عندما يهطل المطر

تثاءب المساء والغيوم لا تزال تذرف ما تذرف من دموعها الثقال ..
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم ..
وقطرة فقطرة تذوب في المطر .
هو السياب وأنشودته الخالدة .. وهو المطر حين يذوب ولعاً
فينهمر ويقتاته الشوق فيهطل .. ويُحبّ فيُغنّي .
هو المطر إذاً يُداعب الأديم .. ويحي الهشيم .. ويبهج القلوب العطشى للفرح .
هو المطر الذي انتظرناه طويلاً يبعث الدفء في البرْد الصاخب ..
وينبت الزهر في حلم الصيف اللاّهب .
إنه المطر هذا الذي يُعطر أيامنا بالنور .. ويبعث في أرواحنا الأمل ..
أملاً في غدٍ جديدٍ نابضٍ بالحُب .. بالتواصل .. بالوفاء ..
بالقِيَم التي عشناها ، وعرفناها . وتشربّناها ،
ومعها وبها نستظل الأمان ، ونتعربش بالحياة .
هو المطر رفيق العُمر والطرقات .. سمير الوحدة والتعب ،
وهذه الطرقات تلهبنا بسياط الصمت إلا مِن ذكرى ..
واستحضار لصوت نُحبّ .. أو وجه نشتاق إليه ،
مع المطر تتداعى كل الآلام وتنطق المواجع الرابضة في الروح
كنَصْل لا يبرح أن يفارقها حتى يتسلل إلينا بغتة ذات جفاف .
هو المطر إذاً جاء بالسياب والغياب ، واستنطق الهمم
وأدار بوصلة الفرح نحو الضوء السادر من وراء غيمة دمعها غزير ، وأنينها شاحب ،
ما زلنا نغنى مع هذا الشاعر المندسّ في ظلمة التاريخ ،
الشاعر الذي علمّنا كيف نُحب المطر ، ونرسم سيرته قطرة فقطرة ،
ليهطل في مُستقرّ أرواحنا وذاكرتنا الحية .
لست أدري لماذا مع المطر تتداعى أمنياتنا وتنزّ ذاكرتنا عن كل شيء أثير إلى النفس ؟
هل لأنّ هذا الغيث الهاطل من السماء يعبث بأوراقنا ؟
أم لأنّ أوراقنا مُستباحة لكل مُثير يُعرّج بنا نحو الماضي الأجمل ؟
وتلك الطفولة التي منذ كبرنا تلاشت ، واستبدلناها بسنوات مضت
وتمضي بين أتون التعب وأرتال الشقاء المجلجل في دواخلنا كأننا جُبلنا على وجع .
هو المطر إذاً أنعَش الذاكرة واستنطق اللحظة لينساب ذاكرة حيّة ووقتاً لا يُنسى .
( مما قرأته في إحدى المجلات وأعجبني .. أرجو أن ينال إعجابكم )