عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-2010, 06:20 PM   رقم المشاركة : 2

 



(2)


حين يكون نهج الله فلا نهج دونه..

لم أكن أريد أن أخط في هذا الأمر وسط هذه الدوامات الإعلامية التي تثور زوابعها في وجوهنا من حين لحين , كنت أقول دوما فليعبثوا حيث شاءوا وليعيثوا ويرتعوا في ظلماتهم فكل عبد ربانيّ قيّم على محارمه يخشى الله فيهم يزدريهم ببصيرة قلبه ويرى ميل دعواهم, وكل أَمَةٍ ربانيّة لا ترتضي بشرع ربها وورضى مولاها بدلا, يدرك عقلها ويطمئن قلبها إلى مراد الله تعالى فلا تشقى بالبحث عن منهج تنتهجه, وراحتها في ذلك يقينها الذي لاتزعزعه الزوابع أنه حين يكون أمر الله فلا أمر معه, وحين يكون دين الله فلا حياد عنه, وحين يكون نهج الله فلا نهج دونه, من كان لديه منهج ءاخر يحسُن في عينيه ويرتضيه, فليتبعه هواه غير مأسوفا عليه, أما نحن فلا مأرب لنا فيه ولا حاجة لنا فيما يسره ويرضيه ...



فإذا كان الحجاب في أعينهم خيمة سوداء, فنحن نقول لهم إن هذه الخيمة السوداء قد فرضها الله تعالى علينا، فهي في قلوبنا أنوارا بيضاء، وفي طاعة ربنا راحة ضميرنا، وسكينة أرواحنا, فماذا عليكم منها..

ألا يوشك أحدهم يتزيا بكل سواد لو صادف موجة أزياء دون غضاضة ويتبع سنن مصممي الخلاعة لونا بلون وكما بكم وقميصا بقميص لا تتأباه نفسه ولو عافت العيون رسمه؟ لا ينكره ولا يستهجن منه شيئاً؟..

ألا يتزيا كل شعب بزيه الشعبي الذي يبرز انتمائه لتراثه واعتزازه بثقافة قومه فلا ترى من ينكر عليهم ذلك بل لعلهم يجلّون في العيون أصالته وعدم تشبهه بغيره وعدم إنسلاخه من جلده ليتميع كالحرباء بكل لون زائر دون أن تكون له هوية تميزه عمن حوله, هل هناك من يستنكر ذلك في أولئك جمعاً؟

فنحن شريعة ربنا وأمره الذي فرضه علينا وتلك الخيمة السوداء, هي أحب لنا وأسمى لدينا وأغلى وأعز علينا من اعتزاز أولئك بتراثهم المتوارث عن أجدادهم الذي جبلت عليه نفوسهم وتطبعت به عاداتهم...

وليس في امتثال أمر الله تعالى والرضا بمراده والتسليم لحكمته العلية وقبول حكمه, ليس في هذا الهدي العليّ الذي يعلو بالروح في معارج السماوات والنور, ويرجع بالنفس مطمئنة متوازنة راشدة مستبصرة, ليس فيه ما يمحو ملامح المسلمة أو يطمس شخصيتها المتفردة التي تعرف بوعي تام طريقها الذي تسلكه على بصيرة, وتدرك معنى وجودها وتدرك القيمة الحقيقية لحياتها وغاياتها العليا, وتتجلى أمام عينيها الرسالة الكبرى والعهد الأول الذي عليها أن تؤديه في هذه الحياة, لا تشغلها الضوضاء ولا ينال منها التخبط ولا تشوش عليها الغوغاء كي تنصرف عما أراده لها الله عز وجل لما يريده منها كل من تعس وذل...

فإذا كان الحجاب يطمس شخصية المرأة – بزعمهم – فأين هي شخصية المرأة – السلعة – التي نراها في كل لفتة طرف في طرقات مدننا المبتلاة, وعلى كل رف من أرفف المتاجر, بدءا من أغلفة منظفات الأرضيات إلى ملصقات الدعاية للعروض السينيمائية التي صار العري والابتذال عملتها الموحدة ولغتها المدبلجة... هذه دعوة صريحة لتجريد المرأة من إنسانيتها, لإستعمالها بصيغة استهلاكية رخيصة, أية امرأة حرّة شريفة واعية عاقلة تأبى أن تعرض بتلك الصيغة المهينة المبتذلة, لكن, رحم الله العباد ورفع عنا البلاء وعافانا من سبق الشقاء, تبلدت الأحاسيس وصدأ فهم الفاهمين وانتزع شرف الحياء, فلا حياء ولا إباء ولا مروءة.. بل انقلب الميزان, أي ورب السماوات والأرض, انقلب في ضمائرهم المنخورة العفنة ميزان الرشاد, صارت الدنايا فتونا, والرزايا فنونا, وصارت التافهات الفارغات المنطفئات نجمات براقات ترنو لهن الصبايا والبنات بعين الإنبهار والتقدير والمحاكاة والتقليد ودخلت خيتبتهن المضاعفة إلى ليل الأحلام وسراديب التمني فكل غرة صغيرة تخلى عنها قيّمها الراعي ولم يتعهدها بالتقويم والتهذيب والتأديب, كل غرة مغبونة تتمنى أن تدخل دائرة الضوء المزعوم ولا أحد يشرح لها أنهن فراش النار تهافت على هاوية الفجار..



قلت بأني ما أردت أن أخط في الأمر وسط عاصفة الرمل التي أرمدت العيون والأرواح , غير أني وجدت أن تلك الدعاوى الفاسدة المفسدة تستقطب معها غثاءا من سفهاء الناس كغثاء السيل فإذ بهم تنبت لهم أجنحة مقت وألسنة سوء يحومون بها على حمى الحرمات ويتصدر كل سفيه منهم ويستمرئ الكلام فيما لا يحق لمثله أن ينطق فيه فيرددون مبادئ أعداء الله في محاداة دين الله ويسخرون من ربات العفاف والحياء والطهر والصون والحجاب فيؤذونهن ويتطاولون عليهن كلما سنحت لهم فرصة لينهسوا من ركب النور نهسة, وقد حقت عليهم كلمة الله إن لم ينتهوا عما خاضوا فيه ويرجعوا ويتوبوا, فترى منهم كل سفيه لسن يتبجح بزخرف القول غرورا يستنكر حياء المؤمنات وتؤذيه عفتهن ويتطاول على تمسكهن بالحجاب وبأدب الحجاب , وكذلك أبداً , حين تسوّد القلوب وتعمى, وتنتكس النفوس وتشقى, يؤذيها الطهر وتستقبح جلاء النور , " إنهم أناس يتطهرون" !! فأي شيء من بناتنا ينقمون ؟ هل صدّقتم أنهم ينقمون حبسهن عن التحرر المزعوم ؟ كلا والله.. "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأض والله على كل شيء شهيد" ..







(3)


انتكاس فطرة الأمم عبر التاريخ..

والعابر عبر بوابات التاريخ المشرعة لمن كان له قلب فقيه متأمل يرى ويدرك أن حياء الأمم إنما يستلب إستلاباً, وكل حجر صغير يسقط من السدّ يترك مكانه ثغرة تتبعها أخرى, فيوشك أن ينهار السد, ولاشيء ليوقف مدّ السيل بعد ذلك, بل تتغير النفوس وتنطمس الفطرة النقية، وترجع القلوب سوداء كالكوز المجخي المنكوس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ولا تقر حقا..


في ستينيات القرن التاسع عشر مَثُلَ الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير أمام المحكمة بتهمة الإساءة للأداب والأخلاق وللدين وخدش حياء المجتمع الفرنسي الذي لم يتقبل في حينها تلك الصورة المبتذلة عن المرأة التي قدمها في روايته "مدام بوفاري", وكان أن ابتلعت المحكمة طعم الدفاع الذي جعل منه كاتباً "شريفاً"! يشير إلى سوءات المجتمع ليصلحها وأديباً "رفيعاً"! يدافع عن الأدب والأخلاق... وبدأت المعول في هدم السد... وليخبرنا أحدكم أين هم الآن؟.. التقاط خبر عابر قد يترجم ما يعيه الناظر, في تقريرها السنوي للأدب تعد مجلة "لير" الفرنسية لائحة بأفضل 20 كتابا للسنة المنصرمة, وأحد المجالات التي يتم اختيار أفضل كتاب فيها, مجال الأدب الإباحي, في عام 2007 مثلا, تم اختيار "مذكرات امرأة زانية" للأميركي كورت لويان كأفضل كتاب في الأدب الإباحي، حول قصة امرأة عازفة كمان تعيش الخيانات في منظور مختلف... عفوا منكم, لكنه الواقع المر..

وفي حادثة مماثلة مثُلت أول سباحة استعراضية أمام المحكمة لأن عروضها تضمنت نزول البحر بزي فاضح لم يتقبله المحتمع الإنجليزي المحافظ وقتها, وظلت تحتال ونافخي أبواق الفتنة من ورائها حتى اخترعت زياً جديدا يغطي الجسم كله شبيها ببدلات الغطس فسمحت لها هيئة المحلفين الظهور به في عروضها, وتدحرجت أحجار السد بعد ذلك فلم يتبق على عاتق الكواعب على شواطئ اليوم شال ولا إزار..

علينا أن نتذكر ذلك جيدا ونستبصر ونحن نقرأ حاضرنا الصاخب كصداع الرأس والموجع كشوكة في القلب , من أيام نشرت صحفية "البنطال" السودانية التي جعلتها وكالات الأنباء الغربية بطلة في ركب الدفاع عن الحرية, نشرت كتابا!! تحكي فيه تجربتها الرائدة في تحدي "الرأي العام" وتحدي"تطرف ورجعية الشعب وتعصب القاضي" وتحدي "الأعراف البالية السائدة" التي جرمت ظهورها بالبنطال, قضية نضال مؤثر ومبشر بما لا تحمد عقباه, أبطال التحرر النكد الزائف الملعون.. يحادون شرع الله! ويتحدون بوجوه صفيقة ما بقي لدى بناتنا من حياء, فلأين يسيرون, وإلى أين يريدون أن يصلوا كي يضلّوا..



لم يعد التعري والابتذال والخنا شيئاً تنكره النفوس إجمالا, بل تبدل الجدل القائم لا ليناقش حرمة الخنا أو حلّه, بل تحول إلى المطالبة بحقوق الشواذ في الزواج بمباركة الكنيسة وإقرار حرمة الميثاق والعشرة والميراث!!, ولم يعد الجدل في قبح السفاح بل في حق النساء المسافحات في إجهاض ما خلق الله في أرحامهن ليستمتعن بحياتهن كالأنعام ويتحررن من مسؤولية الولد, ولو جاء الأبناء, فهم أبناء "خارج إطار الزواج" وليس "أبناء سفاح" ! أرأيتمم كم هي أسماء حضارية مزوقة ومستساغة لا تمجها الأنفس!..

وتصبح هذه هي الإشكاليات والخلافيات الأخلاقية التي تتصدر أجندة أعمال مرشحي الرئاسة في أمريكا ودول الغرب المتدحرج - بخطوة واسعة للوراء-, انظر على سبيل المثال كتاب جيمي كارتر "قيمنا المعرضة للخطر", الرؤية الكلية لتلك القيم,التي ينافح لحفظها أصحاب الأخلاق الباقين وسط الغوغاء, لم تعد تمت للنقاء والطهر والعفة وللشرف البشري الأصيل بصلة... لم تعد الحضارة المزعومة تفتش عن ورقة توت تواري بها سيئتها وسوءها...

وتسير مواكب العراة فيما يدعى "بأنصار الطبيعة", وفي إسرائيل تخرج مسيرة أخرى على رأسها رئيس وزراءها في تأبين أحد الشواذ الذي قتل -غيلة- على يد بعض المتشددين ليرفعوا جميعا شعار "نستمر بفخر"! فخر بماذا؟ عفا الله عنا, ويقولون "من حق كل إنسان أن يكون مختلفا" !! المسألة مسألة إختلاف الآن؟ لم يعد لدى تلك القطعان البهماء حاسة تستشعر القرف من التلطخ بالقذارات وروح تتطلع عيونها لنور الطهر.. مات فيهم الحس, ونحن في الطريق لذلك – إلا برحمة من العزيز الحكيم العليم الحليم – ولو دخلوا جحر ضب, لدخلتموه..



يتبع إن شاء الله..

 

 
























التوقيع

،



..



   

رد مع اقتباس