--------------------------------------------------------------------------------
تقف الحروف وتعجز الكلمات وتضيع العبارات عند وصف محبوب فقدناه ، تمتلئ المقل بالدمع وتكابر النفس بدعوى الصبر تدافعها الذكريات الجميلة والليالي الحالمة والأمنيات الواعدة ، وتمر كطيف حالم وأمل مشرق وغد أجمل يتخللها صفات ومناقب المحبوب والغالي فتدفعها إلى حبس مائها في العيون ولكنها تبكي وتتألم من داخلها فتفيض حناناً ووجداً لعودة تلك الذكريات وسماع تلك الكلمات الملحنة بلحن الوفاء والإخلاص والمواطنة الصادقة والنية الخالصة لوجه الله .
وهذا هو حالي مع رفيق درب المعاناة المتعبة الجميلة أستاذي ورفيقي وصديقي ابا عبدالرحمن الأستاذ عبد الله أبو علامة ( رحمه الله واسكنه فسيح جناته ) وأمتعنا بتذكر تلك القسمات الجادة الصادقة العطوفة عند لقائه وحضوره القوي الجذاب الممتع والذي ينسيك كل هموم العمل وكل معاناة الحياة في سبيل أن تنجز عملاً فيه خدمة لدينك وفلذات أكباد أبناء وطنك .
عرفناه معلماً مبدعاً متميزاً لمادة اللغة الإنجليزية يعمل بجد وإخلاص في مدرسته ويكافح بصدق ومحبة لبناء أسرته الكبيرة من والديه وأخوته وأطفاله ، كافح منذ بداية دخوله معترك الحياة العملية في نجران ، وحقق أجمل أحلامه وتطلعاته في الرياض وكان يردد أنه لازال لديه الكثير من الأحلام الواعدة ، ويرى أنه لم يصل للقمة بعد وهذا هو حال العظماء .
لم يبحث يوماً عن الشهرة أو الصيت اللامع البراق ، عند اختيار تجربته الفصل المثالي للغة الإنجليزية لم يحاول أن يظهر إعلاميا ، بل فضل أن يعمل في صمت وهدوء حتى تم نشر التجربة في كل مناطق المملكة وصارت حديث معلمي ومشرفي اللغة الإنجليزية . وعندما أصبح التقويم الشامل منجزاً وطنياً وظل حديث المجالس التربوية وامل الوزارة الواعد لم يكن لعبد الله ابو علامه أي صورة شخصية في ارشيف كل جريدة وهنا تظهر النية الصادقة في حب الوطن والعمل .
تم تكليفه بالعمل في الوزارة من بداية ظهور مشروع التقويم الشامل للاستفادة من لغته الإنجليزية وقدراته ومهاراته الاستنباطية والاستدلالية في وضع أسس التقويم الشامل في المملكة ، وكنا في الطائف نشعر بخسارتنا لرجل له بصمات واضحة وفكر نير وخاصة في مجال اللغة الانجليزية ، ولكن كان يخالط كل ذلك دعواتنا له بالتوفيق وكنا نعرف انه ضحى بالاستقرار والهدوء والراحة والجو الأسري مقابل أن يكون هناك أثر أيحابي لمسيرة التعليم في بلادنا ومردود حسن لأبنائنا الطلاب .وهذه حقيقة أقسم بالله العظيم عليها إن هذا الرجل كان يضع نصب عينيه دائماً أبنائه في كل كلمة وكل خطوة يقدم عليها في عمله . ولعل الزملاء يذكرون جيدا كيف كان يصافح الطلاب واحداً واحد ويبتسم لهم بكل عفوية صادقة ، وكانت أخر زيارة له رحمه الله في الطائف وفي مدرسة حنين الابتدائية تحديداً حيث لاحظ الزملاء أعضاء الفريق تساكب الدموع من عينيه وهو يصافح طلاب الصف الأول الابتدائي فاغرورقت عيونهم بالدموع وشعروا بما يعانيه من هم تربوي وآلم المرض الذي ظل يكافحه سنين طوال أملاً في إيصال رسالته التي أمن بها وامن بها كل من عمل معه أو تحت قيادته .
أختار درب المعاناة والحلم البعيد ليبدأ مشواره مع التقويم الشامل من نقطة الصفر في مجتمع تربوي وتعليمي يرفض التغيير واتلجديد فضلاً عن جديد يكشف الأخطاء والعيوب والمجاملات والاستهتار بأمل الآمة ومستقبلها .
كافح وعمل واجتهد وسافر مئات الأميال وقابل عشرات المسئولين في الوزارة وإدارات التعليم لإقناعهم بطموحه وتطلعاته وفوائد مشروع التقويم الشامل . وضع بنية تحتية قوية وسليمة أساسها اختياراته المبنية على أسس علمية واضحة يدعمها فكره التربوي وقدراته وكفاءاته المميزة .
أصيب بالإحباط عشرات المرات وكنا نشعر معه بالإحباط ، لكننا ما إن نقابله أو تصلنا خطاباته حتى نشعر بعظم المهمة الملقاة على عواتقنا وكبر المستقبل الواعد إمامنا . لم يحاول في يوم من الأيام أن يبين لنا حجم المعاناة التي يلاقيها في الوزارة مدعومة بما يعانية من غربة في بداية قدومه للرياض ، كنا نشعر أننا نسير في مركب تتلاطمه الأمواج لايقر لنا قرار ، ولكن أبا عبد الرحمن كان يشعرنا دوماً أن مركبنا هذا هو سبيل نجاة واقعنا التربوي ولن نشعر بخسارة أبداً حتى لو غرقنا طالما أن هذا القارب كان سبباً في حصولنا على عظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى فهو المطلع على كل عمل .
لم يخيب أمله ولله الحمد ، وأصبحنا نشعر أننا حققنا أمانينا وتطلعاتنا وأصبح التقويم الشامل هو المصدر العلمي القوي الصادقللوزارة وهو المحرك الفعال لأي إدارة تعليمية ، وان كان استأذنا أبا عبد الرحمن رحمه الله يعتبر انه لازال في بداية الطريق ، والطريق طويل ولكنه ممتع وجميل حينما تلمس أثار تعبك وجهدك كثمار يانعة على جانبيه .
أبا عبد الرحمن رحمك الله رحمة واسعة وجزاك الله بالجنة عن كل خطوة خطوتها في سبيل بناء أمتك ورفعة عز دينك ووطنك ، ونحن سنستمر على الدرب سائرون لن نكل ولن نتعب نستلهم كلماتك التي دائما ماترددها ( الإبداع ليس له حدود ) نعم الإبداع ليس له حدود وأنت كنت سيد المبدعين وقائد المسيرة وبطل التقويم والجندي المجهول في وزارة التربية والتعليم .
نسأل الله العلي العظيم بوجهه الكريم أن يكسوك بثوب الرحمة وان يجعل كل ذكر لك هو دعاء لك بان يغمد الله روحك الطيبة الجنة وان يلهم أهلك ويلهمنا معهم الصبر والسلوان اللهم آمين . وستظل في ذكرياتنا وطموحاتنا وتطلعاتنا أخاً كريما وصديقاً وفياً وأستاذا مبدعاً وقائداً فذاً .
ولن نوفيك حقك مهما كتبنا من كلمات ومهما سطرنا من أوراق ومهما القينا من كلمات ،ونعاهدك بالله العلي العظيم ان نظل أوفياء مخاصين باحثين عن التميز والإبداع ، مثلما كنت تتمنى ذلك دوماً ، وستظل كلماتك وتوجيهاتك ونصائحك نبراساً وضوء يضئ لنا الطريق الذي اخترته وأخترتنا لنكون معك فيه فكان نعم الاختيار وكنت نعم الرفيق والقائد والصديق ، وانا لله وانا إليه راجعون .
سعد أحمد الزهراني - مدير التقويم الشامل بالطائف --------------------------------------------------------------------------------