عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2011, 04:53 PM   رقم المشاركة : 13

 



خطبة المسجد الحرام - 24 جمادى الثانية 1432 - شرف الانتساب للسلف الصالح - صالح آل طالب

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزَّ عن الشبيه وعن النِّدِّ وعن المَثيل وعن النَّظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
ألا وإن خير الوصايا بعد المحامِد والتحايا: الوصيةُ بتقوى الله العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
من اتقى اللهَ كان معه، وأحبَّه وتولاَّه، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 4]
فإذا حظِيَ العبدُ بمعيَّة الله هانَت عليه المشاقُّ، وانقلَبَت المخاوفُ في حقه أمنًا، فبالله يهُون كل صعبٍ، ويسهُلُ كل عسيرٍ، ويقرُب كل بعيد، وبالله تزول الهموم والغموم، وتنزاحُ الأكدار والأحزان؛ فلا همَّ مع الله، ولا غمَّ ولا حزن.
وإذا كان الله معك فمن تخاف؟! وإذا كان عليك؛ فمن ترجو؟!
أيها المسلمون:
الحضارةُ الإنسانية بمُكتشفاتها ومُخترعاتها غالبًا ما يكون آخرُها خيرًا من أولها بخلاف أديان الناس ومُعتقداتهم؛ فإن مُتديِّني كل دينٍ صحيحٍ يكون أولهم خيرًا من آخرهم، وسلَفُهم أهدى من آخرهم، ذلك أن الحضارة بدأت تحبو، في حين أن الأديان وُلِدت واقفة، والحضارةُ تراكمٌ معرفي، أما الدين فهو وحيٌ مُنزَّل وهديٌ مُحكَم.
والفرقُ بين الأتباع الأوائل لكل دينٍ صحيح وبين مُتأخِّريهم كمثل الفرق بين الماء عند منبعه والماء عند مصبِّه بعدما جرى وخالطَ ما خالطَ من الشوائب.
لذا فإن خير يهود: أنبياؤهم وأحبارُهم الأولون، وخيرَ النصارى: عيسى ابن مريم وحواريُّوه، وخيرَ المسلمين: محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابتُه المرضيُّون ثم الذين يلُونهم ثم الذين يلُونَهم.
وكلما غبَرت أمةٌ أو قرنٌ من الناس طُوِي معهم علمٌ ورُفِع معهم فضل، مِصداقُ ذلك ما ورد في وصية الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه قبل الرحيل: «إنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة».
وإذا شئتَ أن تعرف قُربَ أهل دينٍ من دينهم فانظر إلى قُربهم من سلَفهم، فكلما اقتربوا اهتدَوا، وكلما جفَوا ضلُّوا، أما إن لعنَ خلفُ أمةٍ سلَفَهم فإنه لا خير فيهم؛ فهم دسيسةُ عدوٍّ، وصنيعةُ كائد.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "إذا رأيتَ الرجلَ يذكر أحدًا من الصحابة بسوءٍ فاتَّهمه على الإسلام".
ولأجل هذا زخرَت مُصنَّفاتُ الأئمة بالحثِّ على التمسُّك بحُجَجِ السلف عند الاتباع وفهمِ نصوص الوحيَيْن؛ فهو أمَنةٌ من الانحراف، وضمانةٌ من الضلال.
أيها المسلمون:
يتأكدُ الحديثُ عن المنهج الحق في وقتٍ تعدَّدت فيه المرجعيَّات، وتبايَن الاستمداد، وقلَّ العلماء، وندَر الناصحون، حين تكثُر الشُّبَه، ويُلبَّسُ الحق على أهله، ويحُولُ بينهم وبينه دعاةُ الضلالة وعِداةُ الهداية وأدعياءُ العلم، وهم أقربُ إلى الضلال وإن تباكَوا على الإسلام ورسوله والآل.
وحين أدرك العدوُّ هذه الحقيقة سعى لفصل خلف هذه الأمة عن سلفها، وإيغار قلوب مُتأخِّريها على مُتقدِّميها، وتشويه سِيَرهم وتواريخهم.

 

 

   

رد مع اقتباس