عرض مشاركة واحدة
قديم 11-15-2009, 10:05 PM   رقم المشاركة : 2

 

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت
الاحد, 11 ربيع الأول 1427د. جمال الحسيني أبوفرحة
يزعم كثيرون من غير المسلمين أن القرآن الكريم إنما هو من تأليف نبينا –عليه أفضل الصلاة والتسليم- ويستدلون على ذلك بما يزعمونه أدلة وبراهين، وما هي في الحقيقة سوى أوهام وأباطيل.


ومن أشهر براهينهم الكاذبة على دعواهم تلك الباطلة قولهم بأن القرآن الكريم إنما جاء مصورًا للبيئة العربية القديمة، محصورًا بمعطياتها، ولا يمكنه أن يتعامل مع غيرها من بيئات لم يطلع عليها نبي الإسلام –صلى الله عليه وسلم- وهو ما لا يمكن قبوله في كتاب سماوي يعلن ختمه كتب السماء وعموم خطابه لأهل كل زمان ومكان، ويمثلون لذلك بحديث القرآن عن عظمة خلق الإبل في معرض حديثه عن عظمة خلق الكون من: سماوات مرفوعة، وجبال منصوبة، وأرض مسطوحة، في قوله تعالى:{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت } [ الغاشية : 17 : 20 ]، ويقولون: إنما اختار محمد –صلى الله عليه وسلم- (الإبل) على وجه الخصوص لأنها من مفردات البيئة الصحراوية التي عاش فيها.


وقولهم باطل: وذلك أن كلمة ( إبل ) تفسر في كتاب الله تعالى على وجهين:


الوجه الأول: ( إبل ): جمع مؤنث لا واحد له من لفظه، مفرده:"جمل أو بعير"؛ وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله في قوله تعالى { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } [ الأنعام : 144 ] .


الوجه الثاني: ( إبل ) بمعنى: "السحاب" ؛ كما في الآية التي استشهدوا بها.


وإن كان من الممكن تفسير ( الإبل ) أيضًا في تلك الآية بمعنى: " الجمل أو البعير" ولكل تفسير وجهة.


فالتفسير الذي رأى أصحابه أن ( الإبل ) هنا تعني: " السحاب " احتجوا بالسياق اللاحق لهذه اللفظة؛ يقول تعالى:{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت }؛ فقالوا: إن الآيات هنا تحثنا على النظر فوقنا؛ فنرى عظمة الخلق في السحاب، ثم ما فوقه من سماء، ثم ننظر حولنا؛ لنرى عظمة الخلق في الجبال، ثم ننظر أسفل منا؛ لنرى عظمة الخلق في الأرض؛ وهكذا لا يكون الخطاب هنا مقصورًا على الأمم التي عرفت الإبل واعتمدت عليها في معيشتها؛ بل يكون لكل الأمم؛ فالسحاب تقر بعظمة خلقه كل الأمم.


وأما التفسير الثاني الذي رأى أصحابه أن المراد بـ ( الإبل ) هنا: "الجمل أو البعير" فاحتجوا أيضًا في فهمهم هذا بالسياق ولكنه في هذه المرة السياق السابق؛ يقول تعالى : { في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ... } الخ [الغاشية : 10 : 17 ]؛ فقالوا: إن الدعوة إلى النظر في خلق(الإبل) هنا إنما جاءت تفسيرًا لقوله تعالى: { وسرر مرفوعة }؛ فكأنها إجابة على سؤال: كيف نعتلي هذه السرر ؟ . . والإجابة هي: كما نعتلي الإبل؛ فهي تبرك حتى يتمكن راكبها من ركوبها ثم تعتلي به؛ كما أضاف أصحاب هذا التفسير أن اختيار "الجمل" موضوعًا للتأمل دون غيره من حيوان في هذه الآيات؛ فلأنه أعجب الحيوانات: يؤكل لحمه، ويشرب لبنه، ويبرك ويركب، وتحمل عليه الأحمال الثقيلة، ويسافر عليه المسافات البعيدة؛ وهي خصائص لعلها لا تجتمع لحيوان آخر.


ومن هنا يتبين لنا أنه حتى على هذا التفسير فإن اختيار كلمة (الإبل) بمعنى: الجمل، موضوعًا للتأمل له ما يبرره بعيدًا عن مزاعم هؤلاء (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم) .. غافر:56.


وبقليل من التأمل يتبين لنا كذلك ألا تعارض بين المعنيين، وليس هناك ما يمنع أن يكونا مرادين معًا؛ فكلاهما يشير إليه السياق إشارة قوية؛ وهو وجه من وجوه الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم ينأى به بعيدًا عن مظنة التأليف البشري (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا)..النساء 82.

د. جمال الحسيني أبوفرحة
أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
gamalabufarha@yahoo.com

منقول للفائدة
http://www.icsfp.com/Ar/contents.aspx?aid=4146

 

 
























التوقيع

،



..



   

رد مع اقتباس