عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-2010, 06:00 PM   رقم المشاركة : 15

 


12.سئل فضيلة الشيخ: عن قول أحد الخطباء في كلامه حول غزوة بدر :

( التقى إله وشيطان) . فقد قال بعض العلماء أن هذه العبارة كفر صريح،

لأن ظاهر العبارات إثبات الحركة لله – عز وجل- نرجو من سيادتكم توضيح ذلك ؟


فأجاب بقوله:

لا شك أن هذه العبارة لا تنبغي ، وإن كان قائلها قد أراد التجوز فإن التجوز إنما يسوغ

إذ لم يوهم معنى فاسدا لا يليق به .

والمعني الذي لا يليق هنا هو أن يجعل الشيطان قبيلاً لله – تعالى -، ونداً له ،

وقرناً يواجهه ، كما يواجه المرء قرنه ، وهذا حرام ، ولا يجوز .

ولو أراد الناطق به تنقص الله –تعالى – وتنزيله إلى هذا الحد لكان كافرا ،

ولكنه حيث لم يرد ذلك نقول له :

هذا التعبير حرام ، ثم إن تعبيره به ظاناً أنه جائز بالتأويل الذي قصده فإنه لا يأثم بذلك لجهله،

ولكن عليه ألا يعود لمثل ذلك .

وأما قول بعض العلماء الذي نقلت : (إن هذه العبارة كفر صريح ) ،

فليس بجيد على إطلاقه ، وقد علمت التفصيل فيه .

وأما تعليل القائل لحكمه بكفر هذا الخطيب أن ظاهر عبارته إثبات الحركة لله – عز وجل- ،

فهذا التعليل يقتضي امتناع الحركة لله ، وإن إثباتها كفر ، وفيه نظر ظاهر ،

فقد أثبت الله – تعالى – لنفسه في كتابه أنه يفعل ، وأنه يجئ يوم القيامة ،

وأنه استوى على العرش ، أي علا عليه علوا يليق بجلاله ،

وأثبت نبيه صلى الله عليه وسلم ،

أنه ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليله حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول:

من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟

واتفق أهل السنة على القول بمقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة من ذلك غير خائضين فيه ،

ولا محرفين للكلم عن مواضعه، ولا معطلين له عن دلائله . وهذه النصوص في إثبات الفعل ،

والمجيء ، والاستواء ، والنزول إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم الحركة لله

فالحركة له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمها ،

وإن كنا لا نعقل كيفية هذه الحركة،

ولهذا أجاب الإمام مالك من سأله عن قوله تعالى

( الرحمن على العرش استوى) . كيف استوى ؟

فقال : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

وإن كانت هذه النصوص لا تستلزم الحركة لله – لم يكن لنا إثبات الحركة له بهذه النصوص ،

وليس لنا أيضاً أن ننفيها عنه بمقتضى استبعاد عقولنا لها ،

أو توهمنا أنها تستلزم إثبات النقص ، وذلك أن صفات الله – تعالى- توقيفية،

يتوقف إثباتها ونفيها على ما جاء له الكتاب والسنة، لامتناع القياس في حقه – تعالى -،

فانه لا مثل له ولاند ،وليس في الكتاب والسنة إثبات لفظ الحركة أو نفيه ،

فالقول بإثبات لفظه أو نفيه قول على الله بلا علم. وقد قال الله ـ تعالى _:

(قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق

وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطان وأن تقولوا على الله مالا تعلمون
)

وقال تعالى _:

(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)

فإن كان مقتضى النصوص السكوت عن إثبات الحركة لله _تعالى _أو نفيها عنه ،

فكيف نكفر من تكلم بكلام يثبت ظاهره _حسب زعم هذا العالم –التحرك لله –تعالى-؟!

و تكفير المسلم ليس بالأمر الهين ، فإن من دعا رجلاً بالكفر فقد باء بها أحدهما ،

فإن كان المدعو كافرا باء بها ، وإلا باء بها الداعي .

وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله – في كثير من رسائله

في الصفات على مسألة الحركة ، وبين أقوال الناس فيها ، وما هو الحق من ذلك ،

وأن من الناس من جزم بإثباتها ، ومنهم من توقف ، ومنهم جزم بنفيها .

والصواب في ذلك :

أنما دل عليه الكتاب والسنة من أفعال الله – تعالى - ،

ولوازمه فهو حق ثابت يجب الإيمان به ، وليس فيه نقص ولا مشابهة للخلق ،

فعليك بهذا الأصل فإنه يفيدك ،

وأعرض عن ما كان عليه أهل الكلام من الأقيسة الفاسدة

التي يحاولون صرف نصوص الكتاب والسنة إليها ليحرفوا بها الكلم عن مواضعه ،

سواء عن نية صالحة أو سيئة .

 

 

   

رد مع اقتباس