من أبرز عوامل بلوغ المعالي وأهم أسباب الوصول إلى القمة ،
وجود الصاحب الذي يجري بك ،
الذي لا يتوانى في تقديم ما يمنح التفوق للرفيق ،
الذي يعتبر نجاح أخيه هو نجاحه الشخصي ...
فكان لا بد من وجود من يؤازر ويشجع ويأخذ باليد ويدفع إلى الأمام بالكلمة الطيبة ،
وبالمتابعة الجادة ،
ذلك البطل الذي يبحث في آليات المساعدة وقنوات الاتصال المفيد المثمر ...
وصدق من أنشد هذه الأبيات :
اصحب الأخيار تعلو = وتنل ذكراً جميلاً
صحبة الخامل تكسو = من يؤاخيه خمولاً
مع مرور الأيام يجزم العاقل بأن في صحبة الأخيار والفضلاء المشهود لهم بالكفاءة في الأخلاق والفضائل فوائد لا تحصى ..
والتي منها العلو ،
حيث أنها صحبة قامت على معالي الأمور
فكان لزاماً أن تعلي كل من يتمسك بقواعدها وأصولها ويتعاطى مفاهيمها ومنهاجها ..
واعلم أن نوعية الفتى الذي تصاحبه في المجتمع ، والصاحب في المسجد ،
ورفيق الطريق ، والجار الجنب ، وزميل الدراسة والقريب في الغربة ...
هي التي تحدد قيمة هذه المؤسسات في المجتمع ..
فصداقة الأذكياء الأتقياء ترفع الأقدار ،
وصداقة السفهاء المنحرفين تنحدر بالفرد والمجتمع نحو الهاوية ...
وليس كل من رأى المرء لأول وهلة وأعجب بكلماته وأدهش بمظهره وجب اتخاذه خليلاً ،
وإسراره وأخذ مشورته ..
ولكن اختيار الصاحب إنما يكون وفق قواعد وأصول ؛
فإن وافق القواعد وجاوز الامتحان لزمت مصاحبته ..
واسمع لابن خلدون وهو ينصحك قائلاً :
( وانظر أحرار الناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاء طويتهم
وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك ) ..
قال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه :
يا بني ! إذا نزغتك إلى صحبة الرجال حاجة ؛ فصاحب منهم من إن صحبته زانك ،
وإن خدمته صانك ، وإن أصابتك خصاصة مانك ، وإن قلت صدق قولك ،
وإن صلت شد صولك ، لا يأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ،
لا يخذلك عند الحقائق ...
وهذا لا يعني على الإطلاق أن نهجر من لا توجد فيه الصفات الإيجابية المذكورة آنفاً ،
ولا يدل على إهمال من اتصف بما هو أدنى من المرجو ..
بل مخالطة الناس والاستفادة من أخطاء المخطئ والاستفادة من نجاح المصيب ..
والتعرف على خبرات البشر لا يكون إلا عن طريق المعاشرة
مع التزود بمضادات حيوية تقي العدوى من الأمراض المعدية
والجوانب السلبية المنتشرة في أي مجتمع بشري ،
وهذه الحصانة توجب تعلم معايير الصواب ،
ومعرفة الخير من الشر بحيث يتبين سبل الرشاد في التعامل مع الآخرين
ليجتاز كل الحواجز باقتدار نحو صعود مرتقى المجد ...
تحياتي
...........