عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2012, 01:57 AM   رقم المشاركة : 9

 

على ذلكم الرابط وجدت سيرة رجل نوراني حقاً غفر الله له وجميع موتى المسلمين البررة

الأديب النورانيّ: أديب القادري
مضى في حلَّة من النور إلى عالم من نور




بقلم: سامي الخطيب:

صلى العشاء في جماعة فكان في ذمَّة الله، وقام ليله ابتغاء رضوان الله، ونوى الصيام طاعة لله، وعزم على قيام ليلة القدر طلباً لعفو الله، فلمَّا حان موعد أذان الفجر من صبيحة يوم الجمعة الأخيرة من رمضان، مشى إلى المسجد راجياً أن يحطَّ الله بخطواته خطاياه، ويغفر ذنوبه ويرفع له الدرجات.. صلَّى الفجر ليكون في ذمَّة الله سبحانه حتى يمسي، قرأ بعد الصلاة ورده من المأثور، ثم رجع إلى بيته يؤدِّي حقَّ أهله عنده، يجالسهم ويمازحهم، ليخلو بعدها من جديد إلى ربِّه يقرأ القرآن حتى تشرق الشمس، فيحمل سجادة الصلاة يتّجه بها إلى غرفته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجَّة وعمرة تامَّة تامَّة تامَّة»، لكنّ الله استعجل لقاءه، فاختاره إليه وسجادة الصلاة في يده..

إذا كان المرء يُبعث على ما مات عليه، كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فَلَعَمْري لست أدري على أيِّ طاعة من الطاعات مات الأستاذ الأديب أديب القادري؟ وعلى أيِّ وجهٍ من وجوه الخير يبعثه الله يوم القيامة، وقد مضى في حلَّة من النور إلى عالم من نور؟
أيبعثه الله تعالى ساجداً وقد صلى عشاءه وفجره، ثم قضى وقد عزم على الصلاة، ومات وهو يحمل سجادته؟

أم يبعثه الله مرتِّلاً القرآن وقد أمضى حياته يعلِّم القرآن الكريم في المسجد والبيت والمدرسة، ثم اختاره الله إليه بعدما قرأ ورده من القرآن؟

أم يبعثه الله صائماً يناديه من باب الريَّان، ريحه ريح المسك، وقد حقّق الفرحتين بلقاء الله والإفطار على مائدة الكريم الرحمن؟


أم يبعثه الله ذاكراً وقد قرأ ورده في المسجد بعد الصلاة؟ أم يبعثه ملبِّياً وله أجر حجّة وعمرة تامَّة تامَّة تامَّة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، لمن كان حاله كحال أبي بلال؟

أم يبعثه الله على ما يبعث به من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه، واستجاب دعاءه: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني»؟ وهو الذي مات رحمه الله بعدما عقد النية على إحياء هذه الليلة العظيمة، واسمه في برنامجها في مسجد بلال بن رباح رضي الله عنه في خربة روحا، وفي مسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه في الرفيد، بل وقصيدته يلقيها الأستاذ أدهم البعلوجي في أحد مساجد غزَّة هاشم في فلسطين المباركة، وهو ينعاه لأهل غزَّة، ويلقي على مسامعهم قصيدة للراحل الكبير عن القدس التي كان يعشقها.

في هذه الأجواء الإيمانية مضى أستاذنا الأديب النورانيّ إلى ربِّه الغفور الرحيم، وعزاؤنا أنَّ الله اختاره إليه وهو في حال نشاط من العبادة، فإنما يموت العبد على ما كان عليه، ويبعثه الله يوم القيامة على ما مات عليه، ويكفي أن نشير إلى بعض محطّات حياته، لندرك السرَّ في ما اختصه الله به في خاتمة حياته.

المربي الأديب.. الشاعر

اختار رحمه الله التربية طريقاً، فعمل أستاذاً ثم مشرفاً تربوياً لأكثر من عقدين من الزمن في المملكة العربية السعودية، ليعود إلى لبنان مديراً لمركزالأبرارالتربوي في البقاع،الذي تولى إدارته في مرحلة التأسيس،فأرسى الدعائم وأقام البناء، وما زالت بصماته في المركز حتى يومنا هذا، من دعاء الصباح الذي كان من اختياره، إلى نشيد الأبرار الذي صاغ كلماته، وقد كنا نعرف له هذا الفضل، ونذكره له.
وهبه الله الكريم رقَّة الشعور وملَكَة الشعر، وكان حاله مع الشعر كمن يغرف من بحر، ينساب النغم على لسانه انسياباً، فيغزل الشعر غزلاً متقن الحبك، قوي السبك، فصيح اللفظ، عميق المعنى، ولا غرو فهو في العربية مَقْصِدٌ وفي فصاحة القول حكَمٌ ومرجع ، فإذا قال فهو اللغوي المدقِّق، وإن كتب فهو الأديب الألمعي البليغ، وستفتقده «أسر» الأبرار في تعريفها، ومجلة «القبس» في تدقيقها، وجداريات المركز في خطِّ عناوينها، وستظلُّ مدرسته في الشعر عنواناً للرسالة الهادفة والأدب الملتزم، فالقدس في وجدانه حاضرة دوماً، ومكارم الأخلاق في أشعاره أبداً، وهمُّ الأمَّة لا يغيب مطلقاً، وقليلة هي الأيام التي لم يكن يعرض عليَّ فيها أبياتاً من الشعر أو مقطوعة من النثر، فيتقبل الأستاذ من تلميذه الرأي بابتسامة العارف وتواضع الكبار.

القرآني المنظَّم

كان رحمه الله من ذلك الصنف المنظَّم في فكره ووقته وسلوكه، التزم الجماعة واحترم المؤسسة الرسمية، وآمن بالحوار والتلاقي مع الجميع، وكان يأمر إخوانه بالتزام الجماعة والانفتاح على الآخر، ويساهم في رأب الصدوع وتنقية الخواطر والنفوس. أحبَّ القرآن وعشق تعليمه، فكان المشرف العام على دار القرآن الكريم في مركز الأبرار التربوي، ولم يكن حبه لفلسطين بأقلَّ عاطفة، فقد كانت في قلبه ووجدانه، وعلى قلمه ولسانه. رحمه الله.. عاش قرآنياً يعرف ما يريد، وأسأل الله تعالى أن يكون قد أعطاه عنده في الجنة أقصى ما يريد.

 

 

   

رد مع اقتباس