
ثروة ثمينة يمتلئ بها القرآن الكريم من قوانين عظيمة وقواعد متينة في التعامل مع الآخرين ،
 والتي يجب على المسلمين العمل بها والحرص على تطبيقها لتحقيق العمل بكتاب الله أولا
 ثم للحصول على السعاة والفلاح والتوفيق في الدنيا والآخرة ؛
 ومن ذلك ما افتتح الله به سورة المطففين بقوله سبحانه وتعالى : 
"  ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ،
 وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " 
 المطففين: ١ – ٣
هذه الآيات وإن كانت صريحة في التعاملات المالية  في الميزان والمكيال 
غير أن التطفيف يشمل جوانب التعامل الأخرى الحسية والمعنوية . 
فويلٌ للمطففين أياً كان تطفيفهم ؛ لأن التطفيف ظلمٌ وبخسٌ للناس أشياءهم ، 
وأكلٌ لأموالهم بالباطل وجرحٌ للنفوس ، وتأليمٌ للقلوب ،
 وزرع للشحناء والبغضاء ، وتوسيع لدائرة الفرقة والشقاق . 
وويلٌ للمطففين وإن كان تطفيفهم فيما يبدو لهم طفيفا ،
 فالتطفيف القليل منه كثير ، وقليله لا يقال له قليل . 
فكما أنه ويلٌ للمطففين في التعاملات المالية
 فكذلك المطففين في العلاقات الاجتماعية والقضايا الفكرية والأمور المعنوية .
فالمطففون من الأزواج الذين يحرصون على كامل حقوقهم من زوجاتهم
 ويستهينون بترك وجباتهم نحوها بل يتعد بعضهم إلى ظلمهن يدخلون في الوعيد ولا شك . 
 وكذلك الزوجات اللواتي يثقلن كواهل أزواجهن بطلباتهن
 دون أي مراعاة لظروفهم مع تقصير واضح في واجباتهن نحوهم . 
والمطففون من الآباء الذين يطالبون أبناءهم بالبر الكامل المادي والمعنوي 
وهم أبعد الناس عن القيام بواجبٍ نحو الأبناء . 
ومن الأبناء الذين يزعجون آباءهم بطلباتهم ثم لا يراعون برهم ولا ينتبهوا لحق الوالدين عليهم . 
 وويل للمطففين من الجيران الذين يرفعون عقيرتهم بالشكوى من جيرانهم
 ولا ينظرون إلى ما يقومون به هم وأولادهم من أذية وإساءة لجيرانهم . 
ومن الموظفين الذي يكثرون التبرم والشكوى من الوضع وممن يديرهم 
ولا تجد عندهم حرصا على العمل ولا انضباط ولا قيام بالمهام على الوجه المطلوب . 
ومن المدراء الذين يجيدون المطالبة بالواجبات ممن تحتهم ويتساهلون ولا يبالون بحقوق تلك الشريحة . 
ومن أسوأ الناس تطفيفا أرباب الأموال والأعمال الذين يهضمون حق الأجير والعامل المسكين 
فيطلبون منه بذل أقصى جهد ولا يؤدنه حقه من الأجرة إلا بعناء أو مماطلة أو ينقصون منها ، 
وبالمقابل تطفيف بعض العمال حيث يبالغون في الأجرة بما هو أكثر مما يستحق العمل 
ويغشون في أعمالهم مع إلحاح وإزعاج في طلب الأجرة .  
وويل للمطففين من الدعاة الذين إذا ذكروا جماعتهم أو مشايخهم يستوفون وإذا ذكروا غيرهم ينقصون .
ومن الكُتاب والصحفيين الذين إذا ذكروا ما يحبون ويوافق هواهم يستوفون ويبالغون
 وإذا مروا بما لا يروق لهم ولو كان حقا ينقصون بل يتجاهلون .
وذهب الشيخ السعدي - رحمه الله - إلى أنه:
 يدخل في عموم الآية التطفيف في المناظرات بالحجج والمقالات فإنه كما أن المتناظرَين 
قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج ، 
فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها ، 
وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو ، 
وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه ، 
وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه ، نسأل الله التوفيق لكل خير
ومما لا بد من الإشارة إليه هنا أن التطفيف سُمّي تطفيفا 
لأنه يكون في الشيء الطفيف الذي لا يهتم به الناس لقلته وخفائه ،
 فخمسين جرام مثلا لا تؤثر في ظاهر ألف جرام غير أن الأمر 
" وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم "
 النور 15 
وكذا رُبّ كلمة تطفيف تنسف حقا وتقيم باطلا وصاحبها لا يعبأ بها ،
 فكيف بما هو أعظم وأظهر في الأموال والأعراض . 
نسأل المولى الكريم أن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال والأخلاق
وصلى الله على محمد وعلى آل محمد
والحمد لله رب العالمين
 
منقول للفائدة والموعظة 

...........
 .