أشواك
بعد كم سنة تفتكر نوصل ؟
لو وقف شخص على خارطتنا الجغرافية وعرف المساحة الإجمالية (مليوني كيلو متر مربع) وعدد السكان والدخل الوطني، فلن يصدق بتاتا أن البلد يعيش أزمة سكن. طبعا، لن يصدق بناء على معطيات المكان، ولن يصدق عندما يعلم ــ أيضا ــ المبالغ المهولة (المهولة جدا جدا) التي أنفقت من أجل توفير السكن للمواطن (فهي مبالغ تنشئ مساكن تفيض عن حاجة السكان أضعاف مضاعفة)، إلا أن الهدر وسوء التخطيط والتلاعب بدد كل المبالغ التي صرفت على هذا الاحتياج الملح.
وأزمة الإسكان بدأت تطل برأسها من زمن ليس بالقصير، ثم أخذت تضغط خلال السنوات الأخيرة كوضع اجتماعي واقتصادي يقلق معظم المواطنين، حتى انتقل ذلك القلق إلى الدولة، إذ أخذت الإحصائيات تفضح حال الواقع بإعلان أن 80% لا يمتلكون مسكنا.
ظهرت هذه الإحصائية بعد كل المشاريع الإسكانية التي قامت بها الدولة، ومع وجود منح الأراضي وقرض صندوق التنمية، ما يعني أن كل تلك المشاريع لم توزع التوزيع الصائب أو أنها لم تكن على دراية بالنمو السكاني، ولهذا توالت القرارات لتعديل مسار الإسكان، وكان قرار إنشاء وزارة للإسكان، وقد اقتصرت مهمتها الأساسية في توفير السكن للمواطن.. إلا أن هذه الوزارة وقفت عاجزة تماما ومعلنة من خلال أكبر مسؤوليها أنها لن تستطيع تنفيذ مهمتها بسبب ندرة الأراضي، وهو سبب ضاعف حيرة ودهشة من يريد أن يفهم.
وكان القرار الأخير بنقل الأراضي من وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة الإسكان بحثا عن حل لهذه الأزمة التي لا تريد أن تحل.
فما الذي سيحدثه القرار من تغير؟
وهو سؤال ينطلق من خشية أن الحلول السابقة لم تستطع تجاوز الأزمة، وانتقال الأراضي من وزارة إلى وزارة مع ثبات النظام الإداري في تعاملاته وثبات الواقع العقاري وتزايد مستحقي السكن لن يمكن وزارة الإسكان من إنجاز مهمتها، فأول العراقيل مسألة انتقال الأراضي، والذي يحتاج إلى سنوات (أقلها ثلاث سنوات) في ظل وجود بيروقراطية خانقة يليها إعادة هيكلة المستحقين، ثم الرفع إلى وزارة المالية بتلك الاحتياجات (ونعلم ماذا تعني وزارة المالية وصرف ما تحتاجه كل وزارة)، وهذا يعني أننا سندخل إلى (كم سنة) وفق ما نعرفه من سير بطيء لأي فكرة خلاقة، و(كم سنة) هذه يقابلها سوق عقاري متقلب في الأغلب يقفز للأمام.
إن انتقال الأراضي إلى وزارة الإسكان ليس كافيا إن لم تكن ملازمة له حزمة من القرارات الإدارية المخترقة والمتجاوزة للنظام الإداري البيرقراطي السلحفائي.
وكل ما نخشاه أن تظهر وزارة الإسكان بعد (كم سنة) لتقول لنا إنها عجزت عن تحقيق ما أوكل إليها، ساعتها سنحتاج إلى زمنية أخرى لكي نحل قضية من يبحث عن سكن، وكيف نستطيع تقليص تنامي (الشبوك) والأراضي البيضاء.