يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-21-2011, 03:28 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

آيات الله في الحج
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 22/12/1432هـ بعنوان: "آيات الله في الحج"، والتي تحدَّث فيها عن آيات الله في الحج، وذكر ما ينبغي على الحاج بعد حجِّه من المحافظة على عبادته بالاستمرار على الطاعة بعد الطاعة، ودوام المحاسبة للنفس، وما إلى ذلك.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تفضَّل الله على خلقه بتنوُّع العبادات منها ما هو باطنٌ في القلب، ومنها ما هو ظاهرٌ على الجوارِح، وأركانُ الإسلام والإيمانُ مدارُها على ذلك، وقد عاد الحَجيجُ من بيت الله الحرام بعد أداء أفضل عبادةٍ بدنية.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "واستعملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ على أول حجَّةٍ حُجَّت من مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمُ المناسك أدقُّ ما في العبادات، ولولا سعة علم أبي بكرٍ لم يستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - أميرًا على الحجِّ في السنة التاسعة؛ ليُعلِّم الناسَ أحكامَ الحج؛ لأنه أفقهُ الصحابة".
في الحج تظهرُ آياتٌ للخلق على صدق الرسل؛ فإبراهيم - عليه السلام - يدعو ربَّه: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ[إبراهيم: 37]، فوفدَ الحَجيجُ من كل فجٍّ عميقٍ وأدَّوا حجَّهم.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "فليس أحدٌ من أهل الإسلام إلا وهو يحِنُّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار".
والمُخلِصُ يستجيبُ الله دعوتَه ولو بعد مماته، وفي كل عامٍ يظهرُ أثرُ دعوة الخليل، فيستجيبُ المسلمون لدعوته، والوفاءُ من شِيَم الرجال، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - صبرَ على الأذى والكُروب لتنعَمَ أمتُه بالهداية. قال لعائشة - رضي الله عنها -: «يا عائشة! لقد لقيتُ من قومكِ ما لقيتُ».
والصحابة - رضي الله عنهم - هجَروا الأوطانَ وتغرَّبوا في البُلدان لحمل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبليغها بعزمٍ وأمانة، ونشرِ الإسلام في الآفاق بالدعوة والقُدوة، وواجبٌ على المسلم أداءُ حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدَّمه لهذا الدين؛ بمحبَّته - عليه الصلاة والسلام - والتأسِّي به ونشر دعوته، والوفاء لصحابته - رضي الله عنهم - بمحبَّتهم والترضِّي عنهم والذبِّ عنهم.
ومن أدَّى فريضَة الحجِّ أو غيرَها واجبٌ عليه الحِفاظُ عليها من الرياء بها أو المُباهاة أو المُفاخَرة، ومن أدخل في عبادته رياءً أو سُمعةً أو ابتغَى مدحَ الناس له لم تُقبَل منه عبادتُه، ولن يكون له منها سوى التعبِ والنَّصَب؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان له خالِصًا وابتُغِي به وجهُه»؛ رواه أبو داود.
ومن أخلصَ لله تقبَّل الله عمَلَه وضاعفَ أجرَه؛ قال - سبحانه -: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة: 261].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: بحسب إخلاصه في عمله".
والنعمُ تدومُ وتزيدُ بالشُّكر، ومن أدَّى عبادةً وحمِدَ الله عليها يسَّر الله له عبادةً بعدها لينالَ ثوابَها؛ قال - عز وجل -: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[محمد: 17]، ولذا شُرِع قول: الحمدُ لله، ثلاثًا وثلاثين مرةً دُبُر كل صلاةٍ مفروضة لشُكر الله على أداء تلك الصلاة.
وأمارةُ قبول العمل الصالحِ الحسنةُ بعده؛ قال سعيد بن جُبَير - رحمه الله -: "من ثوابِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبةِ السيئةِ السيئةُ بعدها".
والمسلمُ إذا فرغَ من عبادةٍ أعقبَها بعبادةٍ أخرى؛ قال - سبحانه -: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ[الشرح: 7].
قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "أي: فادأَب في العمل".
ولا تنقطعُ العبادةُ إلا بالموت؛ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
وإذا عمِلَ المسلمُ عملاً صالحًا وأخلصَ فيه لله وجبَ عليه حِفظُه بالحَذَر من الوقوع في الشرك؛ إذ أنه يُحبِطُ الحسنات؛ قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الزمر: 65].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا سلبَ رؤيةَ أعماله الحسنةِ من قلبه، وسلبَ الإخبارَ بها من لسانه، وشغَلَه برؤية ذنبه".
وسؤالُ الله قبول العمل الصالح من صدق الإيمان؛ بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبةَ ودعا ربَّه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127].
والثباتُ على الدين من عزائمِ الأمور؛ ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثبِّت قلوبَنا على دينك»؛ رواه ابن ماجه.
ومن لبَّى في حجِّه بالتوحيد وكبَّره في العيد وجبَ عليه الوفاءُ بوعده مع الله، وذلك بألا يدعو سواه، ولا يلجَأ إلى غيره، ولا يطوفَ بغير الكعبة؛ قال - سبحانه -: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[فاطر: 13].
ومن توجَّه إلى الله أعانَه؛ قال - جلَّ شأنُه -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[العنكبوت: 69].
وليس من شرط صحة الحجِّ زيارةُ المدينة النبوية؛ بل قصدُ مسجدها سنةٌ رغَّبَ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - للحاجِّ وغيره بالصلاة فيه، فهو أحدُ المساجد الثلاثة التي لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إليها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»؛ متفق عليه. وصلاةٌ فيه عن ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجدَ الحرام.
ومن وصلَ إلى المدينة وسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صاحبَيْه أبي بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما -، فمن المشروعِ له زيارةُ مسجد قُباء؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من تطهَّر في بيته ثم صلَّى في مسجد قُباء كان له أجرُ عمرة»؛ رواه ابن ماجه.
وتُشرعُ له زيارةُ مقبرة البَقيع وشُهداء أُحُد للدعاء لهم وللعِظَة والعِبرة بتذكُّر الآخرة.
والميتُ لا يملِكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا ولا يُتعلَّقُ به، وإنما يُدعَى له بالمغفرة والرِّضوان، ومن يُدعَى له لا يُدعَى مع الله؛ قال - عز وجل -: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[يونس: 106].
والمُوفَّق من اجتهَدَ في طاعة ربِّه وحفِظَ عملَه من البُطلان وسارَ على هديِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وحاسبَ نفسَه في حياته، وسارعَ إلى الخيرات، وفازَ بالباقيات الصالحات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ[الأنفال: 20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-21-2011, 03:29 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من أدَّى فريضةَ الحجِّ حريٌّ به بعد أداء هذا الركن أن يحفظَ صحيفتَه بيضاء نقيَّة؛ فإنه من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه، وأن يكون قُدوةً لغيره في الصلاح والاستقامة والتفقُّه في الدين والمُحافظة على الصلوات جماعةً في بيوت الله.
ويجبُ أن يكون داعيًا بالحكمة والموعظة الحسنة، مُبتدِئًا دعوتَه بذوِي القُربى، وصادقًا مع ربِّه في دعوته وفي سائر أعماله كلها.
فالزَموا سنَّة نبيِّكم - عليه الصلاة والسلام -، وأخلِصوا لربِّكم، واحرِصوا على نفع إخوانكم المسلمين وتعليمهم ما ينفعهم وما يُصلِحُهم من أمور الدين؛ فلأَن يهدِي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واجمع كلمتَهم على الهُدى والحق يا رب العالمين.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، وعملَهم مُتقبَّلاً صالحًا يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-26-2011, 09:32 PM   رقم المشاركة : 3

 

اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات

ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 29/12/1432هـ بعنوان: "اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة اغتنام وقت المسلم فيما يُفيد، والمُبادرة إلى التوبة والندم على مضى، والمُسارعة إلى الطاعات والإقبال على الأعمال الصالحات.


الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدنيا نعَم في طيِّها نقَم، شبابٌ يعقِبُه هرَم، وصحةٌ يتبَعُها سقَم، ولذَّةٌ آخرُها ندَم، وحياةٌ نهايتُها عدَم، حتفٌ موصوب، وموردٌ مكتوب، وما نفسٌ إلا يُباعِدُ مولدًا، ويُدنِي المنايا للنفوس فتخرُجُ.
ويا للمنايا ما لها من إقالةٍ
إذا بلغَت من مُدَّة الحيِّ حدَّها
ستُسلِمُك الساعاتُ في بعض أمرها
إلى ساعةٍ لا ساعةٌ لك بعدها

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].
انظُر لنفسِك يا أخي
حتى متى لا تتقِي
والموتُ غايةُ من مضى
منا وموعدُ من بقِي

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[الرحمن: 26، 27].
يا مُدمِنَ الذنوب والإجراما! يا من أتى الآثامَ والحراما، على ما عوَّلتَ قُل لي علامَا.
يا غافلُ يا ذاهِل! أما رأيتَ من العِبرة ما يشفي؟! أما سمِعت من العِظَة ما يكفِي؟! ولذَّةُ الهوى زالَت، وسكرةُ الذنب حالَت، ولم يبقَ إلا التبِعَةُ والمُؤاخَذةُ والمُحاسَبة.
فأفِق من رقدتك، وانتبِه من غفلتك، وأعِدَّ الزاد، وجِدَّ في الجهاز.
شمِّر عسى أن ينفعَ التشميرُ، وانظُر بفكرِك ما إليه تصيرُ، أيُّ الورَى خالدٌ، أيُّ الناس لا يرِدُ، أيُّ نفسٍ لا تموت، أيُّ حيٍّ لا يفُوت، سيكونُ الذي قُضِي، سخِطَ العبدُ أم رضِي، ليس هذا بدائمٍ كلُّ هذا سينقضِي، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[آل عمران: 185].

ألا يا موتُ لم أرَ منك بُدًّا
أتيتَ وما تحيفُ وما تُحابِي
كأنَّك قد هجمتَ على مشيبي
كما هجَمَ المشيبُ على شبابي

«اغتنِم خمسًا قبلَ خمسٍ: شبابَك قبل هرَمك، وصحَتَك قبل سقَمك، وغِناكَ قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتَك قبل موتك». فما بعد الدنيا من مُستعتَب، وما بعد الدنيا دار إلا الجنةُ أو النار.
فحاذِر الزلَل، واحتقِر العمل، وخفِ السباقة، واحذَر الخاتمة، واخشَ فوات الآخرة، فلا رجعةَ ولا ردّ.
فامهَد لنفسك والأقلامُ جاريةٌ
والتوبُ مُقتبلٌ فاللهُ قد وعَدَا

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ[الزمر: 53- 55].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو كان للأوَّابين غفورًا.


الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا خيرَ إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، أحمدُه حمدًا لا انقطاعَ لراتِبِه، ولا إقلاعَ لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سميعٌ لمن يُنادِيه، قريبٌ ممن يُناجِيه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على ذلك السبيل، وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبيل.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الزلَّةُ غلٌّ، والخطيئةُ ذُلٌّ، ورُبَّ عظمٍ هِيضَ فلم ينجبِر، فإن جُبِر فعلى وهاء، فتيقَّظوا وتنبَّهوا، واجعلوا التقوى عُدَّةً لكم عند كل مُشتهَى، واستوثِقوا من لجمِ النفس الجَموح، وامحُوا العثْرَة بالعَبْرة، والهفوَة بالصحوة، والإساءة بالإحسان.
طُوبَى لمن في مراضِي ربِّه رغِبَا
وعن مصارعِ أهل اللهوِ قد هرَبَا
قد وطَّن النفسَ أن اللهَ سائلُه
ففرَّ منه إليه مُنيبًا هرَبًا
وللتُّقَى مركبٌ ينجُو براكِبِه
فيا نجاةَ الذي مع أهلِهِ ركِبَا
وللهُدى رُفقةٌ فاسعَد بصُحبتهم
فيا سعادةَ من أهلَ الهُدى صحِبَا

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف: 28].
ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على عبدك ورسولِك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.
اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاة الظلَمة المُعتدين، اللهم انصُرهم على الطغاة الظلَمة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين الذين سفَكوا الدماء، وقتَلوا الأبرياء، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، بدِّد جمعَهم، فرِّق شملَهم، أذهِب قوَّتَهم، خالِف كلمتَهم.
اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم قوَّتك، اللهم أرِنا فيهم عظمتَك، زلزِلهم يا قويُّ، زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا قادِر، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرض وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا من قبضتهم، ونجِّ إخواننا من ظُلمهم، اللهم مُنَّ على إخواننا في الشام بالنصرِ والتمكين عاجلاً غير آجلٍ يا رب العالمين.
اللهم اجعل مصرَ أمنًا وأمانًا، ورخاءً وسلامًا، اللهم يا حي يا قيُّوم اللهم نجِّ إخواننا في مصر من الفُرقة والخلاف، اللهم وفِّق أهلَنا في مصر لما فيه عِزُّ مصر وصلاحُ مصر وخيرُ مصر يا رب العالمين.
اللهم ارحم موتاهم، واشفِ جرحاهم، واجبُر كسرَهم يا كريم.
اللهم من أراد إشاعةَ الفتنة والفوضى في مصر اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، واكفِهم شرَّه، واجعَله عبرةً يا رب العالمين. اللهم احفظ أهلَنا في اليمن، اللهم احفَظ أهلَنا في اليمن، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم، اللهم حقِّق لهم الأمنَ والعِزَّ يا كريم.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
اللهم من أراد أمنَنا واستقرارَنا ووحدتنا بسوءٍ اللهم فرُدَّ كيدَه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم وسعيَهم، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، اللهم تقبَّل مساعِيَهم وزكِّها، وارفع درجاتهم وأعلِها، اللهم حقِّق لهم من الآمال مُنتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم رُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانِمين يا رب العالمين، اللهم رُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانِمين يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.
اللهم أنزِل في أرضِنا زينتَها، وأنزِل علينا في أرضِنا سكَنَها، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين، جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثِك ورِزقك وامتِنانِك يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-11-2011, 11:36 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الوقت وأهميته في حياة المسلم
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 14/1/1433هـ بعنوان: "الوقت وأهميته في حياة المسلم"، والتي تحدَّث فيها عن الوقت وانقضائه، والعمر وانصرامِه، وما ينبغي على كل مسلمٍ من اغتنامِ أوقاته فيما يُرضِي الله تعالى، وضرورة مُحاسَبة الإنسان نفسَه دائمًا؛ لضمان السلامة في الدنيا والآخرة.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى هي النجاةُ غدًا والزادُ أبدًا.
أيها المسلمون:
في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا.
نظرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الشمسِ عند غروبِها فقال: «لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقِيَ من يومكم هذا فيما مضَى منه»؛ رواه أحمد.
والوقتُ ثمينٌ بلحَظاته، ويزيدُ نفاسةً إذا لم يبقَ منه سوى اليسير، واللهُ أقسمَ به فقال: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[العصر: 1، 2]، ومن الناسِ من كتبَ الله له فُسحةً في العُمر، ومنهم من يخطَفُه الأجلُ سريعًا، وخيرُ الناس من عاشَ في لحَظاتها ليرتقِيَ بها إلى آخرته.
قال رجلٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس خيرٌ؟ قال: «من طالَ عُمره وحسُن عملُه». قال: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال: «من طالَ عُمره وساءَ عملُه»؛ رواه أحمد.
والناسُ في حياتهم منهم من قصرَها على معاشِه دون معادِه، ومنهم من عمرَ آخرتَه فيها فأدَّى ما أمرَ الله به واجتنبَ ما نهاه عنه، ومنهم من خلَطَ عملاً صالحًا بآخر سيئًا من غفلةٍ واتباعِ هوى؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «كلُّ الناسِ يغدُو؛ فبائعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها»؛ رواه مسلم.
والله - عز وجل - أقسمَ أحدَ عشر قسمًا بأن المُفلِح هو من زكَّى نفسَه وأن الخاسرَ من أوقعَها في المعاصي؛ فقال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[الشمس: 1- 10].
والحياةُ مليئةٌ بالمِحَن والفِتن، وقد يكبُو المرءُ في زلاَّتها من حيث لا يشعُر، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واجعَل الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعَل الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ»؛ رواه مسلم.
وكلما دنَت الحياةُ من الزَّوَالِ لاحَت فتِنُها وظهَرَت شُرُورُها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «وإن أمتَكم هذه جُعِل عافيتُها في أولِها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونها»؛ رواه مسلم.
ويزدادُ البلاءُ عامًا بعد عام؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يأتي عليكم زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه»؛ رواه البخاري.
وإذا ابتعَدَ الناسُ عن الله ولم يمتثِلوا أوامرَه ووقعُوا في نواهيه اضطرَبَت أحوالُهم ومعايِشُهم؛ إذ الذنوبُ مُذهِبَةٌ للنِّعَم مُزيلةٌ لأمنِ النفوسِ والبُلدان؛ قال - عز وجل -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وأعظمُ بُعدٍ عن الله: التوجُّه إلى غيره بالدعاء والاستغاثةِ والنُّذور وغيرها؛ قال - عز وجل -: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ[آل عمران: 56]، فمن أشركَ بالله استحقَّ العذابَ الشديدَ في الدنيا؛ من الفر وقلَّةِ المالِ والمرضِ وفقدِ الأمنِ وغيرِ ذلك، وله في الآخرةِ عذابٌ عظيمٌ.
وإذا جاهَرَ العبادُ بالمعاصي عظُمَ خطرُها وأذِن الربُّ بالعقوبةِ بسببِها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «كلُّ أمتي مُعافَى إلا المُجاهِرين»؛ رواه البخاري.
ومن الفتنِ: تقديمُ العقلِ والهوى في النَّوازِلِ وغيرها، ونبذُ الكتاب والسنةِ لتحقيق الأعمال والآمال؛ قال - عز وجل -: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[النساء: 83].
وما من نازلةٍ إلا ولها أصلٌ في الكتاب والسنة؛ قال - سبحانه -: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[الأنعام: 38].
ولن يُصلِحَ هذه الأمةَ بما حلَّ بها من اضطرابٍ وفوضَى وكُروبٍ إلا برجوعِها إلى ربِّها؛ قال - سبحانه -: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا[الأنعام: 43].
ومن لازمَ الاستغفارَ جعل الله له من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية، وإذا ألمَّت بالناسِ مُصيبةٌ عليهم أن يُراجِعوا أنفسَهم: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11].
والحاذِقُ لا ينظرُ إلى كثرةِ المُذنِبين؛ فإن اصطفاءَ الله لك بالسلامةِ من المعاصِي يُوجِبُ عليك التمسُّك بهذه النعمة؛ إذ أضلَّ غيرَك وهداكَ.
وعلى المرءِ أن يُحاسِبَ نفسَه في كلِّ حينٍ: ماذا قدَّمَ لآخرته، وماذا عمِلَ لرِضَا الرحمن عنه، ليسألَ نفسَه عن فرائض الإسلام وعن أدائها، وعن حقوق المخلوقين والتخلُّص منها، وعن مالِه كيف جمعَه وفيمَ أنفقَه؟!
خطبَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - فقال: "إنك تغدُون وتروحون إلى أجلٍ قد غُيِّبَ عنكم علمُه، فإذا استطعتُم ألا يمضِيَ هذا الأجلُ إلا وأنتم في عملٍ صالحٍ فافعلوا".
وليست الغِبطةُ بكثرةِ السنين والنِّعَم، إنما الغِبطةُ بالشكر وكثرة العمل الصالح والإخلاص؛ فعُمر الإنسان عملُه.
قيل لنوحٍ - عليه السلام - وقد لبِثَ في قومه ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا -: كيف رأيتَ هذه الدنيا؟ فقال: "كداخلٍ من بابٍ وخارجٍ من آخر".
فاحذروا الدنيا وتقلُّباتها؛ فجمعُها عناء، ونعيمُها ابتلاء، واغتنِموا ما بقِيَ لكم من النعمِ الخمس: الشبابَ قبل الهرَم، والصحةَ قبل المرض، والغِنَى قبل الفقر، والفراغَ قبل الشُّغل، والحياةَ قبل الموت.
والمُحاسبةُ الصادقةُ ما أورثَت عملاً صالحًا، وتحوُّلاً عن معصية، ومن غفلَ عن نفسه تصرَّمَت أوقاتُه واشتدَّت عليه حسَراته؛ فاستدرِكوا ما فاتَ بما بقِي، ومن أصلحَ ما بقِيَ غُفِر له ما مضى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
المُحسِنُ من كان يومُه خيرًا من أمسِه، وغدُه خيرًا من يومه، واغتنَمَ الحياةَ بما يُقرِّبُه إلى مولاه، وشغلَها بالطاعات، ونأَى بها عن السيئات، واتَّعَظَ بما فيها من تقلُّبات الأمور والأحوال، وكان حذِرًا من الاغتِرار بالسلامةِ والإمهالِ والآمال؛ فما أساءَ أحدٌ العملَ إلا من التسويفِ وطولِ الأمل.
ومن أصلَح ما بينه وبين ربِّه كفاه ما بينه وبين الناس، ومن صدقَ في سريرته حسُنَت علانيتُه، والعبدُ إذا أنابَ إلى الله مما اجترحَ من السيئات والتمسَ عفوَه ورِضاه، وطمِع في واسع رحمته وعطاياه؛ أعطاه الربُّ بإذنه فوقَ ما يتمنَّاه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واجمع كلمتَهم على الهُدى والحق يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم إنا نسألك الإخلاصَ في القول والعمل، اللهم إنا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[الأعراف:23].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-19-2011, 12:13 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

حسن العشرة بين المسلمين
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 21/1/1433هـ بعنوان: "حسن العشرة بين المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن حسن العِشرة بين المسلمين، ووجوبِ المُحافَظة على أواصِر الأُخوَّة وعدم التنازُع فيما بين الإخوان، واستشهدَ على ذلك بشيءٍ مما ذُكِر في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضِيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجا من اتَّقَى، وضلَّ من قادَه الهوَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
لا تحلُو المُخالَطَة إلا بحُسن المَعايَشة وأداء حُقوق المُعاشَرة وتحقيقِ العدل والنَّصَفَة في المُعامَلة، ومن كان في إيفاء ما يكون عليه مثلما يكون في حفظِ ما يكونُ له فقد أنصفَ في القضاء وعدلَ بالسواء، والاستِقصاءُ يُورِثُ الاستِعصاء، والمُعاسَرة تُكدِّرُ المُعاشَرة، ومن نبَذَ وثائقَ التعايُش وقطَعَ مَرابِعَ التسامُحِ وأوحشَ مغانِيَ العِشرة، وسلكَ طريقَ المُنابَذة والمُبايَنَة والمُنازَعة فقد سلَكَ طريقًا لا يُوصِلُ إلى مطلوبٍ، ولا يهدِي إلى مرغوبٍ.
ومن أخطأ طريقَ التغافُلِ والتغاضِي والتسمُح كثُر مُعادُوه، وقلَّ مُصافُوه، وهجَرَه مُحِبُّوه، وزهِدَ فيه مُعاشِرُوه، ومن جهِلَ مواضِعَ رُشده، وتعثَّرَ في ذُيُولِ جهلِهِ، ووقعَ في مهاوِي سُخفِهِ وحُمقِه، ركِبَ متنَ الفُجور في الدعاوَى والمُنازَعات، والكذبِ في الشكاوَى والخُصومات، واختارَ الجفاءَ على الإخاء، والعداءَ على الولاء، والمُخاشَنةَ على المُلايَنة، تُعاشِر فيُعاسِر، وتُقارِب فيُحارِب، وتُحالِف فيُخالِف، وتُلاحِق فيُفارِق.
نسِيَ قولَ نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقاطَعوا، ولا تَدابَروا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ»؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
ومن بسطَ للناس فراشَ التوقير، ومدَّ لهم بساطَ التقدير، والتمسَ لهم الحُجَجَ والمعاذيرَ، ولو مع الإساءة له والتقصير؛ عاشَ في النفوسِ مُعظَّمًا، وعلى الألسُنِ مُبجَّلاً.
ومن يلْقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَهُ
ومن يغوِي لا يعدَم على الغَيِّ لائمًا
والأهلُ والقرابةُ أولَى الناسِ بحُسن المُخالَطة، وجميلِ المُعاشَرة، ولينِ المُعامَلة؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي»؛ أخرجه الترمذي.
ومن عمَّ أهلَه خيرُه، ووسِعَهم بِرُّه، وغمرَهم مَيْرُه، وبسطَ لهم وجهُهُ، ومهَّدَ لهم كنَفَه؛ فذلك الشهمُ الوفِيُّ، والمُعاشِرُ السخِيُّ، والمُخالِطُ التقيُّ.
ومن غلُظَ طبعُه وعظُمَت فظاظتُه، واشتدَّت على أهلِه قساوَتُه وشراستُه، وكثُرت شتامتُه وجهالتُه، فقابلَ والدَيْه بالصدود والجحود، وعاملَ زوجتَه بالتقصيرِ والتصغيرِ والتحقيرِ والتعزيرِ، وأولادَه بالتعنيفِ والتخويفِ والإذلالِ والإهمالِ، وذوي قرابَته بالقطيعةِ والصريمةِ والهُجرانِ والنُّكرانِ؛ فذلك الذي أساءَ المُخالَطة، وأوغلَ في المُغالَطة، والغِلظةُ والفَظاظةُ هي سببُ التباعُد والنُّفور، وخرابُ الأثسَر والدور.
فتعامَلوا بالعطفِ واللُّطفِ، والرِّفق واللِّين، والشَّفَقةِ والمُسامَحة، والرحمةِ والإحسانِ، وحُسنِ المُعاشرةِ، وجميلِ المُخالَطة؛ تحُوزوا على عظيمِ الأُجور والحسنات، وتحفَظوا أُسَرَكم ومُجتمعاتكم من النِّزاعات والخُصومات، والضياعِ والشَّتاتِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو كان للأوَّابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
ومن خالطَ الناسَ فتعاظَمَ وتطاولَ، وفخرَ وتاهَ، وتكبَّرَ وتجبَّرَ، وحقَّرَ وصغَّرَ، وجرَّحَ وشهَّرَ، وأساءَ المقالَ، وولغَ في الأعراضِ واستطالَ، وأكلَ الأموالَ بطُرقِ المكرِ والاحتِيال، وتعاملَ بالحُمقِ والسَّفَهِ والطَّيشِ، ونسِيَ الفضلَ وأنكرَ الجميلَ، وآذَى العبادَ وأفسدَ في البلاد؛ فقد كتبَ على نفسِهِ سُبَّةً لا تَبلَى، وخِزايةً لا تُنسَى، ونقمةً لا تُردُّ، وعذابًا لا يُصدُّ.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أتَدرون من المُفلِس؟». قالوا: المُفلِسُ فِينا مَن لا درهَمَ له ولا مَتاع. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المُفلِسَ مِن أمتي: مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضربَ هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِهِ، وهذا من حسناتهِ، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النارِ»؛ أخرجه مسلم.
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وتخلَّصوا من المظالمِ والحقوقِ، وتحلَّلوا ممن ظلمتُم أو آذَيْتم قبل ذلك المردُّ الذي لا مَحيصَ عنه، ولا مفرَّ منه، ولا رجعةَ بعده.
ثم صلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ بشيرِ الرحمةِ والثوابِ، ونذيرِ السَّطوةِ والعِقابِ، الشافعِ المُشفَّعِ يوم الحِسابِ، اللهم صلِّ عليه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في سورية ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاةِ المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُفسِدين، والظلَمة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، اللهم أنزِل عليهم عذابَك ورِجزَك وسخَطَك إلهَ الحقِّ يا رب العالمين، اللهم بدِّد جمعَهم، اللهم فرِّق شملَهم، وأذهِب قوَّتَهم يا قوي يا عزيزُ يا رب العالمين.
اللهم أرِنا فيهم قُوَّتك، اللهم أرِنا فيهم قُدرتك، زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا ولِيّ، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرضِ وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا في سورية من القومِ الظالمين يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين، والصهاينةِ الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.
ووفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحبُّ وترضى يا كريمُ يا عظيمُ.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاءِ والاستقرار جميعَ أوطانِ المسلمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين، اللهم جُد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضَّل علينا بغيثِك ورِزقك وجُودِك وامتِنانِك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:51 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir