الموضوع: إبراهيـم فـودة
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-27-2011, 07:59 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية عبدالرحيم بن قسقس
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 17
عبدالرحيم بن قسقس is on a distinguished road


 

.

*****

وهنا يسأل أحد الحضور المحتفى به عما تمثله وزارة المالية في ذلك الوقت، فقال:

- وزارة المالية في ذلك الوقت كانت هي إدارة الإِدارات إن أردت أن تسمي هذا أو وزارة الإِدارات وربما لا يصل إلى ذهن بعض الإِخوان أنه كان هناك مجلس اسمه مجلس المديرين يرأسه عبد الله سليمان وزير المالية وأعضاؤه المديرون العامون: مما يشبه مجلس الوزراء الآن. عبد الله سليمان كان بالنسبة للملك عبد العزيز، كما سماه هو أو كما كان يقول عنه تفضلاً منه بلا شك عبد الله السليمان شريكي في الملك وذلك لما بذله الشيخ عبد الله السليمان من جمع الأموال من أثرياء الشعب لتقديمها لنصرة الملك عبد العزيز على عدوه في موقعة السبلة. والملك عبد العزيز كان ملكاً عظيماً ورعاً - لو كان لي حظ أن أتحدث عنه لتحدثت صادقاً بحقه دون إضافة أو إضافات أخرى من الرياء، وبدون الحديث عن أشياء تافهة كرواية فتح الرياض فهي مسألة تافهة في تاريخ عبد العزيز، فإنَّ عظمة عبد العزيز ليس في فتح الرياض، ولكن في إدارة ملكه وتطوير مملكته بعد ذلك.
ومن ذكرياتي الطريفة خلال فترة عملي مع الشيخ محمد سرور أنني ظللت ثلاث سنوات أوزع أراضي جدة ولم أحصل منها على أرض واحدة فلما سلمنا الأرض إلى السيدين بشير نعمان وطاهر الطيب ذهبت لأشتري أرضاً فقال لي بشير نعمان بفكاهته ألم تشبع؟ فقلت: ابحث عندك. فلما بحث لم يجد اسمي فقال: لقد كنت تبيع الأراضي، قلت: لذلك لم أكن أشتريها، فقال يومئذٍ: فأين تجد الأراضي الآن في آخر البلد. فاشتريت الركن أو الزاوية التي تقع قبل قصر سكن الملك فيصل الآن، والتي كانت حينئذٍ في آخر البلد أما انتقالي إلى الإِذاعة فله ظرف لطيف لا أجد مانعاً من ذكره.

- كنت اقترحت على الشيخ محمد شطا وكان يومئذٍ مديراً للإِذاعة بالانتداب أن يقدم برنامجاً عنوانه "شعراؤنا أمام المذياع" فقال: إذن نبدأ بك فقلت: لا بأس، وقدمت البرنامج بقصيدة هي مقدمة ديواني الأول مطلع الفجر، لا أريد أن أشغلكم بشيء من الشعر.

ويرتفع هنا صوت الأستاذ عبد المجيد شبكشي - رحمه الله - قائلاً:
سمعنا إبراهيم فودة الموظف ونريد أن نسمع إبراهيم فودة الأديب.


فيرد المحتفى به:

- لا بأس. الحقيقة أنني وجدت أننا في حاجة إلى الأحاديث أكثر من حاجتنا إلى الشعر، فالشعر ربما تقرؤونه في وقت قريب إن شاء الله ومن جهة أخرى فهذا موقف للذكريات.

- لقد استفتحت البرنامج بهذه الأبيات:

نفثاتي هذي تضم الذي كَـنَّ = فؤادي ومـا يمـور بذهني
ويَراعي مصور صادق التصوير = أبدو فيـه بريـشة فني
* = *
غير أني - وليتني لم أكن قلتُ = كلاماً ولا نطقتُ بحرف-
كلما حدَّث الشـعور فأملـى = راودتنـي نفسـي اللجـوجُ بحـذف
* = *
لا أطيـق الكـلام فـي كـل شـيء = فيراعـي محبوسـة أي حبـس
في ضميري شيء كثير ولكـن = لم أقل منــه مـــا أريـد لنفسي
* = *
نفثاتي هذي تعيش وإن متُّ فأحيا = في عمرها بعد عمري
وهي بعد الممـات تنبئ قومي = أنني مت والكـلام بصـدري
* = *
- هذه الأبيات جعلت الشيخ عبد الله السليمان - الله يرحمه - يتصل بالسيد محمد شطا ويقول له: إن إبراهيم فودة اليوم في صدره كلام كثير ولكنه غير قادر على النطق به فلماذا لا يأتي ليقول لنا ما بصدره بدلاً من أن يقول للناس؟ وعليه فلا يدخل إبراهيم فودة الإِذاعة. وكنت يومئذٍ أول موظف يدخل وزارة المالية وآخر موظف يخرج منها. وذات يوم وأنا على مكتبي جاء السيد محمد شطا فقال: إنه يريد مقابلة عبد الله السليمان قلت له: أُدخل يا أخي. قال: تعال معي، قلت له: لم يقل لي، فدخل. وكان هناك الشيخ محمد سرور والشيخ سليمان الحمد فاستثاره السيد محمد شطا في أمر إيقافي عن ممارسة عملي بالإِذاعة وقال له: إنني رجل إداري أنتظر أمراً فقال له: إذهب الآن وأدر الإِذاعة حتى تسمعني الكلام الذي قاله إبراهيم فودة مرة أخرى. فقيل له: سنحضر لمعاليك شريطاً مسجلاً بذلك.

- لكن ظل السيد محمد شطا لا يدعوني إلى زيارة الإِذاعة وظللت على زهدي في الكلام وفي الإِذاعة على طريقة أحد المشايخ أيام الشريف عون عندما كبرت به السن لزم البيت، فلا يخرج، فسأل عنه الشريف عون أين الشيخ فلان؟ فقيل له: والله يا سيدي لزم بيته فلا يخرج. قال: بلغوه أنه محبوس في بيته. فلما بلغوه أنه محبوس في بيته بعث الشفعاء إلى الشريف ليخرجه، فقال لهم الشريف: ألم يكن جالساً في بيته لا يخرج؟ فإذا رغب الشيخ أن يخرج فقد سمحنا له أن يخرج. فخرج الشيخ على البغلة وطاف شوارع البلد حتى لا يقال أنه ممنوع من الخروج، فكان هذا شأني مع الإِذاعة. وفوجئ الشيخ محمد سرور يوماً أني أكتب بنفسي قرار انتقالي إلى الإِذاعة. ووقَّع القرار عبد الله السليمان وكنت على سفر يومئذٍ إلى القاهرة في رحلة كانت سرية من وزارة المالية مع الأمير منصور والزعيم سعيد كردي، وكانت الرحلة تتعلق بتصفية حساب بين الحكومة السعودية والحكومة المصرية في حرب فلسطين المشتركة، وقد فهم السيد محمد شطا رحمة الله عليه المقصود من ذلك القرار وهو أن يترك العمل فتركه، وعندما عدت قدَّمت لعبد الله السليمان تقريري عن الرحلة وقلت له بعد أن انتهى من قراءة التقرير: لقد انتهينا من هذا وغداً سوف أمارس عملي في الإِذاعة فأجابني بعبارة فهمت منها أنها تحتمل شيئاً من النقد فقلت: إن كان هذا نقداً يا معالي الوزير فأنا لم أجلس في الإِذاعة حتى الآن على مكتبي وإن كان توجيهاً فأنا مستعد لسماع التوجيه، قال لي: ليس هذا نقداً وأنت لا تحتاج إلى توجيه، الآن تفضل قل ما تشاء.

- في الإِذاعة حاولت فعلاً أن أمارس إدارة الشيخ محمد سرور في أن أنشئ المكاتب، وربما تكون هذه المعلومات غير معلومة عند الجيل الحاضر، لكن سوف أقدم نماذج توضِّح أسلوب العمل الذي تعودته من والدي، ثم تعودته من الشيخ محمد سرور، فقد جددنا صياغة المرسوم الملكي وأصدرنا قصة الإِذاعة في كتيِّب يومئذٍ، ثم أصدرنا تعليمات المذيعين، وإني أبصر هنا مع الحضور الأستاذ عبد الله منيعي وكان شريكي يومئذٍ في الإِذاعة. وهذه التعليمات تبيِّن للمذيعين كيف يقدمون البرامج وكيف يُعَنْوِنُونَها وماذا تكون أصول هذه الأنظمة الداخلية للإِذاعة، ربما مع الأسف الدكتور محمد عبده يماني لم يرها وهو وزير للإِعلام.
وأقصد أن الملفات لم تعد تحفظ تلك الأوراق كذلك، بالإِضافة إلى ما سبق فلقد كنت أول رئيس نادٍ رياضي، حيث كنت رئيس نادي الوحدة في مكة، ولعل الكثيرين يجهلون أنه كان في مكة ناديان: نادي الأهلي ونادي الوطن، فاتحدا في نادٍ واحد فكنت أول رئيس له، ووضعت في ذلك الوقت النظام العام الداخلي لنادي الوحدة وربما لم يوضع إلى الآن نظام آخر في الأندية الرياضية، كان أسلوبي كما كان أسلوب الشيخ محمد سرور أني أبدأ بتشكيل الإِدارة. إدارة الأخبار ثم إدارة التنفيذ. إدارة التنسيق والإِدارة الثقافية. فأعيش مع من أرشحه لها وأجلس بجواره حتى يأخذ أسبوعاً، ثم أنتقل إلى إدارة أخرى فأكونها وهكذا.

- حقيقة أنا سعيد بأن أسجل هاتين الأستاذيتين لأبي أولاً وللشيخ محمد سرور، ووجدت مع الاختلاف أن والدي رحمه الله لم يستدن قط ولم يكن في نفسه الاهتمام بمظاهر الدنيا، لكن علَّمني الشيخ محمد سرور أيضاً إلى جانب أبهة العلم أبهة المنظر والاتصال بالناس، ثم في حياتي الشعرية إذا كان تقديمي اليوم كشاعر أدين أولاً بهذه التحية التي حياني بها الأستاذ العواد فقد ختم الكلمة التي كتبها لديواني الأول بقوله هذا شعر أما الأستاذ محمد حسن فقي فكان له في المرحلة دور في أنه كتب المقدمة ولذلك أنا جعلت كلمة الأستاذ العواد نقداً وجعلت مقدمة الأستاذ محمد حسن فقي مقدمة الديوان إنما حقيقة إلى حدٍّ مّا،"مطرب الحي لا يشجي" كما يقول المثل، هذه التحية شجعتني بلا شك، لكن لم تكن هي الباعث القوي على أن ألتفت إلى شعري. حين ذهبت إلى القاهرة ولم أكن بقصد الإِقامة ولكن انتهى الأمر إلى شبه الإِقامة سنين طوالاً كنت على صلة بالأستاذ العقاد والدكتور طه حسين. لكنها كانت صلة الموظف الذي كان يشغل وظيفة مدير إذاعة بالذين كانوا في بعض الأحيان يتعاونون معنا. وأنا كنت أعرفهم لكنهم لا يعرفون من هو إبراهيم فودة كأديب أو كشاعر. ولكن حمزة ابني كان يتردد عليهما.

- والدكتور طه حسين - رحمه الله - أمتعه الله بذاكرة قوية حين أفقده حاسة أخرى قال لابني: أليس أبوك الذي قال...؟ واستذكر مطلعاً كنت حييت به الدكتور طه قدام اللجنة الثقافية في الإِذاعة وكانت كلمة نثرية، لكن كان فيها تفسير لم يرد في تفسير المفسرين لدعوة أبينا إبراهيم واجعل أفئدة من الناس. الأستاذ العقاد كان بيني وبينه زيارات تتم بالبطاقات كما يقولون ولكن حمزة: كان يزاوره، فعلم منه أن أباه شاعر فتفضل فحدد موعداً للقاء، فالتقينا وكانت تلك هي المرة الأولى التي أراه فيها رؤية شخصية ولكن حمزة ابني - هداه الله - كان يسبب لي دائماً إشكالاً في هذه الناحية، فأول ما رآنا وطبعاً كنت قبل 35 أو 30 سنة شيئاً آخر فلما رآني الأستاذ العقاد وهو يعرف حمزة لأنه يتردد عليه، قال له: أهذا السيد الوالد؟ فأجاب حمزة بقوله: نعم فقال لي: لقد كنت أتوقع أن أرى شيخاً بقدر اتصالاتنا وكتاباتنا. أنا نسيت أن أقول إن هذه الناحية ألحقتني بالرعيل الأول من الجيل الأول لأنني ربما لم يكن في وقتي أو في عهدي من أدرك في شبابه مثل ما أدركت، فقد أصبحت مديراً للإِذاعة وعمري 28 سنة وبهذه المناسبة أذكر موقفاً لطيفاً حدث لي حين ذهبت إلى القاهرة فكان بيني وبين مدير الإِذاعة يومئذٍ محمد كامل الرحماني لقاءً وذلك في السنة الأولى للثورة، فكان الباب محاصراً والدخول صعباً. لكن الواقف على الباب وهو رجل يبدو أنه أقل من ضابط ولكنه أرفع من جندي رأى إنساناً بلحية ومعه من يرافقه، ثم سيارة، فأراد أن يكون مهذباً معي وأنا غريب قال لي: إلى أين أنت ذاهب يا سيدي؟ فأجبته: إلى مكتب مدير الإِذاعة فمشى خلفي، ثم قال: ومن مدير الإِذاعة؟ قلت له: محمد كامل الرحماني، فأدرك رفيقي المهندس رضا حمزة مساعد كبير المهندسين وقال له: هذا مدير الإِذاعة السعودية. هذا السبق في الوظائف التي حصلت عليها ربما أنسى بعض الإِخوان فوارق السن بيني وبينهم، حتى في وزارة المالية كنت أيضاً في وضع لا أقول متساوياً مع وضع الشيخ عبد الوهاب آشي والسيد محمد حسن فقي وزكي عمر ولكنه قريب من وضعهم، فلذلك تداخل الأمر حتى ظن بعض الناس أنني من جيلهم.

- أردت أن أذكر قصة الشيخ عبد الله السليمان، لأن بعض الصحف نشرت قصة من هذا القبيل فقالت: إنه أعجب ببرامجي فمنعني من دخول الإِذاعة وهذا الكلام قيل على لساني وهو كلام عكس المسألة نهائية، وجعل الرجل في موقف محرج وجعلني أنا في موقف الإِنسان غير الوفي، والرجل في الواقع شجعني تشجيعاً كبيراً حتى أنه لما باشرت عملي في الإِذاعة ظللت أضع إمضائي بمسمى مدير الإِذاعة العام في حين أن الأمر صدر بأني مدير مساعد، فلما جاء وقت الميزانية اجتمعت لجنة مكونة من الشيخ محمد سرور والشيخ سليمان الحمد وأنا، فقال الشيخ سليمان: أَلغِ وظيفة مساعد، أنت لا تحتاج إلى مساعد فقلت له: إنني أشغل هذه الوظيفة قال: نحن لا نعرف هذا، قلت له: لكن هذا الذي صار. فلما بلغ الأمر إلى الشيخ عبد الله السليمان أصدر أمراً يقضي بتعييني مدير إذاعة من تاريخ مباشرتي للعمل وبدرجة مدير مالية عامة وكنت أول من أخذ هذه الدرجة، أظنني أكتفي بهذا القدر. وأما الدواوين فقد تفضل نادي جدة الأدبي وتحمل مسؤولية إصدار خمسة دواوين لي ستصدر قريباً إن شاء الله. كما تفضل نادي المدينة الأدبي بتحمل أربعة كتيبات ستصدر قريباً أيضاً.

- على كل حال أنا أجدد الشكر للأخ عبد المقصود وأجدني مقصراً على أن أوفي الذين تفضلوا بالاستماع إلي وأشغلوا وقتهم بي هذا الوقت الطويل جداً، وأرجو أن يمدَّ الله في عمرهم بقدر ما مدوا وزادوا في الصبر علي.

[1] "علقة" بالتعبير العامي، أي عقاب شديد جزاء ارتكاب ذنب جسيم.
[2] "قيلة" باللغة الدارجة تعني الاستراحة وتناول الطعام وقت القيلولة.
[3] الششة والشهداء حيَّانِ من أحياء مكة المكرمة حرسها الله وشرَّفها.

(منقول من أثنينية عبدالمقصود خوجه)
*****

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس