عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-2010, 06:27 PM   رقم المشاركة : 5

 

(6)



" أدب الحجاب "

أما ءاخر ما تبقى لي وأريده أن يقال, وهو أمر أهم ربما من كل ما سبق لأن فيه مفتاح القلوب النقية إن شاء الله, أنه قد غاب عنا فيما غاب عنا وقد عم بساحتنا البلاء, " أدب الحجاب ", هذا الأدب الذي لا يصح حجاب إلا به, وحين غاب عن قلوبنا وغابت عنها التقوى والمراقبة فيه تمزقت أغطية الحجاب غطاءا من بعد غطاء, وحتى لو بقيت الأغطية وغاب الأدب فلا خير يرجى فيه منا, وهو أدب لابد أن يتأدب به الرجال مع النساء, تماما كما تتأدب به النساء معهم, هذا الأدب الجميل والرائع الذي يجري فيه نهر الحياء فيرويه ويحيي القلب فيه ويبعث فيه الهدى والتقى والسناء..

* والحياء في حقيقته إنما هو الحياء من الله تعالى, وإن لم يكن الحياء من السميع البصير, الحيي الحليم, العالم بخائنة الأعين والخبير بما في الصدور, إن لم يكن الحياء من الله العزيز القريب الجميل فممن يكون؟..

*فمن أدب الحجاب أن يقرّ الحياء في القلب فيستحيي أن يتطلع لما كفّه الله عنه فيطلّع الله على خبيئته فيمقت ما بدر عنه وما دار فيه , فيعف القلب عما لا يرضاه مولاه منه, ولا أقرب من القرءان الكريم لقلوب المؤمنين, فهو عطاء غير ممنون, يهذبهم ويعلمهم, ويأخذ بأيديهم, ويؤدبهم ويربيهم ويهديهم, ولا أيسر من لزوم الصراط معه ولا أسلس من قياد النفس له إن أخبتت وأنابت, وهكذا يعلم القرءان المؤمنات هذا الأدب الكبير الجليل :
" يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا" الأحزاب (32) ,
فلمّا يزل في الناس من يتشوف قلبه للفجور وإن لم يبده, فأنى وجد من الإناث دلا ودلالا ولينا في القول وتكسرا في الصوت انبرى لها بتشوفه لينال منها ما عرّضت له به, وتلك صورة لا تستوي في نفوس المؤمنين ولا تستقيم في قلوبهم فامتنع أن تميل لها فعالهم وأقوالهم, ولذلك كان الشرف والفضل في الآية الكريمة معلقا على التقوى , فمن يخش الله ويتقه يحول خوفه من الله وحياؤه منه سبحانه من الابتذال والترصد لضعف القلوب وهفواتها, وهذا حظ فطري في النفوس جبلت عليه الإناث من الأزل فهي تحب أن تبدو جميلة عذبة ويروق لها أن تروقها النفوس والأعين, والإسلام لا يتنكر لهذه الفطرة لكنها يطيبها لتطيب, وينقيها بالتقوى لتنقى وتزدد شرفا وفضلا, فيجعل لها مسلكا حلالا مباحا طيبا, مباركا بكلمة الله تعالى, لتكون كأجمل ما خلقت عليه مع زوجها وبين محارمها, ويحميها من التطلع لما وراء ذلك كي لاتؤذى وتشقى وكيلا تؤذي وتشغل غيرها عن المعروف. وهو لا يريدها أن تتكلف الجفاء والخشونة الفظة, بل يهديها لأن تقول قولا معروفا, والمعروف هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس.


* فالقول المعروف بتستر وحياء وجدية ووضوح بقدر الحاجة هو من أدب الحجاب..


* وكذلك, من أدب الحجاب غض البصر, وليست الأوامر مقصورة على النساء, بل على المؤمنين كافة ونقرأ في سورة النور :

" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"


" وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ..."الآية

فلا تحادث النساء الرجال ويحادث الرجال النساء وقد تعلقت عيونهم بعيونهن, وهذه صورة لا تكاد تمشي بين الناس إلا وتراها في كل قاعة درس وكل مضمار عمل أو زمالة وبكل سوق وطريق, وقد غاب عنهم سمت الشريعة, وقد نزع الحياء من وجوه نسائنا حتى ربات الخدور عفا الله عنهن برزن يجادلن هذا ويشارعن هذا دون ستر ولا غض لبصر ولارصانة في كلام, بل بتَّ ترى غاض البصر بينهم غريبا تستنكر العيون فعله ويخجل غيره من حذو حذوه, ولا عجب, فحين يتفشى التبسط والتكشف لا يعود المعروف عرفا..

* فمن أدب الحجاب غض البصر عن التطلع لغير حاجة مشروعة بالمعروف كغض الصوت عن الخطاب بدِّل وخضوع وميل إلا أن يكون خطابا لحاجة بستر ووقار ومعروف.



* ومن جديد لا يكفي أن يكون الظاهر مستورا وتتفلت النفوس بضعفها لتحتال في إبداء ما خفي وترسل إشارات مشفرة لتدلل بما بدر عما يخفى : "...وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ " .. وهنا يطرد القياس على كل ما يسعها ستره فتبديه لتشير به على ما خفي, كصوت حليها وأريج عطرها وما يظهر من متعلقاتها الخاصة, فسبحان الذي برأ النفوس وفطرها العليم بأمراضها الخفية العالم بها حين تختان لتحتال ربما دون وعي منها فلا يتركها هملا بل يصف لها دواء ضعفها ويهديها لسبيل رشدها حتى تستوي بيضاء مضيئة ككوكب دري باطنها كظاهرها لاخداع فيها ولا مراءاة وحتى تخلص وتتخلص من أدران النفوس وشواغلها فتلتفت لشرفها وخيرها , وعزتها وفلاحها, لكي تنصلح القلوب ظاهرا وباطنا فيحل فيها نور ربها وتسلم " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"..

وإنما أردت أن نتحدث عن أدب الحجاب لنتعلم ونرى بوضوح صورة الأمة الربانية التي ينبغي لنا أن نكون عليها, ولنقرأ واقعنا من جديد على ضوء تلك الصورة, ونقيس المسافة الفاصلة بيننا وبينها لنعرف أين نحن ولأين نسير وكيف الرجعة..

* ومن أدب الحجاب ألا تبرز النساء للرجال دون حاجة , وهذا من تمام الستر الذي أمر الله تعالى به: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ " الأحزاب 53, وإن كانت الكلام في الآية في حق أمهات المؤمنين عليهن السلام فأنما تدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة, فإن لم تدع الحاجة لبروز المرأة وأمكن أن تسد الطلب العارض بسؤاله من وراء حجاب فهو أولى..لاحظوا أن الخطاب هنا للرجال.. عليهم أن يأخذوا هذا التأدب سيرة لهم في التعامل مع النساء حذوا بحذو, فلو رأت نساؤنا اليوم حشمة الرجال في التعامل معهن, لتهذبت نفوسهن وانكسرت تطلعاتهن للتبرج ولرجعن للحياء فهن به أولى وهو أولى بهن..


ليست الأحكام في الشرع قيودا من دون حكمة, حاشا وكلا, بل يأتي بيان هذه الحكمة بخطاب قريب من القلوب المخبتة يقربها من الخير وينأى بها عن التشتت " ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" ونقرأ عن القرطبي رحمه الله كلاما طيبا عند هذه الآية الجليلة: " ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ " يُرِيد مِنْ الْخَوَاطِر الَّتِي تَعْرِض لِلرِّجَالِ فِي أَمْر النِّسَاء , وَلِلنِّسَاءِ فِي أَمْر الرِّجَال , أَيْ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَة . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِق بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَة مَعَ مَنْ لَا تَحِلّ لَهُ ; فَإِنَّ مُجَانَبَة ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ وَأَحْصَنُ لِنَفْسِهِ وَأَتَمُّ لِعِصْمَتِهِ "وَقُلُوبِهِنَّ " هذَا تَكْرَار لِلْعِلَّةِ وَتَأْكِيد لِحُكْمِهَا , وَتَأْكِيد الْعِلَل أَقْوَى فِي الْأَحْكَام .

سبحان الله " إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا " 54



* ومن أدب الحجاب قرار المرأة في بيتها, " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ " الأحزاب 33, إن الآيات تعلم قلوبنا أنها بدخولها للإسلام قد تركت عهدا ما وراء ظهرها, لا يصح لها أن تتلفت إليه من بعد, فليست حالها اليوم به كحالها من قبل بدونه, وحقيقة التبرج هي إظهار ما ستره أحسن, وكانت النساء في الجاهلية يتمشين وسط الطريق بتغنج وتكسر يعرضن أنفسهن على الرجال, والآن لربما تصنع لها منصة ليكون العرض أوفى.

تبرجت بعد حياءٍ وخفر *** تبرُّجَ الأُنثى تصدّت للذكر

أذن لهن أن يخرجن في حاجتهن, فما يمنعهن أن يلزمن حدود الباري في ذلك..

يقول عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا يَمْنَع الْمَرْأَة الْمُسْلِمَة إِذْ كَانَتْ لَهَا حَاجَة أَنْ تَخْرُج فِي أَطْمَارهَا أَوْ أَطْمَار جَارَتهَا مُسْتَخْفِيَة , لَا يَعْلَم بِهَا أَحَد حَتَّى تَرْجِع إِلَى بَيْتهَا .

* وكل دعاة العلمنة المنحوسة إنما يريدون أن ينزعوا عنا أدب الحجاب والحياء ويريدون أن يلقوا بنسائنا من جديد على قارعات الطرقات سافرات متسكعات يكابدن معترك الحياة اليومية بين رجال أغراب لامروءة لديهم ولا غيرة فيهم, لا يعلوهن حياء ولا يحفظهن ستر وقار ولا أدب حوار ولا يرقبن حدا... يريدون لهن أن يخضن كل مجال ويتنزلن في كل مضمار, ولو لم يوافق طبائعن التي فطرن عليها, وقد كان لهم ما أرادوا فكيف صرنا؟ وما هي صورة المرأة المسخ البشري التي تخرج لنا بها الحضارة المزعومة؟.. لازلنا نبتعد عن صلاح حالنا وإصلاح قلوبنا ولم نجن من تلك الفوضى شيئا ذا معنى, ولا من يعتبر ولا من يرجع..

أوهموا النساء بالحرية والمساوة, وحقهن في العمل والكد والكسب, وتحقيق الذات, وتفرد الشخصية, وإنطلاقها من قيد الرجل, وامتلاكها لزمام أمرها, لتتكسب وتنفق على نفسها, فلا يعوزها ضعف حال ولا فقر إلى عطف ذلك "العدو المفتعل" عليها!.. ثم أغروها بحمى الصراع, لتراهن على تحقيق مكاسب ونجاحات في مجالات احتكرها الذكور, بتسلطهم وذاتيتهم ومكرهم, فحرموها منها, فتطاولت همتها إليها حتى بلغتها, وما لها ألا تفعل؟ أوليست بشرا مثله؟ أوليست قد وهبت من العقل والفكر وكفاءة الذات ما ينزع بها لانتزاع سبقه فيما سبقها إليه؟ وقد كان.. فماذا جنت؟... أنا أقص عليكم طرفا من خبز الحصاد المرُّ, استمرئ –أشباه- الرجال, الذين صدعوا رؤوس العالمين عقودا بحقوق النساء, اللعبة, واستراحوا من مسؤولية رعايتها الإنفاق عليها, فتركوها ضالة ضعيفة غضة بلا ولي تستند إليه, لم تعد الحقوق حقوق ولا الواجبات واجبات, وما من امرأة عاملة إلا وهي تعرف كيف جنت على نفسها براقش, إلا من رحم ربي, فهي مطالبة بأن تكون رجلا في العمل والسوق والشارع وتتابع كل حاجات الخارج الملحة دون مساندة, تكتسحها عيون المارة وتدوسها عجلات المدنية دون رحمة, لم يعد ثمة من يفسح لها الطريق لتمر, أو يحمل عنها ثقلا ناءت يداها الضعيفتان بحمله, أو يترك لها مقعده لتجلس, أليست النساء كالرجال؟ أليست هذه هي المساواة؟.. ثم تعود المسكينة للبيت, لتكون أما ومربية وطاهية ومدبرة فيما بقي من ردح النهار, ثم هي مطالبة بأن تسترد شيئا من أنوثتها التائهة لتكون زوجة لهذا الزوج الخامل المهجن ما بقيت لها أنفاس لتفعل, من فجر النهار حتى غسق الليل في هذه الطاحونة المأفونة..

أظل أرعى وأبيت أطحن*** والموت من بعض الحياة أرحم

وهي في كل هذا لا يرافق يومها التسبيح ولا الذكر, ولا تندى روحها بآيات القرءان, ولا يشد من أزرها ويصقل إيمانها التفكر, بل غثاء الناس وغثاء الكلام, ولا يتحلق أهل البيت معا إلا حول تلفاز متلف يسرق الأبناء من ءابائهم والآباء من أبنائهم, قالها لي أحد المرضى جاء شاكيا من إجهاد عينيه "نحن لا ننظر في وجوه بعضنا البعض وأنا ما رأيت وجه أمي لأيام سوى الآن ... حتى حين نجلس معا تتعلق عيوننا بالتلفاز فلسنا نرى غيره!!".. وليته كان في خير, بل هي تربية منهجية على كل ما يصرف القلوب عن الاخبات للخير..


ثم نبتت أجيال من الرجال ليس فيهم رجل واحد, غابت المروءة عن صدورهم واندثر شموخهم وهجنت صفاتهم وذواتهم وحتى سمات وجوههم تخنث, وقد فتحت عليهم فتن النساء أبوابها من كل حدب وصوب, فلا تكاد تسير في شارع دون أن تؤذي عينيك ملصقات إعلانات عن نساء في أبهى حلل الزينة وأقلها سترا وأكثرها إثارة على كل سلعة متخيلة أو غير متخيلة, ولا يوشك يفتح أي قناة أو حتى يفتح بريده الخاص حتى تقتحمه الصور المتلاحقة في سباق مرصود للتميع... ونبتت أجيال من النساء لايصلحن لأن يكن أمهات أو مربيات أو حاديات لمواكب العزة والكرامة المهانة, ولا يعرفن كيف ينشئن أجيالا كريمة وقد فقدن المثال والبوصلة والقيم الرواسخ التي تعيدهن للجادة, ولم يسطعن أن يسددن خانة الرجال التي فرغت ولم يعد فيها سوى أشباه الرجال, صارت المرأة كالثور المجروح الذي يدور في ساقية جف نبعها, وصارت الرجال كالأسد العرجاء اللثغاء المهجنة والتي نشأت في أقفاص وهمية, كالقطط المدللة, فلم تتعرف على حقيقة ماهيتها بعد..

وما عجب أن النساء ترجلت *** لكن تخنيث الرجال عجيب!



هل بعد كل هذا سيبقى في يوم أحدهم فسحة ليلتفت لقلبه, ليصلحه ويداوي سقمه وهزاله ,فينصلح فيه حاله, ويسمو به قبل زواله؟..

* هل هذه صورة الأمة الوسطى؟؟

دعوني أقص عليكم طرفا من خبرها الجميل والكلام لاِبْن الْعَرَبِيّ : لَقَدْ دَخَلْت نَيِّفًا عَلَى أَلْف قَرْيَة فَمَا رَأَيْت نِسَاء أَصْوَن عِيَالًا وَلَا أَعَفّ نِسَاء مِنْ نِسَاء نَابُلُس , الَّتِي رُمِيَ بِهَا الْخَلِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ , فَإِنِّي أَقَمْت فِيهَا فَمَا رَأَيْت اِمْرَأَة فِي طَرِيق نَهَارًا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَيْهَا حَتَّى يَمْتَلِئ الْمَسْجِد مِنْهُنَّ , فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة وَانْقَلَبْنَ إِلَى مَنَازِلهنَّ لَمْ تَقَع عَيْنَيَّ عَلَى وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى . وَقَدْ رَأَيْت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَفَائِف مَا خَرَجْنَ مِنْ مُعْتَكَفهنَّ حَتَّى اُسْتُشْهِدْنَ فِيهِ ." تفسير القرطبي"

فك الله أسر أقصانا وفك أسر الأمة مما سرى عليها ..



* ترسم الآيات صورة لا يمكنها أن تفارق خيال المؤمنين الصادقين إن وعتها قلوبهم مرة " وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" أطعن الله ورسوله, وليس من حكمة ولا بيان ناصح مهذب ولا نور يهدي القلوب التائهة فتنشرح له الصدور كآيات ربنا جل في علوه " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" ليس الأمر والنهي والحدود والتوجيه الرباني السامي إلا لتطهر به النفوس ويذهب عنها الرجس فتعف وتصدق وتنشرح وتعلو, والوصية بالقرءان, والقرءان هو البرهان, وهي وصية الله الخبير بخبايا نفوسكم يدلكم بلطفه إلى ما فيه شفاءكم "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا" .. هكذا نحب أن نرى المؤمنات, فالتزمنها, رضي الله عنكن وإيانا, صورة مضيئة مشرقة لمؤمنات تحويهن لؤلؤة مجوفة من لآلي الجنة, تنشرح لها القلوب ويمتد سنا نورها ليملأ أفق البصيرة المبصرة.. شغل قلوبهن القرءان وملء نفوسهن الحكمة, واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة...

كوني من اللائي ذكرن بسورة الـ***أحزاب في القرآن حتى تغنمي

المؤمنات العابدات القانتا***ت القائمات بجوف ليل مظلم



ثم تأتي البشرى لتسكن لها النفوس المتعبة وتستروح لديها الأرواح التي شتّ بها الجدب يوما , هو الوعد الجميل بمغفرة وأجر عظيم " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"

الإسلام, هو رأس الأمر دوما, ومن دخل في السلم, فعليه أن يدخله كافة..
والإيمان والقنوت, والصدق والصبر, والخشوع والتصدق, والصوم والعفة, وذكر الله كثيرا..
هذه هي صفات المجتمع الربّانيّ المؤمن ...
ولله أمة هكذا بنوها وهكذا بناتها, أين في علياء المجد والشرف تكون..



* ونستأنس بهدي الآيات وإن تكن نزلت في غير ذلك, النفوس ليست كلها سواء , وربما كان من لا تستحوذ عليه كل هذه البينات الهاديات ولا تداوي مرض قلبه فلا ترتدع بها نفسه, وهنا يأتي فصل الخطاب " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" لا خيرة بعد أمر الله لأحد...ليس لك إن ءامنت أن تختار بين ما تريده نفسك وما تأباه, لو عقدت العهد فعليك الوفاء به فقد أمر الله ورسوله أمرا فلو خرجت نفسك من طاعة ما قضى به فقد ضللت ضلالا مبينا..

ولدعاة العولمة والعري والمتحينين لفتنة المؤمنين والمتتبعين النساء لريبة فلست تجد لهم خيرا من قول الله تعالى في الآية التي تلت آية الحجاب " لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" ( الأحزاب60)

بلى ,لقد كانوا هناك منذ الأزل, جمع بينهم النفاق ومرض القلوب والإرجاف, والإرجاف هو التماس الفتنة, ولم يكن لهم دواء غير الردع بقطعهم من دابر إن لم ينتهوا عما يخوضون فيه..


يتبع إن شاء الله ..

 

 
























التوقيع

،



..



   

رد مع اقتباس