يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-09-2012, 11:38 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الصلح خير
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة 12/2/1433هـ بعنوان: "الصلح خير"، والتي تحدَّث فيها عن وجوب الصلح بين المُتخاصِمين من المُسلمين لا سيَّما إذا كانا زوجين.

الخطبة الأولى
الحمد لله غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ[غافر: 3]، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوب إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وجعلنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن أحسن الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
ألا وإن تقوى الله زادُ كل راجٍ، ووازعُ كل خائِف، بها يُرزقُ المرء من حيثُ لا يحتسِب، ويلوحُ له من كل همٍّ فرَج، ومن كل ضيقٍ مخرج، أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[يونس: 62، 63].

أيها المسلمون:
إن اختلافَ الناسِ وتفاوُت مدارِكهم ورغباتهم وطبائعهم لَبعيدُ الشُّقَّة، مع أنهم من أبَوين اثنين، وهو في الحقيقة مثارُ امتحانٍ بالغِ الجَدوى، كما قال - سبحانه -: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا[الفرقان: 20].
ثم إن في الناسِ الحليمَ المُتأنِّي المُحتفظَ برجاحة الفِكرِ وسماحة الخُلُق، فلا يحمَى من قليلٍ يسمعُه فيُوقِعُه في كثيرٍ يكرهُه.
وإن في الناسِ الطائشَ الأهوَج، والغِرَّ المأفون، وضيِّقَ العَطَن الذي تستخِفُّه التوافِه فيحمَقُ على عجَلٍ، ويكونُ لسانُه وفعلُه قبل قلبه وعقله.
والمؤمنُ الكبيرُ من هؤلاء إنما هو مُصلِحٌ عظيم، يجمعُ ولا يفرِّق، ويصلِح ولا يُفسِد، ويُفيضُ من أناته على ذوي النَّزَق والشِّقاق حتى يُلجِئَهم إلى الخيرِ إلجاءً، فيُطلِقُ الناسُ ألسنتَهم له بالدعاء والثناء الحسَن لكونه مُصلِحًا بين الفُرَقاء.
إن التعارُف والتوادَّ بين الناسِ ضَربان خاصَّان من المحبَّة في النفس ليس لهما في الأنواع ضَريب، فهما اللذان يلتقي بهما بشَران يُتمِّمُ كلٌّ منهما الآخر.
والناظرُ في واقعِ الناس اليوم سيجِدُ ثُلمةً تخدِشُ صفاءَ المودَّة والإخاء تظهَرُ في الهوى المُتَّبع، والشُّحِّ المُطاع، وإعجابِ كلِّ رأيٍ برأيه، فضربَ الاستحكامُ بالألفاظِ بأطنابِه ليركُز خيمةَ الخُصومة والتدابُر، فلم يُفرِّق لسانُ بعضهم وقلمُه بين العالِم والجاهِل، ولا بين ذي السلطان والسُّوقَة.
وصارَ منطِقُ بعضِ عُشَاق القلَم ينحَى منحَى الأهوَج الأول: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى[غافر: 29]، فطاشَت ضوابطُ السلوك عندهم، وكثُرت زلاَّتُهم فأحدَثَت شُرُوخًا يستفحِلُ رأبُها، ويستعصِي على المُصلِحين الإمساكُ بها خليّةً من الخِطام والزِّمام، فانهارَت أمانةُ الكلمة، وتلاشَت الثقةُ العزيزة، وتصدَّعَت الأخُوَّة، فلم يبرُز في الساحة إلا الإِحَن وسُوءُ الظنِّ، وصار وقعُ الألسُن أشدُّ من وقعِ الحُسام المُهنَّد.
ولا غَروَ - عباد الله -:
فإن النارَ بالعيدان تُذكَى
وإن الحربَ مبدؤُها كلامُ
ولقد صدَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «إن الشيطانَ قد أيِسَ أن يعبُده المُصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريشِ بينهم»؛ رواه مسلم.
وعند هذه الخُصومات والنزاعات يُحمَدُ الصُّلح، ورأبُ الصدعِ، وجمعُ الكلمة، وإذا كان الخلافُ شرًّا والنزاعُ والخصومةُ معرَّةً؛ فإن الصّلحَ والتصالح رحمةٌ، وجمعُ فُرقةٍ وسدُّ ثُلْمة.
وإذا كان الخلافُ سنَّةً من الله - جل وعلا - في الخلقِ، كما في قوله: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ[هود: 118]، فإنه - سبحانه - استثنَى من أولئك من أسبغَ عليهم رحمتَه فقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ[هود: 119]، فالخُصومةُ بلاءٌ والصُّلحُ رحمةٌ، والصُّلحُ والتصالُح ما وقع في أمةٍ إلا زانَها، ولا نزِع من أمةٍ إلا شانَها.
الصُّلحُ نهجُ قويم، ومنارٌ لكلِّ تائهٍ في مهامِهِ الخُصومةِ، الصُّلحُ جائزٌ بين المسلمين في الحقوق، وواجبٌ لنزعِ فتيلِ التباغُض والتدابُر، به يقرُبُ البعيد، ويتَّسِعُ المضيق.
بالصُّلح تُهزَمُ الأنانية، وينتصِرُ الإيثار، والصُّلحُ برُمَّته قال عنه - سبحانه -: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ[النساء: 128]، وقال عنه: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال: 1]، وقال عنه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ[النساء: 114]، وقال عنه - سبحانه -: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا[الحجرات: 9]، وقال عنه - جل وعلا -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[الحجرات: 10].
وإنه لا يُعرفُ في الوجودِ البشريِ مُصلِحٌ عزيزٌ عليه ما عنِتنا حريصٌ علينا بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ مثلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو المُصلِحُ بين القبائل والطوائِف، وهو المُصلِحُ بين الأفراد والمُجتمعات، وهو المُصلِحُ بين الزوجين، والمُصلِحُ بين المُتداينَيْن، والمُصلِحُ في الأموال والدماء والأعراض؛ كيف لا وهو الذي يقول: «ألا أُخبِركم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاة والصدقة؟». قالوا: بلى، قال: «صلاحُ ذات البَيْن؛ فإن فساد ذات البَيْن هي الحَالِقة»؛ رواه أبو داود، والترمذي.
وعن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنه - أن أهل قُباء اقتَتلوا حتى ترامَوا بالحجارة، فأخبرَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: «اذهبُوا بنا نُصلِح بينهم»؛ رواه البخاري.
وبئسَ الخَصمان اللذان يستكبِران أن يُصلِح بينهما رسولُ الهدى - صلوات الله وسلامه عليه -، والله - جل وعلا - يقول: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65].
وبعدُ، يا رعاكم الله:
فإن الصُّلح سببُ المودة ومحوٌ للقطيعة، والصُّلحُ قد يكون خيرًا من فضِّ الخُصومة قضائيًّا؛ لِما يُورِثُه من الشحناء من خلال ثُبوت الحُكم لأحد المُتخاصِمَين دون الآخر.
وقد كتبَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي موسى الأشعري يقول له: "رُدَّ الخُصوم حتى يصطلِحوا؛ فإن فصلَ القضاء يُورِثُ بينهم الضَّغانة".
في الصُّلح - عباد الله - إذكاءٌ لخصلة العفو والتسامُح، وهو علامةُ التماسُك الاجتماعيِّ المحمود.
بالصُّلح تقِلُّ المُحاكَمات، ويُقضَى على الأزمات.
بالصُّلح يُرفعُ الفهمُ الخاطِئ بإحلالِ الفهمِ الصحيحِ.
وبالصُّلح يعظُمُ الأجرُ، ويُمحَى الوِزر.
بالصُّلح بين المُتخاصِمَين يصلُح حالُ الأسرة التي يصلُح بسببها المُجتمع، ثم الأمةُ بأسرِها.
ولن يتأتَّى ذلك كلُّه إلا إذا وُجِد العزمُ الصادقُ، والنيةُ الخالصةُ في الإصلاح من قِبَل المُصلِح والمُتخاصِمَيْن جميعًا؛ لأن الله - جل وعلا - علَّق تمام التوفيق في الإصلاح بحُسن الإرادة، كما قال - سبحانه -: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[النساء: 35]، ومفهومُ المُخالفة في ذلك: أنه إذا لم تكن إرادةُ الإصلاح حاضرةً لدى المُصلِح والمُتخاصِمين فشتَّان ما بينهم وبين التوفيق.
وقد تقدَّم للحسن البصري - رحمه الله - خصمان من ثقيفٍ، فقال الحسن: "وأنتما أيضًا في أسنانكما وقرابتكما تختصِمان؟!". فقالا: يا أبا سعيد! إنما أردنا الصُّلح. قال: "نعم إذًا، فتكلَّما"، فوثَبَ كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه بالتكذيب، فقال الحسن: "كذبتُما وربِّ الكعبة، ما الصُّلح أردتُما؛ لأن الله - جل وعلا - يقول: إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[النساء: 35]".
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وكفى خُصوماتٍ وتدابُرًا، لا سيَّما فيما هو من تفاهات الأمور وسفسَافها، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[الشورى: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.


 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2012, 11:39 PM   رقم المشاركة : 2

 

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فإن الأسرة المُسلِمة أصلُ المُجتمع المُسلِم، وصورة المُجتمع الكلية إنما هي ترجمان لواقعِ الأُسرة، فإذا دبَّ في الأسرة روحُ الخِلافِ والتنازُع والخُصومة؛ فإن التشتُّت لها وللمُجتمع ما منه بُدٌّ، ويتأكَّد الأمرُ في حق الزوجين؛ لأنهما أُسُّ الأسرة.
ثم إن المُترقِّب لواقعِ مُجتمعه ليرى بعين قلبه ورأسه ما تُعانيه الحياةُ الزوجية من تفكُّك لدى كثيرٍ من الأزواج، كلُّ ذلك لأتفه الأسباب؛ فقد تُطلَّقُ المرأةُ في نُقصان مِلحٍ أو قفل بابٍ، فتُطلَّقُ حينها عدد نجوم السماء؛ حيث أعمِلَت السلطة، وأُهمِلَت الحكمةُ والعاطفة، والعكسُ صحيحٌ أيضًا.
وربما كان لتدخُّل الأهل والأقارب إذكاءٌ لروح الخلاف والخِصام، فتُؤتَى البيوتُ من ظهورها، ويُنزَع سِتارُها، ويهتَكُ حجابُها.
ومن المعلوم بداهةٍ: أن الله - سبحانه وتعالى - لم يخلُق الزوجين بطباعٍ واحدةٍ، ومن يظنُّ ذلك فهو يعيشُ في أوهام؛ لأنه لا يمكن البتَّة أن يُفكِّر أحدُهما بعقلِ الآخر أو يُحِسَّ بقلبِ الآخر، فكلٌّ له عقلٌ يُفكِّرُ به، وقلبٌ يُحِسُّ به.
ثم إن ارتِقاب الراحة التامة المُطلَقة بين الزوجين إنما هو نوعُ وهمٍ إلا من رحمَ الله، لذا كان من العقلِ توطينُ النفسِ على بعضِ المُضايقات، فالكمالُ لله وحده، وكان لِزامًا على المُجتمعات المُسلمة أيضًا أن ترعَى جانبَ الأسرة، وأن تُدرِك أن الوضعَ الأسريّ مرتعٌ خصبٌ للخلافِ والخُصومة؛ كيف لا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن إبليس يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعَثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنِيه منه ويقول: نعمَ أنت، فيلتزمُه»؛ رواه مسلم.
وقد حثَّنا دينُنا الحنيفُ على الإصلاحِ بين الأزواج ورأب صدعِ البيتِ المُسلِم حتى لا ينهار فيهتزَّ كيانُ المُجتمع برُمَّته، ولذا قال الله - سبحانه -: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[النساء: 35]، وقال - سبحانه -: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ[النساء: 128].
ولقد كان من حرصِ الشارعِ الحكيمِ على الصُّلح ونزع فَتيلِ الخُصومة أن أباحَ شيئًا من الكذبِ في سبيلِ الإصلاح وجمعِ الكلمة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الكذَّاب الذي يُصلِحُ بين الناس، ويقول خيرًا أو ينمِي خيرًا»؛ متفق عليه.
والمقصودُ بالكذبِ هنا: ذكرُ ما يكونُ سببًا للاجتماع وتأليفًا للقلوب، فلله! ما أجملَ الكذبِ في الإصلاح، ولله! ما أقبحَ الصدقَ في الإفساد، ولله! ما أقبحَ الرجل حلو اللسان خرابَ الجَنان قلبُه أمرُّ من الصَّبِر، قال الله عنه وعن أمثاله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[البقرة: 204- 206].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله بن عبد المُطلب، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب : 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد صاحبِ الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشرك والمُشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألُك من خيرِ ما سألَكَ منه عبدُك ورسولُك محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونعوذُ بك من شر ما استعاذك منه عبدُك ورسولُك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كلِّه، عاجلِه وآجلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم أصلِح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل ما أنزلتَه علينا بلاغًا لنا ومتاعًا إلى حين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:22 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

اهتمام الإسلام بطهارة القلب والبدن

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 26/2/143هـ بعنوان: "اهتمام الإسلام بطهارة القلب والبدن"، والتي تحدَّث فيها عن الإسلام وعظمته ومدى اهتمامه بطهارة القلبِ والبدَن، وذكرَ الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الطهارة للقلبِ والبدَن، والوعد بعظيمِ الأجرِ للمُتطهِّرين.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوى أكرمُ ما أسررتُم، وأبهَى ما أظهرتُم.
أيها المسلمون:
دينُ الإسلام دينُ الجمال والكمال، أمرَ بطهارة القلب والبدَن، مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة: 6]، وأمر بتطهيرِ أماكن العبادة من الشرك والدَّنَس: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ[الحج: 26].
ووصفَ الله الرسلُ بنقاء القلوبِ؛ فقال عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الصافات: 84].
وحفِظَ نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو في صِغره من أدواء الصدور؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "أتَى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذَه فصرَعَه فشقَّ عن قلبه فاستخرجَ القلبَ منه علَقَةً، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسلَه في طستٍ من ذهبٍ بماءِ زمزم، ثم لأَمه ثم أعادَه في مكانه"؛ رواه مسلم.
ولما أُرسِل أمرَه الله بالحِفاظ على سلامةِ قلبه؛ فقال له: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ[المدثر: 4]. قال سعيدُ بن جُبيرٍ - رحمه الله -: "وقلبكَ ونيَّتك فطهِّر"، فكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، اللهم اغسِل خطايايَ بالماء والثلجِ والبَرَد»؛ متفق عليه.
ولما أراد الله أن يُكرِمه بالإسراء والمِعراج غسلَ قلبَه مرةً أخرى؛ إذ لا يدنُو منه - سبحانه - إلا سليمَ الصدر؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «نزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري - أي: شقَّه -، ثم غسلَه بماء زمزَم، ثم جاء بطستٍ من ذهبٍ مُمتلئٍ حكمةٍ وإيمانًا فأفرغَها في صدري ثم أطبقَه، ثم أخذَ بيدي فعرَجَ بي إلى السماء»؛ متفق عليه.
وأثنَى على أهل القُباء بتقواهم ومُلازمتهم كمال الطهارة؛ قال - سبحانه -: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا[التوبة: 108].
والطُّهور شطرُ الإيمان، ومن تطهَّر أحبَّه الله؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[البقرة: 222].
ومِفتاحُ الصلاة الطُّهور، فلا يدخلُ المُصلِّي في صلاته حتى يتطهَّر.

وجعل - سبحانه - الدخول إلى الجنةِ موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يدخلُها إلا طيبٌ طاهرٌ؛ قال تعالى: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ[الزمر: 73]، فمن تطهَّر في الدنيا ولقِيَ اللهَ طاهِرًا دخلَ الجنة، ومن لم يتطهَّر في الدنيا فإن كانت طهارتُه معدومةً كالكافرِ لم يدخُلها بحالٍ، وإن كانت نجاستُه كسبيَّةً عارِضةً وشاء اللهُ عذابَه دخلَها بعدما يتطهَّر في النار من تلك النجاسةِ ثم يخرُج منها.
وأهلُ الإيمان إذا جازوا الصراطَ حُبِسُوا على قنطرةٍ بين الجنةِ والنار، فيُهذَّبون ويُنقَّون من بقايا بقِيَت عليهم قصُرَت بهم عن الجنة ولم تُوجِب لهم دخولَ النار.
وطهارةُ القلبِ شرطٌ لدخول الجنة؛ قال - سبحانه -: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "لا يُجاوِرُ الرحمنَ قلبٌ دُنِّس بأوساخِ الشهوات والرياء أبدًا".
وللباطنِ زينةٌ كما للظاهر زينةٌ، ومن دعاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم زيِّنَّا بزينةِ الإيمان»؛ رواه النسائي.
والقلوبُ كالأبدان؛ منها الصحيحُ ومنها السقيم، ومنها الحيُّ ومنها الميِّت، وإذا نُقِّيَ القلبُ من الأدران امتلأ بالرحمة والخير، فاهتمَّ الإسلامُ بكلِّ ما يُصلِحُ القلبَ، ونهَى عن جميع ما يُفسِدُه، وأعظمُ صلاحٍ له هو التوحيدُ بإخلاص الأعمال لله وحده، وفسادُ القلبِ وموتُه بالشرك بالله؛ قال - عز وجل -: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[التوبة: 28].
وتوعَّدَهم بالخِزيِ والنَّكال؛ فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[المائدة: 41].
والمُنافِقون وصفَهم الله بقوله: إِنَّهُمْ رِجْسٌ[التوبة: 95]. قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "أي: خُبثاء نجِسٌ بواطِنُهم وظواهِرهم".
والحِقدُ والحسدُ داءٌ في القلوبِ، إن لم يُتدارَك بالدعاء وسلامةِ الصدرِ أظلمَ به؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا».
وقدِمَ رجلٌ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه: «يطلُعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة». ولما سُئِل عن عمله قال: إني لا أجِدُ في نفسي لأحدٍ من المُسلمين غشًّا، ولا أحسِدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه؛ رواه أحمد.
ومن دعاء المُؤمنين: وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا[الحشر: 10].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "ما رأيتُ أحدًا أجمعَ لخِصال الصفحِ والعفوِ وسلامةِ الصدر من ابن تيمية".
والقلبُ شديدُ الصفاءِ، سريعُ التأثُّر، أدنى معصيةٍ تُؤثِّرُ فيه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا هو نزَعَ واستغفرَ وتابَ صُقِل قلبُه، وإن عادَ زِيدَ فيها حتى تعلُوَ قلبَه، وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[المطففين: 14]»؛ رواه الترمذي.
وواجبٌ على العبدِ أن يغسِل قلبَه في كل يومٍ وليلة، ومما يُنقِّيه: الصلواتُ المفروضة؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أرأيتُم لو أن نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ؛ هل يبقَى من درَنه شيء؟». قالوا: لا يبقَى من درَنه شيءٌ. قال: «فذلك مثَلُ الصلوات الخمسِ، يمحُو اللهُ بهنَّ الخطايا»؛ متفق عليه.
ومن صلَّى بعد تطهُّره كان سببًا في دخول الجنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما من مُسلمٍ يتوضَّأ فيُحسِنُ وُضوءَه ثم يقوم فيُصلِّي ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِه ووجهِه إلا وجَبَت له الجنة»؛ متفق عليه.
والوضوءُ دواءٌ للقلوبِ والجوارِح؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا توضَّأ العبدُ المُسلمُ أو المؤمنُ فغسلَ وجههُ، خرجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعينِه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسلَ يديه خرجَ من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطَشَتها يداه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماءِ، فإذا غسلَ رجلَيْه خرجَت كلُّ خطيئةٍ مشَتها رِجلاه مع الماءِ أو مع آخر قطرِ الماءِ، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب»؛ متفق عليه.
ومن أضافَ إلى طُهوره كلمةَ التوحيد فُتِّحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُسبِغُ الوضوءَ، ثم يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِّحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخلُ من أيِّها شاءَ»؛ رواه أحمد.
والزكاةُ تُطهِّرُ القلبَ وتُنيرُه؛ قال - سبحانه -: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة: 103].
وكلامُ ربِّ العالمين شفاءٌ للأبدان والصدور؛ قال - عز وجل -: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[الإسراء: 82].
ولزومُ جماعةِ المُسلمين والنصيحةُ مما يُصلِحُ القلوبَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهنَّ قلبُ مُسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومُناصَحة الأئمة المُسلمين، ولُزوم جماعتهم»؛ رواه الترمذي.
والحِجابُ طهرٌ وعفافٌ؛ قال - سبحانه -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[الأحزاب: 53].
ومُجالَسةُ الصالحين وحِفظُ اللسانِ نقاءٌ للقلبِ، والبُعدُ عن الفتن طهارةٌ له؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحَصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء»؛ رواه مسلم.
وطهارةُ الظاهر مُتمِّمةٌ لطهارة الباطِن، فاهتمَّ الإسلامُ بطهارة بدَن الإنسان منذ ولادته إلى وفاته؛ فإذا وُلِد خُتِن وحُلِق رأسُه، وإذا ماتَ غُسِّلَ وأُحسِن كفنُه وتطييبُه.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يُحبُّ الطِّيبَ ويُرَى وَبيصُ طِيبِ المِسك يسيلُ من مِفرَقِ رأسه، وكان يتسوَّك عند كل وُضوءٍ وصلاةٍ وعند دخول المنزل وإذا استيقظَ من النوم.
وأمرَ بما جاءت به الفِطرةُ من قصِّ الشاربِ، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاقِ الماء، وقصِّ الأظافِر، وغسلِ البراجِم، ونتفِ الإبِط، وحلقِ العانة، وانتقاصِ الماء - أي: الاستِنجاء -، والخِتان، ووقَّت في قصِّ الشارِبِ وتقليمِ الأظافِر ونتفِ الإبِط وحلقِ العانَةِ ألا تُتركَ أكثر من أربعين ليلة.
وأمرَ كلَّ مُسلمٍ أن يغتسلَ كلَّ أسبوعٍ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: «حقٌّ على كل مُسلمٍ أن يغتسلَ في كلِّ سبعةِ أيامٍ يومًا يغسِلُ فيه رأسَه وجسدَه»؛ متفق عليه.
وكان إذا عطسَ - عليه الصلاة والسلام - وضعَ يدَه أو ثوبَه على فِيهِ وخفضَ بالعُطاسِ صوتَه؛ رواه أبو داود.
وأمرَ بإماطةِ الأذى عن طُرقات المُسلمين، وقال: «عُرِضَت عليَّ أعهمالُ أمتي حسنُها وسيِّئُها، فوجدتُ في محاسِن أعمالها: الأذى يُماطُ عن الطريقِ ..»؛ رواه مُسلمٌ.
ووصفَ كيفيةَ التطهُّر بعد قضاء الحاجةِ وبمَ يستنجِي وعددَ الأحجار؛ فنهَى عن الاستِنجاءِ باليَمين، ونهَى عن الاستِجمار بالرَّوث والعِظام، وألا يُستجمَر بأقلَّ من ثلاثة أحجار.
ونهَى عن كل ما فيه مُجانَبة التنزُّه أو تمامُه؛ فنهَى عن التنفُّس في الإناء حال الشُّرب، ونهَى عن نفخِ الطعامِ، وعن الشُّربِ من فمِ القِربةِ أو السِّقاءِ؛ لأنه يُنتِنُه.
وإذا استيقظَ النائمُ لا يغمِسُ يدَه في الإناء حتى يغسِلَها ثلاثًا، وإذا ولغَ الكلبُ في الإناءِ أمرَ بغسلِهِ سبعًا أُولاهنَّ بالتُّرابِ، ووقَّت في مسحِ الخُفَّين يومًا للمُقيم وثلاثةً للمُسافِر لئلا يتأخَّر غسلُ القدَمِ بالماء؛
بل توعَّد من لم يغسِل كاملَ قدمِهِ بالنار؛ فقال: «ويلٌ للأعقابِ من النارِ»؛ متفق عليه.
وزجرَ عما فيه رائحةٌ تُؤذِي؛ فقال: «من أكلَ ثومًا أو بصلاً فليعتزِلنا، أو ليعتزِل مسجِدنا وليقعُد في بيته»؛ متفق عليه.
ولنجاسَة الخمرِ وإسكارِها توعَّد من شرِبَها ألا تُقبَلَ منه صلاةٌ أربعين يومًا.
ونهَى عن التخلِّي في طريق الناسِ أو ظلِّهم، وعن البُصاق في المساجِد، ورغَّبَ في تطهيرِها وعظَّمَ من يقوم بذلك؛ فكانت امرأةٌ سوداءُ أو رجلٌ يقُمُّ المسجِد، ففقدَه - عليه الصلاة والسلام - فسألَ عنه، فقيلَ: مات، فقال: «ألا آذنتُموني به؟». فكأنَّهم صغَّروا أمرَها أو أمرَه، قال: «دُلُّوني على قبره»، فدلُّوه، فصلَّى عليه؛ رواه أبو داود.
وبين الثيابِ والقُلوبِ مناسبةٌ ظاهرةٌ وباطِنة، كلٌّ منهما يُؤثِّرُ في الآخر؛ فنهَى عن لباسِ الحرير والذهبِ وجلود السِّباعِ، وعن الإسبالِ؛ لما تُؤثِّرُ في القلبِ من الهيئةِ المُنافِيَة للعبوديةِ والخُشوع.
وبعدُ، أيها المُسلمون:
فدينُ الإسلام لا أكملَ ولا أعظمَ منه، ولا أزكَى للعبدِ وأطهرَ له سِواه منه، والسعيدُ من طهَّرَ قلبَه وجوارِحَه ولسانَه وظاهِرَه مما يُغضِبُ ربَّه، واستعملَها فيما يُحبُّه اللهُ ويرضاه، وشكرَ نِعَمَ الله عليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ[الأعراف: 26].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، أيها المسلمون:
فدينُ الإسلام دينٌ عظيمٌ، يأمرُ بمسحِ الأُذن داخلَها وخارِجها في اليوم مراتٍ، والنقطةُ الواحِدة من البول تُنقِضُ الوُضوء، والكلمةُ الواحِدةُ من الكُفر أو عملٌ يُناقِضُ الإسلام يخرُج به المرءُ من الدين.
ولا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، والقلبُ السليمُ هو الذي سلِمَ من الشركِ والغلِّ والحِقدِ والحسَد والشُّحِّ والكِبرِ وحُبِّ الدنيا، وسلِمَ من كلِّ شهوةٍ تُعارِضُ أمرَ الله، ومن كلِّ شُبهةٍ تُعارِضُ خبرَه، ومن أحقِّ ما يُطهِّرُ به العبدُ حياتَه: طهارةُ لسانِه وماله من المُحرَّمات والشُّبُهات.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وألِّف بين قلوبِهم، واجمع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين، وولِّ عليهم خيارَهم، واصرِف عنهم الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:26 PM   رقم المشاركة : 4

 

التحذير من ضياع الشباب
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من ضياع الشباب"، والتي تحدَّث فيها عن التحذير من ضياع الشباب؛ حيث وجَّه عددًا من النصائح لجميع فئات المُجتمع؛ آباءً وأمهات، ومُعلِّمين، وتجَّار، ومسؤولين، وغيرهم من فئات المُجتمع المُسلم.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الرحيم الغفور، الحميد الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تتضاعَفُ بها الأُجور، وتحصُلُ بها النجاةُ يوم البعثِ والنشور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، أسفرَ فجرُه الصادقُ فمحَا ظُلُمات أهلِ الزيغِ والشُّرور والفُسوق والسوء والفُجور، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الذكرِ المنشور والفضلِ المشهور صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين ممرَّ الليالي والدهور.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حقَّ التقوى؛ فقد فازَ المُطيعُ المُتَّقِي، وخسِرَ المُذنِبُ الشقيُّ، وهلَكَ العاصِي المُعتدِي، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم[الأنفال: 29].



أيها المسلمون:
حداثةُ السنِّ كنايةٌ عن الشبابِ وأولِ العُمُر، وحدثُ السنِّ قليلُ التجربة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبير والتفكير، أسيرُ التأثُّر والإعجاب، سريعُ المُحاكاة والمُماثَلة والتشبُّه، لا ينساقُ غالبًا إلى ما ينفعُه إلا بإشارةِ مُشيرٍ، وتسديدِ كبيرٍ، ومُعاوَنةِ نصيرٍ.
ومتى أُعجِبَ الشابُّ الحَدَثُ، أو الفتاةُ الحَدَثَةُ بشخصٍ انحازَ إليه، واقتبسَ منه، واحتذَى مثالَه، ونحا فِعالَه، وأكثرَ من ذِكره، ونظرَ من محجَره، ونطقَ بنغمته، وحاكاه في هيئته وطريقته، وماثَلَه في صورته وحركته ولِبستِه.
وحين غابَ دورُ الرقيبِ، وتهدَّمَت قاعدةُ: الدفع أهونُ من الرفعِ؛ تسلَّلت إلى مُجتمعاتنا قُدواتٌ في مُنتهى السوءِ والسقوط، وأمثِلةٌ غايةٌ في الرذالة والانحِطاط والخِسَّةِ والدَّناءَة.
وحين توارَى دورُ الوليِّ الصالح، وضعُف تأثيرُ المُربِّي الناصِح؛ ظهرَت بين شبابنا وفتياتنا سُلوكياتٌ شاذَّة، ومظاهرُ مقيتة، وتصرُّفاتٌ غريبة لم تكن معهودةً ولا موجودةً، وظهرَت المُترجِّلاتُ من النساء، والمُستخنِثين من الرجال في أسواقِ المُسلمين وميادينهم.
شبابٌ أُصيبَ بداءِ التأنُّثِ والتخنُّثِ، والتحلِّي والتفنِّي، والتميُّعِ والتكسُّرِ والتعطُّفِ، والتسكُّعِ في الأسواقِ، والتمايُلِ في مجامعِ النساء.
تراه يضعُ الأقراطَ في أذنه، والمعاصِمَ في يده، والقلائِدَ في صدره، يُلمِّعُ شفَتَه، ويُلوِّنُ بشرَته، ويُحمِّرُ وجهَه، ويلبسُ الملابِسَ المُثيرةَ والشفَّافةَ والضيِّقةَ، ويرتدي سراويلَ أخذَت من الأسماء أخسَّها وأخبثَها، وأدلَّها عليها، تحسُرُ عن عورته، وتكشِفُ عن سوءته.
أفعالٌ غايةً في القُبحِ والشُّذوذِ والغرابَة، وكم هم ضحايا السهَرات الممقوتة، والتجمُّعات المشبوهة، ومقاهي الشيشة البَغيضة؟!
وكم رأينا صغيرًا حدَثَ السنِّ وقد تردَّى وتهاوَى في دُروبِ الدخانِ والشيشةِ والحَشيشَة والمُخدِّرات والمُسكِرات، والفواحِشِ والمُنكَرات.
وفَتياتٌ وبناتٌ، وآهٍ على حالِ فتياتٍ غابَ الرقيبُ عنهنَّ، وغفَلَ المُستحفَظُ عليهن، فتدرَّجنَ في مدارجِ الاختِلاطِ والبُروز والظهور، وتساقَطنَ في مدارجِ التبرُّج والتفلُّت والسفور، وصارت المرأةُ تُزاحِمُ الرجلَ وتُصافِحُه وتُمازِحُه، وتخضعُ له بالقولِ، وتُلايِنُه بالكلام.
يا لها من صورةٍ تنفطِرُ منها القلوبُ وتنصدِع!
فاتقوا الله - أيها المسلمون -، اتقوا الله - أيها الأولياء -، قوموا بما أوجبَ الله عليكم من رعايةِ أولادكم، وصونِهم وتربيتهم، وغرسِ الفضيلةِ في نُفوسهم.
واتقوا الله - أيها التجَّار -، وحاذِروا بيعَ كلِّ ما يُخِلُّ بالعقيدة، ويهدِمُ السلوك، ويُدمِّرُ الأخلاقَ، وحاذِروا بيعَ الملابسِ الفاضِحة، والملابسِ الغريبةِ الشاذَّة التي لا تمُتُّ إلى شرعنا ولا إلى أوطاننا ولا إلى تراثِ آبائنا بشيءٍ.
ويا رِجال التعليمِ! كيف يستفحِلُ هذا الداءُ في صفوفِ شبابِنا وفتياتِنا وأنتم الأساتِذةُ الفُضلاء، والمُعلِّمون الأوفياء، والمُربُّون، النُّبَلاء؟! اللهَ اللهَ في رعايةِ أجيالِنا، وصناعةِ نشئِنا، وحمايةِ مُجتمعنا.
أيها المسؤولون، كلٌّ في جهته، وكلٌّ على قدرِ مرتبته وصلاحيته! خُذوا بأيدي شبابنا وفتياتنا إلى الحِشمةِ والفضيلة والحياءِ والمكارِم، وامنَعوا ضياعَهم، وحاذِروا سُقوطَهم في أوهاقِ الفاحِشةِ والرذِيلةِ، والجريمةِ والبلاءِ العظيمِ، والشرِّ المُستطيرِ.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، فقد فازَ المُستغفِرون، وسعِدَ المُتَّقون.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانِهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].
أيها الشبابُ والفَتيات، أيها الرجال والنساء! لا يستفِزَّنكم الشيطانُ بخُدعه، ولا يستزِلَّنكم بحِيَله، ولا يُوقِعَنَّكم في شَرَكه، ولا يغُرَّنكم بآماله الباطِلة، يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا[الأعراف: 27].
أظهِروا النَّكيرَ والرَّفضَ لتلك التصرُّفات المُرِية، والظواهِر المُخزِية التي لا تليقُ بأهل الإسلام، ولا يجوزُ أن يعُدُّوها واقِعًا مُسلَّمًا لا محيصَ عنه، وقد جاءت السنةُ بتحريمها ولعنِ فاعِلها.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لعنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلَ يلبسُ لِبسةَ المرأة، والمرأةُ تلبسُ لِبسةَ الرجل"؛ أخرجه أبو داود.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ - عز وجل - إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المُترجِّلة، والديُّوث»؛ أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لعنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المُخنَّثين من الرجال، والمُترجِّلاتِ من النساء"؛ أخرجه البخاري.
جعلني الله وإياكم من الهُداة المُهتدين، وحمانا من دُروب الشرِّ والفتنةِ ونزَغاتِ الشياطين.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
للخلقِ أُرسِل رحمةً ورحيمًا
صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر الطغاةَ والظلمةَ والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهما للبرِّ والتقوى، وأصلِح لهما بِطانتَهما يا كريمُ يا رب العالمين.
اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، اللهم كُن لأهلنا في الشام ناصرًا ومُعينًا، ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم انصُرهم على الطغاةِ الظلَمة المُعتدين، اللهم انصُرهم على الطغاة المُعتدين.
اللهم عليك بالقتَلَة المُجرمين، الذين سفَكوا الدماءَ، وقتَلوا الأبرياء، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك، أنزِل عليهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم بدِّد جمعَهم، وفرِّق شملَهم، وأذهِب قوَّتَهم، وخالِف كلمتَهم، وأرِنا فيهم قُدرتَك يا رب العالمين.
اللهم أرِنا فيهم قُدرتك وقُوَّتك وعظمَتَك، اللهم زلزِلهم يا قويُّ، زعزِعهم يا قادِر، دمِّرهم تدميرًا، ولا تجعل لهم في الأرضِ وليًّا ولا نصيرًا.
اللهم نجِّ إخواننا من قبضَتهم وظُلمهم يا رب العالمين.
اللهم مُنَّ على جميع بلاد المُسلمين بالأمن والاستِقرار والسعادة والرخاءِ يا رب العالمين.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك يا حيُّ يا قيُّوم، نسألُك أن تهدي شبابَنا وفتياتِنا، اللهم اهدِ شبابَنا وفتياتِنا، اللهم أرِهم الحقَّ حقًّا وارزُقهم اتباعَه، وأرِهم الباطِل باطلاً وارزُقهم اجتِنابَه يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَق، أنزِل في أرضنا زينتَها، وأنزِل في أرضِنا سكَنَتها.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على مَن عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:14 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

المخالفات في الوقف والوصية
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 11/3/1433هـ بعنوان: "المخالفات في الوقف والوصية"، والتي تحدَّث فيها عن مُخالفاتِ بعض الآباء في تركتهم وأنهم يقِفونها لحِرمان بعض الورثَة من الميراث، وبيَّن بالأدلة حُرمةَ هذا الفعلِ، وحذَّر أهل الأوقاف من الوقوع في مخالفة الكتاب والسنةِ في مثلِ هذه الأمور.

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المؤمنون:
يقول ربُّنا - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
إنه الأمرُ للمؤمنين بأن يقولوا القولَ السديدَ، وأن ينهَجوا المنهجَ الرشيدَ.
ويا عباد الله:
إن من يتتبَّع بعضَ أحوالِ الناسِ في أروِقةِ المحاكم يجِدُ ما يأسَى له المُسلم من تصرُّفات بعض الآباء في إيجاد أسباب العداوة بين ورَثَتهم؛ فكم يحصُل بسبب هذه التصرُّفات بين الورَثَة من الخُصومة والتقاطُع والتشاتُم والمُرافَعات بسبب التصرُّفات المُخالِفة لشرع الله - جل وعلا - في وقفِ المال، وفي الوصيَّة.
فمن ذلك: أن بعضَ الناسِ يُريدُ منعَ أولاده من التصرُّف في ماله بعد انتِقاله إليهم من بعد موته، فيتَّجِهُ حينئذٍ إلى حِيلَةِ الوقفِ؛ قاصِدًا منعَ الورَثَة من التصرُّف في الموروثِ ببيعٍ أو هِبةٍ أو تصرُّفٍ ناقلٍ للمُلكِيَّة.
وهذا مذمومٌ شرعًا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما يقعُ بسببه من مفاسِد وإضرارٍ بالورَثَة، وقد ذكر شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - أن هذا الوقفَ وقفٌ غيرُ مشروعٍ، وذكرَ ذلك مثلَه شيخُ الإسلام حفيدُه المُجدِّد الإمام عبدُ الرحمن بن حسن.
ثم قال في إرادة مثلِ هذا الوقفِ، قال: "فالواقفُ في الحقيقةِ يُريدُ أمرَين: تحريمَ ما أحلَّ الله لهم - أي: للورثة - من بيعِه وهديَّته والتصرُّف فيه، والثاني: حِرمانَ زوجات الذكور، وأزواج الإناث، فيُشابِهُ ما ذكر َه الله في سورة الأنعام".
معاشِر المُسلمين:
ومن تلك التصرُّفات الخاطِئة: أن يُفضِّل المُوقِفَ بعضَ الأولاد على بعضٍ في الوقفِ، فذلك مما حرَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «اتقوا الله واعدِلوا بين أولادكم»، والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ.
ولكن لو أوقفَ على المُحتاجِ من ذرِّيَّته لوصفِه لا لشخصِه فلا بأسَ؛ لما ذكرَه البخاريُّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه وقَّفَ نصيبَه من دارِ عُمر سُكنًى لذوي الحاجةِ من آل عبدِ الله، وقد وردَ أن الزُّبيرَ خصَّ المردودةَ من بناتِه دون المُستغنِيَة.
وكذا لو ذكرَ في وقفه تحضيضَ الأولاد على طلبِ العلمِ فخصَّه بطلبِ العلمِ لا بالشخصِ.
معاشِر المسلمين:
إن بعضَ الناسِ يُوقِفُ على أولادِ الظهورِ دون أولاد البُطون؛ أي: أنه ينُصُّ على حِرمان أولاد البناتِ؛ فالذي ينظُرُ في هذا الوقفِ بتمعُّنٍ يجِدُ أنه أرادَ حِرمانَ أولاد البناتِ في عاقِبَة الأمر، إنما تستغِلُّ البنتُ الغَلَّة في حياتها، فإذا ماتت انقطعَ ما كان لها، وهذا مما حرَّمَه الله - جل وعلا -.
والمُحقِّقون من أهل العلم المُلتزِمون بكتابِ الله - جل وعلا - وبسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تقليدٍ مذهبيٍّ قد نصُّوا على أن هذا الوقفَ من أوقافِ الجَنَفِ والإثمِ؛ فقد ألَّف شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذلك رسالةً مُستقلَّةً في صدَدِ الردِّ على من أجازَ وقفَ الجَنَف والإثمِ الذي لا يرضاهُ أحدٌ لبناته، ولا يرضاه أحدٌ لنفسه، أن يكون قاصِدًا لتفضيلِ بعضٍ على بعضٍ.
قال - رحمه الله -: "وأما مسألتُنا هذه فهي إذا أراد الإنسانُ أن يقسِمَ مالَه على هواهُ، وفرَّ من قِسمةِ الله - جل وعلا -، وتمرَّد عن دين الله؛ مثلَ: أن يُريد أن امرأتَه لا ترِثُ من هذا النخلِ ولا تأكلُ منه إلا حياةَ عينها، أو يُريد أن يُفضِّل بعضَ أولاده على بعضٍ فِرارًا عن وصيةِ الله بالعدل، أو يُريد أن يحرِم نسلَ البناتِ، أو يُريد أن يُحرِّم على ورَثَته بيعَ هذا العقار لئلا يفتقِرُوا بعده".
ثم قال: "ويُفتي له بعضُ المُفتين أن هذه البدعةَ الملعونة - أي: مثل هذه الأوقاف - صدقةٌ تُقرِّبُ إلى الله، ويُوقِفُ على هذا الوجهِ قاصِدًا وجهَ الله. فتأمَّل هذا بشراشِر قلبِك، ثم تأمَّل ما ذُكِر من الأدلة".
ثم قال - رحمه الله -: "فنقولُ: من أعظمِ المُنكرات وأكبرِ الكبائر: تغييرُ شرعِ الله ودينه، والتحيُّل على ذلك بالتقرُّبِ إليه، وذلك مثلُ: إذا أراد أن يحرِم من أعطاه الله من امرأةٍ أو امرأةِ ابنٍ أو نسلِ بناتٍ وغير ذلك، أو أن يزيد أحدًا عما فرَضَ الله له، أو أن يُنقِصَه من ذلك ثم يُريد التقرُّب إلى الله بذلك مع كونِهِ مُبتعِدًا عن الله - جل وعلا -، فالأدلةُ على بُطلان هذا الوقفِ وعَودِه مُطلقًا وقَسمه على قسمِ الله ورسوله أكثرُ من أن تُحصَر". اهـ كلامُه المتينُ.
وقد ذكرَ مثلَ هذا الكلام بذاته: حفيدُه الشيخُ عبد الرحمن بن حسن، وغيرُهما من المُحقِّقين.
يقول الشيخُ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: "لا يحِلُّ لأحدٍ أن يُوقِفَ وقفًا يتضمَّنُ المُحرَّم أو الظُّلمَ بأن يكون وقفُه مُشتملاً على تخصيصِ أحدِ الورَثَة دون الآخرين".
ثم قال: "فإن العبدَ ليس له أن يتصرَّفَ في ماله بمُقتضى شهواته النفسية وهواه؛ بل عليه ألا يُخالِف الشرعَ ولا يخرُج عن العدلِ".
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أنه لا يُنجيكم إلا شرعُ الله - جل وعلا -، فارتَضوا في قِسمةِ أموالكم بما ارتضاه الله - جل وعلا - لكم؛ تسعَدوا وتُفلِحوا في الدنيا وفي الآخرة.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
لقد تواتَر من كتاب الله - جل وعلا - وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تعظيمُ شأن الأمانة، وتحريمُ الخيانةِ فيها أو الإهمال في واجباتها.
فيا نُظَّار الأوقاف! لقد ابتُليتم ببلوًى عظيمة، فاتقوا الله - جل وعلا - في هذه المسؤولية العظيمة، أدُّوها كما أمر الله - جل وعلا -.
احرِصوا على الأوقافِ وعلى الحِفاظِ عليها، وعلى تنميتها، وعلى صرفِها في مصارِفها بدون اجتِهادٍ، وبدون تفضيلٍ لأحدٍ على أحدٍ.
اتقوا الله - جل وعلا - في الأوقافِ، وإياكم وأن تنظُروا إلى مصالِحكم عن طريق الأوقافِ؛ فتلك جِنايةٌ عظيمةٌ تجِدون مغبَّتها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89].
ألا وإن من أفضلِ الأعمالِ: الصلاةَ والسلامَ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم مُنَّ عليهم بالأمن والأمان، والاطمئنانِ والاستِقرار، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم.
اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفِر لنا ولهم الذنوب، وكفِّر عنا وعنهم السيئات، وضاعِف لنا الدرجات.
اللهم إنا نسألُك أن تمُنَّ على المُسلمين بحياةٍ طيبةٍ في الدنيا وفي الآخرة، اللهم مُنَّ علينا وعلى المُسلمين بحياةٍ طيبةٍ في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا ممن يلتزِمُ أوامرَ الله - جل وعلا - وهديَ رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفّقه ونائبَه لما تُحبُّه وترضاه يا رب العالمين.
اللهم أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنك تعلمُ حاجَتنا للمطر، اللهم فاسقِنا، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين.
اللهم إنا عبادُك فُقراءُ إليك، فأغنِنا بالمطر، اللهم أغنِنا بالمطر، اللهم ارحَمنا ببهائمِنا وضُعفائنا، ولا تُؤاخِذنا يا ربِّي بما فعل السُّفهاءُ منَّا، اللهم لا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفهاءُ منَّا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
اللهم اسقِنا واسقِ ديارَ المُسلمين، اللهم اسقِ ديارَنا وديارَ المُسلمين يا وليُّ يا غنيُّ يا حميدُ.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:19 AM   رقم المشاركة : 6

 

لا يرفعُ البلاءَ إلا الدعاء
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 18/3/1433هـ بعنوان: "لا يرفعُ البلاءَ إلا الدعاء"، والتي تحدَّث فيها عن الواجب على كل مسلمٍ تجاه الفتن والمِحن التي تدور ببلدان المسلمين، وبيَّن أن أعظمَ مخرجٍ منها هو الدعاء وصدقُ الالتِجاء إلى الله تعالى.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهرِه، العليم بحال العبد في سرِّه وجهره، يسمعُ أنينَ المظلوم عند ضعف صبره، ويجُودُ عليه بإعانته ونصره، أحمدُه على القدر خيرِه وشرِّه، وأشكره على القضاء حُلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ[الروم: 25]، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جادَ السَّحابُ بقطره، وطلَّ الربيعُ بزهره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أقوى ظهيرٍ، وأوفَى نصيرٍ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون[آل عمران: 102].


أيها المسلمون:
الزمانُ صُروفٌ تجُول، ومصائِبُ تصُول، ومن نابَته نوبةٌ، وعرَته نكبَةٌ، وغشِيَته بلِيَّةٌ، وحلَّت بساحته مِحنةٌ أو فِتنة، أو تسلَّط عليه ظالمٌ، أو نالَه عدوٌّ مُناوِئ، فليلُذْ بالله تعالى، وليتوكَّل عليه، وليثق بمولاه، وليتحلَّ بعِصمة الصبر، وصريمة الجلَد، وعزيمةِ الاحتِساب، وليتضرَّع بالفألِ الحسَن، والتوبةِ والإنابة، والرجوع إلى الله تعالى.
ومن لاذَ بالله تعالى هدأَ توجُّعه، وسكَنَ تفجُّعُه، والهلَعُ والجَزعُ لا ينشُران مطويًّا، ولا يرُدَّان حتمًا مقضيًّا، ولا عزاءَ إلا التسليمُ والرِّضا، والصبرُ على ما قدَّر الله وقضَى وكتبَ وأوجبَ وأمضَى.
أيها المسلمون:
أحسنُ الكلام في الشكوَى سُؤال المولَى زوالَ البَلوى، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله - عز وجل - من الدعاء، وأعجزُ الناسِ من عجِزَ عن الدعاء، ولا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاءُ، فأكثِروا من الدعاء والمُناجاة؛ فإن الله يسمعُ دعاءَ من دعاه، ويُبصِرُ تضرُّع من تضرَّع إليه وناداه، ومن سألَ اللهَ بصدقٍ وضراعةٍ كشفَ عنه بَلواه، وحماه ووقاه وكفاه، وحقَّقَ له سُؤلَه ومُناه.
وما على الأرضِ مُسلمٌ يدعُو اللهَ بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرفَ عنه من السوءِ مثلَها، أو ادَّخَر له من الأجرِ مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ.
أيها المسلمون:
وأنتم ترَون ما حلَّ ببعضِ بلادنا العربية والإسلامية من الأحداث والاضطرابات، والصِّداماتِ والنِّزاعات والمواجهات، والفتن والحُروب، والبلاء العظيمِ والشرِّ المُستطير، لا تغفُلُوا عن التوجُّه إلى الله بصدقٍ وإنابة، والدعاء لإخوانكم بالحفظِ والرعايةِ والصيانة والسلامة من تك الفتن والشُّرور.
وليس لنا إذا أحاطَت الحُتوف، ونزلَ الأمرُ المَخوفُ، واشتدَّ الكَربُ، وعظُمَ الخَطبُ إلا اللهُ - جل في عُلاه -، وقد كان سيدُ الخلقِ نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - يدعُو عند الكَربِ بهذه الدعوات: «لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم».
وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، قالَها إبراهيمُ - عليه السلام - حين أُلقِيَ في النار، وقال نبيُّنا وسيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل[آل عمران: 173].
فارفَعوا أكُفَّ الضراعة، وتوسَّلوا إلى الله بلوان الطاعة أن يرَمَ إخوانكم المُستضعفين والمُضطهَدين والمَنكوبين في كل مكان، ادعُوا دعاءَ الغريقِ في الدُّجَى، ادعُوا وأنتم صادقون في الرَّجَا أن يجعل الله للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا.
اللهم اجعل للمُسلمين من كل همٍّ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا.
أيها المسلمون:
لا مخرجَ من أزماتنا إلا صِدقُ اللجَأِ إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، والقادِرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويُّ الذي لا أقوى منه، العظيمُ أبدًا، حقًّا وصِدقًا، لا يُعصَى كرهًا، ولا يُخالَفُ أمرُه قهرًا، ومن كان الله معه فمعه الجُند الذي لا يُغلَب، والقوةُ التي لا تُرهَب، والعزيمةُ التي لا تذهَب، والعِزُّ الذي لا يُسلَب.
ومن كان مع الله في السرَّاء والضرَّاء، والشدَّة والرخاء، والعلانية والخفاء كان مُؤيَّدًا منصورًا، وعادَ عدوُّه مُهانًا مدحورًا، صاغِرًا مقهورًا، مُصفَّدًا مأسورًا، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40].
بارك الله ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والآيات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[الأنفال: 29].
أيها المسلمون:
يا من تعيشُون في أمنٍ وافِرٍ، ورخاءٍ ظاهِر، وعافيةٍ ضافِية، ونعمةٍ صافِية، يا من دفعَ الله عنكم فتنًا وشُرورًا، وأمرًا كان محذورًا، لا تكونوا ممن عمَّه فضلُ ربِّه فارتدَّ، وأدركَه وابِلُ النِّعَم فاعوَجَّ، لا تكونوا أغفالاً من حُسن الادِّكار، وجليل الاعتِبار، وأحسِنوا مُجاوَرة النِّعمَة؛ فمن غمِطَ النِّعمة استنزَلَ النِّقمة.
وتعوَّذُوا باللهِ تعالى من زوا نعمته، وتحوُّل عافيته، وحُلول نقمته، واحمَدوا الله مولاكم على ما أولاكم من نعمةِ الأمن والرخاء والاستقرار، وحافِظوا عليها.
وانظُروا في أحوالكم الدينية؛ كيف فرَّط الكثيرُ منا في الأوامر، ووقعَ في المعاصِي والمخازِي والمناكِر؟!
وانظُروا في أمرِ الصلاة؛ كيف هجَرَها كثيرٌ من شبابِنا وفتياتِنا،وأهمَلَها كثيرٌ من أبنائِنا وبناتِنا؟!
وانظُروا إلى المساجِد في صلاة الفجر؛ كيف نامَ أكثرُ الناس عنها، وتساهَلوا فيها، وتسامَحوا فيها، حتى صار ذلك لا يُعدُّ بينهم قدحًا ولا عيبا.
وقِيسوا على ذلك عظيمَ ما نحن عليه من الغفلةِ والصُّدود لتعلَموا كم نحن على خطرٍ من عقوبةٍ تحِلّ، وعافيةٍ تزِلّ!
فاتقوا الله - أيها المسلمون-، وتدارَكوا ما أنتم فيه بالتوبة والإنابة، والتناصُح بينكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراقبة أولادكم في أمر الصلاة والدين والسلوك والأخلاق.
عباد الله:
إن الله أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحَةِ بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون - من جنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على النبي المُصطفى المُختار، اللهم وارضَ عن خلفائه الأربعة أصحابِ السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر آلِه وأصحابهِ أجمعين، والتابعين لهم وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين، ودمِّر أعداءَ الدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها وعِزَّها واستقرارَها.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من رِجسِ يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم احفَظ أهلَنا في سورية، اللهم احفَظ أهلَنا في سورية ومصر واليمن وليبيا، اللهم احفَظهم من كل سوءٍ وشرٍّ وفتنةٍ يا رب العالمين، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ، اللهم ادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ والمِحَن، اللهم ادفَع عنهم الشُّرورَ والفتنَ والمِحَن يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادَنا أو أراد بلادَنا أو أرادَ بلاد السلام والمُسلمين بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسه، واحبِسه في بدنه، وعذِّبه في جسده، اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، وأبطِل مكرَه، واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَة يا رالعالمين.
اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين، اللهم عليك بالطُّغاة المُجرمين الذين قتَلوا الأبرياء، وسفَكوا الدماءَ، وعذَّبوا الشيوخَ والأطفالَ والنساء، يا سميعَ الدعاء.
اللهم يا عظيمَ العفوِ، يا واسِعَ المغفرة، يا قريبَ الرحمة، هَبْ لنا من لدُنك مغفرةً ورحمةً، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا ربَّ العالمين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرَقٍ.
اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك، اللهم اسقِنا واسقِ المُجدِبين، وفرِّج عنَّا وعن أمة نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أجمعين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:24 AM   رقم المشاركة : 7

 

أعمال يسيرة بأجور كبيرة

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/3/143هـ بعنوان: "أعمال يسيرة بأجور كبيرة"، والتي تحدَّث فيها عن نعمةِ الله على عباده، ومدَى حبه لهم؛ حيث ضاعفَ لهم الأجور والحسنات على أعمالٍ يسيرةٍ؛ فقد ذكرَ بعضَ الأعمال الصالحة؛ من طهارةٍ، وصلاةٍ، وصيامٍ، وعُمرةٍ، وأذكارٍ، وغير ذلك قليلةٌ في فعلِها ويسيرة ولكنها عند الله عظيمةٌ وجليلة.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فمن اتقَى ربَّه ارتَقَى درجات، وطابَ مآلُه بعد الممات.
أيها المسلمون:
إذا أراد الله أن يُكرِم عبدَه بمعرفته وجمعِ قلبه على محبَّته؛ شرَحَ صدرَه لقَبول صفاته، ومن صفاته - سبحانه -: الكرم بكثرة الخير وجَزيلِ العطاء، ومن نُعوته: الشُّكر يشكُر القليلَ من العمل بمُضاعَفَة الثواب أضعافًا كثيرة، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر: 34].
وأقلُّ ما يُضاعِفُ به الحسنةَ عشرُ حسنات، وشكرَ المؤمنين بجنَّاتِ النعيم، والمُسلمُ لا يحتقِرُ أيَّ عملٍ صالحٍ، فلا يدري ما الذي يُدخِلُه الجنةَ منه، ومن وصايا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحقِرنَّ من المعروف شيئًا»؛ رواه مسلم.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "ينبغي للمرءِ ألا يزهَدَ في قليلٍ من الخيرِ أن يأتيَه، ولا في قليلٍ من الشرِّ أن يجتنِبَه؛ فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا السيئةَ التي سخَطُ عليه بها".
وخصَّ - سبحانه - أعمالاً يسيرةً بثوابٍ جزيلٍ مُضاعَفٍ عنده؛ فالتوحيدُ دينُ الفِطرة، وجزاءُ أهله الجنة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخلَ الجنةَ»؛ رواه مسلم. ومن كان آخرَ كلامِهِ من الدنيا: لا إله إلا الله دخلَ الجنةَ.
وأثابَ - سبحانه - على فروعٍ في العباداتِ يتكرَّرُ عملُها في اليوم والليلة بتكفيرِ الخطايا وفتحِ أبوابِ الجِنان؛ فجعلَ الطُّهورَ شطرَ الإيمان، والسِّواكَ مرضاةً له - سبحانه -، ومن توضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ خرجَت خطاياهُ من جسدِهِ حتى تخرُج من تحت أظفاره، ومن فرَغَ من الوضوءِ وقال: «أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدُ الله ورسوله؛ إلا فُتِحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية يدخُلُ من أيِّها شاء»؛ رواه مسلم. و«من توضَّأَ فأحسَنَ الوضوءَ، ثم صلَّى ركعتين يُقبِلُ عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ وجبَتْ له الجَنَّة»؛ رواه النسائي.
وجعلَ خُطوات الماشِي إلى الصلاة إحداهما تحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفَعُ درجةً، والمُنادِي بالأذان يُغفَرُ له مدُّ صوته ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابِسٍ، ومن سمِعَ المُؤذِّنَ وقال مِثلَ قوله كان له كأجرِه، «وإذا قال المُؤذِّن: أشهدُ أن محمدًا رسول الله، فقال من سمِعَه: وأنا أشهدُ، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له ذنبُه»؛ رواه مسلم.
ولفضلِ الصلاةِ وعُلُوِّ منزلتها كان ثوابُ الأعمال فيها عظيمًا؛ فمن غدَا إلى المسجدِ أو راحَ أعدَّ الله له في الجنةِ نُزُلاً كلما غدَا أو راحَ، وصلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة، ومن صلَّى الصُّبحَ فهو في ذِمَّةِ الله وحِفظِهِ حتى يُمسِي.
ومن حافَظَ على صلاةِ العصر ضُوعِفَ له أجرُه مرتين؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن هذه الصلاةَ عُرِضَت على من كان قبلَكم فضيَّعُوها، فمن حافَظَ عليها كان له أجرُه مرتين»؛ رواه مسلم.
ومن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ الليل، ومن صلَّى الصبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه.
وركعتان قبل الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومن صلَّى اثنتَيْ عشرة ركعة في يومٍ وليلةٍ بنَى الله له بيتًا في الجنة، وركعتان في الضُّحَى تُؤدِّي شُكرَ نعمةِ جميع مفاصِلِ الإنسان.
وشرَعَ - سبحانه - أذكارًا في الصلاةِ جامِعة أُجُورُها مُضاعَفة؛ صلَّى رجلٌ خلفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفعَ رأسَه من الركوعِ قال: ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدِرُونها أيُّهم يكتُبُها أول»؛ رواه البخاري.
والتأمينُ مع الإمام آخر الفاتِحة يُغفَرُ لصاحبِهِ إن وافقَ تأمينَ الملائكة.
«ومن قرأَ آيةَ الكُرسي عقِبَ كل صلاةٍ لم يمنَعه دخول الجنةِ إلا أن يموت»؛ رواه النسائي.
ومن قال حين ينصرِفُ من المغرب: اللهم أجِرني من النار. سبعَ مراتٍ؛ نجَّاه الله منها إن ماتَ من ليلته، وإن قالَها بعد الصُّبحِ ومات من يومه؛ نجَّاه الله منها.
وكتابُه - سبحانه - مُبارَكٌ، من دنا منه ارتفَع، ومن قرأَ حرفًا منه فله بكلِّ حرفٍ حسنة، والحسنةُ بعشرِ أمثالها، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص: 1] تعدِلُ ثُلُثَ القرآن، ومن أحبَّها دلَ الجنة؛ قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله! إني أُحِبُّها. فقال: «حُبُّك إياها أدخَلَك الجنةَ»؛ رواه البخاري.
و«يُقال يوم القيامة لقارئِ القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدنيا؛ فإن منزِلَك عند آخر آيةٍ تقرؤُها»؛ رواه أبو داود.
والإسلامُ عظَّمَ أواصِرَ الأُخُوَّة والمودَّة بين المُسلمين، ورتَّبَ الأُجورَ الوَفيرةَ لمن قوَّاها؛ فما من مُسلِمَين يلتقِيَان فيتصافَحَان إلا غُفِر لهما.
و«إذا عادَ المُسلمُ أخاه المُسلمَ لم يزَل في خُرْفَة الجنة». قيل: يا رسول الله! وما خُرْفَة الجنة؟ قال: «جَنَاها»؛ رواه مسلم.
والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، ومن شهِدَ جنازةً حتى يُصلَّى عليها فله قِيراطٌ. والقِيراطُ مِثلُ جبل أُحُد، ومن شهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيراطان.
ومن أحسنَ إلى المُسلمين ونصرَ دينَ الله نجَا وارتَقَى؛ فمن بنَى لله مسجِدًا بنى الله له بيتًا في الجنة، ومن كفَلَ يتيمًا كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، «والساعِي على الأرملَة والمِسكين كالقائمِ الذي لا يفتُر، وكالصائمِ الذي لا يُفطِرُ»؛ متفق عليه.
والمُتصدِّقُ تعظُمُ صدقتُه عند الله؛ فالتمرةُ يأخُذُها - سبحانه - ويُربِّيها حتى تكونَ مِثلَ الجبل، ومن أخفَى صدقتَه ولو قلَّت أظلَّه الله تحت ظِلِّ عرشِه.
ومن قال لصانِعِ المعروفِ: جزاكَ اللهُ خيرًا؛ فقد أبلَغَ في الثناءِ.
وإصلاحُ ذاتِ البَيْن من الرحِمِ وغيرها أفضلُ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقة.
ولعظيمِ حُرمة المُسلم عند الله مَنْ أبعدَ عنه ما يُؤذِيه أدخلَه الله الجنةَ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناسَ»؛ رواه مسلم.
بل من أحسَنَ إلى البهائمِ فإن اللهَ يشكُرُه؛ «رأى رجلٌ كلبًا يلهَثُ من العَطَشِ فسقاهُ ماءً، فشكرَ اللهُ له فغفَرَ له»؛ رواه البخاري.
وتكرَّم - سبحانه - باصطِفاءِ كلماتٍ معدودةٍ من الأذكارِ جعلَ ثوابَها عظيمًا؛ فالحمدُ لله تملأُ المِيزان، ومن قالَ: سبحان الله العظيمِ وبحمده؛ غُرِسَت له نخلةٌ في الجنةِ.
وسُبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، خفيفتان على اللسان، خفيفتان في المِيزان، حبيبتان إلى الرحمن.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرَّةٍ؛ حُطَّت خطاياه وإن كانت مِثلَ زَبَد البحرِ.
و«من قال: سبحان الله مائةَ مرَّة؛ كُتِبَت له ألفُ حسنة، أو حُطَّت عنه ألفُ خطيئةٍ»؛ رواه مسلم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، وسُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والل أكبرُ أحبُّ الكلام إلى الله؛ قال عنها - عليه الصلاة والسلام -: «أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمسُ»؛متفق عليه.
وقال لجُويرية - رضي الله عنها - وكانت تذكُرُ اللهَ من بعد الفجرِ إلى ارتِفاعِ الضُّحَى: «لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وزِنَت بما قُلتِي مُنذُ اليوم لوَزَنتهُنَّ: سُبحان الله وبحمده عددَ خلقِه، ورِضا نفسِه، وزِنةَ عرشِهِ، ومِدادَ كلماته»؛ رواه مسلم.
ومن صلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ونِعمُ الله علينا تَتْرَى، نِعَمٌ نازِلة، وأخرى عند الخلقِ باقِية، ومن قال حين يُصبِحُ: «اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ فمنك وحدكَ لا شريك لك، فلك الحمدُ ولك الشكر؛ فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومن قال مِثلَ ذلك حين يُمسِي فقد أدَّى شُكرَ ليلته»؛ رواه أبو داود.
والله - سبحانه - يُحبُّ المُسلِمَ ويُكرِمَه ويُدافِعَ عنه، وشَرَعَ أسبابًا لحِفظِه من أعدائِه؛ فأنزلَ آياتٍ قصيرةٍ تحفَظُ المرءَ في ليله ونهارِهِ ومنزلِهِ ومنامِه؛ فالمُعوِّذتان ما تحصَّنَ مُتحصِّنٌ بمثلِهِما في صباحِهِ ومسائه، ومن قرأَ الآيتين من أواخر سورة البقرة كفَتَاه من كل شرٍّ، ومن قرأَ آيةَ الكُرسي قبل نومِهِ؛ لم يزَلْ عليه من الله حافِظٌ حتى يُصبِح.
وشرعَ - سبحانه - أدعيةً من دعا بها ولو ماشِيًا حفِظَه الله من كل مكروهٍ؛ «فمن نزلَ منزلاً وقال: أعوذُ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلَق لم يضُرَّه شيءٌ حتى يرتحِلَ من منزلهِ ذلك»؛ رواه مسلم.
و«من خرجَ من داره فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ قالت له الملائِكةُ: كُفِيتَ وُوفِيتَ، وتنحَّى عنه الشيطانُ»؛ رواه الترمذي.
وبِدعاءٍ مع عملٍ صالحٍ من قالَه أدخلَه الله الجنةَ، وأعاذَه الله من النار؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من سألَ اللهَ الجنةَ ثلاثَ مرَّاتٍ قالت الجنةُ: اللهم أدخِله الجنةَ، ومن استَجَارَ من النار ثلاثَ مرَّاتٍ، قالت النارُ: اللهم أجِره من النار»؛ رواه الترمذي.
واللهُ - سبحانه - يُنعِمُ على العبد بنِعَمه السابِغة، وإذا تمتَّعَ بها وشكَرَ اللهَ عليها غفَرَ له ذنبَه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أكلَ طعامًا فقال: الحمدُ لله الذي أطعمَني هذا ورَزَقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِهِ»؛ رواه الترمذي.
وبسَطَ - سبحانه - نفَحَاتِه في مجالسِ الناسِ بعد لغَطِهم فيها لتكون صحائِفُهم بيضاء نقيَّة؛ «فمن جلَسَ في مجلسٍ كثُرَ فيه لغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسِهِ ذلك: سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتوبُ إليك؛ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلِسِه ذلك»؛ رواه الترمذي.
واللهُ بمنِّهِ جعلَ أزمانًا فاضِلَةً، منها ما لا تُردُّ فيه دعوةٌ؛ ففي كل ليلةٍ يتفضَّلُ - سبحانه - على عبادِهِ بإعطائِهم ما سَأَلُوه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن في الليلِ لسَاعةً لا يُوافِقُها رجلٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا من أمر الدنيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»؛ رواه مسلم.
و«في آخرِ كلِّ ليلةٍ ينزِلُ ربُّنا إلى السماءِ الدنيا، فيقول: من يدعُوني فأستجيبَ له، ومن يسألُني فأُعطِيَه، من يستغفِرني فأغفِرَ له»؛ متفق عليه.
وتكرَّم في آخر ساعةٍ من الجُمُعة بإجابةِ دعواتِ عباده.
وفي كل عامٍ خصَّ ليلةَ القدرِ العملُ فيها خيرٌ من ألفِ شهر، ومن قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.
وصومُ يوم عرفة يُكفِّرُ سنتين، وصيامُ عاشوراء يُكفِّرُ السنةَ الماضِية، وصيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ كصِيامِ سنةٍ، وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّةً.
وفضَّلَ - جل وعلا - أماكنَ خصَّها بمزيدِ مُضاعفَةِ الحسنات؛ فصلاةُ المسجد الحرام خيرٌ من مائةِ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ من ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في المسجدِ الأقصى عن خمسمائةِ صلاةٍ، ومن تطهَّرَ في بيته ثم أتَى مسجدَ قُباء فصلَّى ركعتين كان له كأجرِ عُمرة.
وفي زمنِ الفِتَنِ وتلاطُمِ المِحَن يُضاعِفُ - عز وجل - ثوابَ الأعمال؛ فالقابِضُ على دينه في آخر الزمانِ له أجرُ خمسين من الصحابة، «وعبادةٌ في الهَرْجِ - أي: الفتنِ - كهِجرةٍ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -»؛ رواه مسلم.
ومن عجَزَ عن عملٍ أو قولٍ لعُذرٍ وهو صادقُ النيَّةِ في ذلك أعطاه الله بكرمِهِ أجرَ العاملين وإن لم يعمَلْه؛ «فمن سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازِلَ الشُّهَداء وإن ماتَ على فِراشِه»؛ رواه مسلم.
ومن تمنَّى أن عندَه مالاً ليتصدَّقَ به نالَهُ أجرُ المُتصدِّقين، ومن أحبَّ أحدًا حُشِرَ معه وإن لم يكُن مِثلَه؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه -: "ما فرِحْنا بعد الإسلام فرَحًا أشدَّ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنك مع من أحببتَ»". قال أنس: "فأنا أُحِبُّ اللهَ ورسولَه وأبا بكرٍ وعُمر، وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم".
وإذا سافرَ العبدُ أو مرِضَ كتبَ اللهُ بفضلهِ أجرَه صحيحًا مُقيمًا.
والهمُّ والحُزنُ يحُطُّ الخطايا والأوزار؛ بل لعظيمِ فضلِ اللهِ من همَّ بحسنةٍ ولم يعمَلها كُتِبَت له حسنةٌ كامِلة، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعمَلْها كتبَها اللهُ عندَه حسنةً كامِلة.
وبعدُ، أيها المسلمون:
فالمُوفَّقُ من فَقِهَ كرمَ اللهِ وشُكرَه، وعمِلَ بمُقتضَى صفاتِه، وسابَقَ إلى الصالحات ليكونَ من السابقين إلى دخول الجنات، ومن نوَّعَ أعمالَه الصالِحة تنوَّعَت لذَّاتُهُ في الآخرة، والعملُ يتضاعَفُ بالإخلاصِ، ومن علامةِ قَبُولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من رحمةِ الله بعباده أن بعثَ إليهم رُسُلاً مُبشِّرين ومُنذِرين، ولم يشُقَّ - سبحانه - على خلقِهِ بالابتِداعِ في الدين؛ بل بيَّن لهم ما يُحبُّه ويرتضِيه، وعلَّقَ القَبولَ بإخلاصِ العمل وطاعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في مُتابَعتِه، ومن ابتدَعَ فقد كلَّفَ نفسَه ما لم يأذَن به الله، وعملُه مردودٌ ولا يجنِي منه سِوَى العَناءِ والإثمِ؛ قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "اتَّبِعوا ولا تبتدِعُوا؛ فقد كُفِيتُم".
وكان عُمرُ - رضي الله عنه - يهُمُّ بالأمر ويعزِمُ عليه، فإذا قِيلَ له: لم يفعلهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ انتَهَى.
والمؤمنُ يجمعُ بين الإخلاصِ والاتباعِ، ويُكثِرُ من العملِ الصالحِ ما استطاعَ.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّهِ، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اجعل أعمالَنا كلَّها صالِحة، واجعلها لوجهِك خالِصة، ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئًا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يا قويُّ يا عزيزُ يا عظيمُ يا ملِكُ يا قديرُ، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في الشام، اللهم كُن لهم وليًّا ونصيرًا، ومُعينًا وظَهيرًا، اللهم أيِّدهم بجنودٍ من عندك يا ربَّ العالمين، اللهم اربِط على قلوبِهم، وسدِّد رميَهم، وكُن معهم بملائكتِك يا رب العالمين.
واللهم أدِر دائرةَ السَّوءِ على عدُوِّك وعدوِّهم، اللهم اجعل كيدَهم في نُحورهم، وألقِ الرُّعبَ في قلوبهم، واجعل بأسَهم بينهم، وجُندَهم وعتادَهم عليهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عِبرةً للمُعتبِرين يا عظيمُ يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقَراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لِما فيه رِضاكَ يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-24-2012, 12:32 AM   رقم المشاركة : 8

 

المصائب الدنيوية .. الداء والدواء
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 2/4/1433هـ بعنوان: "المصائب الدنيوية .. الداء والدواء"، والتي تحدَّث فيها عن المصائب التي تُصيبُ المُسلمين في هذه الأزمان المتأخرة، وبيَّن بعضَ أسبابها، ثم أتبَعَها بكيفية الوقايةِ منها، وقد استندَ في تقرير ذلك إلى بعضِ الآياتِ والأحاديثِ.

