عرض مشاركة واحدة
قديم 07-28-2009, 10:46 AM   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 



منين لي كل جمال(ن) ملاسي معه



قصة هذه القصيدة تظهر مدى ما كان يكابده الشاعر ومعاصروه من صعاب في سبيل الحصول على القرش فضلا عن الريال وتوضح حجم المعاناة التي كانوا يحتملونها لتوفير لقمة العيش فضلا عن تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأخرى كالمسكن والمركب والزوجة وما في حكمها وقد أشرنا فيما سبق إلى أن ملاسي شأنه شأن معظم من كان يتردد على مكة من آهالي وادي العلي وغيرهم من أهالي الجنوب لم يكن يتقن حرفة يدوية يتكسب منها سوى نقل البضائع من المستودعات أو ما يسمى ( بالمغالق ) إلى المتاجر أو من الأمكنة التي يضع فيها الجمّالة حمولة جمالهم إلى مستودعات التجار، وبالمناسبة فإن الجمال كانت هي الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع من ميناء جدة إلى مكة المكرمة وإلى سوق المدعى بالذات بصفته السوق الوحيد تقريبا في مكة في ذلك الوقت ولذا فإنه ( أي المدعى ) كان مقر تمركز الحمالين وما أكثرهم فقلما تجد بيتا في قرى الجنوب لم يمتهن أحد أفراده التحميل في سوق المدعى أو ( الجُواد ) لدى المطوفين وأبنائهم اثناء موسم الحج لخدمة الحجاج ونصب الخيام وهو ما يطلق عليه ( بالطلعة ) نسبة إلى الطلوع إلى المشاعر .

لم يكن يسمح لأصحاب الجمال بالدخول إلى المدعى لإنزال حمولة جمالهم إلا بعد أن يقفل السوق أبوابه أمام المتبضعين وذلك منتصف الليل أو دونه بقليل وله شاهد في عصرنا الحاضر وهو عدم السماح لسيارات النقل أوقات الذروة بالدخول إلى الأماكن المزدحمة داخل المدن.

كان لدى كل تاجر من كبار التجار في ذلك الوقت عمالته الخاصة به والتي يستخدمها في تنزيل وتحميل بضائعه ولها رئيس يقال له ( مقدم ) ومنهم تاجر التمور ( الصنيع ) الذي سيرد ذكره وذكر المسؤل عن عمالته ( بن عمر) في قصيدة ملاسي وبما أن لكل تاجر كما قلنا عمالته الخاصة فإن معظم أولئك التجار لم يكن في حاجة للاستعانة بعمالة أجنبية إلا فيما ندر وهذا ما جعل سوق ملاسي وسوق أكثر الحمالين في المدعى في كساد إذ قد يمر على بعضهم بضعة أيام دون أن يحتاج لخدماته أحد ، فمن أين له حق أكله وشربه ؟ وكيف له توفير ما يستأجر به سريرا ينام عليه في أحد المقاهي القريبة من المدعى ومنها ( قهوة الكندرة ) ؟ وكيف له أن يشتري ملابسه وحذائه وبقية متطلباته ؟ ثم من أين له بعد ذلك أن يوفر مصروفا لأهله الذين تغرب عنهم وتركهم ينتظرون ما يبعث به إليهم أو يعود به بعد سفر قد يمتد لعدة شهور ؟!


رئيس العمال أو ( المقدم ) كان يتقاضى قرشين تسمى ( بِرَازة ـ من التبريز والفرز ) عن كل طرد يشرف على إخراجه من مغلق التاجر أو متجره وتسليمه للزبون فكم ياترى كان يتقاضى العامل الذي يحمل الطرد ؟! لاأعتقد أنه يتجاوز ما يحصل عليه المقدم بأي حال من الأحوال .



في ظل هذه الظروف كان محمد ملاسي يقضي عدة أيام لا يجد فيها من يطلبه أو يحتاج لخدماته فهل يمد يده يستجدي الناس فإما أن يعطى وإما أن يمنع ؟!
لم يكن ملاسي ليفعل ذلك ولم تكن أخلاقه لتسمح له بمجرد التفكير فيه ! إذا فهل له أن يسرق ليسد رمقه ثم يعلن التوبة بعد ذلك ؟!
هذه أكبر من الأولى وما كان لأقل منه تديُّنا وشهرة أن يلجأ لمثل ذلك فما هو المخرج ياترى ؟


لم يكن لملاسي إلا الحيلة ولا أرى إلا أنه كان محقا فيما فعل، فكيف فعل ؟!


جاءت قافلة بضائع من جدة آخر الليل لتاجر من تجار المدعى فلما وصلت منتهاها لم تجد في ذلك الشارع سوى محمد ملاسي فسأله قائدها بصفته غريبا عن المنطقة عن مغلق ذلك التاجر لإنزال الحمولة أمامه فأشار له ملاسي إلى مغلق تاجر آخر وذلك لكي يضطر صاحب البضاعة لإستئجار من ينقل الحمولة في الصباح الباكر إلى حيث مغلقه قبل أن تقوم البلدية بتغريمه، وهذا يعني أنه لا مفر للتاجر من الاستعانة بحمالين آخرين غير العاملين لديه في سباق مع الزمن لنقل البضاعة قبل حضور موظفي البلدية وحينئذ سيجد ملاسي فرصة عمل تكفيه مؤنة ذلك اليوم .


هذا كلما في الأمر وسواء أكان ملاسي محقا أو لم يكن محقا فيما فعل وسواء أكرر ذلك أم لم يكرره فليس هذا موضوع نقاشنا , موضوعنا يتلخص في أن الخبر وصل إلى دغسان فلم يدعه ليذهب ولم يكن ملاسي في شجاعتة التي عرف بها ليتجنب صراحة القول أو الإبتعاد بالرد عن الهدف الذي من أجله أنشئ البدع فهو أعمق فهما ممن يعذله على التصريح ويحثه على التعريض حتى قال ذات مرة لناصح يعد نفسه أمينا
( يا ولد أنا شاعر وأفهم ماذا يطلبه مني الشاعر الآخر وأعرف ماذا أقول )

وصل الخبر كما قلنا إلى دغسان فمهّد لملاسي ببدع خلد من خلاله فصول تلك الحادثة فماذا قال :

بعض العرب لو تحطه شار علم ادعا
ولوتحطه على كرسي ملك اندره
لو كان يعرف يكن على الحق يابا بقي
لكن ما يعرف المعروف هو والصنيع
يجهر بسده على روس الملا سيمعه


يقول من الناس من يحمل لؤما قد تبلغ به درجته إلى أن يداعيك في المال أو الشئ الذي طلبت منه وضعه أمام عينيه وحراسته لك مدعيا أنه صاحبه، ومن شدة مكره أنك لو أجلسته على كرسي مسؤول لأبعده عن كرسيه وادعى أنه له وأن المنصب منصبه حتى وإن كان ذلك الكرسي لملك من الملوك، وفي معرض لومه لذلك الشخص يقول دغسان لو أنه يعرف الحق يا أبي لبقي عليه ولم يحد عنه لكنه لايعرف معروفا ولا يشكر صنيعا والدليل أنه لايحتفظ بسرّه بل يجاهر به على رؤوس الخلائق ويسمعهم إياه وهو ممن ينطبق بحقه قول الشاعر :

إذا المرء افشى سرّه بلسانه * * * ولام عليه غيره فهو احمق


وفي الرد يقول محمد ملاسي :


امسى ملاسي يساهر شارع المدعى
والرزق ماقد ظهر من قهوة الكندره
ولا معي فايدة لا عزَّل البابقي
ولا معي مصلحة من بن عمر والصنيع
منين لي كل جمَّال(ن) ملاسي معه


قضى ملاسي ليله ساهرا ينتظر الرزق ويبحث عنه في شارع المدعى فهو على يقين أن من يقضي ليله في قهوة الكندرة يدخن الشيشة ويلعب الضومنة ثم ينام وقت توزيع الأرزاق ( بعد صلاة الفجر ) لن يأتيه الرزق فقد روى الإمام الترمذي بإسناده عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم بارك لأمتي في بكورها )، قال وكان إذا بعث – أي النبي صلى الله عليه وسلم – سريةً – أي طائفة من الجيش - أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار فأثرى وكثر ماله، قال الإمام الترمذي: - حديث صخر الغامدى حديث حسن. ولا نعرف لصخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. سنن الترمذي 3/517.

ويضيف ملاسي قوله : ستنقطع فائدتي إذا عزّل البابقي أو أفلس وهو أحد تجار المدعى ، أما تاجر التمور ( الصنيع ) وهو من القصيم ومقدمه أو رئيس عُمّاله ( بن عمر ) وهو بالمناسبة من قرية ( عراء ) فليس لي عندهما مصلحة لأن تحميل التمور يحتاج إلى متخصصين يجيدون التعامل مع أوعيته التي توسخ خياش العمال بالرّب وهو السائل اسفل وعاء التمر،والصنيع عنده من أولئك ما يكفيه . وفي آخر بيت يقول ملاسي من أين لى مع كل جمّال يقدم إلى المدعى بمثل ملاسي يدلُّه على مستودع غير الذي يسأل عنه لنسترزق من ورائه ؟!!!!! .
.

 

 

   

رد مع اقتباس