عرض مشاركة واحدة
قديم 05-16-2011, 03:05 PM   رقم المشاركة : 6

 

فلا عجَبَ أن تنقلِبَ خُلَّة هذا الفريق إلى عداوة، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].
وهذا كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "شأنُ كل مشتركين في غرضٍ يتوادُّون ما داموا مُتساعدين على حصوله، فإذا انقطعَ ذلك الغرض أعقبَ ندامةً وحُزنًا وألمًا، وانقلَبَت تلك المودةُ بُغضًا ولعنًا وذمًّا من بعضهم لبعض لما انقلب ذلك الغرضُ حُزنًا وعذابًا، كما يُشاهَد في هذه الدار من المُشتركين في خِزية، إذا أُخِذوا وعُوقِبوا فكلُّ مُتساعِدَيْن على باطلٍ مُتوادَّيْن عليه لا بدَّ أن تنقلِبَ مودتُهما بُغضًا وعداوة". انتهى.
ولا عجَبَ أن يضِنَّ اللبيبُ بصُحبته ومُجالسته؛ فلا يجعلها إلا لأهل الإيمان، ولا يبذُلُها إلا لأصحاب التُّقى؛ عملاً بتوجيه خير الورى - صلوات الله وسلامه عليه - في قوله: «لا تُصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ»؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"، والترمذي في "جامعه" بإسنادٍ حسنٍ.
إن المُصاحبَة - أيها الإخوة - يجب أن تكون خالصةً لوجه الله، نقيةً من الأغراض، بعيدةً عن الأهواء؛ بأن تنشأ وتنمو في رِحاب الإيمان، محكومةً بسلطان العقيدة ونِظام الشريعة، بما فيه من أوامر ونواهٍ يستوحيها المؤمنُ في كل اتجاهات قلبه وحركات وسكَنَات جوارِحه، هنالك يرتقِي بحبِّه أهل الخير والصلاح فوق منزلته في الدار الآخرة درجات، فيلتحقُ بمن أحبَّ وإن لم يعمل مثل عمله.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجلٍ أحبَّ قومًا ولمَّا يلحَق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المرءُ مع من أحبَّ».
هذا؛ وقد كان لتطوُّر وسائل العصر - لا سيما في مجال الإعلام الحديث بشبكات معلوماته، وقنواته، وما اشتملت عليه من مواقع تواصلٍ وغرفِ مُحادثةٍ وغيرها - كان لهذا التطوُّر أثرُه في الانتقال بمعنى المُجالسة والمُصاحبة إلى معانٍ جديدة لم تكن معروفةً من قبل، وأضحَى لهذه المُجالسة التي تكون عبر هذه المواقع من قوة التأثير ما يربُو على غيرها؛ لاتساع دائرة استخدامها، وتنوُّع وتعدُّد ثقافات ومشارِب وبُلدان مُستخدميها.
وهذا يفرِضُ علينا عِبئًا ثقيلاً، ومسؤوليةً مُضاعفة على عاتق الآباء والأمهات، والعلماء والدُعاة، والمُربِّين والمُربِّيات، وغيرهم من ذوي الشأن في سبيل الحِفاظ على شباب الأمة وتحصينهم.
وإن في جهود المُخلِصين وفيما أُوتوا من حِنكةٍ وحكمةٍ ودرايةٍ، ونيةٍ صادقةٍ، ورغبةٍ في بذلِ النُّصح، و حرصٍ على الخير ما يُسدِّد الله به الخُطَى، ويُبارِك السعيَ، ويُبلِّغُ الآمال.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن أظهر صفات الجليس الصالح وأجلَّها وأقواها أثرًا في قلب وعقل جليسه: أنه ذو قلبٍ سليم، والقلبُ السليمُ الذي ينتفعُ به صاحبُه في دُنياه وحين يأتي ربَّه يوم القيامة قد اختلفت عباراتُ الناس في معناه، لكن الجامع لذلك كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أنه الذي سلِمَ من كل شهوةٍ تُخالِف أمرَ الله ونهيَه، ومن كل شُبهةٍ تُعارِضُ خبرَه، فسلِمَ من عبودية ما سواه، وسلِمَ من تحكيم غير رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فسلِمَ في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكُّل عليه والإنابة إليه والذلِّ له وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعُد من سخَطه بكل طريقٍ، وهذه حقيقةُ العبودية التي لا تصلحُ إلا لله وحده، فالقلبُ السليم: هو الذي سلِمَ من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجهٍ ما؛ بل قد خلُصَت عبوديتُه لله تعالى إرادةً ومحبةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً، وخلُصَ عملُه لله؛ فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منعَ منعَ لله".
فاتقوا الله - عباد الله -، واتخذوا من جُلساء الخير أفضل ما تعتدُّون به لبُلوغ رضوان الله، وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله: محمد بن عبد الله؛ فقد أُمِرتم بذلك في كتاب الله؛ حيث قال - سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين أجمعين، وارزقهم العملَ الصالحَ والفقهَ الدين، وقِهِم شر الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنهم في أوطانهم، وانصرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميعَ سخطك.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.
اللهم احفظ المسلمين في كل بلادهم، اللهم احفظهم وأيِّدهم وانصرهم على عدوك وعدوِّهم يا رب العالمين.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس