودواعِي النفاق.
فطهِّروا ألسنتَكم من الكذبِ والغِيبَة والآثام، ومنكرِ القولِ والشِّتام، وزكُّوا قلوبَكم فإنها محلُّ نظرِ ذي الجلال والإكرام.

فيا حُجَّاج بيت الله كونوا على المنهاجِ روَّادًا عِظامًا
وتلك العُروةُ الوُثقى شِعارٌ فلا ترضَوا لعُروتها انفِصامًا
معاشر المسلمين، والحُجَّاج الميامين:
ولا بُدَّ لهذه المناسبة الكريمة ومناسِكِها العظيمة أن نستلهِمَ منها الآيات والعِبَر، والتذكُّر في صُروفِ الدَّهر وما له من غِيَر؛ فإن هذه الفريضةَ العظيمةَ منبعٌ ثرٌّ للتسامُح والتحاوُر، والتضامُن والتشاوُر، تتجلَّى فيها أسمَى صور الأمة الواحدة التي اجتمعَت على هدفٍ واحد، فلا ينبغي أن يمرَّ موسمٌ إلا وتعلَّمَت الأمةُ من هذا التجمُّع الكبير دروسًا بليغة، وخرجَت بطاقاتٍ فريدة، تُستَمَدُّ من هذه الجُموع المُبارَكة.
وأرضُ الحرمين - حرسَها الله - منحَت العالمَ - بفضل الله - صُور المُسامَحة والتعاوُن، وقِيَم الأمن والأمان، وكم في هذه الفريضة من المشاهد الإسلامية والإنسانية، والصُور الحضارية التي لا تظهر إلا في هذه البِقاع الطاهرة، لتُدرِكَ الأمة أنها بغير الإيمان والعقيدة وبدون الاعتصام بالكتاب والسنة لن ولا ولم تكن شيئًا مذكورًا، وأن عواملَ الخلافِ والفُرقة لن تحمِلَ غيرَ الشتاتِ والضياع.
وإننا باسم الأمة الإسلامية قاطبةً لنُناشِدُ من مهبِطِ الوحي ومنبَعِ الرسالة قادةَ الأمة وشُعوبَها القيامَ بدورهم التأريخي في العمل على بثِّ الأمن والاستقرار في مُجتمعاتهم، ونبذِ العُنفِ والقمعِ والقتلِ والعُدوان، ورفعِ الظلمِ والبغيِ والطغيان، مُدرِكين أن الوعيَ الحَصيفَ هو السبيلُ - بعد الله - لاختيار طريق التوحيد والوَحدة لا التخبُّط والاضطرابِ والفَوضَى.
فالتحدِّيات المُتسارعة، والمُتغيِّراتُ المُتلاحِقة لهذه الأمة تستدعِي منها أن تعِيَ مخاطرَ المُستقبَل فتستشرِفَه بكل ثقةٍ واقتِدار، وها هو الزمانُ يسيرُ بنا سيرًا حثيثًا ولسانُ العِبَر والعِظات يتلُو علينا كلَّ يومٍ حديثًا، عروشٌ زالَت، ودولٌ دالَت، وأخرى انتصَرَت وقامَت، وكذا ذو المَنون تعثامُ الخِيَرة الأعلام والأعِزَّةَ الكرام والأقارِبَ والأرحام، أسكنَهم الله فسيحَ الجِنان، وجزاهم عنا وعن المسلمين أعظمَ الأجر والإحسان. وهكذا الدنيا راحلٌ بعد راحِل، وعِبَرٌ لكل مُتدبِّرٍ عاقل.
فكونوا - يا عباد الله الكرام، ويا حُجَّاج بيته الحرام - من المُشمِّرين للدار الآخرة، الساعين للمنازل العالية الفاخِرة.
أيها الإخوة المؤمنون:
ومن شُكر المُنعِم المُتفضِّل - جل جلاله -: التحدُّث بما حبَى الله بلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله - من شرفِ خدمةِ الحُجَّاج مُحتسِبَةٍ الأجرَ والمثوبةَ من الله - جلَّ في عُلاه -، ومُضيِّها في خدمةِ ضُيوف الرحمن مُستمِدَّةٍ العونَ من المولى - تبارك وتعالى -، فخدمةُ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ورعايةُ أمنِهم وطمأنينتهم تقعُ في أعلى مسؤولياتها وقمة اهتماماتها، مُستشعِرةً في ذلك عِظَمَ الأمانة المُلقاةِ على عاتقها.
ومن فضل الله وتوفيقه تحقيقُها النجاحات المُتميِّزة في تقديم منظومةِ الخدماتِ المُتألِّقة في الجوانب كافَّتها، وهنا لا بُدَّ من إزجاء تحيةِ اعتزازٍ وتقدير، ودعاءٍ وتوقير للقائمين على شؤون وفود الرحمن بكل حِذقٍ وتفانٍ أن يجزِيَهم الله - سبحانه - خيرَ الجزاء وأوفاه، وأعظمَه ومُنتهاه.
والدعاءُ موصولٌ للجُنود المجهولين الساهرين على خدمةِ الحَجيجِ وراحتهم على تنوُّع اختصاصاتهم، لا سيَّما في لجنة الحجِّ العُليا والمركزية والأمنية والعلمية والدعوية والصحية، لا حرمَهم الله ثوابَ ما قدَّموا، وأجرَ ما أحسَنوا، كِفاءَ ما أجدَعوا واجتَهدوا لإنجاحِ هذا الموسمِ العظيم باقتِدار، على الرغمِ من المحدودية المكانية والزمانية والظروفِ الإقليمية والمُتغيِّرات الدولية.
وإننا باسم جُموع حُجَّاج بيت الله العتيق لنرفَعُ التهانِيَ مُضمَّخةً مُعطَّرة، والدعواتِ صادقةً مُؤرَّجَة لمقام خادم الحرمين الشريفين ووليّ عهده الأمين - حفظهما الله -، وللأمة الإسلامية جمعاء على ما منَّ به - سبحانه - من نجاحِ موسم حجِّ هذا العام بامتياز، فلله الحمدُ والفضلُ والشُكر على ما أنعمَ وجادَ، ووفَّق للسداد والرشاد، والأمن والاستقرار والإسعاد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 200- 202].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافةِ المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-12-2011, 12:21 AM   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية


الحمد لله وليِّ التوفيق والإصابة، أحمده - سبحانه - خصَّ من شاء من عباده بالحجِّ المبرورِ والمغفرة والإنابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها من الرحمن دعوةً مُجابة، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله ذو القدرِ العليِّ والذاتِ المُهابَة، خيرُ من درَجَ على ثرَى أمِّ القُرى والمدينةِ طابَة، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ الأطهارِ ذوِي المكارِمِ والنجابَة، وصحبِه الأخيار أُولِي النفوس الأبِيَّةِ المُستطابة، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله - تبارك وتعالى - حقَّ التقوى، واعتصِموا لذلك بالعُروة الوُثقى، واعلًَموا - رحمكم الله - أن المولى - سبحانه - بعثَ فيكم رسولَه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لتُعزِّرُوه وتوقِّروه، فيا بُشرَى من أجابَ دعوتَه ومُنادِيَه، وأفلحَ من امتثلَ أوامِرَه واجتنبَ نواهِيَه.
أيها الحُجَّاج الميامين:
وبعد أن قضيتُم مناسِكَكم، وزعمَ بعضُكم على زيارة مسجدِ المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وشدَّ لذلك المَطايا والرِّحال، هنيئًا لكم الحِلُّ والتَّرْحال، وليكن من بعلمٍ وحُسبان أن الزيارةَ ليست من واجباتِ الحجِّ وأركانه، وليس في تركها انثِلامُه أو نُقصانُه؛ بل الحجُّ - بفضل الله - تامٌّ صحيحٌ، وصاحبُه ذو عملٍ نَجيح، وأجرٍ عميمٍ رَبيح، وما يُذكَر من روايات ارتباطِ الزيارةِ بالحجِّ ضعيفةٌ موضوعة، أو واهيةٌ مصنوعة.
ولكن من زارَ طيبةَ الطيبة قُربةً واحتِسابًا وحُبًّا لتلك المرابِعِ لُبابًا أثابَه الباري أجرًا وثابًا؛ أليست هي مأرِزَ الإيمان، ومُهاجَرَ سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام الأتمَّانِ الأكملان -؟!
هذي دُونَكم طيبَةٌ ورُبُوعُها قد بُورِكَت في العالمين رُبوُعًا
هذي المدينةُ قد تألَّقَ فوقَها تاجٌ يُرصَّعُ بالهُدى ترصيعًا
هي مأرِزُ الإيمان في الزمنِ الذي يشكُو بناءُ المكرُماتِ صُدوعًا
فيا أيها الزوَّار الأخيار:
وأنتم تقدُمون مدينةَ المُصطفى المُختار - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - تذكَّروا وجوبَ اتباعِ سُنَّته واقتِفاء محجَّته والارتِواءَ من سيرته؛ لأن في اتباعه الهُدى والصلاح والفوزَ والفلاح، وفي التمسُّك بسُنَّته السنيَّة وسيرتِه المُشرِقَة البهيَّة الشمسُ الساطِعة، والمِشعَلُ الوضَّاء، والسَّنَى المُتلألِئُ الذي يُبدِّدُ غياهِبَ الانحِرافاتِ العقديَّة، والمُمارَساتِ السلوكية، والنَّعَراتِ الطائفيَّة، ويرتقِي بالأمة إلى ذُرَى القِمَم الاجتماعية والحيَويَّة.
وقد حذَّرَ المولى - سبحانه - من مُخالفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
ومُقتضى طاعته ومحبَّته - صلى الله عليه وسلم -: تعلُّم آداب زيارة مسجده الشريف وآداب السلام عليه وعلى صاحبَيْه - رضوانُ الله عليهما -، وآداب الإقامة في مدينته النبوية المُنوَّرة، لا زالت بالبركات مُحاطةً مُسوَّرة.
وختامًا - إخوة الإيمان -:
وأنتم في مهبِط الوحيِ على وداعٍ، ومن منبَع الرسالةِ على فِراقٍ والتِياع، لا نملِكُ إلا اغتِنام الفُرصة عن الضياع، مُردَّدين على الأسماعِ عبرَ الأصداءِ والأصقاع دعاءَ الأُخُوَّة والوداع: نستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالكم، زوَّدكم الله التقوى، وغفرَ ذنوبَكم، ومحا حُوبَكم، وحقَّق آمالَكم وسُؤلَكم، وبلَّغَكم مرادَكم ومأمولَكم، وجعل حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وأعادَكم إلى أهلِكم وديارِكم سالمين غانِمين مأجُورين غيرَ مأزورين، فرِحين مُستبشِرين، وعلى الطاعةِ دائبين، وعلى الاستقامةِ دائمين، إنه سميعٌ مُجيب.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خيرِ الورَى الحبيبِ المُجتبَى والرسولِ المُرتَضَى، كما أمركم المولى - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»؛ خرَّجه مسلمٌ من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
صلَّى عليك الله ما قرأَ الورَى آيَ الكتابِ وسُورةَ الفُرقانِ
مِنَّا السلامُ عليك ما هبَّ الصَّبَا فوقَ الرُّبَى وشقائقِ النُّعمانِ
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعةِ الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، والمُسافِرين في برِّك وبحرِك وجوِّك أجمعين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.
اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفَين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيَته للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانَهم وأعوانَهم إلى ما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللهم اجزِهم خيرَ الجزاءِ وأوفرَه جزاءَ ما قدَّموا ويُقدِّمون لخدمةِ حُجَّاج بيتك الحرام.
اللهم اجعل ذلك في موازين أعمالهم وصفحات حسناتهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى، واجعلهم لشرعِك مُحكِّمين، ولسنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبعين، ولأوليائك ناصِرين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم اكشِف الغُمَّة عن هذه الأمة، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، اللهم احقِن دماءَ المسلمين، واحفَظ أمنَهم وإيمانَهم واستقرارَهم في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من المُحتلِّين المُعتدين، اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتدين، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبرين يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر لفقيد الأمة الإسلامية سلطان بن عبد العزيز، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم ارفَع درجاته في المهديِّين، اللهم ضاعِف حسناته في علِّيِّين، اللهم اخلُفه في عقِبِه في الغابِرين، اللهم اغفر لنا وله ولسائر المسلمين ولموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِث قلوبَنا بالإيمان واليقين، وبلادَنا بالخيرات والأمطار والغيثِ العَميم.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وجميعِ المسلمين الأحياءِ منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-19-2011, 01:15 PM   رقم المشاركة : 45

 


سُبُل المحافظة على الطاعات
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 15/12/1432هـ بعنوان: "سُبُل المحافظة على الطاعات"، والتي تحدَّث فيها عن المحافظة على الطاعات والتي تكون بالاستقامة عليها والثبات، والمُداومة على فعلها والمُسارعة في تأديتها، ومُجاهَدة النفس على العبادة والبُعد عن المحظورات.

الخطبة الأولى
الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلاَّم، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ الفلاح في الدنيا وفي الأخرى.
أيها المسلمون، حُجَّاج بيت الله:
هنيئًا لكم على نعمةِ إتمامِ النُّسُك - بحمد الله - بسلامةٍ وعافيةٍ وراحةٍ واطمئنان، أتمَّ الله - جل وعلا - على جميع المؤمنين النِّعَم ودفعَ عنهم النِّقَم، وجعل الله حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبًنا ذنبَكم مغفورًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
الحجُّ المبرورُ يُكفِّرُ الله به السيئات، ويرفعُ به الدرجات، ويُدخِلُ به الجنَّات، ولكن للحجِّ المبرورِ علاماتٌ يُعرفُ بها، ذكرَها أهلُ العلم من خلال استقراء النُّصوص من القرآن والسنَّة.
ألا وإن أعظم تلك العلامات: أن يستقيمَ العبدُ على طاعة الله - جل وعلا -، وأن يرجِعَ الحاجُّ راغبًا في الآخرة، مُشمِّرًا إلى المُسارعة إلى الأعمال الصالحة، مُلتزِمًا طاعةَ الله - جل وعلا - حتى الممات؛ استِجابةً لقول الله - جل وعلا -: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
نعم؛ إن من علامات قبول الطاعات - ومنها الحجُّ -: الاستقامةَ الدائمةَ على البرِّ والتقوى، وربُّنا - جل وعلا - يقول لمن غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر - وهو أمرٌ لأمَّته -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[هود: 112]، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ[فصلت: 6].
جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم».
أيها المسلمون:
إنها الاستقامة التي تتضمَّنُ كمالَ الذلِّ لله - جل وعلا - وتمام المحبَّةِ له - عزَّ شأنُه -، مع الصبر على فعلِ المأموراتِ واجتِنابِ المحظورات، والصبر على المقدورات، مع اتباعِ محاسنِ الأخلاق ونبيلِ الصفات.
جاء رجلٌ إلى الحسن البصري، فقال له: إن جزاء الحجِّ المبرور المغفرة. فقال له الحسن: "آيةُ ذلك: ألا يقودَ إلى سيِّئِ ما كان عليه من العمل".
وذكرَ ابنُ رجبٍ وغيره أن رجلاً حجَّ ثم باتَ مع قومه في مكة، فدعَته نفسُه إلى معصية الله، فسمِعَ هاتِفًا يقول: يا هذا! ألم تُحُجَّ؟! فجعل الله ذلك سببًا لعِصمته من ذلك الذنب.
أيها المسلمون:
إنه وإن كان الحجُّ له جزيلُ الثواب وعظيمُ الأجر؛ فإن أعظم ما ينبغي أن يُعتَنى به في هذه الحياة اغايةُ العُظمى، وهي: تحقيقُ الإيمان لله - جل وعلا -.
سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيِّ الأعمال أفضلُ؟ قال: «إيمانٌ بالله، ثم جهادٌ في سبيل الله، ثم حجٌّ مبرور»؛ وهو في "الصحيحين".
فالإيمانُ بالله - جل وعلا - هو الغايةُ التي خُلِق الخلقُ من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56]، إنه الإيمانُ المُتضمِّنُ تحقيقَ التوحيد بإفراد الله - جل وعلا - بالعبادةِ والخوفِ والرجاء والإنابةِ والتوكُّلِ والدعاء، فالمؤمنُ الصادقُ هو الذي لا يعبُدُ إلا الله - جل وعلا -، ولا يدعُو ويسألُ إلا ربَّه - سبحانه -، فلا يطلُبُ كشفَ ضُرٍّ ولا جلبَ نفعٍ إلا من الله - عز وجل -، فغربُّنا - جل وعلا - يقول: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106]. والآياتُ في هذا كثيرةٌ جدًّا.
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعودٍ يقول: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخل النار»؛ رواه البخاري.
وخرَّج مسلمٌ من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ، ومن لقِيَه يُشرِكُ به شيئًا دخلَ النارَ».
إنه الإيمانُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعته فيما أمر، واجتِنابِ ما نهى عنه وزجَر، وألا يُعبَدَ الله - جل وعلا - بشيءٍ إلا بما شرَعَه وقرَّرَه بقوله أو فعله أو تقريره.
وأما المُجاهَدة في سبيل الله؛ فإن أعظمَها: مُجاهَدةُ النفس على طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد روى أحمد - بإسنادٍ حسن -، ورواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُجاهِد من جاهدَ نفسَه في سبيلِ الله».
جاء رجلٌ إلى أحد كِبار الصحابةِ فقال له: إني أريدُ أن أغزُو. فقال: "عليك أولاً بنفسك فاغزُها، وعليك بنفسِك فجاهِدها في سبيل الله".
ألا وإن أعظمَ المُجاهَدة: أن يُجاهِدَ الإنسانُ نفسَه على فعل المأمورات؛ ومن ذلك: المُحافَظة على الصلوات المفروضة، وألا يُشغِلَ الإنسانَ عنها شيءٌ إلا لعُذرٍ قاهرٍ.
جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم - أنه قال: «ألا أدلُّكم على ما يمحُو اللهُ به الخطايا، ويرفعُ به الدرجات؟ إسباغُ الوضوء على المكارِه، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِد، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرِّباطُ».
ألا وإن أعظم المُجاهَدة للنفس: أن يحفَظ الإنسانُ نفسَه - لسانًا ويدًا وجوارِح - من أن يُؤذِيَ إخوانَه المؤمنين بقولٍ أو فعل؛ فإن من أعظم ما يُكدِّرُ الحسنات حقوقُ المخلوقين، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: «المُهاجِر من هجرَ ما نهَى الله عنه، والمُسلمُ من سلِمَ المُسلِمون من لسانِه ويدِه».
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حذَّرَنا من الإفلاس الحقيقي، حينما قال: «أتدرُون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ هو من لا دِرهَم عندَه ولا دِينار. قال: «المُفلِس: هو من يأتي بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ، ثم يأتي يوم القيامة وقد شتمَ هذا، وضربَ هذا، وأخذَ مالَ هذا، فيأخُذُ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه أُخِذ من سيئاتهم فطُرِحت عليه، فطُرِح في النار».

أيها المسلمون:
إن من المُجاهَدة للنفس: أن يكون الإنسان ذا همَّةٍ عالية، ونفسٍ شريفةٍ توَّاقةٍ إلى فعل الخيرات، فصحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمِعوا قولَ الله - جل وعلا -: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة: 148]، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[الحديد: 21] حرِصَ كلُّ واحدٍ أن يكون هو المُسارِع المُسابِقَ لغيره في ذلك.
يقول عمر - رضي الله عنه -: "ما استبَقنا إلى خيرٍ إلا سبَقَنا إليه أبو بكرٍ" - رضي الله عن الجميع -.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا حسدَ إلا في اثنتَيْن: رجلٍ آتاه الله مالاً فهو يُنفِقُ منه سرًّا وجهرًا، ورجلٍ آتاه الله القرآن فهو يتلُوه ويُعلِّمُه آناءَ الليل وناء النهار».
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت: 30].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والهُدى والفُرقان، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:28 PM   رقم المشاركة : 46

 

آيات الله في الحج
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 22/12/1432هـ بعنوان: "آيات الله في الحج"، والتي تحدَّث فيها عن آيات الله في الحج، وذكر ما ينبغي على الحاج بعد حجِّه من المحافظة على عبادته بالاستمرار على الطاعة بعد الطاعة، ودوام المحاسبة للنفس، وما إلى ذلك.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تفضَّل الله على خلقه بتنوُّع العبادات منها ما هو باطنٌ في القلب، ومنها ما هو ظاهرٌ على الجوارِح، وأركانُ الإسلام والإيمانُ مدارُها على ذلك، وقد عاد الحَجيجُ من بيت الله الحرام بعد أداء أفضل عبادةٍ بدنية.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "واستعملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ على أول حجَّةٍ حُجَّت من مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات، ولولا سعة علم أبي بكرٍ لم يستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - أميرًا على الحجِّ في السنة التاسعة؛ ليُعلِّم الناسَ أحكامَ الحج؛ لأنه أفقهُ الصحابة".
في الحج تظهرُ آياتٌ للخلق على صدق الرسل؛ فإبراهيم - عليه السلام - يدعو ربَّه: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ[إبراهيم: 37]، فوفدَ الحَجيجُ من كل فجٍّ عميقٍ وأدَّوا حجَّهم.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "فليس أحدٌ من أهل الإسلام إلا وهو يحِنُّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار".
والمُخلِصُ يستجيبُ الله دعوتَه ولو بعد مماته، وفي كل عامٍ يظهرُ أثرُ دعوة الخليل، فيستجيبُ المسلمون لدعوته، والوفاءُ من شِيَم الرجال، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - صبرَ على الأذى والكُروب لتنعَمَ أمتُه بالهداية. قال لعائشة - رضي الله عنها -: «يا عائشة! لقد لقيتُ من قومكِ ما لقيتُ».
والصحابة - رضي الله عنهم - هجَروا الأوطانَ وتغرَّبوا في البُلدان لحمل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبليغها بعزمٍ وأمانة، ونشرِ الإسلام في الآفاق بالدعوة والقُدوة، وواجبٌ على المسلم أداءُ حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدَّمه لهذا الدين؛ بمحبَّته - عليه الصلاة والسلام - والتأسِّي به ونشر دعوته، والوفاء لصحابته - رضي الله عنهم - بمحبَّتهم والترضِّي عنهم والذبِّ عنهم.
ومن أدَّى فريضَة الحجِّ أو غيرَها واجبٌ عليه الحِفاظُ عليها من الرياء بها أو المُباهاة أو المُفاخَرة، ومن أدخل في عبادته رياءً أو سُمعةً أو ابتغَى مدحَ الناس له لم تُقبَل منه عبادتُه، ولن يكون له منها سوى التعبِ والنَّصَب؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان له خالِصًا وابتُغِي به وجهُه»؛ رواه أبو داود.
ومن أخلصَ لله تقبَّل الله عمَلَه وضاعفَ أجرَه؛ قال - سبحانه -: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة: 261].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: بحسب إخلاصه في عمله".
والنعمُ تدومُ وتزيدُ بالشُّكر، ومن أدَّى عبادةً وحمِدَ الله عليها يسَّر الله له عبادةً بعدها لينالَ ثوابَها؛ قال - عز وجل -: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[محمد: 17]، ولذا شُرِع قول: الحمدُ لله، ثلاثًا وثلاثين مرةً دُبُر كل صلاةٍ مفروضة لشُكر الله على أداء تلك الصلاة.
وأمارةُ قبول العمل الصالحِ الحسنةُ بعده؛ قال سعيد بن جُبَير - رحمه الله -: "من ثوابِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبةِ السيئةِ السيئةُ بعدها".
والمسلمُ إذا فرغَ من عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرى؛ قال - سبحانه -: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ[الشرح: 7].
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "أي: فادأَب في العمل".
ولا تنقطعُ العبادةُ إلا بالموت؛ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وإذا عمِلَ المسلمُ عملاً صالحًا وأخلصَ فيه لله وجبَ عليه حِفظُه بالحَذَر من الوقوع في الشرك؛ إذ أنه يُحبِطُ الحسنات؛ قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر: 65].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه".
وسؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127].
والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛ ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثبِّت قلوبَنا على دينك»؛ رواه ابن ماجه.
ومن لبَّى في حجِّه بالتوحيد وكبَّره في العيد وجبَ عليه الوفاءُ بوعده مع الله، وذلك بألا يدعو سواه، ولا يلجَأ إلى غيره، ولا يطوفَ بغير الكعبة؛ قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[فاطر: 13].
ومن توجَّه إلى الله أعانَه؛ قال - جلَّ شأنُه -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[العنكبوت: 69].
وليس من شرط صحة الحجِّ زيارةُ المدينة النبوية؛ بل قصدُ مسجدها سنةٌ رغَّبَ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - للحاجِّ وغيره بالصلاة فيه، فهو أحدُ المساجد الثلاثة التي لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إليها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»؛ متفق عليه. وصلاةٌ فيه عن ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرام.
ومن وصلَ إلى المدينة وسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبَيْه أبي بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما -، فمن المشروعِ له زيارةُ مسجد قُباء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تطهَّر في بيته ثم صلَّى في مسجد قُباء كان له أجرُ عمرة»؛ رواه ابن ماجه.
وتُشرعُ له زيارةُ مقبرة البَقيع وشُهداء أُحُد للدعاء لهم وللعِظَة والعِبرة بتذكُّر الآخرة.
والميتُ لا يملِكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا ولا يُتعلَّقُ به، وإنما يُدعَى له بالمغفرة والرِّضوان، ومن يُدعَى له لا يُدعَى مع الله؛ قال - عز وجل -: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106].
والمُوفَّق من اجتهَدَ في طاعة ربِّه وحفِظَ عملَه من البُطلان وسارَ على هديِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وحاسبَ نفسَه في حياته، وسارعَ إلى الخيرات، وفازَ بالباقيات الصالحات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ[الأنفال: 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:29 PM   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من أدَّى فريضةَ الحجِّ حريٌّ به بعد أداء هذا الركن أن يحفظَ صحيفتَه بيضاء نقيَّة؛ فإنه من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه، وأن يكون قُدوةً لغيره في الصلاح والاستقامة والتفقُّه في الدين والمُحافظة على الصلوات جماعةً في بيوت الله.
ويجبُ أن يكون داعيًا بالحكمة والموعظة الحسنة، مُبتدِئًا دعوتَه بذوِي القُربى، وصادقًا مع ربِّه في دعوته وفي سائر أعماله كلها.
فالزَموا سنَّة نبيِّكم - عليه الصلاة والسلام -، وأخلِصوا لربِّكم، واحرِصوا على نفع إخوانكم المسلمين وتعليمهم ما ينفعهم وما يُصلِحُهم من أمور الدين؛ فلأَن يهدِي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واجمع كلمتَهم على الهُدى والحق يا رب العالمين.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وعملَهم مُتقبَّلاً صالحًا يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-26-2011, 09:32 PM   رقم المشاركة : 48

 

اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 29/12/1432هـ بعنوان: "اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة اغتنام وقت المسلم فيما يُفيد، والمُبادرة إلى التوبة والندم على مضى، والمُسارعة إلى الطاعات والإقبال على الأعمال الصالحات.


الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدنيا نعَم في طيِّها نقَم، شبابٌ يعقِبُه هرَم، وصحةٌ يتبَعُها سقَم، ولذَّةٌ آخرُها ندَم، وحياةٌ نهايتُها عدَم، حتفٌ موصوب، وموردٌ مكتوب، وما نفسٌ إلا يُباعِدُ مولدًا، ويُدنِي المنايا للنفوس فتخرُجُ.
ويا للمنايا ما لها من إقالةٍ
إذا بلغَت من مُدَّة الحيِّ حدَّها
ستُسلِمُك الساعاتُ في بعض أمرها
إلى ساعةٍ لا ساعةٌ لك بعدها

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].
انظُر لنفسِك يا أخي
حتى متى لا تتقِي
والموتُ غايةُ من مضى
منا وموعدُ من بقِي

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[الرحمن: 26، 27].
يا مُدمِنَ الذنوب والإجراما! يا من أتى الآثامَ والحراما، على ما عوَّلتَ قُل لي علامَا.
يا غافلُ يا ذاهِل! أما رأيتَ من العِبرة ما يشفي؟! أما سمِعت من العِظَة ما يكفِي؟! ولذَّةُ الهوى زالَت، وسكرةُ الذنب حالَت، ولم يبقَ إلا التبِعَةُ والمُؤاخَذةُ والمُحاسَبة.
فأفِق من رقدتك، وانتبِه من غفلتك، وأعِدَّ الزاد، وجِدَّ في الجهاز.
شمِّر عسى أن ينفعَ التشميرُ، وانظُر بفكرِك ما إليه تصيرُ، أيُّ الورَى خالدٌ، أيُّ الناس لا يرِدُ، أيُّ نفسٍ لا تموت، أيُّ حيٍّ لا يفُوت، سيكونُ الذي قُضِي، سخِطَ العبدُ أم رضِي، ليس هذا بدائمٍ كلُّ هذا سينقضِي، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].

ألا يا موتُ لم أرَ منك بُدًّا
أتيتَ وما تحيفُ وما تُحابِي
كأنَّك قد هجمتَ على مشيبي
كما هجَمَ المشيبُ على شبابي

«اغتنِم خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هرَمك، وصحَتَك قبل سقَمك، وغِناكَ قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتَك قبل موتك». فما بعد الدنيا من مُستعتَب، وما بعد الدنيا دار إلا الجنةُ أو النار.
فحاذِر الزلَل، واحتقِر العمل، وخفِ السباقة، واحذَر الخاتمة، واخشَ فوات الآخرة، فلا رجعةَ ولا ردّ.
فامهَد لنفسك والأقلامُ جاريةٌ
والتوبُ مُقتبلٌ فاللهُ قد وعَدَا

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[الزمر: 53- 55].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو كان للأوَّابين غفورًا.


الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، أحمدُه حمدًا لا انقطاعَ لراتِبِه، ولا إقلاعَ لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لمن يُنادِيه، قريبٌ ممن يُناجِيه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على ذلك السبيل، وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبيل.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الزلَّةُ غلٌّ، والخطيئةُ ذُلٌّ، ورُبَّ عظمٍ هِيضَ فلم ينجبِر، فإن جُبِر فعلى وهاء، فتيقَّظوا وتنبَّهوا، واجعلوا التقوى عُدَّةً لكم عند كل مُشتهَى، واستوثِقوا من لجمِ النفس الجَموح، وامحُوا العثْرَة بالعَبْرة، والهفوَة بالصحوة، والإساءة بالإحسان.
طُوبَى لمن في مراضِي ربِّه رغِبَا
وعن مصارعِ أهل اللهوِ قد هرَبَا
قد وطَّن النفسَ أن اللهَ سائلُه
ففرَّ منه إليه مُنيبًا هرَبًا
وللتُّقَى مركبٌ ينجُو براكِبِه
فيا نجاةَ الذي مع أهلِهِ ركِبَا
وللهُدى رُفقةٌ فاسعَد بصُحبتهم
فيا سعادةَ من أهلَ الهُدى صحِبَا

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف: 28].
ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على عبدك ورسولِك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.
اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاة الظلَمة المُعتدين، اللهم انصُرهم على الطغاة الظلَمة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين الذين سفَكوا الدماء، وقتَلوا الأبرياء، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، بدِّد جمعَهم، فرِّق شملَهم، أذهِب قوَّتَهم، خالِف كلمتَهم.
اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم قوَّتك، اللهم أرِنا فيهم عظمتَك، زلزِلهم يا قويُّ، زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا قادِر، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرض وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا من قبضتهم، ونجِّ إخواننا من ظُلمهم، اللهم مُنَّ على إخواننا في الشام بالنصرِ والتمكين عاجلاً غير آجلٍ يا رب العالمين.
اللهم اجعل مصرَ أمنًا وأمانًا، ورخاءً وسلامًا، اللهم يا حي يا قيُّوم اللهم نجِّ إخواننا في مصر من الفُرقة والخلاف، اللهم وفِّق أهلَنا في مصر لما فيه عِزُّ مصر وصلاحُ مصر وخيرُ مصر يا رب العالمين.
اللهم ارحم موتاهم، واشفِ جرحاهم، واجبُر كسرَهم يا كريم.
اللهم من أراد إشاعةَ الفتنة والفوضى في مصر اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، واكفِهم شرَّه، واجعَله عبرةً يا رب العالمين. اللهم احفظ أهلَنا في اليمن، اللهم احفَظ أهلَنا في اليمن، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم، اللهم حقِّق لهم الأمنَ والعِزَّ يا كريم.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم من أراد أمنَنا واستقرارَنا ووحدتنا بسوءٍ اللهم فرُدَّ كيدَه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم وسعيَهم، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم حقِّق لهم من الآمال مُنتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم رُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانِمين يا رب العالمين، اللهم رُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانِمين يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.
اللهم أنزِل في أرضِنا زينتَها، وأنزِل علينا في أرضِنا سكَنَها، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين، جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثِك ورِزقك وامتِنانِك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-11-2011, 11:36 PM   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الوقت وأهميته في حياة المسلم
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 14/1/1433هـ بعنوان: "الوقت وأهميته في حياة المسلم"، والتي تحدَّث فيها عن الوقت وانقضائه، والعمر وانصرامِه، وما ينبغي على كل مسلمٍ من اغتنامِ أوقاته فيما يُرضِي الله تعالى، وضرورة مُحاسَبة الإنسان نفسَه دائمًا؛ لضمان السلامة في الدنيا والآخرة.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى هي النجاةُ غدًا والزادُ أبدًا.
أيها المسلمون:
في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا.
نظرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشمسِ عند غروبِها فقال: «لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقِيَ من يومكم هذا فيما مضَى منه»؛ رواه أحمد.
والوقتُ ثمينٌ بلحَظاته، ويزيدُ نفاسةً إذا لم يبقَ منه سوى اليسير، واللهُ أقسمَ به فقال: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[العصر: 1، 2]، ومن الناسِ من كتبَ الله له فُسحةً في العُمر، ومنهم من يخطَفُه الأجلُ سريعًا، وخيرُ الناس من عاشَ في لحَظاتها ليرتقِيَ بها إلى آخرته.
قال رجلٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس خيرٌ؟ قال: «من طالَ عُمره وحسُن عملُه». قال: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال: «من طالَ عُمره وساءَ عملُه»؛ رواه أحمد.
والناسُ في حياتهم منهم من قصرَها على معاشِه دون معادِه، ومنهم من عمرَ آخرتَه فيها فأدَّى ما أمرَ الله به واجتنبَ ما نهاه عنه، ومنهم من خلَطَ عملاً صالحًا بآخر سيئًا من غفلةٍ واتباعِ هوى؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «كلُّ الناسِ يغدُو؛ فبائعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها»؛ رواه مسلم.
والله - عز وجل - أقسمَ أحدَ عشر قسمًا بأن المُفلِح هو من زكَّى نفسَه وأن الخاسرَ من أوقعَها في المعاصي؛ فقال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[الشمس: 1- 10].
والحياةُ مليئةٌ بالمِحَن والفِتن، وقد يكبُو المرءُ في زلاَّتها من حيث لا يشعُر، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واجعَل الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعَل الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ»؛ رواه مسلم.
وكلما دنَت الحياةُ من الزَّوَالِ لاحَت فتِنُها وظهَرَت شُرُورُها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «وإن أمتَكم هذه جُعِل عافيتُها في أولِها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونها»؛ رواه مسلم.
ويزدادُ البلاءُ عامًا بعد عام؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يأتي عليكم زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه»؛ رواه البخاري.
وإذا ابتعَدَ الناسُ عن الله ولم يمتثِلوا أوامرَه ووقعُوا في نواهيه اضطرَبَت أحوالُهم ومعايِشُهم؛ إذ الذنوبُ مُذهِبَةٌ للنِّعَم مُزيلةٌ لأمنِ النفوسِ والبُلدان؛ قال - عز وجل -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وأعظمُ بُعدٍ عن الله: التوجُّه إلى غيره بالدعاء والاستغاثةِ والنُّذور وغيرها؛ قال - عز وجل -: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ[آل عمران: 56]، فمن أشركَ بالله استحقَّ العذابَ الشديدَ في الدنيا؛ من الفر وقلَّةِ المالِ والمرضِ وفقدِ الأمنِ وغيرِ ذلك، وله في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ.
وإذا جاهَرَ العبادُ بالمعاصي عظُمَ خطرُها وأذِن الربُّ بالعقوبةِ بسببِها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «كلُّ أمتي مُعافَى إلا المُجاهِرين»؛ رواه البخاري.
ومن الفتنِ: تقديمُ العقلِ والهوى في النَّوازِلِ وغيرها، ونبذُ الكتاب والسنةِ لتحقيق الأعمال والآمال؛ قال - عز وجل -: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[النساء: 83].
وما من نازلةٍ إلا ولها أصلٌ في الكتاب والسنة؛ قال - سبحانه -: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام: 38].
ولن يُصلِحَ هذه الأمةَ بما حلَّ بها من اضطرابٍ وفوضَى وكُروبٍ إلا برجوعِها إلى ربِّها؛ قال - سبحانه -: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا[الأنعام: 43].
ومن لازمَ الاستغفارَ جعل الله له من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية، وإذا ألمَّت بالناسِ مُصيبةٌ عليهم أن يُراجِعوا أنفسَهم: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11].
والحاذِقُ لا ينظرُ إلى كثرةِ المُذنِبين؛ فإن اصطفاءَ الله لك بالسلامةِ من المعاصِي يُوجِبُ عليك التمسُّك بهذه النعمة؛ إذ أضلَّ غيرَك وهداكَ.
وعلى المرءِ أن يُحاسِبَ نفسَه في كلِّ حينٍ: ماذا قدَّمَ لآخرته، وماذا عمِلَ لرِضَا الرحمن عنه، ليسألَ نفسَه عن فرائض الإسلام وعن أدائها، وعن حقوق المخلوقين والتخلُّص منها، وعن مالِه كيف جمعَه وفيمَ أنفقَه؟!
خطبَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - فقال: "إنك تغدُون وتروحون إلى أجلٍ قد غُيِّبَ عنكم علمُه، فإذا استطعتُم ألا يمضِيَ هذا الأجلُ إلا وأنتم في عملٍ صالحٍ فافعلوا".
وليست الغِبطةُ بكثرةِ السنين والنِّعَم، إنما الغِبطةُ بالشكر وكثرة العمل الصالح والإخلاص؛ فعُمر الإنسان عملُه.
قيل لنوحٍ - عليه السلام - وقد لبِثَ في قومه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا -: كيف رأيتَ هذه الدنيا؟ فقال: "كداخلٍ من بابٍ وخارجٍ من آخر".
فاحذروا الدنيا وتقلُّباتها؛ فجمعُها عناء، ونعيمُها ابتلاء، واغتنِموا ما بقِيَ لكم من النعمِ الخمس: الشبابَ قبل الهرَم، والصحةَ قبل المرض، والغِنَى قبل الفقر، والفراغَ قبل الشُّغل، والحياةَ قبل الموت.
والمُحاسبةُ الصادقةُ ما أورثَت عملاً صالحًا، وتحوُّلاً عن معصية، ومن غفلَ عن نفسه تصرَّمَت أوقاتُه واشتدَّت عليه حسَراته؛ فاستدرِكوا ما فاتَ بما بقِي، ومن أصلحَ ما بقِيَ غُفِر له ما مضى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
المُحسِنُ من كان يومُه خيرًا من أمسِه، وغدُه خيرًا من يومه، واغتنَمَ الحياةَ بما يُقرِّبُه إلى مولاه، وشغلَها بالطاعات، ونأَى بها عن السيئات، واتَّعَظَ بما فيها من تقلُّبات الأمور والأحوال، وكان حذِرًا من الاغتِرار بالسلامةِ والإمهالِ والآمال؛ فما أساءَ أحدٌ العملَ إلا من التسويفِ وطولِ الأمل.
ومن أصلَح ما بينه وبين ربِّه كفاه ما بينه وبين الناس، ومن صدقَ في سريرته حسُنَت علانيتُه، والعبدُ إذا أنابَ إلى الله مما اجترحَ من السيئات والتمسَ عفوَه ورِضاه، وطمِع في واسع رحمته وعطاياه؛ أعطاه الربُّ بإذنه فوقَ ما يتمنَّاه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واجمع كلمتَهم على الهُدى والحق يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم إنا نسألك الإخلاصَ في القول والعمل، اللهم إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-19-2011, 12:13 AM   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

حسن العشرة بين المسلمين
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 21/1/1433هـ بعنوان: "حسن العشرة بين المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن حسن العِشرة بين المسلمين، ووجوبِ المُحافَظة على أواصِر الأُخوَّة وعدم التنازُع فيما بين الإخوان، واستشهدَ على ذلك بشيءٍ مما ذُكِر في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضِيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجا من اتَّقَى، وضلَّ من قادَه الهوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
لا تحلُو المُخالَطَة إلا بحُسن المَعايَشة وأداء حُقوق المُعاشَرة وتحقيقِ العدل والنَّصَفَة في المُعامَلة، ومن كان في إيفاء ما يكون عليه مثلما يكون في حفظِ ما يكونُ له فقد أنصفَ في القضاء وعدلَ بالسواء، والاستِقصاءُ يُورِثُ الاستِعصاء، والمُعاسَرة تُكدِّرُ المُعاشَرة، ومن نبَذَ وثائقَ التعايُش وقطَعَ مَرابِعَ التسامُحِ وأوحشَ مغانِيَ العِشرة، وسلكَ طريقَ المُنابَذة والمُبايَنَة والمُنازَعة فقد سلَكَ طريقًا لا يُوصِلُ إلى مطلوبٍ، ولا يهدِي إلى مرغوبٍ.
ومن أخطأ طريقَ التغافُلِ والتغاضِي والتسمُح كثُر مُعادُوه، وقلَّ مُصافُوه، وهجَرَه مُحِبُّوه، وزهِدَ فيه مُعاشِرُوه، ومن جهِلَ مواضِعَ رُشده، وتعثَّرَ في ذُيُولِ جهلِهِ، ووقعَ في مهاوِي سُخفِهِ وحُمقِه، ركِبَ متنَ الفُجور في الدعاوَى والمُنازَعات، والكذبِ في الشكاوَى والخُصومات، واختارَ الجفاءَ على الإخاء، والعداءَ على الولاء، والمُخاشَنةَ على المُلايَنة، تُعاشِر فيُعاسِر، وتُقارِب فيُحارِب، وتُحالِف فيُخالِف، وتُلاحِق فيُفارِق.
نسِيَ قولَ نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقاطَعوا، ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ»؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
ومن بسطَ للناس فراشَ التوقير، ومدَّ لهم بساطَ التقدير، والتمسَ لهم الحُجَجَ والمعاذيرَ، ولو مع الإساءة له والتقصير؛ عاشَ في النفوسِ مُعظَّمًا، وعلى الألسُنِ مُبجَّلاً.
ومن يلْقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَهُ
ومن يغوِي لا يعدَم على الغَيِّ لائمًا
والأهلُ والقرابةُ أولَى الناسِ بحُسن المُخالَطة، وجميلِ المُعاشَرة، ولينِ المُعامَلة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»؛ أخرجه الترمذي.
ومن عمَّ أهلَه خيرُه، ووسِعَهم بِرُّه، وغمرَهم مَيْرُه، وبسطَ لهم وجهُهُ، ومهَّدَ لهم كنَفَه؛ فذلك الشهمُ الوفِيُّ، والمُعاشِرُ السخِيُّ، والمُخالِطُ التقيُّ.
ومن غلُظَ طبعُه وعظُمَت فظاظتُه، واشتدَّت على أهلِه قساوَتُه وشراستُه، وكثُرت شتامتُه وجهالتُه، فقابلَ والدَيْه بالصدود والجحود، وعاملَ زوجتَه بالتقصيرِ والتصغيرِ والتحقيرِ والتعزيرِ، وأولادَه بالتعنيفِ والتخويفِ والإذلالِ والإهمالِ، وذوي قرابَته بالقطيعةِ والصريمةِ والهُجرانِ والنُّكرانِ؛ فذلك الذي أساءَ المُخالَطة، وأوغلَ في المُغالَطة، والغِلظةُ والفَظاظةُ هي سببُ التباعُد والنُّفور، وخرابُ الأثسَر والدور.
فتعامَلوا بالعطفِ واللُّطفِ، والرِّفق واللِّين، والشَّفَقةِ والمُسامَحة، والرحمةِ والإحسانِ، وحُسنِ المُعاشرةِ، وجميلِ المُخالَطة؛ تحُوزوا على عظيمِ الأُجور والحسنات، وتحفَظوا أُسَرَكم ومُجتمعاتكم من النِّزاعات والخُصومات، والضياعِ والشَّتاتِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو كان للأوَّابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
ومن خالطَ الناسَ فتعاظَمَ وتطاولَ، وفخرَ وتاهَ، وتكبَّرَ وتجبَّرَ، وحقَّرَ وصغَّرَ، وجرَّحَ وشهَّرَ، وأساءَ المقالَ، وولغَ في الأعراضِ واستطالَ، وأكلَ الأموالَ بطُرقِ المكرِ والاحتِيال، وتعاملَ بالحُمقِ والسَّفَهِ والطَّيشِ، ونسِيَ الفضلَ وأنكرَ الجميلَ، وآذَى العبادَ وأفسدَ في البلاد؛ فقد كتبَ على نفسِهِ سُبَّةً لا تَبلَى، وخِزايةً لا تُنسَى، ونقمةً لا تُردُّ، وعذابًا لا يُصدُّ.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أتَدرون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ فِينا مَن لا درهَمَ له ولا مَتاع. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المُفلِسَ مِن أمتي: مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضربَ هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ، وهذا من حسناتهِ، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النارِ»؛ أخرجه مسلم.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وتخلَّصوا من المظالمِ والحقوقِ، وتحلَّلوا ممن ظلمتُم أو آذَيْتم قبل ذلك المردُّ الذي لا مَحيصَ عنه، ولا مفرَّ منه، ولا رجعةَ بعده.
ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ بشيرِ الرحمةِ والثوابِ، ونذيرِ السَّطوةِ والعِقابِ، الشافعِ المُشفَّعِ يوم الحِسابِ، اللهم صلِّ عليه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاةِ المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، والظلَمة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وسخَطَك إلهَ الحقِّ يا رب العالمين، اللهم بدِّد جمعَهم، اللهم فرِّق شملَهم، وأذهِب قوَّتَهم يا قوي يا عزيزُ يا رب العالمين.
اللهم أرِنا فيهم قُوَّتك، اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا ولِيّ، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرضِ وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا في سورية من القومِ الظالمين يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين، والصهاينةِ الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
ووفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحبُّ وترضى يا كريمُ يا عظيمُ.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاءِ والاستقرار جميعَ أوطانِ المسلمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين، اللهم جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثِك ورِزقك وجُودِك وامتِنانِك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir