الموضوع: يوم ذي قار
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2013, 11:29 AM   رقم المشاركة : 1
Berightback يوم ذي قار


 


يوم ذي قار
البداية
ذكر لكسرى بن هرمز يوماً الجمال العربي وكان في مجلسه رجل عربي يقال له: زيد بن عدي وكان النعمان قد غدر بأبيه عدي بن زيد وحبسه ثم قتله فقال له: أيها الملك العزيز إن النعمان بن المنذر عنده من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة.
وأرسل كسرى زيداً هذا إلى النعمان ومعه مرافق لهذه المهمة، فلما دخلا على النعمان قالا له: إن كسرى أراد لنفسه ولبعض أولاده نساءاً من العرب فأراد كرامتك وهذه هي الصفات التي يشترطها في الزوجات. فقرأ عليه بالصفة التي أرادها. فشق ذلك على النعمان فقال لزيد والرسول يسمع: أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته؟ فقال الرسول لزيد بالفارسية:ما المها والعين؟ فرد بالفارسية: "كاوان" أي البقر. فأمسك الرسول، فقال زيد للنعمان: إنما أراد الملك كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين عنده، ثم كتب إلى كسرى: إن الذي طلبه الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرني عند الملك.
فوصل زيد إلى كسرى فقرأ عليه كتاب النعمان. وأوغر صدره وقال: فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال. فقال للرسول: ماقال؟ فقال الرسول: أيها الملك، إنه قال: أما في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ماعندنا؟ فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه ما وقع، ولكنه لم يزد على أن قال: رب عبد قد أراد ماهو أشد من هذا، ثم صار أمره إلى التباب[2]. فشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان، وسكت كسرى أشهرا على ذلك، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتاب كسرى.
طلب كسرى للنعمان
(الهروب ) محاولته الهرب
أرسل كسرى إلى النعمان يستقدمه، فعرف النعمان أنه مقتول لا محالة فحمل أسلحته وما قوي عليه، ثم لحق بجبل طيء، وكان متزوجا إليهم، فأراد النعمان من طيء أن تدخله الجبل وتمنعه، فأبوا خوفا من كسرى، وقالوا له: لولا صهرك لقتلناك، فإنه لاحاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به. فأقبل يطوف على قبائل العرب وليس أحد منهم يقبله، إلا بني رواحة من قطيعة بن عبس قالوا له: إن شئت قاتلنا معك -لمنة كانت له عندهم- فقال: ما أحب أن أهلككم، فإنه لاطاقة لكم بكسرى.
وذهب إلى بادية بني شيبان سرا، فلقي هانئ بن مسعود الشيباني، وكان سيدا منيعا، فاستجار به فأجاره، وقال له: قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع نفسي وولدي منه، وما بقي من عشيرتي الأدنين رجل، ولكن ذلك غير نافعك، لأنه مهلكي ومهلكك، وعندي لك رأي، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي، ولكنه الصواب. فقال: هاته. إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الُملكِ سُوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك، هذا إن بقِيتَ، فامض إلى صاحبك، واحمل إليه هدايا ومالا، والق بنفسك بين يديه، فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا، وإما أن أصابك فالموت خير من أن يتلعّب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها، وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل مقهورا. فقال: كيف بحرمي؟ قال: هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي. فقال: هذا وأبيك الرأي الصحيح ولن أجاوزه.
( توجهه ) ذهابه إلى كسرى
اختار النعمان خيلا وحللا يمانية وجواهر ووجه بها إلى كسرى، وكتب إليه يعتذر، ويعلمه أنه صائر إليه. ووجه بها مع رسوله، فقبلها كسرى وأمره بالقدوم إليه، فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأخبره بأنه لم ير له عند كسرى سوءا. فأودع هانئ بن مسعود أهله وماله وفيه أربعمائة درع وقيل ثمانمائة درع[5]‏.‏ وتوجه النعمان إلى كسرى فلقي زيد بن عدي على قنطرة ساباط فقال‏:‏ انج نعيم‏ إن استطعت النجاء.‏ فقال‏:‏ أنت يا زيد فعلت هذا‏!‏ أما والله لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك‏.‏ فقال له زيد: امض نعيم فقد والله وضعت لك عنده أخية لا يقطعها المهر الأرن[6]‏.‏ فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى خانقين حتى وقع الطاعون فمات فيه قال‏:‏ والناس يظنون أنه مات بساباط


2
له: لا تكلفني أن أبعث إليك ولا إلى قومك بالجنود تقتل المقاتلة وتسبي الذرية. فأبى هانئ أن يسلم ما عنده‏.‏
فلما أبى هانئ غضب كسرى، فأرسل إلى إياس بن قبيصة، واستشاره في الغارة على بكر، فقال له: ماذا ترى؟ وكم ترى أن نغزيهم من الناس؟ فقال له إياس: أرى ان تبعث عليهم العيون حتى ترى غرة منهم، ثم ترسل حلبة من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم، فيوقعون بهم وقعة الدهر ويأتونك بطلبتك. فقال له كسرى: أنت رجل من العرب، وبكر بن وائل أخوالك، فأنت تتعصب لهم ولا تألوهم نصحا. فقال إياس: رأي الملك أفضل. فقام إليه عمرو بن عدي بن زيد -أخو زيد بن عدي- وكان كاتبه و
أقام كسرى على الحيرة ملكاً جديداً هو إياس بن قبيصة الطائي وكلفه أن يتصل بهانئ بن مسعود ويحضر ماعنده من نساء النعمان وسلاحه وعتاده، فبعث إياس إلى هانئ يأمره بأن يرسل ما استودعه النعمان عنده من الدروع وغيرها، وقال ترجمانه بالعربية وفي أمور العرب، وقال له: أقم أيها الملك، وابعث إليهم بالجنود يكفونك. وكان عنده النعمان بن زرعة التغلبي وهو يحب هلاك بكر بن وائل فقال لكسرى‏:‏ أمهلهم حتى يقيظوا ويتساقطوا على ذي قار تساقط الفراش في النار فتأخذهم كيف شئت‏.‏ فوافقه كسرى وأقرهم، حتى إذا قاظوا جاءت بكر بن وائل فنزلت بالحنو، حنو ذي قار.
[كسرى يسير الجيوش] مسير جيش كسرى إلى ذي قار
لما بلغ كسرى نزول بكر بن وائل حنو ذي قار، عقد للنعمان بن زرعة على تغلب، وخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد، جعل إياس بن قبيصة على العرب كلها ومعه كتيبتاه الشهباء والدوسر، وكانت العرب ثلاثة آلاف، وعقد للهامرز على ألف من الأساورة[7]، وعقد لخنابرين على ألف، وبعث معهم باللطيمة -وهي عير تخرج من العراق فيها البز والعطر والألطاف، توصل إلى باذان عامل كسرى باليمن- وأمر عمرو بن عدي أن يسير بها، وكانت العرب تخفرهم وتجيرهم حتى تصل اليمن، وعهد إليهم كسرى إذا شارفوا بلاد بكر ودنوا منها أن يبعثوا النعمان بن زرعة يأخذ منهم وديعة النعمان ومائة غلام منهم يكونون رهنا بما أحدث سفهائهم، أو القتال، وقد كان كسرى قد عاقب بني تميم يوم الصفقة عندما نهبوا اللطيمة، لذا فالعرب وجلة وخائفة منه. فأرسلت هند بنت النعمان تنذر بكر بن وائل بالجيش.
سار هانئ بن مسعود حتى انتهى إلى ذي قار فنزل به. وأقبل النعمان بن زرعة حتى نزل على ابن أخته مرة بن عمرو من بني عجل فحمد الله النعمان وأثنى عليه ثم قال إنكم أخوالي وأحد طرفي وإن الرائد لا يكذب أهله وقد أتاكم مإلا قبل لكم به من أحرار فارس وفرسان العرب والكتيبتان الشهباء والدوسر وإن في هذا الشر خيارا. ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من أن تصطلموا فانظروا هذه الحلقة فادفعوها وادفعوا رهنا من أبنائكم إليه بما أحدث سفهاؤكم. فقال له القوم: ننظر في أمرنا[3].
[موقف بني يكر] رد بني بكر على طلب كسرى
انتظرت بكر بن وائل حتى مقدم ساداتهم، فقدم أولا حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي
فقالوا: يا أبا معدان قد طال انتظارنا وقد كرهنا أن نقطع أمرا دونك وهذا ابن أختك النعمان بن زرعة قد جاءنا والرائد لا يكذب أهله.
قال: فما الذي أجمع عليه رأيكم واتفق عليه ملؤكم.
قالوا: قال إن اللخي[8] أهون من الوهي وإن في الشر خيارا ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من أن تصطلحوا جميعا.
قال حنظلة: فقبح الله هذا رأيا لا تجر أحرار فارس غرلها ببطحاء ذي قار وأنا أسمع الصوت ثم أمر بقبته فضربت بوادي ذي قار ثم نزل ونزل الناس فأطافوا به.فقال: لاأرى غير القتال، فإنا إن ركبنا الفلاة متنا عطشا، وإن أعطينا مابأيدينا تقتل مقاتلتنا وتسبى ذرارينا. ثم قال لهانئ بن مسعود: يا أبا أمامة إن ذمتكم ذمتنا عامة وإنه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا فأخرج هذه الحلقة[9] ففرقها بين قومك فإن تظفر فسترد عليك وإن تهلك فأهون مفقود. فأمر بها فأخرجت ففرقها بينهم ثم قال حنظلة للنعمان: لولا أنك رسول لما أبت إلى قومك سالما. فرجع النعمان إلى أصحابه فأخبرهم بما رد عليه القوم فباتوا ليلتهم مستعدين للقتال وباتت بكر بن وائل يتأهبون للحرب[10]، وقد استقوا الماء لنصف شهر تحسبا للمعركة.[5]
[انتخاء ] مساعدة قبائل العرب لبكر
قبل أن تبدأ الحرب، جرت المراسلات بين بني شيبان وقبائل العرب، كما جرت المراسلات بين قبائل بكر نفسها[11]. فجاءت الوفود من بني بكر بن وائل في اليمامة والبحرين، وكذلك طلب الأسرى من بني تميم عند بني شيبان منهن أن يقاتلوا معهم قائلين: نقاتل معكم، فإنا نذب عن أنفسنا[11]. وقد أرسل قوم من طيء والعباد وإياد وسائر من كان مع العجم من العرب سرا إلى بكر يعلمهم أن انتصارهم على الفرس أحب إليهم[11]، وقال رسولهم: أي الأمرين أعجب إليكم؟ أن نطير تحت ليلتنا هذه، فنذهب؟ أو نقيم ونفر حين تلاقون
القوم؟ قالوا: بل تقيمون، فإذا التقا الناس انهزمتم بهم[12].

 

 

   

رد مع اقتباس