الخطبة الأولى
الحمد لله حمدًا يليقُ بجلال وجهه وعظيمِ سُلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خليلُ الله ومُصطفاهُ من خلقه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المُسلمون:
خيرُ ما نتواصَى به جميعًا: تقوى الله - جل وعلا - وطاعتُه وطاعةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فبذلك وحده الفلاحُ والخيرُ والصلاحُ والنجاحُ دُنيًا وأُخرى.
أيها المسلمون:
يتساءَلُ الكثيرُ منَّا عن أحوالنا ماذا أصابَنا؟ كيف ذهبَت تلك البرَكاتُ في الأرزاق؟ وأين المواسِمُ التي كانت فيها الأرضُ تُنبِتُ من جميع الخيرات؟
يتساءَلُ الكثيرُ منا عن سبب تغيُّر النفوس، ولماذا كثُرت الأحقاد، وأين ما كان معهودًا بين الناس من المحبة والصفَا والتعاوُن والوفا؟
نتساءَلُ جميعًا بلسان الحالِ وبلِسان المقال: ما سببُ قِلَّة الأمطار، وجفافِ الآبار؟
نتعجَّبُ مما يُصيبُ الآفاقَ من الغُبار الذي لا ينقطِعُ أمَدُه، والذي لم يكن معروفًا عند أسلافِنا، نستغرِبُ مما أصابَ المُسلمين من جشعِ بعض التجار وتعامُل الفُجَّار.
ناهِيك عن التساؤُلِ عن تسلُّط الأعداء ومكرهم بالمُسلمين، فالأمرُ حينئذٍ أعجبُ وأعجبُ؛ فلقد تلوَّن عِداؤُهم، وكثُر ضرَرُهم، وعمَّ شرُّهم حتى أصبحَ المُسلِمون لُقمةً سائِغةً للأعداء، يُوجِّهونهم كيف شاؤوا، ويتصرَّفون بأمورِهم ودُنياهم كيف أرادوا.
وإن تتحدَّث عن أشياء غريبة فتحدَّث عن وقوع أوبِئةٍ عجيبةٍ لم تكن معروفةً من قبلُ تُصيبُ الإنسانَ في هذا الزمان، وتَجتاحُ الحيوانَ.
تلك بعضُ المصائب التي أصابَت دُنيا الناسِ، فيا تُرى ما سببُ وقوعِها؟ وما الوقايةُ منها ومن أمراضِها؟
معاشر المسلمين:
إننا أمةٌ مرتبطةٌ برسالةٍ عظيمةٍ؛ فالجوابُ عن ماهيَّةِ الأسبابِ وكيفية الخلاصِ من الشُّرور والمفاسِدِ والأضرارِ لا يكونُ إلا ممن هو أعلمُ بالبشر وبما يُصلِحُهم ويُقوِّمُ حياتَهم، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك: 14].
إن تلك المصائِبُ بمُختلف أشكالها، وإن المِحَن بمُختلَف صُورها إنما تقعُ بالمُسلمين بسبب فُشُوِّ الذنوبِ والمُجاهَرةِ بالمعاصِي والفُجور.
فآيةٌ من كتابِ الله - وما أكثرُها من آياتٍ - تصِفُ لنا الداءَ والدواءَ، وتكشِفُ لنا المخلَصَ من هذه المصائبِ، إنها قولُه - جل وعلا -: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الروم: 41]، فهذه الآيةُ تكشِفُ للبشرِ عن ارتِباطِ أحوال الحياة وأوضاعها بأعمالهم، فيقعُ في الأرض الفسادُ والضررُ، ويملأُها برًّا وبحرًا وجوّا جزاءً ما اكتَسَبوا من المعاصِي الظاهرة، والإعلانِ بها.
فحينما يكتوُون بنار هذا الفساد، ويتألَّمون لما أصابَهم منه في حياتهم، فعلَّهم حينئذٍ يعزِمون على مُقاوَمَة هذا الفساد، ويرجِعون إلى لله - جل وعلا - وإلى الأعمالِ الصالِحةِ، والمناهجِ القويمةِ، والتوبةِ الصادقة.
نعم، أيها المسلمون:
إن الفُجورَ والإعلانَ به يُوقِعُ بالبلاد والعباد الهلاكَ والبَوارَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ[الأنعام: 42].
فالمخاوِفُ بأنواعِها، والمصائبُ بشتَّى أشكالِها نتائجُ الإعلانِ بالمعاصِي والسيئات، والفحشاءِ والمُنكرات، يقول ربُّنا - جل وعلا -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وفي "صحيح البخاري" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الفاجِرَ إذا ماتَ تستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشجرُ والدوابُّ».
فالواجبُ على المُسلمين مُحاربةُ المعاصِي والمُنكرات، والأخذُ على أيدي السُّفهاء الذين يُريدون أن يُغرِقوا سفينةَ الحياة الطيبة الطاهرة، ألم يقل الله - جل وعلا -: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[المائدة: 78].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ حُذيفة يقول: «لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهُوُنَّ عن المُنكَر، أو ليُوشِكَنَّ اللهُ أن يعُمَّكم بعذابٍ من عنده ثم تدعُونه فلا يُستجَابُ لكم»؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ، وله شواهِد.
وفي الحديثِ الآخر الذي رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي بأسانيد جيِّدة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخُذوا على يديه أوشكَ اللهُ أن يعُمَّهم بعقابٍ من عنده».
فاتقوا الله - عباد الله -، وأعلِنوها حربًا على كل فسادٍ وفاحِشةٍ ومُنكرٍ في بلاد المُسلمين.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إنه فرضٌ علينا جميعًا مُحاربةُ كل وسيلةٍ إعلامية تنشُرُ الإلحادَ والفسادَ في أرض المُسلمين، والواجبُ علينا جميعًا التواصِي بطاعة الله - جل وعلا -، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر؛ فربُّنا - جل وعلا - علَّقَ الرحمةَ بنا بقوله: وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ[التوبة: 71].
أيها المسلمون:
إننا ندعُو اللهَ - جل وعلا - فلا نرى الاستِجابةَ في بعضِ أحوالنا، وإنما ذلك بسببِ فُشُوِّ الذنوبِ والمعاصِي.
مرَّ إبراهيمُ بنُ أدهم في سُوقِ البصرة على أقوامٍ، فقالوا له: يا أبا إسحاق! إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالدعاء، ونحنُ ندعُو فلا يُستجابُ لنا. قال: "لأن قلوبَكم ماتت بأشياء: عرفتُم اللهَ - جل وعلا - فلم تُؤدُّوا حقَّه، وقرأتُم القرآنَ فلم تعملُوا به، وادَّعَيتُم محبَّةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تقتَدوا بسُنَّته وقلتُم: إنكم مُشتاقون للجنَّة فلم تعمَلوا لها، وقتُم: إنكم تخافون من النار فلم تهرَبوا منها، وأيقنتُم بالموتِ وأنه حقٌّ فلم تستعِدُّوا له، واشتغلتُم بعيوبِ الناسِ وتركتُم عيوبَكم، أكلتُم نِعَمَ الله - جل وعلا - فلم تشكُروا له، ودفنتُم موتاكم فلم تعتبِروا؛ فأنَّى يُستجابُ لكم؟!".
فيا أيها المُسلِمون:
لنتواصَى جميعًا بكل سببٍ يُصلِحُ أحوالَنا الفاسِدة، ويُقوِّمُ مناهِجنا المُعوَجَّة، وذلك إنما هو بالارتِباط بالله - جل وعلا - وجعلِ منهجِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُسيطِرًا علينا، لا نَزيغُ عنه يَمنةً ولا يُسرةً.
ثم إن اللهَ - جل وعلا - أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيدِنا وحبيبِنا وقُرَّة عيوننا: نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن جميعِ آل رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن جميعِ الصحابةِ والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم أصلِح أحوالَنا بتقواَك، اللهم قوِّم حياتَنا بسُنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم قوِّم حياتَنا بسُنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم احفَظ المُسلمين في سُوريا وفي كل مكانٍ، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم فرِّج هُمومَنا وهُمومَهم، واكشِف غُمومَنا جميعًا، اللهم يسِّر لهم كلَّ خيرٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ، اللهم ارفَع عنهم كلَّ ضررٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم أقِرَّ عيوننا بتحكيم هذا الدين في كلِّ مكانٍ.
اللهم عليك بأعداء المُسلمين فإنهم قد طغَوا وبغَوا، اللهم عليك بأعداء المُسلمين، اللهم من أرادَ بلادَ المُسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، اللهم من أرادَنا وأرادَ المُسلمين بسُوءٍ فعليكَ به، اللهم من أرادَ ديننا أو أخلاقَنا أو بلادَنا أو نُفوسَنا بضرٍّ اللهم فانتقِم منه، اللهم فانتقِم منه، اللهم فانتقِم منه.
اللهم عليك بكلِّ مُعتدٍ ينشُرُ الإلحاد والفساد، اللهم عليك بكلِّ مُعتدٍ ينشُرُ الإلحاد والفساد.
اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم حكِّم فيهم شرعَك، اللهم أقِم فيهم بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر، اللهم اجعله ظاهِرًا منصورًا، اللهم اجعل هذه الشعيرةَ ظاهِرةً منصورةً يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم من أرادَها بسُوءٍ فأشغِله في نفسه، واكفِ المُسلمين شرَّهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين لما تُحبُّه وترضاه، اللهم اجعله شَوكةً في حُلُوقِ أعداءِ الإسلام والمُسلمين، اللهم انصُر به دينَك، اللهم أعلِ به كلمتَكَ، اللهم انصُر به وبوليِّ عهده هذا الدين، وانصُر بهم شعيرةَ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكَر يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم اغفِر لكل مُسلمٍ ومُسلِمة، اللهم يسِّر لهم أمورَهم، اللهم واكفِهم شرَّهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واكفِهم كلَّ شرٍّ يا حيُّ يا قيُّوم، وارزُقهم حياةً طيبةً سعيدةً في الدارَين.
اللهم أنزِل علينا المطرَ، اللهم أنزِل علينا المطرَ، اللهم أنزِل علينا المطرَ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام.
يا غنيُّ يا حميدُ جفَّت أراضينا، وضعُفَت أبدانُنا، وماتَت بعضُ بهائِمنا؛ فارحَمنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارحَمنا برحمةٍ تُغنينا بها عن رحمةِ مَن سِواكَ، اللهم ارحمنا بها رحمةً تُغنينا بها عمَّن سِواك، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم.
نسألُك أن ترحَمَنا بضُعفائِنا، نسألُك أن ترحَمَنا ببهائِمِنا، نسألُك ألا تُؤاخِذنا بما فعلَ السُّفَهاءُ منَّا يا حيُّ يا قيُّوم، يا غنيُّ يا حميدُ يا كريمُ.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:55 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir