يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-09-2011, 12:04 AM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

خطبة الجمعة من المسجد الحرام 7/8 /1432هـ
تزكية النفوس وإصلاح القلوب
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تزكية النفوس وإصلاح القلوب"، والتي تحدَّث فيها عن تزكية النفوس وإصلاح القلوب، والطرق التي ينبغي على كل مسلمٍ سلوكها لتحصيل ذلك، مُستشهِدًا في ذلك بالآيات والأحاديث والأقوال والآثار عن السلف والعلماء.

الخطبة الأولى
الحمد لله العلي الأعلى، أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوَّى وقدَّر فهدى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله نبي الرحمة والهُدى، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار النُّجَباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم البعث والنشور والجزا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -؛ واذكروا أنكم موقوفون عليه، مسؤولون بين يديه يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس: 34- 37].
عباد الله:
تزكيةُ النفوس وتقويمُها، وإصلاحُ القلوب وتطهيرُها أملٌ سعى إليه العُقلاء في كل الثقافات وفي كل الحضارات منذ أقدم العصور، فسلكوا إلى بلوغه مسالك شتَّى، وشرعوا لأنفسهم مناهجَ وطرائقَ قِددًا، وحسِبوا أن في أخذهم أنفسهم بها إدراكَ المُنى، وبلوغَ الآمال في الحَظوة بالحياة الطيبة والعيش الهانئ السعيد.
فمن تعذيبٍ للجسد بأمورٍ وأعمالٍ مُضنِية أسمَوها: رياضات ومُجاهدات، إلى إغراقٍ في الشهوات وانهماكٍ في طلب اللذَّات بإسرافٍ على النفس لا حدَّ يحُدُّه، إلى عُكوفٍ على مناهجَ فلسفية وتأملاتٍ قائمةٍ على شطَحاتٍ وخيالات لا سند لها من واقعٍ، ولا ظهيرَ لها من عقلٍ، إلى غير ذلك من نزَعاتٍ وطرائقَ لا يجدُ فيها اللبيبُ ضالَّتَه، ولا يبلغُ منها بُغيتَه.
غير أن كل من أُوتِي حظًّا من الإنصاف، ونصيبًا من حُسن النظر والبصر بالأمور لا يجدُ حرجًا في الإقرار بأن السعادة الحقَّة التي تطيبُ بها الدنيا، وتطمئنُّ بها القلوب وتزكُو النفوس هي تلك التي يُبيِّنُها ويكشِفُ عن حقيقتها الكتابُ الحكيم والسنةُ الشريفة بأوضح عبارةٍ وأدقِّها وأجمعها في الدلالة على المقصود.
عباد الله:
لقد أرسل الله رسلَه وأنزل كتبَه ليُرشِد الناس إلى سُبُل تزكية أنفسهم وإصلاح قلوبهم، وليُبيِّن لهم أن ذلك الأمر لن يتحقَّق إلا حين يُؤدُّون حقَّ الله عليهم في إخلاص العبودية له؛ إذ هي الغايةُ من خلقه - سبحانه - لهم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات: 56- 58].
وقد جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيانُ الطريق إلى هذه التزكية التي جعل الله فلاحَ المرء مرهونًا بها، وجعل الخيبةَ والخُسران مرهونًا بضدِّها، وهو: التدسِية؛ أي: تخبيثُ وتلويثُ النفس وإفسادُها بالخطايا، فقال - سبحانه -: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[الشمس: 7- 10]، وقال - عزَّ اسمه -: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى[الأعلى: 14، 15]، وقال - سبحانه - في خطاب نبيِّه موسى - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - حين أرسله إلى فرعون: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى[النازعات: 17- 19].
وإن هذا الكتاب المبارَك الذي جعله الله روحًا تحيا به القلوب، ونورًا تنجابُ به الظلمات: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[الشورى: 52]، إن هذا الكتاب ليُصرِّحُ أن أساس التزكيةِ في الإسلام وروحها وعمادَها ومحورَها توحيدُ الله تعالى.
وحقيقتُه - كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أن يشهدَ العبدُ انفرادَ الربِّ - تبارك وتعالى - بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان وما لم يشَأ لم يكن، وأنه لا تتحرَّك ذرَّةٌ إلا بإذنه، وأن الخلقَ مقهورون تحت قبضَته، وأنه ما من قلبٍ إلا وهو بين إصبعين من أصابعه إن شاء أن يُقيمَه أقامَه، وإن شاء أن يُزيغَه أزاغَه، فالقلوب بيده وهو مُقلِّبها ومُصرِّفها كيف شاء وكيف أراد، وأنه هو الذي آتَى نفوس المؤمنين تقواها، وهو الذي هداها وزكَّاها، وألهمَ نفوسَ الفُجَّار فجورَها وأشقاها، من يهدِ الله فهو المُهتَد، ومن يُضلِل فلا هادي له، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويُضِلُّ من يشاء بعدله وحكمته، هذا فضُه وعطاؤه وما فضلُ الكريم بممنون، وهذا عدلُه وقضاؤه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء: 23] ...
وفي هذا المشهد يتحقَّقُ للعبد مقامُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5] علمًا وحالاً؛ فيثبُت قدمُ العبد في توحيد الربوبية، ثم يرقى منه صاعدًا إلى توحيد الإلهية، فإنه إذا تيقَّن أن الضرَّ والنفع والعطاءَ والمنعَ والهُدى والضلال والسعادةَ والشقاء؛ كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يُقلِّبُ القلوب ويُصرِّفها كيف يشاء، وأنه لا مُوفَّق إلا من وفَّقه وأعانَه، ولا مخذولَ إلا من خذَلَه وأهانَه وتخلَّى عنه، وأن أصحَّ القلوب وأسلمَها وأقومَها وأرقَّها وأصفاها وأشدَّها وأليَنها: من اتخذَه وحده إلهًا ومعبودًا، فكان أحبَّ إليه من كل ما سواه، وأخوفَ عنده من كل ما سواه، وأرجَى له من كل ما سواه؛ فتتقدَّمُ محبتُه في قلبه جميعَ المحابِّ، فتنساقُ المحابُّ تبعًا لها كما ينساقُ الجيشُ تبعًا للسلطان، ويتقدَّمُ خوفًه في قلبه جميعَ المخوفات فتنساقُ المخاوفُ كلها تبعًا لخوفه، ويتقدَّمُ رجاؤه في قلبه جميعَ الرجاء، فينساقُ كل رجاءٍ تبعًا لرجائه.
فهذا علامةُ توحيد الألوهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه هو: توحيد الربوبية ...
والمقصود: أن العبد يحصلُ له في هذا المشهد من مُطالعَة الجنايات والذنوب وجريانِها عليه وعلى الخليقة بتقدير العزيز الحكيم وأنه لا عاصمَ من غضبه وأسباب سخَطه إلا هُو، ولا سبيلَ إلى طاعته إلا بمعُونته، ولا وصول إلى مرضاته إلا بتوفيقِه؛ فمواردُ الأمور كلها منه، ومصادرُها إليه، وأزِمَّةُ التوفيقِ جميعُها بيديه، فلا مُستعانَ للعباد إلا به، ولا مُتَّكَل إلا عليه، كما قال شعيب خطيب الأنبياء: وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[هود: 88]". اهـ.
وإن أثر التوحيد في التزكية - بل في حياة المسلم - ليَبدو جليًّا في توحيد الهدف والغاية واتفاق العلم والعمل؛ حتى يكون فهمُ المسلم وعقيدتُه وعلمُه وعملُه وقصدُه واتجاهاتُ قلبه ونشاطُه منتظمًا في سلكٍ واحد، مُتوافقٍ مُؤتلِف، لا تعارُض فيه ولا تضارُب، ويرتفعُ عن كاهل الإنسان ذلك الضيقُ المُمِضُّ الذي يستشعِرُه حين تتعارضُ في نفسه الأهداف، وتتناقضُ الأعمال.
ومما يُزكِّي النفوس أيضًا: تجديدُ الإيمان فيها على الدوام؛ إذ الإيمانُ يخلَقُ كما تخلَقُ الثياب، ولذا كان صحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذُ أحدُهم بيد الآخر فيقول: "تعالَ نُؤمن ساعة"، فيجلِسان فيذكُران الله تعالى.
وفي ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وطاعته والازدلاف إليه أعظمُ ما يُجدِّدُ الإيمانَ في نفس المؤمن الذي يعلَمُ أن الإيمان يزيدُ بالطاعة وينقُص بالمعصية، فيعمل على زيادة إيمانه بصدق الالتجاء إلى الله تعالى الذي تكون أظهرُ ثِماره المُباركة تزكيةُ النفوس كما جاء في الدعاء النبوي الكريم: «اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها».
ومما يُزكِّي النفسَ ويُصلِحُ القلب: دوامُ تذكُّر نعم الله التي أنعمَ بها على عباده؛ فإن إحصاءها خارجٌ عن مقدور البشر، كما قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[النحل: 18]، فإن هذا التذكُّر لهذه النعم يُورِثُ الذاكِر لها كمالَ تعلُّقٍ، وتمامَ توجُّهٍ إليه، وخضوعًا وتذلُّلاً له - سبحانه -؛ فإن كل ما وهبَه من حياةٍ وصحةٍ ومالٍ وولدٍ وجاهٍ وغيرها إنما هو منَّةٌ منه، وفضلٌ وإنعامٌ أنعمَ به كيف ومتى شاء، ولو شاء لسلَبَ ذلك منه متى شاء؛ فإنه مالكُ الملك كله، بيده الخيرُ يُؤتيه من يشاء ويصرِفُه عمن يشاء.
ومعرفةُ ذلك ودوامُ تذكُّره باعثٌ على معرفة العبد بعجزه وضعفه وافتقاره إلى ربه في كل شؤونه، غير أن تذكُّر النعم لا بد من اقترانه بالعمل الذي يرضاه الله ويُحبُّه ويُثيبُ عليه يوم القيامة، وحقيقتُه: فعلُ الخيرات، وتركُ المنكرات على هُدًى من الله، ومتابعةٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع العنايةِ الخاصةِ بالفرائضِ التي افترضَها الله على عباده؛ إذ هي أحبُّ ما يتقرَّبُ به العبدُ إلى ربه، كما جاء في الحديث: «إن الله تعالى قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذنَّه»؛ أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ومما يُزكِّي النفسَ أيضًا: أعمالُ القلوب؛ فإن القلبَ ملكُ الجوارح، تصلُح بصلاحه وتفسُد بفساده، كما جاء في الحديث: «ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلَحت صلَح الجسدُ كله، وإذا فسَدت فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.
ومن أهمها وأعظمها: نيةُ المرء ومقصودُه من كل عملٍ يعمله؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه لدُنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه»؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
فاتقوا الله - عباد الله -، واتخذوا من كتاب ربكم وسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - خيرَ منهجٍ لتزكية النفوس وإصلاح القلوب، ابتغاءَ رضوان الله، واقتفاءً لأثر الصفوة من عباد الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ[الزمر: 18].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-09-2011, 12:07 AM   رقم المشاركة : 22

 

الخطبة الثانية
الحمد لله الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يُريد، أحمده - سبحانه - يخلقُ ما يشاء ويفعلُ ما يُريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب الخُلق الراشد والنهجِ السديد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن النقص والتقصير والخطأ لا ينفكُّ عنه إنسان، ولا يسلمُ منه إلا من عصمَه الله، ولذا جاء الأمرُ بالتوبة للناس جميعًا بقوله - سبحانه -: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31].
والتوبة - يا عباد الله - من أعظم أسباب التزكية للنفس والإصلاح للقلب؛ فإن عبودية التوبة - كما قال ابن القيم - رحمه الله - من أحبِّ العبوديات إلى الله وأكرمها عليه، فإنه - سبحانه - يحبُّ التوابين، ولو لم تكن التوبةُ أحبَّ الأشياء إليه لما ابتَلَى بالذنبِ أكرمَ الخلق عليه، فلمحبته لتوبة عبده ابتلاه بالذنب الذي يُوجِبُ وقوعَ محبوبه من التوبة، وزيادة محبته لعبده.
فإن للتوبة عنده - سبحانه - منزلةً ليست لغيرها من الطاعات، ولهذا يفرحُ - سبحانه - بتوبة عبده حين يتوبُ إليه أعظمَ فرحٍ يُقدَّر، كما مثَّله النبي - صلى الله عليه وسلم - بفرَح الواجِد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابُه في الأرض الدويَّة المُهلِكة، بعدما فقدَها وأيِسَ من أسباب الحياة، ولم يجِئ هذا الفرح في شيءٍ من الطاعات سوى التوبة.
ومعلومٌ أن لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حال التائب وقلبه، ومزيدُه لا يُعبَّر عنه، وهو من أسرار تقدير الذنوب على العباد؛ فإن العبد ينالُ بالتوبة درجةَ المحبوبية، فيصيرَ حبيبًا لله، فإن الله يحبُّ التوابين، ويحبُّ العبدَ المُفتَّن التواب، ويُوضِّحُه: أن عبودية التوبة فيها من الذل والانكسار والخضوع والتملُّق لله والتذلُّل لله ما هو أحبُّ إليه من كثيرٍ من الأعمال الظاهرة وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة؛ فإن الذل والانكسار روح العبودية ومخُّها ولبُّها، يُوضِّحه: أن حصول مراتب الذل والانكسار للتائب أكملُ منها لغيره، فإنه قد شاركَ من لم يُذنِب في ذل الفقر والعبودية والمحبة، وامتاز عنه بانكسار قلبه.
ولأجل هذا فإن أقربَ ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد؛ لأنه مقامُ ذلٍّ وانكسار بين يدي ربه، ويُوضِّحُه: أن الذنبَ قد يكون أنفعَ للعبد إذا اقترنَت به التوبة من كثيرٍ من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: "قد يعملُ العبدُ الذنبَ فيدخل به الجنة، ويعمل الطاعةَ فيدخل بها النار". قالوا: وكيف ذلك؟ قال: "يعمل الذنبَ فلا يزالُ نُصبَ عينيه إن قامَ وإن قعدَ وإن مشى ذكر ذنبَه، فيُحدِثُ له انكسارًا وتوبةً واستغفارًا وندمًا، فيكون ذلك سببَ نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزالُ نُصبَ عينيه إن قامَ وإن قعدَ وإن مشى، كلما ذكرَها أورثَته عُجبًا وكِبرًا ومنَّةً، فتكون سببَ هلاكه.
فيكون الذنبُ مُوجِبًا لترتُّب طاعاتٍ وحسناتٍ ومعاملاتٍ قلبية؛ من خوف الله، والحياء منه، والإطراقِ بين يديه، مُنكِّسًا رأسه خجِلاً باكيًا نادمًا مُستقيلاً ربَّه، وكل واحدٍ من هذه الآثار أنفعُ للعبد من طاعةٍ تُوجِبُ له صولةً وكبرًا وازدراءً بالناس، ورؤيتهم بعين الاحتقار.
ولا ريبَ أن هذا المُذنِبَ خيرٌ عند الله وأقربُ إلى النجاة والفوز من هذا المُعجَبِ بطاعته، الصائلِ بها، المانِّ بها وبحاله على الله - عز وجل - وعباده، وإن قال بلسانه خلافَ ذلك فالله شهيدٌ على ما في قلبه، ويكادُ يُعادِي الخلقَ إذا لم يُعظِّموه ويرفعوه ويخضَعوا له، ويجدُ في قلبه بُغضةً لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتَّش نفسَه حقَّ التفتيش لرأى فيها ذلك كامنًا". اهـ.
هذا؛ ويجبُ التنبُّه - يا عباد الله - إلى ما في تفسير كثيرٍ من الناس للتوبة من قصورٍ ونقصٍ عن فهم المعنى المُراد؛ فإن كثيرًا من الناس - كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "إنما يُفسِّر التوبةَ بالعزم على ألا يُعاوِدَ الذنبَ، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالندم عليه في الماضي، وإن كان في حقِّ آدمي فلا بد من أمرٍ رابعٍ هو التحلُّل منه، وهذا الذي ذكروه بعشُ مُسمَّى التوبة؛ بل شطرُها، وإلا فالتوبةُ في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما تتضمَّن ذلك تتضمَّن أيضًا: العزمَ على فعل المأمور والتزامه، فلا يكون بمجرد الإقلاع والعزم والندم تائبًا حتى يُوجَد منه العزمُ الجازمُ على فعل المأمور والإتيان به.
فإن حقيقة التوبة: الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يُحبُّ وترك ما يكره، فهي رجوعٌ من مكروهٍ إلى محبوب؛ فالرجوع إلى المحبوب جزءُ مُسمَّاها، والرجوعُ عن المكروه هو الجزءُ الآخر، ولهذا علَّق - سبحانه - الفلاحَ المُطلقَ على فعل المأمور وترك المحظور بها فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31]؛ فكل تائبٍ مُفلِح، ولا يكون مُفلحًا إلا من فعل ما أُمِر به، وترك ما نُهِي عنه، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[الحجرات: 11]، وتاركُ المأمور ظالم، كما أن فاعلَ المحظور ظالم، وزوالُ اسم الظلم عنه إنما يكون بالتوبة من الأمرين معًا؛ أي: من ترك المأمور ومن فعل المحظور".
فاتقوا الله - عباد الله -، وتوبوا إلى الله ابتغاءَ رضوان الله، وتأسِّيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: «يا أيها الناس! توبوا إلى الله؛ فإني أتوبُ في اليوم إليه مائةَ مرة»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه".
وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله: محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بذلك في كتابه؛ حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعَ سخطك.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-17-2011, 12:23 AM   رقم المشاركة : 23

 

خطبة الجمعة 14/8/1432هـ من المسجدالحرام بمكة المكرمة
معالم الهدى في أجواء الفتن

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "معالم الهدى في أجواء الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن بعض المعالم والإضاءات التي ينبغي على كل مسلمٍ أن يسير مُهتدِيًا بها، مُلتزِمًا بما جاء فيها من الأخبار الشرعية الحاثَّة على ذلك، وقد أعطى في آخرها بعضَ الوصايا المهمة لاجتناب طرق الفتن والضلالة.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله المُتفرِّد بكمال القدرة، لا إله إلا هو الواحد القهَّار لا يقدُر أحدٌ قدرَه، أستغفره وأستهديه كم صفَحَ وكم غفَر وكم أقالَ من عثْرَة، وأُثني عليه بما هو أهلُه وأشكرُه على سوابغِ نعمٍ لا تُحصَى عددًا وآلاءٍ لا يُحاطُ بها كثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصة أرجو بها النجاةَ بدُ الله ورسوله عبدٌ لا يُعبَد ورسولٌ لا يُكذَّب بل يُطاع ويُتَّبَع ويُسمَع له في العُسر واليُسر والمنشَط والمَكرَه، صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه وعلى أصحابه الكرام وآله السادة العِترة، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ممن اجتنَبَ نهيَه واتبعَ أمره وسلَّم تسليمًا دائمًا عشيَّةً وبكرة.
أما بعد:
فأُوصيكم - عباد الله - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فأكرم الناس عند الله أتقاهم، وأكرم الخلق على الله نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله ومُصطفاه وخليلُه ومُجتباه، وقد أمره بقوله - عز شأنه -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ[الأحزاب: 1].
فاتقوا الله - رحمكم الله -، واسمعوا وأطيعوا؛ فطُوبى لمن سمِع فوعَى، ثم طُوبَى لمن تذكَّر لحدَه يوم يُوضَع فيه وحده، يوم يُنفَخ في الصور، ووُضِع الكتاب، وتقطَّعَت الأسباب، فشخَصَت الأبصار؛ فإما إلى جنةٍ وإما إلى النار، وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[الجاثية: 28، 29].
أيها المسلمون:
إن من منَّة الله على أهل الإسلام: أن وحَّد لهم مصدرَ التلقِّي، فلا تذبذُب ولا اضطراب في تلقِّي حقائق العقائد والأحكام وسُبل الهدى، المصدر: هو الوحي المعصوم الثابت من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، وما صحَّ من سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، يُؤمنُ أهل الإسلام بكل ما ثبتَ به اللفظ وصحَّ به الخبر فيما هو شاهد وفيما هو غائب، ما عقَلناه وما جهِلناه، ما أحطنا بحقائقه وما لم نُحِط، ومن طلبَ الحق في أمور الدين من الأحكام والعقائد والهُدى من غير هذا المصدر فقد ضلَّ سواء السبيل.
ومن ظنَّ أنه يعتمِد على فهمه في هذه النصوص والأخبار دون النظر في فهمِ السلف الصالحين وأهل العلم الأثبات الراسخين، وأن فهمَه مُقدَّمٌ على فهومهم فقد سلكَ المسالكَ المُعوَجَّة.
يُقال ذلك - أيها المسلمون - ويُقرَّر حين يكون الحديثُ عن الفتن وتبيُّنها وأخبار الملاحِم وأنباء الحوادث الكُبرى، أخبارٌ وأنباءٌ تتعلَّق النفوس بها وتبحث عن تأويلها وأوقات حُدوثها ومواعيد وقوعها، ومما يستدعِي الإيضاحَ والبيان: أن من قواعد البشر التعلُّق بالغيبيات والتشوُّف لاستشراف المستقبل والتتبُّع لمعرفة أنباء مخبوء الغيب؛ من تأويل النوازل، وتفسير الأحداث، وأعمار الدول، وفناء الأمم؛ بل تراهم يتعلَّقون بالرُّؤى والمنامات وأنباء الغيب، حتى إنهم ليلجئون إلى الكهَّان والمُنجِّمين والمُشعوِذين والمُعبِّرين وأضرابِهم بُغيةَ استكشاف ما وراء الحُجُب؛ ذلك أن العلة بما سيكون والتطلُّع لحوادث المستقبل أمرٌ تنجذِب إليه النفوس؛ فهو حلوُ المذاق، عذبُ الطعم، وفي مقدمة ذلك: أحاديث الفتن والملاحِم وأخبار آخر الزمان، تتشوّق لها نفوسهم، وتتشوَّف لها رغباتُهم، وتمتدُّ إلى سماع أخبارها أعناقُهم.
غير أن الله - سبحانه - طوَى عن الخلق حقائق الغيب، وضربَ دونه الأسداد، وحجَبَه عن أكثر العباد، وفتحَ لهم بابًا يكون لهم فيه نفعُهم في أمور دينهم ودنياهم، لا يدخل عليهم ضرر، ولا يشغلهم عن مهماتهم ووظائفهم.
أيها المسلمون:
وهذا بيانٌ لمعالم هُدى يتبيَّنها المسلم وهو ينظر في أحاديث الفتن ويستمِعُ إليها ويقرأُ عنها؛ فمن معالم الهُدى: أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - يُخبِرنا عن حلول الفتن واضطراب الأحوال وأنباء الهَرْج والمَرج وحوادث آخر الزمان وأشراط الساعة، فليس من أل التخويف والإنذار وحده، ولا لمجرد الإخبار باقتراب الزمان وتغيُّر الناس وحُلول الهَرْج والمَرْج؛ بل لأجل الاشتغال بالعمل وبذل مزيدٍ من الصالحات.
ألم تروا إلى نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - حين سُئِل عن الساعة، فقال للسائل: «ماذا أعددتَ لها؟»، وفي لفظٍ: «ويلكَ؛ ما أعددتَ لها؟».
فتأمَّلوا هذا التوجيهَ النبوي من المعلِّم الهادي - صلى الله عليه وسلم -، فقد صرفَ السائلَ إلى ما يعنيه ويُفيده.
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "والحكمةُ من هذه الأحاديث والأنباء إيقاظُ الغافلين، والحثُّ على التوبة، والاستعداد؛ فهذه الأخبار مواعظُ تزجُر القلوب لتُقبِل على علاَّم الغيوب - جل وعلا -".
فالعبدُ الحازمُ المؤمنُ من إذا سمِع ما صحَّ من هذه الأخبار قادَه ذلك إلى العمل والحَزم والاستعداد، والخُسران والدَّمار لمن أعرضَ واشتغل بالتأويلات والتخييلات الصارفة، فهي أخبارٌ وأنباءٌ لزيادة الإيمان وإقامة الحُجَّة ومزيد العمل والعبادة.
وتأمَّلوا هذا التوجيهَ النبوي في قوله - عليه الصلاة والسلام - وهو يذكُر الفتن: «فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبرُ فيهن مثلُ قبضٍ على الجمر، للعامل فيهن مثلُ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم». قالوا: يا رسول الله! أجر خمسين منهم؟ قال: «أجر خمسين منكم»؛ أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من حديث أبي ثعلبَة الخُشنيِّ - رضي الله عنه -.
وفي حديث معقِل بن يسار - رضي الله عنه - في "صحيح مسلم" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «العبادة في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ».
قال أهل العلم: "أي: العبادة في وقت اختلاف الناس واشتغالهم"، قالوا: "وعظُم الفضل لأن الناس يغفلونَ عنها ويشتغِلون بها، ولا يتفرَّغ إلا من رحِم الله وعصَم".
وتأمَّل ما تفعلهُ وسائلُ الإعلام في صرفِ الناس وانشغالهم بمُتابعتها ليلاً ونهارًا، يشغلُ بها المُبتَلى نفسَه وفِكرَه وأصحابه في تحليلات وتعليلات وتخييلات وهو ليس فيها من قبيلٍ ولا دبيرٍ؛ هل هذا خير أم انصراف المرء إلى الإحسان في عمله ومسؤولياته المُؤتَمن عليها والمسؤولٍ عنها والمُحاسَب عليها.
شغلَ نفسَه بقراءة الصحف وسماع المِذياع ومُشاهَدة القنوات ومُتابعة المواقع، ومن انشغلَ بما لا يعنيه انصرف عما يعنيه.
ولعلَّ المُتأمِّل يُدركُ لماذا شبَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العبادَة بالهجرة؟
قال أهل العلم: "لأن الهجرة فرارٌ بالدين من المكان المَخوف المُضطرب إلى المكان الآمِن الذي يُقيم فيه المسلمُ دينَه".
والعبادةُ في أزمان الفتن فرارٌ من هذه الموجات، فرارٌ إيجابي وليس انهزامًا وسلبية؛ بل هو البناءُ والعمل، اشتغالٌ بالعمل الصالح والعبادة والإصلاح ونُصرة الدين وجمع الكلمة والتحذير من الفُرقة، في أبوابٍ من عمل الخير وأنواعٍ من العبادات الواسعة مفتوحة؛ من صلواتٍ، وصدقاتٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وعمرةٍ، وزيارةٍ، وإحسانٍ في المعاملات، وصدقٍ في العلاقات، وصفاءٍ في القلوب، وحبٍّ في الخير، والنُّصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من كل ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، من أعمالٍ مالية وبدنية وقولية وقلبية، وما فتحَ الله من أنواع الأعمال والطاعات، ولكل عملٍ بابٌ من أبواب الجنة.
فشمَّر الصالحون المُوفَّقون عن ساعد الجدِّ، وتلمَّسوا أبوابَ الخير والنجاة والثبات، واتقَوا الفتن، واجتنَبوا أبوابَ الشر، «وإذا قامَت القيامة وفي يد أحدكم فَسيلة فليغرِسها».
أيها المسلمون:
ومن معالم الهُدى في أوقات الفتن وسماع أخبار الملاحِم: التأنِّي في الفهم والتأويل، والتأنِّي في تنزيل الأخبار على الوقائع والأحداث، يقول عبد الله: "إنها ستكون هنَّاتٌ وأمورٌ مُشتبِهات؛ فعليك بالتُّؤدة، فلأَن تكون تابعًا في الخير خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر".
فالعاقل الزاكي من يُدرِك الأمور بعقله وبصيرته، والجاهلُ يندفِعُ بعاطفته وغفلته، العاقل المُتثبِّت يلزمُ الهدوء والسكينة والاعتدال، ويجتنبُ العجلَة والخفَّة، لا يقنَط عند المُصيبة، ولا يضطرِبُ عند النازِلة، ولا يتعدَّ حدود الشر ولا سيما ذوو الرأي والريادة ومن هم في مقام الرئاسات والتوجيه وذوي الشأن.
ولقد قال الحبيبُ المُصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه - وقد سمِعوا اضطرابًا في المدينة -: «لن تُراعوا».
وتأمَّلوا ثبات أبي بكر - رضي الله عنه - عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهل هناك مُصابٌ جلَلٌ أعظمُ منه؟! لقد جمع الله لأبي بكر - رضي الله عنه - الصبرَ والثباتَ واليقينَ، يقول أنس - رضي الله عنه -: "خطَبَنا رسول الله أبو بكر - رضي الله عنه - وكنا كالثعالب، فما زال يُشجِّعُنا حتى صِرنا كالأسود"، ثم كان من أبي بكر ما كان؛ من بعثِ جيش أسامة، وحروب الرِّدَّة ومانِعي الزكاة، فثبَّتَ الله به الدين والأصحابَ، وقوَّى العزائم، وحفِظَ الإسلام.
ومن التثبُّت: التروِّي وعدم التعجُّل في إعطاء الرأي أو إبداء الحكم أو التفسير؛ بل قد لا يلزمُ إبداء الرأي ولا التكلُّم في كل نازلة، فما كل رأيٍ يُجهَر به، ولا كل ما يُعلَم يُقال، ولا كل ما يصلُح للقول يُقال عند كل أحد.
وقد قال بعض الحكماء: "إن لابتداء الكلام فتنةً تروق، وجِدَّةً تُعجِب، ومن سكت لا يكاد يندَم، ومن تكلَّم لا يكاد يسلَم، والعجِل يقول قبل أن يعلَم، ويُجيبُ قبل أن يفهَم، ويعزِم قبل أن يُفكِّر، ويمضِي قبل أن يعزِم، وخَميرُ الرأي خيرٌ من فَطيره، والخطأُ زادُ العَجول، ورُبَّ رجلٍ واسعِ العلمِ بحرٍ لا يُزاحَم، لكنه قصير النظر، يُؤتَى من جُرأته وتسرُّعه وقلَّة أناتِه وتدبُّره".
ومن معالم الهدى - يا عبد الله -: إن كنتَ ممن لم يتبيَّن له موقفٌ واضحٌ من تلقاء نفسه، أو من توجيه علماء خُبراء ثقات؛ فلتعتزِل الخوضَ في ذلك والاشتغال به، ولتلتفِت إلى خاصَّة نفسك، وفي مثل ذلك جاء الحديث الصحيح في "سنن أبي داود" عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن بين أيديكم فتنًا كقطع الليل المُظلِم، يُصبِح الرجلُ فيها مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي». قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «كونوا أحلاسَ بيوتكم».
وفي خبرٍ آخر في "سنن الترمذي": «أمسِك عليك لسانَك، وليسَعْك بيتُك، وابكِ على خطيئتك».
وعند أبي داود أيضًا: «إن السعيدَ لمن جُنِّب الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّب الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّب الفتن، ولمن ابتُلِي فصبَر».
ومن أظهر مظاهر الاعتزال: كفُّ اللسان؛ فقد أخرج ابن ماجه في "سننه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تكون فتنة تستنظِفُ العرب - أي: تقتلهم -، قتلاها في النار، اللسانُ فيها أشدُّ من وَقع السيف».
وكم للإعلام في ذلك بوسائله من ضحايا وهَلْكى وقتلَى؟!
وفي هذه الأجواء والظروف جاء توجيه الشرع الحكيم بأن يأخذ الإنسان ما يعرف ويترك ما يُنكِر؛ ففي "صحيح البخاري" - رحمه الله - عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: شبَّك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعَه وقال: «يا عبد الله بن عمرو! كيف بك إذا بقيتَ في حُثالةَ الناس؟!». قلتُ: يا رسول الله! كيف ذلك؟ قال: «إذا مرَجَت عهودهم وأماناتُهم، وكانوا هكذا» - وشبَّك يونس أصابعَه -. قلتُ: ما أصنع عند ذلك يا رسول الله؟ قال: «اتق الله - عز وجل -، وخذ ما تعرف ودع ما تُنكِر، وعليك بخاصَّتك، وإياك وعوامَّهم».
معاشر المسلمين:
ومن معالم الهُدى: ألا تُربَط كل حادثةٍ كبرى أو نازلةٍ عامة أو واقعةٍ غريبة بنصٍّ شرعي أو خبرٍ سمعيٍّ، فقد تحصُل الواقعة وتنزلُ النازلة ولا يُقابلُها نص، وقد يرِد النصُّ ولم يقع تأويله بعدُ، وقد حدثَت في تاريخ الأمة الطويل أحداثٌ جِسام وواقِعاتٌ عِظام لم يتكلَّف السلف مُقابلَتها بالنصوص؛ فقد ضربَ الحَجَّاجُ الكعبةَ بالمنجنيق، وأخذ القرامِطةُ الحجرَ الأسود، وجرَت حروبُ التتار، والحروب الصليبية، واحترقَ المسجدُ الأقصى، فلا ينبغي تكلُّف البحث والتعسُّف في التأويل والانشغال بالتفسير، وإنما المطلوب العمل، والأخذ بالأسباب، ومُدافعةُ الأقدار بالأقدار، وحفظُ الدين وحمايةُ أهل الإسلام، وأخذُ الحيطَة والحَذَر، وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ[النساء: 104].
ومن معالم الهُدى - يا عباد الله -: الثقةُ بأهل العلم وتقديرُهم، والعلمُ بأن براءة الذمَّة وسلامة الدين تحصُل بالرجوع إليهم وسؤالهم؛ فيجبُ توقيرُهم وحفظُ حقوقهم وتجنُّب الانتقاص من أقدارهم، أو الحطّ من منازلهم ومقاماتهم وإن كانوا غيرَ معصومين.
وحينما حذَّر معاذٌ - رضي الله عنه - من زيغَة الحكيم قال: "ولا يَثنِينَّك ذلك عنه؛ فلعله أن يرجع، وتلقَّ الحقَّ إذا سمعتَه؛ فإن على الحق نورًا".
ومما يحفظُ حقَّهم: البُعد عن مجالس الجِدال ومجالس الوقيعة - وبخاصةٍ - في أوقات الفتن التي يكثُر فيها القيلُ والقال.
وأيُّ فتنةٍ أشد حين ينتقصُ الناسُ من علمائهم والراسخين منهم والربانيين ليُعجَب كل ذي رأيٍ برأيه، فيُشمِّر عن ساعده، ويحسُر عن ساقه ليقول: ها أنذا، لا يلتفتُ بعضُهم إلى بعض، ولا يرى بعضُهم لبعضٍ حقًّا ولا منزلةً ولا علمًا ولا رأيًا، يتقدَّمُ الأصاغرُ على الأكابر، كلهم يزعُم أنه المُتكلِّم في مصالح الأمة، وأنه الذي يفهمُ واقعَها، وكلهم يرى أنه الأحقَّ ليقود السفينة.
ناهيكُم بالمُتعجِّلين المُتكلِّفين ممن لا يُراعِي ما يرعاه القوم من الأصول وضبط القواعد وشدِّ المعاقِد؛ فهذا الغافلُ في شأن وأهل العلم الأثبات في شأنٍ، وقد جعل الله لكل قومٍ قدرًا، فالحَذَر الحَذَر من مُناكفَة أهل العلم والحِكمة، فأيُّ خُذلانٍ ألا يعرفَ المرءُ مقدارَ أهل العلم وعُمق علومهم وقلةَ تكلُّفهم ونورَ بصائرهم، وكل ذلك يحتاجُ إلى مُراوضةٍ وإلى تمسُّكٍ بأدب الإنصاف؛ لتكون الرحمةُ والإصلاح وحُسن التقويم وتزكيةُ النفوس واحترامُ العقول.
وبعدُ - حفظكم الله ورحمكم -:
فإن حقيقة الفتنة: كل ما يكشِفُه الابتلاء والامتحان، ويتبيَّن به حالُ المسلم؛ من خيرٍ أو شرٍّ أو خوفٍ أو أمنٍ أو ثباتٍ أو اضطراب، وهذه الفتنُ تنشأُ من فهمٍ فاسدٍ أو نقلٍ كاذبٍ أو غرضٍ مُنحرف أو هوًى مُتَّبع، والفتنُ يقعُ فيها ضعيفُ البصيرة قليل العلم، لا سيما إذا اقترنَ بذلك سوءُ القصد وغلبةُ الهوى، فهنا الفتنةُ العظمى والمُصيبةُ الكبرى، والأمةُ تخرج - بإذن الله - بعد الإيمان به والاعتصام بحبله، تخرج بالتفكير المُستنير، والنظر الثاقب، وفقهِ الأسباب والمُسبَّبات، والعواقِب والمُقدِّمات، وإتيان البيوت من أبوابها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِأَوِ الْخَوْفِأَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[النساء: 83].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-17-2011, 12:27 AM   رقم المشاركة : 24

 

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله جعل الدنيا دار ممرٍّ واعتبار، والآخرةَ دار جزاءٍ وقرار، أحمده - سبحانه - وأشكره على ثواب نعمِه وفضله المِدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفَّار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى المُختار، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابه البرَرة الأخيار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وعلى طريق الحق والهُدى سار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن من معالم الهُدى في أجواء الفتن: السمعَ والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، ولزومَ جماعة المسلمين، والاجتماع على الدين، والحذرَ من الفُرقة وشقِّ صفِّ الأمة المُجتمِع؛ فالجماعةُ رحمة والفُرقة عذاب، وأكثرُ ما تتجلَّى عواملُ الفُرقة في أجواء الفتن والاضطراب في مسلكَيْن: البغي وسوء التأويل.
أما البغي: فبمُجاوزة الشرع، وأما التأويل: فبتفسيرٍ من غير مُستنَد شرعيٍّ صحيح.


أيها المسلمون:
هذه معالمُ هُدى يدخلُ بعضُها في بعض، ويدلُّ بعضُها على بعض، ويُفسِّرُ بعضُها بعضًا، ويُنبِّهُ ما ذُكِر منها على ما لم يُذكَر، مع ما يجمعُ هذه المعالم مما يجبُ من محبة المسلمين والشفقة عليهم والنُصرة لهم؛ ففي الحديث عند مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمتَه على خير ما يعلمُه لهم، ويُنذِرهم شرَّ ما يعلمُه لهم، وإن أمتُكم هذه جُعِل عافيتُها في أولها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمور، وتجيءُ فتنةٌ فيُرقِّقُ بعضُها بعضًا، وتجيءُ الفتنة فيقول المؤمنُ: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويدخل الجنة فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ الناسَ الذي يحبُّ أن يُؤتَى له».
والوصيةَ الوصيةَ - عباد الله -، الوصيةَ الوصيةَ في الإخلاص، والإحسان، والنُّصح، والصدق، وترك ما يَريب، والتثبُّت فيما يُسمع ويُنقَل، وعدم الاغترار بالكثرة في الموافقة والمخالفة، والحذَرَ الحَذَر من الاندفاع والحماس غير المُنضبِط، مع لزوم الرفق والأناة والصبر وحفظ اللسان وصدق اللجوء إلى الله، والتوبة، والإنابة، والدعاء، والاستغفار، وحُسن التوكُّل، والاعتصام بالكتاب والسنة.
وليُعلَم أن الصبر في الأزمات، والحلمَ في النكبَات، والتثبُّت إذا ترادَفَت الضوائق، والأناة إذا تكاثَرت العوائق، كل أولئك فرسانٌ - بإذن الله - لا تكبو، وصوارم لا تنبُو، وجنودٌ لا تُهزَم، وحصونٌ لا تُهدَم، واستجماعُ ذلك كله - بعون الله - لا تزيغُ معه الأبصار، ولا تطيشُ به الأحلام، ولا تضِلُّ فيه الأفهام؛ بل تتبيَّن الأمور بحقائقها، والأحداثُ بدوافعها.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فمن علِمَ الله من قلبه الصدقَ والنصحَ والإخلاصَ وإرادة الصلاح والإصلاح وفَّقه وسدَّده وثبَّته وأنارَ بصيرتَه، إِنَّهُمَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[يوسف: 90].
ألا صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - وهو الصادق في قيله - قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانهم وأعوانهم لما تحب وترضى، وخُذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لأمة الإسلام أمرَ رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُهدَى فيه أهل المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، واجمع على الحق والهدى والصلاح كلمَتهم، وولِّ عليهم خيارَهم واكفِهم شِرارهم، وابسُط الأمنَ والرخاءَ في ديارهم، وأعِذهم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بَطَن، وأعِذهم من المُضِلاَّت.
اللهم وارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم أنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحان ربك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-22-2011, 11:41 PM   رقم المشاركة : 25

 

القمر أحكام وآداب

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "القمر أحكام وآداب"، والتي تحدَّث فيها عن مخلوقٍ من مخلوقات الله وآيةٍ من أعظم آيات الله، وهو القمر، وذكر بعضَ ما ورد فيه من آياتٍ وأحاديث تُبيِّن الأحكام والآداب التي ينبغي على المسلم التزامها، ونبَّه إلى الاعتقادات الباطلة عند الناس وأهل الفلك والتنجيم، وأشاد بضرورة عدم الاختلاف والفُرقة بين المسلمين في مسألة اختلاف المطالع، وأن الأمر فيه سعةٌ وهو من قبيل الاجتهاد.


الخطبة الأولى

الحمد لله فَالِقُالْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَسَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًاذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[الأنعام: 96]، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[لقمان: 29]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخِيرتُه من خلقه، دعا إلى سبيل ربه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلَ بالتي هي أحسن، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي - بلزوم تقوى الله حقَّ التقوى، والاستمساك من الإسلام بالعُروة الوُثقى، أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس: 62، 63].

عباد الله:
مخلوقٌ عظيمٌ من مخلوقاتِ الله، له وقعٌ في نفوس العباد، وفيه إطلالةٌ ونورٌ يُشعِلان الحياةَ في وجودنا، كما أنه آيةٌ من آيات الله الظاهرة، ذكره الله في كتابه سبعًا وعشرين مرةً، وأقسم به في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم، وسُمِّيت سورةٌ كاملةٌ باسمه، هو مضرِبُ الأمثال في تحريك مشاعر الحزن والبهاء والوصف والجمال، للشعراء معه غدوةٌ ورَوحة، فيه من صفات الإنسان مرحلةُ تكوينه؛ حيث يبدو وليدًا، فلا يزالُ ينمو إلى أن يتمَّ ويكتمل ليتلقَّى سنةَ الله في النقصان بعد الكمال والأُفول بعد الظهور والبُروز.
وللهِ ما أشدَّ فقدَه في الليلة الظلماء؛ إذ في الليلة الظلماء يُفتقَد البدر، إنه القمر - عباد الله -، القمر الفاضلُ على سائر الكواكب، والذي يُشيرُ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من موضع من سنته حالةَ التفضيل بين الأشياء، وذلك بقوله: «كفضل القمر على سائر الكواكب».
نعم؛ إنه القمر الذي يُذكِّرنا بالوجوه الناضرة التي هي إلى ربها ناظرة وذلك يوم القيامة؛ حيث يقول جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوسًا، فنظر إلى القمر ليلةَ البدر - ليلةَ أربع عشرة -، فقال: «إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا لا تُضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»، ثم قرأ هذه الآية: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا[طه: 130]؛ رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون:
قلوب العباد مُشرئبَّة، وعيونهم مُحدِقةٌ بلَهَف المُشتاق ولوعَة الفاقد، مُشرئبَّةٌ لانبثاق هلال رمضان الوليد الذي سيُطِلُّ عليهم بعد أيامٍ معدودة، يترقَّبون ذلك الوليد ليُؤذَنوا بشهرٍ له في مجتمعهم تأثير، وفي نفوسهم تأديب، وفي مشاعرهم إيقاظ.
يترقَّبون ذلك الوليد بعد أن ظلُّوا أحدَ عشر شهرًا وهم سائرون في مسالك الحياة ودروبها، ينالون منها وتنالُ منهم.
فيا لله العجب؛ كيف أودع الله في هذا المخلوق من العِبر والحِكم ما لو استشعرَ العبدُ أثرَه وقيمتَه وتتبَّع أسراره لوجدَ ما يهديه إلى زيادة المعرفة بربه وقدره حقَّ قدره، وكيف أن الله أقسم به فقال: كَلَّا وَالْقَمَرِ[المدثر: 32]، وقال: وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا[الشمس: 2]، وقال: وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ[الانشقاق: 18].
إن الله لا يُقسِم إلا بشيءٍ عظيم، وله - سبحانه - أن يُقسِم بما شاء من مخلوقاته وليس للبشر ذلك، فليس لهم الحلِفُ إلا بالله، ولا القسَم إلا بالله، وأن من حلَفَ بغير الله فقد كفرَ أو أشركَ، كما صحَّ بذلكم الخبر عن الصادق المصدوق - صلوات الله وسلامه عليه -.
لقد كتب الله على القمر إهلالاً ثم إبدارًا ثم أُفولاً، وهذه سنة الله في الأشياء: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ[يس: 39]؛ لأن لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانًا ونهاية، وهذه حالُ الناس؛ فدوامُ الحال من المُحال، وكل اجتماع فإلى افتراق، والدهرُ ذو فتحٍ وذو إغلاق، فقد جاء في "الصحيح" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن حقًّا على الله ألا يرفعَ شيئًا من الدنيا إلا وضعَه».
فعلامَ إذًا ينتشِي المرءُ ويُصيبُه الزُهُوُّ والغرور والإعجابُ بالنفس وهو إلى الزوال صائر، وإلى الأُفول سائر، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[الرحمن: 26، 27]، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ[الفرقان: 58].
اُرقُب زوالاً إن تكن حُزتَ العُلا
فالشيءُ يهوِي بعد أن كان ارتفع
ما طارَ طيرٌ مرةً نحو السما
مُستمتِعًا إلا كما طار وقع

إن مما ألجَمَ به الخليلُ - عليه السلام - أفواهَ قومه في عبادةِ غير الله أو الإشراك به أن جعل القمر علامةً على وحدانيته - سبحانه -، وأنه مُستحقٌّ للعبادة وحده دون سواه، وذلك حين قال عنه: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ[الأنعام: 77]، ومَن مَصيرهُ الأُفول فهو ليس مُستحقًّا للعبادة، فـ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ[البقرة: 255].
أيها المسلمون:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أنس - رضي الله عنه - أن أهلَ مكة سألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُريَهم آيةً، فأراهم القمرَ شِقَّين، حتى رأوا حِراء بينهما، وقد قال الله - جل وعلا -: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ[القمر: 1]، فكان حادثُ الانشقاق من مُعجِزاته - صلى الله عليه وسلم - ودلائل نبوَّته وهو الصادق المصدوق.
عباد الله:
إن الله - جل وعلا - جعل للعبادات أوقاتًا زمانيةً وأوقاتًا مكانية، وقد احتلَّ القمرُ جزءًا كبيرًا من الأوقات الزمانية؛ كالحج في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ[البقرة: 197]، وكالصوم في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[البقرة: 185]، وغير ذلكم من المواقيت الزمانية المرهونةِ بالأهِلَّة ومنازلِ القمر؛ كالعِدَد، وأيام البِيض، وغيرها.
والتوقيتُ القمريُّ هو مما امتنَّ الله به على أمة الإسلام وجعله من خصائصها؛ حيث كانت الأمم السابقة تعتبِر ميقاتها وأعوامَها بالسنة الشمسية وهي تزيدُ على القمرية بأحد عشر يومًا، ومنه قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا[الكهف: 25]، فثلاثمائة بتقدير الشمس، وثلاثمائة وتسع بتقدير القمر، وكان ميقاتَ العرب قبل الإسلام هو القمر خلافًا لمن سواهم، فوافقَ الإسلامُ هذا التوقيتَ ووجَّهَه.
وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنا أمةٌ أمِّية لا نكتُب ولا نحسِب، الشهرُ هكذا وهكذا» - يعني: مرةً تسعةً وعشرين، ومرةً ثلاثين -؛ رواه البخاري ومسلم.
وبعدُ، أيها الناس:
فإن القمر آيةٌ من آيات الله يُخوِّفُ الله به عبادَه بخُسوفه في الدنيا وخُسوفه في الآخرة، كما قال تعالى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ[القيامة: 7- 12].
هذا هو القمر - عباد الله -، وتلكم بعض المُلَح والطرائف والحِكَم التي أودعها الله هذا المخلوق العظيم، والله - جل وعلا - يقول: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ[لقمان: 11]، ولذا فإن من العيب كل العيب الاستهانةَ به، ومن الانحرافَ المشين التوقيتَ والتأريخ بغيره، كما أن من الخطأ تنشِئَة الصغار على التعلُّق بالرسوم، سواء كانت ثابتةً أو متحركةً والتي يُبرِزون من خلالها القمرَ وله عينان وأنف ونحو ذلك، أو أن له فمًا أو أنه يضحك ويبكي، فهو آيةٌ من آيات الله لا يجوز امتهانُها والاستخفافُ بها، إنما هي للاعتبار واستشعار عظمة الله وقدرِ الخالق حق قدره، فالله - جل وعلا - يقول: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ[الرعد: 2]، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[فصلت: 37].
وقد وقع في قديم الزمان وحديثه لدى بعض الأمم والشعوب اعتقاداتٌ خاطئةٌ في القمر خرجوا بها عما خلقه الله من أجله؛ فمنهم من ظنَّ أن يخسِف لموت أحدٍ أو حياته، وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في قصة الكسوف حين ظنَّ بعضهم أن الشمسَ كسَفَت لموت ابنه إبراهيم.
وقد كان المُنجِّمون والسحَرة والمُشعوِذون قديمًا وحديثًا يُقحِمون القمر في أمور الناس؛ فقد ذكر شيخ الإسلام وغيره أن عليًّا - رضي الله عنه - عندما أراد المسيرَ لقتال الخوارج عرضَ له مُنجِّم، فقال: يا أمير المؤمنين! لا تُسافر والقمر في العقرب، فإنك إن سافرتَ والقمر في العقرب هُزِم أصحابُك، فقال: "بل نُسافر ثقةً بالله، وتوكُّلاً على الله، وتكذيبًا لك"، فسافر فبُورِك له في ذلك، حتى عامةَ الخوارج.
وقد يعجبُ بعضُنا حينما يعلم أن دراساتٍ نفسية مُعاصرة لدى غير المسلمين كوَّنوا منها اعتقادًا باطلاً، وهو أن للقمر تأثيرًا على مِزاج الإنسان، وأن الجرائم تزداد عندما يكون بدرًا، ويُعلِّلون لذلك - تعسُّفًا منهم -: أن القمر له علاقةٌ بمدِّ البحار وجزرها، فكذلك الإنسان؛ لأن الماء يُمثِّل ثمانين بالمائة من وزنه.
ويزداد العجبُ - عباد الله - حينما يغترُّ بعضُ المسلمين بذلكم، ويُطوِّع النصوصَ الشرعية لتُوافقُ اعتقادًا خرافيًّا أبطلَه عُقلاءُ أولئك القوم، فكان من تطويع بعض المُغترِّين من المسلمين لهذه النصوص أن ربطَ بين الحكمةِ من صيام أيام البِيض وتأثير القمر على الإنسان حالَ الإبدار؛ وذلك للإقلال من الجرائم.
معاذ الله! مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ[ص: 7]، وما القمرُ إلا خلقٌ من خلق الله يسجدُ له كما يسجدُ بنو آدم: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ[الحج: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-22-2011, 11:44 PM   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فقد ذكر جمعٌ كثيرٌ من أهل التفسير: أن بعض الصحابة سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ما بالُ الهلال يبدو دقيقًا، ثم يزيد حتى يستويَ ويستدير، ثم ينتقِص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ[البقرة: 189].
ولنا وقفةٌ مع هذه القصة؛ لأن فِئامًا من الناس ممن لم يبلُغ نورُ الوحي مبلغَ اليقين في نفوسهم، فادَّعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حادَ عن الجواب في ذكر تفاصيل الهلال وولادته وتكوينه، وأن سبب ذلك كونه أُمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتُب، فلم يذكر من الجواب إلا أنها مواقيتٌ فحسب.
والأدهى من ذلكم - عباد الله - أن هناك من الْتاثَ بدخَنٍ من هذه اللَّوثَة فرأوا أن الرؤيةَ الشرعيةَ لا تتفق مع الحساب، وأنها ظنٌّ ونقصٌ أمام الوسائل العصرية، في حين إن الحساب يقينٌ في الدقة والصحَّة!
والجواب: هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عاجزًا عن التفاصيل وإن كان أُمِّيًّا، فهو يُوحَى إليه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يُخبِر بما هو أعظم من ذلكم، فقد وصف السماوات السبع ومن فيها من الأنبياء في قصة الإسراء، ونعتَ المسجدَ الأقصى كما هو.


وإنما كان جوابُه - صلى الله عليه وسلم - مُختصرًا؛ لكون رسالة أمته وحاجتها للعبادة والطاعة، وللأثر الفعلي للأهِلَّة لا النظري كانت الإجابة أنها مواقيت للناس والحج، فهذا هو ما ينفعهم فيها.
ومن ادَّعى أن في جوابه مخالفةً لما في علوم الفلك فقد أعظمَ على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - الفِرية، فكتابُ الله - جل وعلا - أكبرُ من أن يكون كتابًا فلكيًّا أو كيميائيًّا أو فيزيائيًّا، كما يُحاول بعضُ المُتحمِّسين أن يقصُروا همَّتهم في الخوض فيها بعيدًا عن كونه هدايةً ونورًا ونجاحًا، ولربما وقعوا بسبب ذلكم في محاذير ثلاثة:
أولها: التراجُع النفسي الذي يُخيِّل إليهم أن العلم هو المُهيمِن على القرآن، وأن القرآن تابعٌ له، فيُحاولون تثبيتَ القرآن بالعلم وإن كان القرآن خلافه، وهذه طامَّةٌ كبرى.
وثانيها: سوء الفهم لحقيقة القرآن ورسالته، وأن حقيقته نهائيةٌ لا تقبل التغيير والفحصَ؛ لأن قائلها هو الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
وثالثها: الوقوع في التأويل المُتعسِّف، والتكلُّف في توجيه نصوص القرآن بمعلوماتٍ ونظرياتٍ مُستجِدَّة قد تنسخُها أخرى لاحِقة، وهذا لا يعني بداهةً عدم الانتفاع بالمُستجدَّات العلمية في توسيع مدلول الآيات وإظهار إعجازها؛ لتكون هي تابعةً للقرآن لا العكس.
كما أنه ينبغي لنا بهذه المُناسبة أن نُؤكِّد على سعة الصدر فيما يتعلَّق بالحديث عن الأهِلَّة، وألا يكون اختلافُ المطالع سببًا للتنازُع والتدابُر، وأن يُؤخَذ الأمر على العفوية والاجتهاد المُوصِل إلى الهدف المنشود، وأن نتَّقِيَ الجدالَ العقيمَ دون لغطٍ أو تناوُشٍ مذموم؛ فالرؤيةُ أصلُها شرعي، وينبغي ألا يكون هذا الأصل مانعًا من أي استفادةٍ من المُستجدَّات التي لا تنقُض ذلك الأصل ولا تُعارِضُه؛ كالمُكبِّرات البصرية، والحساب المُعين على تحقيق الرؤية، وبذلكم تتفق وجهاتُ النظر، ويقلُّ الخلاف، وتقصُر المسافة.


وقد روى مسلم في "صحيحه" عن كُريبٍ، وفيه: أنه رأى الهلالَ بالشام ليلةَ الجمعة، ثم لما قدِم المدينة في آخر الشهر سأله عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنهما - عن الهلال فأجابَه بما رأى، ثم قال ابن عباس: "لكنا رأيناه ليلةَ السبت، فلا نزالُ نصوم حتى نُكمِل ثلاثين أو نراه"، ثم قال: "هكذا أمرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
فللهِ ما أحكمَ أولئك، وما ألطفَهم مع بعضهم البعض؛ فقد اختلفَت الرؤيةُ لديهم فلم تختلف قلوبهم، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[الأنعام: 90].
هذا؛ وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم بلِّغنا شهر رمضان، اللهم بلِّغنا شهر رمضان، اللهم ارزُقنا صيامَه وقيامَه وتلاوةَ كتابك آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة : 201].
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-30-2011, 02:06 AM   رقم المشاركة : 27

 

خطبة الجمعة 28/8/1432هـ
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "رمضان موسم الخيرات والبركات"، والتي تحدَّث فيها عن مواسم الخيرات التي خصَّنا الله بها، وأعظمُها: شهر رمضان، وقد عدَّد شيئًا مما ثبتَ عن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في فضله، ووجَّه الدعوة لوسائل الإعلام بتقوى الله وعدم إفساد الصيام على أنفسهم والصائمين.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده - سبحانه - ونستعينه ونستغفره، هو وليُّ التوفيق والهُدى، خصَّنا بموسمٍ للطاعات ما أهناه مورِدًا، من استبَقَه بلغَ من مراضي الديَّان فرقدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نتبوَّأ بها من الجِنان مقعَدً، وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله خيرُ من صامَ وقامَ فكان في الفضلِ أوحدًا، اللهم ربنا فصلِّ عليه محمدًا وأحمدًا، وعلى آله الأُلَى بلغوا من شهر التُّقَى مجدًا وسُؤددًا، وصحبِه الكرام الذين أمضَوا رمضانَ رُكَّعًا وسُجَّدًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجو المآلَ الأسعدا، وسلِّم تسليمًا كثيرًا لا يزالُ عذْبًا مُردَّدًا، ما راحَ في الإحسانِ رائحٌ أو غدا.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن رُمتُم عزًّا سرمدًا فاتقوا الله العظيمَ الأمجدا، واغتبِطوا بشهر الصيام تُفلِحوا اليوم وغدًا؛ فالسعيدُ من اتقى ربَّه واهتدَى، ولم يُضيِّع شريفَ الأوقاتِ بددًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
عليك بتقوى الله سرًّا وجهرةً
ففيها جميعُ الخير حقًّا تأكَّدا
لتُجزَى من الله الكريم بفضلِه
مُبوَّأ صدقٍ في الجِنانِ مُخلَّدًا
أيها المسلمون:
في مُضِيِّ المسلم لربِّه بالآصال والبُكور، وفي سيره لمولاه في جميع الأمور، مع ما يكتنِفُ ذلك من الماديات، وما يُصاحِبُه من مُتغيِّرات، وما يعيشُه كثيرون من فراغٍ وإجازاتٍ وأسفارٍ وسياحةٍ وتنقُّلات، وما تُعانيه الأمةُ من أحداثٍ ومُستجِدَّات، لا غرْوَ أن ينتابَه التواني والفُتور، والنَّمطِيَّةُ عبر الشهور؛ بل لربما التِّرَةُ والقصور في القِيَم والعبادات وشتَّى المجالات.
من أجل ذلك - وما أعظم ما هنالك - خصَّنا المولى - جلَّ اسمه - بأزمنةٍ مباركةٍ ومواسم بالخيرات والمِنَح نواسِم، اكتنَزَت حِكَمًا لاستنهاضِ النفوس مقصودة، وغاياتٍ باهراتٍ للتشويق للطاعات معقودة، فيها ينعطِفُ المسلمُ لشِيَمه التعبُّدية المحمودة، ويُعاوِد انبعاثَته في الخير المعهودة.
ومن تلك الأزمنةِ المَشوقة: شهرٌ عظيمٌ شأنه، شريفٌ زمانه، تبدَّى ببهائه إلينا، وأقبلَ برائع مُحيَّاه علينا، فيه تُدرِكُ النفوسُ ألَقَ الإحسان، ونداوَة اليقين وحلاوةَ الإيمان، إنه شهر رمضان المُبارك الميمون، أقبل ليُجدِّد لنا في كل يومٍ مسرَّةً وبُشرى، وينفَحَنا أريجًا طابَ عرْفًا ونشرًا، ويُزكِّي القلوبَ بالرحمات وقد أصارَها لديه أصرًا، وكم شدَّ بالتراويح والتهجُّد منا أزرًا وأزرًا، وأدلَجَ بنا في أنداء الطُّهر وأسرَى.
إخوة الإيمان:
إنه شهرُ الصيام والقيام، أقبلَ ليُوقِظَ فينا جمالَ الرجاء، ولذَّة الدعاء، وشوقَ التبتُّل الصادق الهتَّان، وتباريحَ التضرُّع الفَيْنان، بين يدي الرحمن، ولننهَل من كوثره الرقراق كؤوس الهُدى الدِّهاق، فيُحيلُ - بإذن الله - أرواحَنا أزهارًا مُمرِعة بسُيُوب الغفران، أسِيَةً بخمائل الرضوان.
فأهلاً بشهر التُّقى والجُود والكرَمِ
شهر الصيامِ رفيعِ القدرِ في الأُممِ
نفوسُ أهل التُّقَى في حبِّكم غرِقَت
وهزَّها الشوقُ شوقُ المُصلِح العلَمِ
معاشر المسلمين:
ضيفُكم الكريم هو الفرصةُ السانِحة، والصفقةُ الربانيةُ الرابحة للتزوُّد للدار الآخرة بالأعمال الصالحة، وليس إلى مرضات الرحمن - بحمد الله - كبيرُ مشقَّةٍ واقتحامِ عناء، إن راقبَ المسلمُ نفسَه وأولاهَا الحزمَ والاعتناء، وبادرَ إلى الطاعة دون تلكُّؤٍ أو وَناء، مُعتبِرًا بمن كانوا بيننا في العام الماضي وقد سرَت بهم المنَايَا القواضِي، فالبِدار البِدار إلى فضل الله الممنوح قبل فواتِ الروح، وأجهِدوا أنفسَكم أن يكون عهدُ التوانِي منسوخًا، وزمنُ التسويفِ مفسوخًا.
وفي مأثور الحِكَم: "من أشدِّ الغُصَص فواتُ الفرص، ومن أخدَ للتواني حصدَ الأوهامَ والأماني".
وخيرُ الدُّرَر ما صحَّ عن سيد البشر - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام -؛ فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهِد في رمضان ما لا يجتهِد في غيره؛ رواه مسلم.
ومن شمَّر عن ساعدِ العبادة والجِدِّ انصرفَ بمديد الفوز والجَدِّ.
يا أمتي! استقبِلوا شهرًا بروحِ تُقًى
وتوبةِ الصدقِ فالتأخيرُ إغواءُ
توبوا إلى ربكم فالذنبُ داهيةٌ
ذلَّت به أممٌ واحتلَّها الداءُ
أيها المؤمنون:
في رمضان يفتحُ الحُبور للصائم بابًا، ويفوزُ يومَ يُؤتَى باليمين كتابَه، وإذا لقِيض ربَّه وفَّاه حسابَه؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطرَ فرِح، وإذا لقِيَ ربَّه فرِحَ بصومه»؛ خرَّجه الشيخان.
وما دعا ربَّه إلا أجابَه، ولم يُوصِد دونه بابَه؛ يقول - عليه الصلاة والسلام -: «إن للصائم عند فِطره لدعوةً ما تُردُّ»؛ أخرجه ابن ماجه وغيره.
وإذا كانت أول ليلةٍ من رمضان صُفِّدت الشياطينُ ومرَدَةُ الجن، وغُلِّقَت أبوابُ النار فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبوابُ الجنة فلم يُغلَق منها باب، ويُنادِي مُنادٍ: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغِي الشرِّ أقصِر، ولله عُتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة؛ أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة وصحَّحه.
الله أكبر! ما أكرمه من عطاءٍ، وما أعظمَه من حِباء.
وكم لله من نفحَاتِ خيرٍ
بمقدَمِك السعيدِ أخا السناءِ
فكم خشَعَت قلوبُ ذوي صلاحٍ
وكم دمَعَت عيونُ الأتقياءِ
فحيَّ هلاً بمن اختار الخيرَ بنواحِيه وأطرافه، ولزِمَ المعروفَ من قواصِيه وأكنافِه، وكان دَيدَنُه الذكرَ والترتيلَ والصدقَة، والاستغفارَ والتوبةَ والنفقَة، وأداء الحقوق، والخروج من المظالِم، والرحمةَ والجُود على ذوي المَسغَبَة ممن أعوَزَهم الفقرُ والفاقَة والجفافُ والمجاعة.
أمة القرآن:
وطُوبَى لقومٍ يُلقون قلوبَهم إلى القرآن بالتدبُّر والسمع، فتفيضُ أعينُهم من الوجَل بالدمع، أزلفَهم الله إليه وأراضهم، وأكرمَ قلوبَهم بالقرآن وأحظاهم.
أمة الصيام والقيام:
تلك - وايْمُ الله، ثم وايْمُ الله - حقيقة القلوبِ والأجساد التي ما فُطِرت إلا لعبادة ربِّ العباد، ولتتملَّى مِنَح البرِّ الوَدود في محاريبِ الطاعات والسجود، فأين المُشتاقون لجنات الخلود؟!
ألا فلتجعلوا - معاشر المؤمنين، رحمكم الله - لجوارحِكم زِمامًا من العقل والنُّهَى، ورقيبًا من الورَعِ والتُّقَى؛ حِفظًا للصيامِ عن النقصِ والانفِلام؛ فأيُّ غَناءٍ في أن يدَعَ بعضُ المسلمين طعامَه وشرابَه ثم يركبُ الصعبَ والذَّلول للآثام والمُوبِقات والمعاصي والمنكرات، لا يردُّه من الدين وازِع، ولا ينزِع به من حُرمة الشهر نازِع.
وتحذيرًا للوالغين في هذا المكرَعِ الآسِن وتنبيهًا، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوعُ والعطَش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السهرُ والتعب»؛ خرَّجه النسائي، وابن ماجه.
وهل مقاصد الصيام العِظام - يا أمة خير الأنام - عليه الصلاة والسلام - إلا تهذيبُ النفوس وترقِيَتُها، وذمُّها عن أدرانِها وتزكيتُها، وتقويمُ جُنوحِها، وسَوسُ شِماسِها وجُموحِها، وذلك هو المُرادُ الأسمَى، والهدفُ الأسنَى من شِرعةِ الصيام في الإسلام؛ ألا هو: تحقيقُ التقوى، يقول - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
أي: تحقيقًا للتقوى ورجاءً، وغايةً وابتغاءً؛ فهل يعِي ذلك من غفَلوا عن مقاصد الصيام الحقيقية وكرِعوا في المقاصد الدنيوية الدنيئة من أهل الجشَع والطمَع والهلَع، وزيادةِ الأسعارِ وإغلاءِ السِّلَع، أو من أربابِ الشهواتِ القميئَة ممن يتسمَّرون أمام القنوات والفضائيات، فالله المستعان.
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، واستقبِلوا شهركم بالاغتِباط والاستبشار، وكثرةِ التوبة والاستغفار؛ فقد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يُبشِّر أصحابَه بقدوم شهر رمضان، ويقول: «قد أظلَّكم شهرٌ عظيمُ مُبارَك»؛ خرَّجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".
وما ذاك إلا تهيِئةً للنفوس، وشحنًا للهِمَم، وتقويةً للعزائم عن الفُتور والنُّكُوص، فهنيئًا لأمتنا الإسلامية بحُلول شهر الصيام، ويا بُشرى لها بموسمِ الرحمةِ والغفرانِ والعتقِ من النيران، وبارَكَ الله لها في أيامِه الغُرِّ ولياليه الزُّهْر، وأصلَحَ فيه أحوالَها، وحقنَ دماءَها، وحقَّق وحدتَها، وجمعَ كلمتَها على الحق والهُدى، إنه جوادٌ كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[البقرة: 185].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم والسنة الشريفة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات الباهِرات والحِكَم المُنيفة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الآثام والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله رفعَ لشهر الصيام قدرًا، وحثَّنا على تحقيق مقاصده الكُبرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أجرَى في شهر الصيام من البرَكات ما أجرى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أكرمُ العبادِ أرُومةً وذُخرًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه البالغين من الخير فضلاً عظيمًا وأجرًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واستلهِموا التوفيقَ لشهر الصيام، واغتنِموا أيامَه وليالِيَه الكِرام؛ تفوزوا بمرضاة الملكِ العلاَّم.
أمةَ الإسلام:
يُهِلُّ علينا شهرُ رمضان المبارك وأمتُنا الإسلامية تلفَحُها المآسِي والفِتَن، ويطؤُها منسِمُ الرزَّايا والمِحَن، قد استحكَمَ في كثيرٍ من أقطارها الافتراق والاضطرابُ والشِّقاق، ولكن ثم لكن يحدُونا التفاؤلُ المُشرِق أن تقتبِسَ أمتُنا من مدرسةِ الصيامِ والقيام الحِكَمَ والعِظات، والعِبَر الهادِيات، وأن تُفِيءَ إلى رحابِ الاتحادِ والاعتصام، والتراحُم والوِئام، بدلَ الفُرقة والانقسام، وتنخلِعَ من ضيقِ المصالحِ الذاتية إلى سَعَة المقاصد الشرعية، ومن سَمِّ التعصُّبِ للآراء والأفكار إلى رَحابَة التشاوُر والحِوار، وتغليبٍ لصوت العقل والحِكمَة وإلقاء السلاح، ووقفِ نزيفِ الدمِ المُهرَاق؛ صيانةً للدماء المعصومة، وبُعدًا عن الفوضَى والاضطراب، والفتنِ والعُنفِ والتدميرِ والاحتِراب، ورعايةً لأمن الأمة واستقرارِها، واطمئنانِ البلاد والعباد.
ولكَم يتحتَّمُ ذلك ويتأكَّد، ويرجُوه الغَيُور من السُّوَيداء ويتوطَّد في شهر الخيرات والبركات، وتنزُّل القرآن العظيم والرَّحمات، يحملُ مِشعَلَ الإصلاحِ والإنقاذِ العلماءُ الربانيُّون الأعلام، وعلى آثارهم الدعاةُ والكُفاة من حمَلة الأقلام ورادَة النُّصْحِ السَّدِيد والرأي الحَصِيفِ الرشيد، حافِزُهم الإيمان الوثيق بالتسديد الحقيق.
والدعوةُ الحرَّاء مُوجَّهةٌ للقائمين على وسائل الإعلام كافةً أن يتقوا اللهَ - سبحانه -، ويُحسِنوا استقبالَ هذا الشهر الكريم، ويُراعُوا مكانتَه وحُرمتَه، ويصوموا عن كلِّ ما يخدِشُ روحانيَّتَه وبهاءَه، ويكُفُّوا عن التسابُق المحموم في بثِّ العفَنِ من القولِ والفعل.
عند ذلك سيبتسِم الأملُ - بإذن الله - في قُطورِ اليأس، ويُومِضُ فجرُ انكِشافِ الغُمَّة في دامِس الظلام، وتُؤوبُ أمتُنا المبارَكة إلى عليَاء الريادة والوَحدة والقوة، ومعاقِد عزَّتِها المتلُوَّة، وما ذلك على الحقِّ - جل جلالُه - بعزيز، ولكي يتحقَّق ذلك فإن الأمةَ مُطالبَةٌ بجدٍّ وإلحَاح - وهي تستقبِلُ الشهرَ الكريمَ - في كل أمورها ومجالات حياتها بالتوبة والإنابة، والأَوبَة والاستجابة، والمُحاسَبة والمُراجَعَة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال: 24].
يا مَن عدَى ثم اعتدَى ثم اقترَف
ثم انتهَى ثم ارعَوَى ثم اعترَف
أبشِر بقولِ الله في آياتِه:
إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف
[الأنفال: 38]، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على أسمَى الورَى قدرًا، مَن طلَعَ في الحُلَكِ بَدرًا، كما أمركم المولى الذي أنزل الآياتِ تَتْرَى، فقال تعالى قولاً كريمًا عزيزًا بليغًا وجيزًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلِّ إلهي وسلِّم سلامًا
على سيدِ الخلقِ فخرِ الأُمَم
وآلٍ وصحبٍ وأهلِ صلاحٍ
ومن سارَ في دربِهم وانتظَم
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، وبارِك على محمد وآله وأزواجه وذريته، كما بارَكتَ على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبِرِّ والتقوى، واجمع به كلمةَ المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، وارزقه البِطانةَ الصالحةَ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وأدِم أمنَهم وأمانَهم.
يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال، برحمتك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأننا كلَّه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام.
اللهم بارِك لنا في جميع الشهور والأعوام، وبلِّغنا بمنِّك وكرمك شهرَ رمضان، اللهم اجعلنا ممن يصومُه ويقومُه إيمانًا واحتِسابًا، اللهم سلِّمه لنا، وسلِّمنا له، وتسلَّمه منَّا مُتقبَّلاً يا حي يا قيوم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا قوي يا عزيز.
اللهم انصر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من بَراثِن المُعتدين، يا قوي يا عزيز.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-30-2011, 02:08 AM   رقم المشاركة : 28

 

خطبة الجمعة 28/8/1432هـ
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "رمضان موسم الخيرات والبركات"، والتي تحدَّث فيها عن مواسم الخيرات التي خصَّنا الله بها، وأعظمُها: شهر رمضان، وقد عدَّد شيئًا مما ثبتَ عن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في فضله، ووجَّه الدعوة لوسائل الإعلام بتقوى الله وعدم إفساد الصيام على أنفسهم والصائمين.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده - سبحانه - ونستعينه ونستغفره، هو وليُّ التوفيق والهُدى، خصَّنا بموسمٍ للطاعات ما أهناه مورِدًا، من استبَقَه بلغَ من مراضي الديَّان فرقدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نتبوَّأ بها من الجِنان مقعَدً، وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا عبد الله ورسوله خيرُ من صامَ وقامَ فكان في الفضلِ أوحدًا، اللهم ربنا فصلِّ عليه محمدًا وأحمدًا، وعلى آله الأُلَى بلغوا من شهر التُّقَى مجدًا وسُؤددًا، وصحبِه الكرام الذين أمضَوا رمضانَ رُكَّعًا وسُجَّدًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجو المآلَ الأسعدا، وسلِّم تسليمًا كثيرًا لا يزالُ عذْبًا مُردَّدًا، ما راحَ في الإحسانِ رائحٌ أو غدا.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن رُمتُم عزًّا سرمدًا فاتقوا الله العظيمَ الأمجدا، واغتبِطوا بشهر الصيام تُفلِحوا اليوم وغدًا؛ فالسعيدُ من اتقى ربَّه واهتدَى، ولم يُضيِّع شريفَ الأوقاتِ بددًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
عليك بتقوى الله سرًّا وجهرةً
ففيها جميعُ الخير حقًّا تأكَّدا
لتُجزَى من الله الكريم بفضلِه
مُبوَّأ صدقٍ في الجِنانِ مُخلَّدًا
أيها المسلمون:
في مُضِيِّ المسلم لربِّه بالآصال والبُكور، وفي سيره لمولاه في جميع الأمور، مع ما يكتنِفُ ذلك من الماديات، وما يُصاحِبُه من مُتغيِّرات، وما يعيشُه كثيرون من فراغٍ وإجازاتٍ وأسفارٍ وسياحةٍ وتنقُّلات، وما تُعانيه الأمةُ من أحداثٍ ومُستجِدَّات، لا غرْوَ أن ينتابَه التواني والفُتور، والنَّمطِيَّةُ عبر الشهور؛ بل لربما التِّرَةُ والقصور في القِيَم والعبادات وشتَّى المجالات.
من أجل ذلك - وما أعظم ما هنالك - خصَّنا المولى - جلَّ اسمه - بأزمنةٍ مباركةٍ ومواسم بالخيرات والمِنَح نواسِم، اكتنَزَت حِكَمًا لاستنهاضِ النفوس مقصودة، وغاياتٍ باهراتٍ للتشويق للطاعات معقودة، فيها ينعطِفُ المسلمُ لشِيَمه التعبُّدية المحمودة، ويُعاوِد انبعاثَته في الخير المعهودة.
ومن تلك الأزمنةِ المَشوقة: شهرٌ عظيمٌ شأنه، شريفٌ زمانه، تبدَّى ببهائه إلينا، وأقبلَ برائع مُحيَّاه علينا، فيه تُدرِكُ النفوسُ ألَقَ الإحسان، ونداوَة اليقين وحلاوةَ الإيمان، إنه شهر رمضان المُبارك الميمون، أقبل ليُجدِّد لنا في كل يومٍ مسرَّةً وبُشرى، وينفَحَنا أريجًا طابَ عرْفًا ونشرًا، ويُزكِّي القلوبَ بالرحمات وقد أصارَها لديه أصرًا، وكم شدَّ بالتراويح والتهجُّد منا أزرًا وأزرًا، وأدلَجَ بنا في أنداء الطُّهر وأسرَى.
إخوة الإيمان:
إنه شهرُ الصيام والقيام، أقبلَ ليُوقِظَ فينا جمالَ الرجاء، ولذَّة الدعاء، وشوقَ التبتُّل الصادق الهتَّان، وتباريحَ التضرُّع الفَيْنان، بين يدي الرحمن، ولننهَل من كوثره الرقراق كؤوس الهُدى الدِّهاق، فيُحيلُ - بإذن الله - أرواحَنا أزهارًا مُمرِعة بسُيُوب الغفران، أسِيَةً بخمائل الرضوان.
فأهلاً بشهر التُّقى والجُود والكرَمِ
شهر الصيامِ رفيعِ القدرِ في الأُممِ
نفوسُ أهل التُّقَى في حبِّكم غرِقَت
وهزَّها الشوقُ شوقُ المُصلِح العلَمِ
معاشر المسلمين:
ضيفُكم الكريم هو الفرصةُ السانِحة، والصفقةُ الربانيةُ الرابحة للتزوُّد للدار الآخرة بالأعمال الصالحة، وليس إلى مرضات الرحمن - بحمد الله - كبيرُ مشقَّةٍ واقتحامِ عناء، إن راقبَ المسلمُ نفسَه وأولاهَا الحزمَ والاعتناء، وبادرَ إلى الطاعة دون تلكُّؤٍ أو وَناء، مُعتبِرًا بمن كانوا بيننا في العام الماضي وقد سرَت بهم المنَايَا القواضِي، فالبِدار البِدار إلى فضل الله الممنوح قبل فواتِ الروح، وأجهِدوا أنفسَكم أن يكون عهدُ التوانِي منسوخًا، وزمنُ التسويفِ مفسوخًا.
وفي مأثور الحِكَم: "من أشدِّ الغُصَص فواتُ الفرص، ومن أخدَ للتواني حصدَ الأوهامَ والأماني".
وخيرُ الدُّرَر ما صحَّ عن سيد البشر - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام -؛ فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهِد في رمضان ما لا يجتهِد في غيره؛ رواه مسلم.
ومن شمَّر عن ساعدِ العبادة والجِدِّ انصرفَ بمديد الفوز والجَدِّ.
يا أمتي! استقبِلوا شهرًا بروحِ تُقًى
وتوبةِ الصدقِ فالتأخيرُ إغواءُ
توبوا إلى ربكم فالذنبُ داهيةٌ
ذلَّت به أممٌ واحتلَّها الداءُ
أيها المؤمنون:
في رمضان يفتحُ الحُبور للصائم بابًا، ويفوزُ يومَ يُؤتَى باليمين كتابَه، وإذا لقِيض ربَّه وفَّاه حسابَه؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطرَ فرِح، وإذا لقِيَ ربَّه فرِحَ بصومه»؛ خرَّجه الشيخان.
وما دعا ربَّه إلا أجابَه، ولم يُوصِد دونه بابَه؛ يقول - عليه الصلاة والسلام -: «إن للصائم عند فِطره لدعوةً ما تُردُّ»؛ أخرجه ابن ماجه وغيره.
وإذا كانت أول ليلةٍ من رمضان صُفِّدت الشياطينُ ومرَدَةُ الجن، وغُلِّقَت أبوابُ النار فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبوابُ الجنة فلم يُغلَق منها باب، ويُنادِي مُنادٍ: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغِي الشرِّ أقصِر، ولله عُتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة؛ أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة وصحَّحه.
الله أكبر! ما أكرمه من عطاءٍ، وما أعظمَه من حِباء.
وكم لله من نفحَاتِ خيرٍ
بمقدَمِك السعيدِ أخا السناءِ
فكم خشَعَت قلوبُ ذوي صلاحٍ
وكم دمَعَت عيونُ الأتقياءِ
فحيَّ هلاً بمن اختار الخيرَ بنواحِيه وأطرافه، ولزِمَ المعروفَ من قواصِيه وأكنافِه، وكان دَيدَنُه الذكرَ والترتيلَ والصدقَة، والاستغفارَ والتوبةَ والنفقَة، وأداء الحقوق، والخروج من المظالِم، والرحمةَ والجُود على ذوي المَسغَبَة ممن أعوَزَهم الفقرُ والفاقَة والجفافُ والمجاعة.
أمة القرآن:
وطُوبَى لقومٍ يُلقون قلوبَهم إلى القرآن بالتدبُّر والسمع، فتفيضُ أعينُهم من الوجَل بالدمع، أزلفَهم الله إليه وأراضهم، وأكرمَ قلوبَهم بالقرآن وأحظاهم.
أمة الصيام والقيام:
تلك - وايْمُ الله، ثم وايْمُ الله - حقيقة القلوبِ والأجساد التي ما فُطِرت إلا لعبادة ربِّ العباد، ولتتملَّى مِنَح البرِّ الوَدود في محاريبِ الطاعات والسجود، فأين المُشتاقون لجنات الخلود؟!
ألا فلتجعلوا - معاشر المؤمنين، رحمكم الله - لجوارحِكم زِمامًا من العقل والنُّهَى، ورقيبًا من الورَعِ والتُّقَى؛ حِفظًا للصيامِ عن النقصِ والانفِلام؛ فأيُّ غَناءٍ في أن يدَعَ بعضُ المسلمين طعامَه وشرابَه ثم يركبُ الصعبَ والذَّلول للآثام والمُوبِقات والمعاصي والمنكرات، لا يردُّه من الدين وازِع، ولا ينزِع به من حُرمة الشهر نازِع.
وتحذيرًا للوالغين في هذا المكرَعِ الآسِن وتنبيهًا، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوعُ والعطَش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السهرُ والتعب»؛ خرَّجه النسائي، وابن ماجه.
وهل مقاصد الصيام العِظام - يا أمة خير الأنام - عليه الصلاة والسلام - إلا تهذيبُ النفوس وترقِيَتُها، وذمُّها عن أدرانِها وتزكيتُها، وتقويمُ جُنوحِها، وسَوسُ شِماسِها وجُموحِها، وذلك هو المُرادُ الأسمَى، والهدفُ الأسنَى من شِرعةِ الصيام في الإسلام؛ ألا هو: تحقيقُ التقوى، يقول - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
أي: تحقيقًا للتقوى ورجاءً، وغايةً وابتغاءً؛ فهل يعِي ذلك من غفَلوا عن مقاصد الصيام الحقيقية وكرِعوا في المقاصد الدنيوية الدنيئة من أهل الجشَع والطمَع والهلَع، وزيادةِ الأسعارِ وإغلاءِ السِّلَع، أو من أربابِ الشهواتِ القميئَة ممن يتسمَّرون أمام القنوات والفضائيات، فالله المستعان.
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، واستقبِلوا شهركم بالاغتِباط والاستبشار، وكثرةِ التوبة والاستغفار؛ فقد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يُبشِّر أصحابَه بقدوم شهر رمضان، ويقول: «قد أظلَّكم شهرٌ عظيمُ مُبارَك»؛ خرَّجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".
وما ذاك إلا تهيِئةً للنفوس، وشحنًا للهِمَم، وتقويةً للعزائم عن الفُتور والنُّكُوص، فهنيئًا لأمتنا الإسلامية بحُلول شهر الصيام، ويا بُشرى لها بموسمِ الرحمةِ والغفرانِ والعتقِ من النيران، وبارَكَ الله لها في أيامِه الغُرِّ ولياليه الزُّهْر، وأصلَحَ فيه أحوالَها، وحقنَ دماءَها، وحقَّق وحدتَها، وجمعَ كلمتَها على الحق والهُدى، إنه جوادٌ كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[البقرة: 185].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم والسنة الشريفة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات الباهِرات والحِكَم المُنيفة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الآثام والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-30-2011, 02:09 AM   رقم المشاركة : 29

 

الخطبة الثانية
الحمد لله رفعَ لشهر الصيام قدرًا، وحثَّنا على تحقيق مقاصده الكُبرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أجرَى في شهر الصيام من البرَكات ما أجرى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أكرمُ العبادِ أرُومةً وذُخرًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه البالغين من الخير فضلاً عظيمًا وأجرًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واستلهِموا التوفيقَ لشهر الصيام، واغتنِموا أيامَه وليالِيَه الكِرام؛ تفوزوا بمرضاة الملكِ العلاَّم.
أمةَ الإسلام:
يُهِلُّ علينا شهرُ رمضان المبارك وأمتُنا الإسلامية تلفَحُها المآسِي والفِتَن، ويطؤُها منسِمُ الرزَّايا والمِحَن، قد استحكَمَ في كثيرٍ من أقطارها الافتراق والاضطرابُ والشِّقاق، ولكن ثم لكن يحدُونا التفاؤلُ المُشرِق أن تقتبِسَ أمتُنا من مدرسةِ الصيامِ والقيام الحِكَمَ والعِظات، والعِبَر الهادِيات، وأن تُفِيءَ إلى رحابِ الاتحادِ والاعتصام، والتراحُم والوِئام، بدلَ الفُرقة والانقسام، وتنخلِعَ من ضيقِ المصالحِ الذاتية إلى سَعَة المقاصد الشرعية، ومن سَمِّ التعصُّبِ للآراء والأفكار إلى رَحابَة التشاوُر والحِوار، وتغليبٍ لصوت العقل والحِكمَة وإلقاء السلاح، ووقفِ نزيفِ الدمِ المُهرَاق؛ صيانةً للدماء المعصومة، وبُعدًا عن الفوضَى والاضطراب، والفتنِ والعُنفِ والتدميرِ والاحتِراب، ورعايةً لأمن الأمة واستقرارِها، واطمئنانِ البلاد والعباد.
ولكَم يتحتَّمُ ذلك ويتأكَّد، ويرجُوه الغَيُور من السُّوَيداء ويتوطَّد في شهر الخيرات والبركات، وتنزُّل القرآن العظيم والرَّحمات، يحملُ مِشعَلَ الإصلاحِ والإنقاذِ العلماءُ الربانيُّون الأعلام، وعلى آثارهم الدعاةُ والكُفاة من حمَلة الأقلام ورادَة النُّصْحِ السَّدِيد والرأي الحَصِيفِ الرشيد، حافِزُهم الإيمان الوثيق بالتسديد الحقيق.
والدعوةُ الحرَّاء مُوجَّهةٌ للقائمين على وسائل الإعلام كافةً أن يتقوا اللهَ - سبحانه -، ويُحسِنوا استقبالَ هذا الشهر الكريم، ويُراعُوا مكانتَه وحُرمتَه، ويصوموا عن كلِّ ما يخدِشُ روحانيَّتَه وبهاءَه، ويكُفُّوا عن التسابُق المحموم في بثِّ العفَنِ من القولِ والفعل.
عند ذلك سيبتسِم الأملُ - بإذن الله - في قُطورِ اليأس، ويُومِضُ فجرُ انكِشافِ الغُمَّة في دامِس الظلام، وتُؤوبُ أمتُنا المبارَكة إلى عليَاء الريادة والوَحدة والقوة، ومعاقِد عزَّتِها المتلُوَّة، وما ذلك على الحقِّ - جل جلالُه - بعزيز، ولكي يتحقَّق ذلك فإن الأمةَ مُطالبَةٌ بجدٍّ وإلحَاح - وهي تستقبِلُ الشهرَ الكريمَ - في كل أمورها ومجالات حياتها بالتوبة والإنابة، والأَوبَة والاستجابة، والمُحاسَبة والمُراجَعَة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الأنفال: 24].
يا مَن عدَى ثم اعتدَى ثم اقترَف
ثم انتهَى ثم ارعَوَى ثم اعترَف
أبشِر بقولِ الله في آياتِه:
إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف
[الأنفال: 38]، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور: 31].
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على أسمَى الورَى قدرًا، مَن طلَعَ في الحُلَكِ بَدرًا، كما أمركم المولى الذي أنزل الآياتِ تَتْرَى، فقال تعالى قولاً كريمًا عزيزًا بليغًا وجيزًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلِّ إلهي وسلِّم سلامًا
على سيدِ الخلقِ فخرِ الأُمَم
وآلٍ وصحبٍ وأهلِ صلاحٍ
ومن سارَ في دربِهم وانتظَم
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، وبارِك على محمد وآله وأزواجه وذريته، كما بارَكتَ على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبِرِّ والتقوى، واجمع به كلمةَ المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، وارزقه البِطانةَ الصالحةَ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وأدِم أمنَهم وأمانَهم.
يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال، برحمتك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأننا كلَّه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام.
اللهم بارِك لنا في جميع الشهور والأعوام، وبلِّغنا بمنِّك وكرمك شهرَ رمضان، اللهم اجعلنا ممن يصومُه ويقومُه إيمانًا واحتِسابًا، اللهم سلِّمه لنا، وسلِّمنا له، وتسلَّمه منَّا مُتقبَّلاً يا حي يا قيوم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا قوي يا عزيز.
اللهم انصر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من بَراثِن المُعتدين، يا قوي يا عزيز.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 08-06-2011, 11:31 PM   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


تقوى الله بصيام رمضان

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 5/8/1432هـ بعنوان: " تقوى الله بصيام رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما فيه من عِظات وعِبر، وذكر أبرزَ الأعمال التي يملأُ بها المسلمُ فراغَه ووقته في هذا الشهر المبارك، وأشار إلى أهمية الالتفات إلى إخواننا المنكوبين والعطف عليهم.


الخطبة الأولى


الحمد لله، الحمد لله الذي أفاضَ علينا من خيره ولم يزَل يُفيض، يدُه سحَّاء الليل والنهار، لا تُعجِزها نفقةٌ ولا تغيض، له المحامدُ والمكارم فلا يُحيطُ بحمده نثرٌ ولا قَريض، أحمده تعالى أشكره، وأُثني عليه وأستغفره، تفضَّل علينا بسيد الشهور، ويسَّر لنا فيه ما نحوزُ به عظيمَ الأجور، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم البعث والنشور.
أما بعد:
فالوصيةُ المبذولةُ الكبرى هي الوصيةُ بالتقوى؛ بها تكفيرُ الذنوب، والنجاةُ من الخُطوب، ومعرفةُ الحق حين التباسِ الدُّروب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[الأنفال: 29].
ترفَّعوا عن هذه الدنيا كما زهِد فيها الصالحون، وأعِدُّوا الزادَ لنُقلةٍ لا بد لها أن تكون، واعتبِروا بما تدور به الأيامُ والسنون، وتنبَّهوا فالغفلةُ قد تناهَت، والفتنُ عاصفةٌ قد تدانَت، ورحِم الله من تداركَ نفسَه، فشتَّان بين من عصَى اللهَ وخالفَ أمره وبين من قطع عمره في معاملة ربه وذكره، ولزِمَ الوقوف ببابه، ومرَّغ خدَّه على أعتابِه، فيا خجلةَ الخطَّائين، ويا ندامةَ المُفرِّطين.
أيها المسلمون:
شهرُكم المُعظَّم قد حلَّ، وفرصتُكم في التزوُّد حانَت، والعبدُ في هذا الشهر إما مُوفَّقٌ أو مخذول، أما وقد مضى من شهرنا ليالي، فستمرُّ أيامه سِراعًا، وتمضِي تِباعًا، وسيكون من شأن المُوفَّقين تحصيلُ وافِر الأجور، والسعادة في الدنيا وفي يوم النُّشور.
وسيبكي أقوامٌ أسًى وندمًا على ضياعِ الليالي وفواتِ الأوقات، ولاتَ ساعة ندمٍ ولا بكاء، فاستبِقوا الخيرات، وتدارَكوا الأيام بالباقيات الصالحات، وقد صحَّت الأخبارُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان - أن «من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»، وأن «من قامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»، وأن «من قامَ ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».
وصحَّ عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «رغِم أنفُ امرئٍ أدركه رمضان فلم يُغفَر له».
فكم رغِمت أنوفٌ ألهَتها شهواتُها والأهواء، ويا أيها الراكبون خلف سراب الدنيا قد حبسَت الأشغالُ أنفاسَهم، ويا أيها اللاهِثون وراء متابعة الأخبار، الباحثون عن كل تفاصيل الأنباء وإشاعاتها، وإلى اللاهين بالمسلسلات والقنوات السادرين في غفلة المُوبِقات، قد أعشَت الشاشاتُ أبصارَهم؛ إنها فرصتُكم لتتوقَّفوا قليلاً، وإنه شهرُكم لتهدأ فيه الأنفاس، ويطمئنَّ القلبُ، وتؤوبَ الروحُ إلى باريها، تبحثُ عن السعادة في جنَبات المسجد، ومن خلال آي القرآن، وتأنسُ بالجلوس للأسرة والأولاد.
ليكن شأنُكم التقلُّل من أعراض الدنيا، والإحسانَ إلى الأقربين، وإدامةَ ذكر الله، وتحقيقَ التقوى التي شرعَ الله الصيامَ لأجلها: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه فليقل: إني امرؤٌ صائم»؛ رواه البخاري ومسلم.
فهذا توجيهٌ لما يجبُ أن يكون عليه الصائم من كمال النفس، وطِيب الروح، وتأثير التقوى؛ لأن رمضان يصِل النفوس بالله فيُشرِقُ عليها من لدُنه النور حتى تذوقَ حلاوةَ الإيمان، ومن ذاقَ حلاوةَ الإيمان لم يعرفِ البغضاء ولا الشر ولا العُدوان.
وإذا تحقَّقت التقوى في القلوب فإنه تمحُو الغشَّ من نفوس أهلها محوًا، ويملؤها خوفُ الله ورجاؤه فتعِفُّ نفوسهم عن الحرام، وتغضُّ أبصارهم عن المحارم، وتقِف ألسنتُهم عن الكذب؛ لأنها جرَت بذكر الله واستغفاره، وهانَت عليهم الدنيا حين أرادوا اللهَ والدار الآخرة، فغدَا الناسُ آمنين أن يغشَّهم تاجر، أو يعتدِي عليهم فاجِر.
أيها المؤمنون:
الصومُ الحقُّ يسوقُ المؤمنَ إلى تقوى الله سوقًا، ويحدُوه إلى العمل الصالح، والسعي والمسارعة إلى الحسنات تدارُكًا للزمن الفاضل، ومُبادرةً قبل الفوات؛ بَيدَ أن المُشاهَد في الحال أن رمضان لا يعدُو عند الكثيرين أن يكون توقُّفًا عن الطعام والشراب فحسب من غير زيادة عمل، ولا مزيد ورع، والله تعالى يقول: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
فإن لم يزدَد إيمانُك، وتكثُر أعمالُك، وينتهي عصيانُك، فراجِع نفسَك لئلا تكون من المُفرِّطين.
وإذا آمنَ الإنسانُ بالله العظيم، وأيقنَ باليوم الآخر والحساب والجزاء دفعَه ذلك إلى استرضاء ربه والاستعداد للقائه والاستقامة على صراطه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183]، بدأ بالإيمان وختمَ بالتقوى.
ومن الضلال أن يهبِط الإنسانُ بحقيقة الدين، فيجعلُ الإسلامَ كلمةً لا تكاليفَ لها، وأمانيَّ لا عمل معها، فلا يقوم إلى واجب، ولا ينتهي عن محرم، فيكون من الذين اتخذوا دينَهم لهوًا ولعبًا وغرَّتهم الحياةُ الدنيا.
وما من آيةٍ في كتاب الله ذكرت الإيمانَ مجردًا؛ بل عطَفَت عليه عملَ الصالحات أو تقوى الله أو الإسلامَ له؛ بحيث أصبحت صلةُ العمل بالإيمان آصرةٌ لا فَكاك عنها، وكثيرًا ما يُشار إلى الإسلام وحقيقته الشاملة بمظاهر عمليةٍ محدودة، فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ[البلد: 11- 16].
بل إن العلامة التي ينصِبُها القرآنُ دليلاً على فراغ النفس من العقيدة، وخراب القلب من الإيمان هي في النُّكوص عن القيام ببعض الأعمال الصالحة، أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ[الماعون: 1- 3].
يتقرَّر هذا - أيها المسلمون - في مشهد الضعف العام والتوانِي عن الأعمال، وهناك أناسٌ مزَّقَت المعاصي صِلَتهم بالله شرَّ مُمزَّق، وظلَّت أهواؤهم تجنحُ بهم بعيدًا عن الله حتى نسوا اللهَ أتمَّ نسيان، ولم يعرِفوا قدرَ رمضان.
وإنكم - أيها المسلمون - تعرفون تاريخَ أممٍ هلَكت بسوء عملها، وتعرفون أن الله نقم على قوم لوط لارتكابهم الفاحشة، وعلى قوم شُعيب لبخسِهم المكيال والميزان، وقد عرفتُم مصائرَ أولئك الفاسقين؛ فهل أمتُنا وحدها هي التي تريد أن ترتكب السيئات دون حذرٍ أو وجَل، إن الإسلام ليس بِدعًا من الشرائع السابقة فيُوجِبُ الإيمان دون العمل؛ بل إن القرآن الكريم ليقُصُّ علينا عِبَر السابقين لنتَّعِظ منها، ثم لنسمَع قولَ الله بعد ذلك: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[يونس: 13، 14]، هكذا نُمتَحن، وتُراقَب تصرُّفاتنا، ويُكلِّفُنا الله بالإيمان والعمل جميعًا، ثم ينظر وفاءَنا بما حُمِّلنا من أعباء.
وقد خاطَبَ الله بني آدم بهذه الحقيقة الجليَّة، وأفهَمهم أن نجاتَهم في الصلاح والتقوى لا في النفاق والدعوى: يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[الأعراف: 35، 36].
فرمضان شهرٌ يُثمِر التقوى والعملَ الصالح لا مجرَّد الإمساك عن الأكل والشرب، و«من لم يدَع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامَه وشرابَه»، ومن كان صادقًا فليجعل رمضان شهرَ عبادةٍ وخشوعٍ وتوبةٍ وإنابةٍ، يلتزِم فيه الأدب، ويترفَع عن الدنايا والرِّيَب، ويستحضِر العبودية بصيامه، ويعمُر وقتَه بالقُربات، ويستزيدُ من الطاعات، ما بين تلاوةٍ للقرآن، وتدبُّر لآياته، أو صدقةٍ وصلة، وإحسانٍ وبرٍّ، وذكرٍ لله تعالى بأنواع الذكر مع الخشوع والسكينة.
ويمضِي النهارُ كلُّه على ذلك، فإذا كان الأصيلُ ودنا الغروب تجلَّى رمضان على الكون بوجهه، فهشَّت له وجوهُ الناس، وهتفَت باسمه الشِّفاه، وانظر إلى رمضان وقد سكَّن الدنيا ساعة الإفطار، وأراحَ أهلَها من التكالُب على الدنيا والازدحام على الشهوات، وضمَّ الرجلَ إلى أهله، وجمعَ الأسرةَ على أطيب مائدةٍ وأجمل مجلس، وأنفع مدرسة.
ثم يتلو ذلك قيامُ الليل وتلاوة القرآن والدعاء والتضرُّع والإنابة والاستغفار، فيا باغِي الخير أقبِل، ويا باغِي الشر أقصِر.
تقبَّل الله منا ومنكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون[البقرة: 183- 186].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir