عرض مشاركة واحدة
قديم 01-20-2012, 08:02 AM   رقم المشاركة : 1165
معلومات العضو
مشرف عام
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 20
مشرف عام3 is on a distinguished road


 


(4)


فترة التسعينات كانت فترة ذهبية للطائف فالملك فيصل رحمه الله كان يحب قضاء فترة الصيف بكاملها تقريبا في الطائف إلا إذا كانت لديه ارتباطات خارجية وكنا نحن الصغار نسعد بمشاهدته في سيارته مع سيارة واحدة

فقط للحرس الملكي وسيارة شرطة وكان يمر رحمه الله من شارع السداد وكان دكان الوالد رحمه الله تحت عمارة السبيعي وكان الوالد رحمه الله يأخذني معه احيانا الى دكانه وكان موعد مرور موكب الفيصل رحمه الله متجها من شارع السداد الى الردف أوشهار حيث يزور بعض شقيقاته وعماته اللاتي كان يسكن بعضهن في حي شهار وعند مرور الموكب إمام دكان الوالد رحمه الله كنت اقفز إلى الرصيف واشارك جموع

المواطنين في تحية جلالته وكان يرد التحية ملوحا بيده للجماهير-كان الوالد رحمه الله يصلي المغرب والعشاء في مسجد ابن عباس وكنت ارافقه الى هناك وفي أيام الحج كان يكثر تواجد الأخوة اليمنيين في الطائف حيث كانوا يحرصون على المرور بالطائف في طريقهم لمكة وذلك لزيارة قبر عبدالله بن العباس رضي الله عنهما وكان هؤلاء لهم اجتهاد فقهي تبعا للمذهب الزيدي فتراهم يخلعون سراويلهم التحتية ويصلوا بالوزرة

والقميص وهم يتركون سراويلهم بجانب أعمدة المسجد وهنا يأتي أشقياء الأطفال والشباب ويخفون هذه السراويل عندما يدخل هؤلاء المساكين في الصلاة وظلت هذه الحركة تتكرر رغم اعتراض عقلاء الناس على ذلك الأمر ولكن لا فائدة حتى اقلع الكثير من هؤلاء اليمنيين عن عادتهم تلك التي لا نعرف نحن لها سببا وإن كنت أرجح أن لها علاقة بالمذهب الزيدي كما أسلفت -ومسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما له شأن

كبير في الطائف فبالإضافة إلى كونه أكبر جامع في المدينة فإن الجنازات كانت ولا تزال يصلى عليها في هذا المسجد لتخرج بعد ذلك لمقبرة ابن العباس المجاورة وبرحة ابن العباس معروفة في الطائف حيث تقام فيها الحدود الشرعية من قصاص وجلد وغيره وعند وجود الملك فيصل يرحمه الله في الطائف كان يحرص على أن يصلي الجمعة في مسجد ابن العباس ولم يكن يأتي معه إلا سيارات قليلة تحمل بعض الأمراء المرافقين

والخوياء -كان حي السليمانية غير بعيد من جامع ابن العباس وقد ازيل هذا الحي قبل نحو 27 عاما وكان حيا عريقا مليئا بالبنايات الأثرية وقد ازيلت في غمضة عين ولم نعرف سببا لأزالة هذا الحي الذي حل محله ساحة لموقف السيارات ثم حولوا الساحة فترة من الزمن لأنشطة الترويح السياحي في اعوام 1414-1417هجرية قبل ان يتحولوا إلى المشهد في الخالدية لأقامة مخيمات التنشيط السياحي قد نتفهم ازالة الأحياء

القديمة ذات العبق التاريخي بجوار الحرم المكي والمدني بدعوى توسعة الحرمين الشريفين ولكن إزالة حي السليمانية العريق في الطائف يظل يترك في قلوب من كان يسكن هذا الحي غصة ويترك في أعينهم أكثر من سؤال.


(5)


أذكر أنه في التسعينات الهجرية أن الطائف كانت أكثر انفتاحا منها الآن والدليل كثرة الحفلات الغنائية فيها لجميع الفنانين فيها ويكفي أن الطائف شهدت إنطلاقة ابو عبدالله رحمه الله بالإضافة لطارق عبد الحكيم

وعبدالله محمد يرحمه الله وعبادي الجوهر و عبدالله مرشدي رحمه الله و غيرهم كثير وكانت هناك أماكن عرض افلام السينما فأتذكر ان هناك اماكن لعرض افلام السينما بالتذاكر في كل من نادي وج ونادي عكاظ

ومسبح عكاظ في البخارية وكان يسمى بسينما ابو الروس نسبة لأسم صاحبه وسينما في طريق الردف لصاحبها البلجون المعروف واذكر عند نجاحي من الصف السادس ابتدائي أخذني أخي الأكبر لسينما البلجون لمشاهدة فلم هندي به الكثير من الأكشن وحركات الأفلام الهندية المعروفة وكان هذا كمكآفأة لنجاحي واذكر شعوري بالفرح الطاغي عند دخولي صالة العرض التي هي عبارة عن حوش مكشوف وبه مدرجات للجلوس

عليها ثم شعوري بالخوف قليلا عندما أطفئت الأنوار ثم ذلك الشعور الطاغي بالدهشة والإثارة عند بدء عرض الفيلم وتحرك شخوص الفيلم أمامي على الجدار الذي كان فارغا قبل قليل ثم إندماجي مع الفيلم ولقطات

الأكشن والخوف على أبطال الفيلم من الأشرار واذكراني مكثت مدة من الزمن وأنا مفتون بما شاهدته وأحكيه لكل عيال الحارة بنوع من الفشخرة-وبعد ذلك أخذت رجلي على (دور السينما) في الطائف بصحبة أخي

الأكبر مني قليلا وشاهدنا الكثير من الأفلام الهندية والأميركية وبعض المصرية إلى إن أغلقت هذه الدور اظن في نهاية التسعينات أو بعد حركة جهيمان العتيبي عام 1400 هجرية - وكان مما يحسب للطائف أنها أول مدينة حسب ظني يقام فيها سيرك زائر وكان ذلك حسب ما أذكر في عام 1397 هجرية كان ذلك السيرك من مصر ود أخذوا الأذن من أمير مكة في ذلك الوقت الأمير فواز بن عبد العزيز وأقيم مخيم السيرك في

البرحة التي إمام ثانوية الفيصل بين حي معشي وحي الخالدية وكانت تجربة حضور السيرك في ذلك الوقت تجربة مثيرة كان سعر التذكرة عشرة ريالات وذهب معي أخي الذي يكبرني بأربع سنوات كانت فقرات البرنامج تشمل كل العروض التقليدية في أي سيرك من مشي على الحبل وترويض الأسود وخفة اليد والأكروبات ومن الفقرات التي لا ننساها مشاركة فتيات في عمر 14 و15 سنة في عروض ليونة الجسم وبلباس يشبه

لباس راقصات الباليه ولا تسل عن حالنا نحن المراهقين الذين نشاهد ذلك لأول مرة في مجتمعنا المحافظ طبعا اختلطت في نفوسنا مختلف المشاعر ما بين إعجاب ودهشة وذهول إلى غير ذلك من المشاعر ثم كانت الفقرة الأخيرة مع زمزم وزمزم هذه امرأة أظنها في الأربعين من عمرها حسب ما أتذكر خرجت علينا فوق مركبة تشبه مركبة الفضاء وهي مثبتة الرجلين على هذه المركبة أما رأسها فإلى الأسفل وشعرها مفرود

على طبيعته وهي تمد يديها وكأنها تحتضننا من بعيد والمركبة تدور بها على مدار الحلبة وهنا تتعالى صيحات الإعجاب والحسرة والآهات من المراهقين وغيرهم وأظن هذه الفقرة لم يكن بها أي نوع من الفن سوى فن جذب المراهقين لعرض آخر ودفع تذكرة أخرى عموما أظن ان السيرك أقام لمدة عشرة أيام بعرضين في اليوم الواحد وأظنها تجربة فريدة مرت علينا في الطائف .


(6)


كانت الطائف في فترة التسعينات وقبل ان تزداد وتيرة السفر للخارج في الصيف ملتقى الأحباب وبداية لقصص حب بريئة وطفولية - كان ينزل في بيت جيراننا سنويا اسرة كريمة من الرياض وكان لديهم عدد من الأولاد

والبنات في أعمارنا اوفوقها بقليل وكان رب الأسرة يعمل موظفا في الديوان الملكي وكانوا يستأجرون كامل الدور الثاني من جيراننا الذين هم أصلا من نجد واستوطنوا الطائف وما أن يصلوا حتى نبدأ في اللعب مع

اولادهم مختلف الألعاب ومن أشهرها الشرعد والدسيسة (الغميمة) والبرجون وطبعا بالنسبة لي احاول بشتى الطرق ان تكون رحاب من ضمن فريقي وعندها استغل الفرصة لأقدم لها في غفلة من الآخرين

الكارميلا التي اشتريتها من عم ناصر في البقالة المجاورة كطريقة بريئة لأثبات حبي لها وهو حب طفولي ومشاعر بريئة تخفق في صدري ولم أعرف أن هذا حب بل أعرف أني أرتاح كثيرا لرؤيتها واحب طريقة كلامها

معي عندما تقول لي يالله نلعب وكنت كثيرا ما أذهب مع أخيها الذي في نفس سني لحارة البخارية أو منشية شارع عكاظ لأنهما أقرب سوقين لحارتنا حارة جبل البازم وما حولها واسعد اكثر اذا طلبت شيئا معينا إمام

اخيها فيرد عليها بغلظة انه لا يعرف أين يجده وهنا انبري فورا اني اعرف من اين اجده وهنا تقابلني نظرتها الشاكرة التي تنسيني نظرة الغضب من أخيها وصديقي وهنا يصر أخوها انه لن يأتي لها بطلبها فتمد يدها

بالنقود لي ترجوني ان احضره لها وآخذ النقود وانطلق مع صديقي ولا اعدم وسيلة لإقناعه بالرضا عن شراء حاجة الغالية ويقفز قلبي فرحا أني اسعدتها - مضت تلك الأيام وانقطعوا عن زيارة الطائف وبدأوا يقضون

صيفيتهم في الخارج من نهاية التسعينات وانتهت قصة حب طفولية في مهدها






(7)


المكتبات في الطائف لها معي قصة فقد بدأ ولعي بالقراءة والكتب منذ كنت في السنة الثانية ابتدائي في مدرسة العزيزية الإبتدائية حيث كان أساتذتنا يذهبون بنا لمكتبة المدرسة وكان بها مجموعة من الكتب والقصص

الخاصة بالأطفال كقصص المكتبة الخضراء والقصص المدرسية كامل كيلاني وآخرون والمحلاة بالصور والرسوم الجميلة والمشوقة وكنت لا أمل من مشاهدة الصور مع محاولة قراءة ما يمكنني قراءته في تلك

المرحلة وكنت أفهم القصة كما يحلو لي من خلال قراءتي الخاطئة لبعض الكلمات وشيئا فشيئا تقدمت في قراءتي بمساعدة معلم مصري حنون اسمه أحمد رافع جزاه الله خيرا ورحمه إن كان حيا أو ميتا ثم استطعت

شراء بعض القصص من مكتبات عديدة في الطائف وأبدأ بمكتبة حسنون التي كانت مجاورة لبرج الحميدان في حي اليمانية أو حي حوايا كما يطلق عليه الآن وكان صاحب المكتبة يعرف الوالد يرحمه الله فكان يعطيني

بعض القصص مقابل قروش قليلة بطريقة التأجير وكنت التهم هذه القصص إلتهاما وصرت أتدرج في نوعية القصص ومستواها بإرشاد صاحب المكتبة صديق الوالد ومن المكتبات المعروفة في الطائف مكتبة الجيل

الجديد في برحة القزاز وكانت وكيلة توزيع بعض المجلات الشهيرة مثل مجلة العربي الكويتية التي كنا نتقاتل في الحصول عليها بداية كل شهر ميلادي ، ومن المكتبات التي اتذكرها مكتبة المؤيد التي كانت تقع في

شارع ثقيف وكنت اتردد عليها بعد وصولي المرحلة المتوسطة لأن نوعية الكتب فيها من النوع الأدبي والديني المتخصص - أما المكتبة التي لن أنساها زالتي كنت اترددعليها اكثر من مرة في الأسبوع فهي مكتبة

السيد التي كانت تقع في خان الملطاني وهو سوق قديم يعمل فيه الأخوة البخارية في خياطة الثياب وبيعها أما مكتبة السيد فهي خارج الخان من جهة مسجد الهادي لقد كانت هذه المكتبة فريدة من نوعها حيث أنها تبيع

الكتب المستعملة وكم وقعت على كنوز من الكتب في هذه المكتبة التي كان صاحبها أحد الأخوة اليمنيين وكنت تجده في مكتبته مستلقيا على خيشة وفي يده كتاب يقرأ فيه ثم بين الفينة والأخرى يبصق في قارورة بجانبه

فهو من مدمني الشمة وتجد الكتب مكومة في مجموعات من غير تنسيق أو ترتيب وإذا أردت كتابا معينا أشار لك بيده إلى أحد هذه الكومات وعليك أنت البحث فيها ولعل خاصية هذه المكتبة هو عنصر المفاجأة فيها

فأنتقد تجد حصيلة معتبرة من الكتب الجيدة وبأسعار رخيصة نسبيا أو تمكث ساعات في البحث والتنقيب وتخرج صفر اليدين ولقد كنت أمكث احيانا من بعد صلاة العصر للمغرب ولا أجد شيئا ذا بال وأحيانا أخرج بنوادر

من الكتب مما أذكره أني وجدته في هذه المكتبة ألف ليلة وليلة حادي الأرواح لبلاد الأفراح- رواية السقامات ليوسف السباعي -ثلاثية نجيب محفوظ-أعداد قديمة من مجلة العربي -مجلة المنهل روايات الهلال

وغيرها الكثير - وبعد عام 1402 هحرية انتقلت المكتبة لشارع خالد بن الوليد وفي شارع فرغي منه ثم أقفلت نهائيا بعد عام 1412 هجرية وكم لها في نفسي من مكانة وسبحان الدائم .


(8)


كيف مر خبر إغتيال الملك فيصل رحمه الله على مدينة الطائف؟
لا أنسى ذلك اليوم أبدا كان الوالد رحمه الله قد عاد من دكانه بعد صلاة الظهر وكان مستلقيا ينتظر الغداء وقد كنت عدت من المدرسة قبله وأذكر أني كنت في السنة الرابعة الإبتدائية أو الخامسة وكنت أجلس بجانب

الوالد رحمه الله أكتب واجبا مدرسيا وفجأة دخلت شقيقتي وهي تبكي أبويا الملك فيصل مات وقام أبي وهو يصيح ماذا ماذا لا حول ولا قوة إلا بالله وكانت أختي قد دخلت والمذياع في يدها وتحلقنا حول المذياع نستمع

للخبر الأليم وتفاعلنا نحن الصغار بالبكاء ونحن نسمع المذيع يشهق بالبكاء وتوالت بيانات الديوان الملكي طوال اليوم من خلال المذياع ثم لما حان موعد افتتاح التلفزيون وشاهدنا نشرة الأخبار الرئيسة لن أنسى أبدا

المذيع محمد صبيحي وهو يشهق بالبكاء ولا يكاد ان يتم قراءة أخبار ذلك اليوم يالله كم ذلك اليوم حزينا على الطائف كما على بقية المملكة ولكن كنا نشعر أن للطائف ارتباطا معينا بالفيصل رحمه الله من كثرة ما كنا

نراه فيها . كانت الأيام بعدها حزينة وقامت بعض المساجد بإذاعة القرآن من خلال مكبرات الصوت وأذكر أن المسجد الصغير الذي يقابل بيتنا كان يذيع القرآن الكريم يوم وفاة الفيصل واليوم التالي وأذكر صلاة الغائب

على الفقيد في مسجد العباس وارتبطت هذه المناسبة بنزول أمطار غزيرة هطلت على الطائف اكثر من اسبوعين حتى اضطرت البلدية أن تقوم بفتح سد عكرمة وكانت سيارات الشرطة تحذر البيوت التي على ضفة

الوادي من المكوث فيها وطالبتنا بالخروج إلى جبل البازم وكنا نحن من هذه البيوت ولكن الوالد رحمه الله لم يخرجنا وأظن انه لم يجد بيتا في الجبل حتى نخرج إليه واذكر جيدا خروجنا في آخر الليل من جهة الباب الذي

يطل على وادي وج ورؤيتنا للماء وقد وصل إلى نصف الدكة التي إمام بيتنا وأذكر دعاء الولد وقلقه من دخول السيل إلى داخل منزلنا ولكن بفضل الله مع ساعات الصباح الأولى بدأ الماء ينحسر قليلا وكان هذا إيذانا

بزوال الخطر واستمر الوادي بالجريان أياما عديدة بعد ذلك وتعطلنا عن الذهاب للمدرسة لعدم سلامة الطريق وخصوصا اننا كنا نذهب مشيا من بيتنا في سفح جبل البازم وعبر شارع خالد بن الوليد إلى أعلاه حيث تقع

مدرستي العزيزية الابتدائية في الركبان وقد ازيل مبنى المدرسة الذي كان مبنى مستأجرا وليس حكوميا وقامت مكانه عمارة حديثة وافتتح فيها مكتب للخطوط السعودية فترة من الزمن -وكان الطريق للمدرسة موحلا

لا يمكن السير فيه ورغم الحزن الذي كان يعم البلاد لوفاة الفيصل وحزننا نحن الأطفال ولكن تطرق إلينا بعض الفرح بهطول الأمطار مع التعطل عن الذهاب للمدرسة - وذكرياتنا عن الفيصل كثيرة وحبنا كان له كبيرا

ولن ننسى الأغنيات التي كانت عنه مثل فيصلنا يا فيصلنا الله يقوي فيصلنا كل الشعب يعيد ويقول الله يقوي فيصلنا وأغنية سلمك الله يا بو عبدالله سلمك الله سر بنا يا بو قلب كبير يا بو عبدالله .



(9)


نعم كان الفيصل له حب كبير في قلوب أهل الطائف خاصة رحمه الله -وقصة الأمطار وفيضان وادي وج بعد وفاته تقودني إلى الحديث عن وادي وج وأهميته في الطائف وهذا الوادي يقسم الطائف إلى قسمين شرق

الوادي وغربيه كان منزلنا على ضفة الوادي الغربية وكان مسيل الوادي الخفيف فرصة لخروجنا للتنزه والجلوس على العقوم التي تقع غرب الوادي وكان منظر المتنزهين مابين أفراد وعائلات مصطحبين معهم

الشاي والقهوة ومعهم أطفالهم من المناظر التي تعلق في الذاكرة وينطلق الأطفال في لعبهم وينزلون إلى المياه للعب فيها بينما يجلس الكبار على العقوم ينظرون إلى جريان الماء أمامهم ويتبادلون أطراف الحديث في

نزهة بسيطة لا تكلفهم شيئا سوى النزول من مساكنهم في جبل البازم مشيا على الأقدام وكان الوادي يسيل بقوة مع هطول الأمطار الغزيرة ثم يبدأ يخف جريانه خلال الأيام التالية مالم تنزل أمطار أخرى وإني لأذكر أنه

من النادر أن يمر علينا الأسبوع من غير أن تهطل الأمطار حتى لو كانت خفيفة ويحدث هذا أيضا في الصيف - كانت إمام منزلنا مباشرة صخرة كبيرة فوق العقم وكانت هذه الصخرة هي مكان نزهتنا في العصريات التي

يكون فيها المطر خفيفا أو عند جريان الماء الخفيف وكانت هذه الصخرة أيضا ملاذ هروبنا من السقايين الذين يوصلون الماء في براميل يحملونها على عربات تجرها الحمير (أكرمكم الله) وكنا من شقاوتنا عندما

يمرون أمام هذه الصخرة في الوادي أيام جفافه نختبئ خلف الصخرة ونرمي بالحصى على البراميل لنستمتع بصوت ارتطام الحصى بها وكان بعض هؤلاء يطاردوننا وهؤلاء يسببون المتعة لنا من خلال مغامرة

المطاردة أما الأغلب فإنهم يتجاهلوننا ويمضون في طريقهم (نسأل الله أن يغفر لنا) فما ذنب هؤلاء المساكين حتى نفعل بهم ذلك ولكنها شقاوة الأطفال وكان الوادي مصدر متعة لنا عندما يقف جريان الماء فننزل بطن

الوادي ونبدأ في البحث عن النباتات التي تنمو عقيب المطر فتنافس في تملكها فكلما وجد أحدنا نبتة من هذه النباتات صاح حلي أي ملكي وأحاط النبتة ثم نتوعد بعضنا بعدم أخذ نبات الآخر وقد نمكث حتى غروب الشمس

بجوار (أملاكنا) حتى يغلبنا النعاس فنضطر آسفين لترك غنائمنا وخصوصا بعد أن تصفق لنا أمهاتنا لنعود للمنزل ولا ننسى أن نتوعد بعضنا ونحن نغادر المكان بالويل والثبور لمن يخرب مزروعاتنا وفي صباح اليوم

التالي نسارع إلى هذه النباتات التي نجد بعضها قد خرب بأيدي آثمة فتندلع الخصومات بيننا وبين أطفال أقرب جيران لننا لأنهم اول ما يتبادر إلى ذهننا ولتهديدهم المسبق لنا وما أن تمر أيام لا ينزل فيها المطر خصوصا

في الصيف حتى تجف هذه النباتات تحت أشعة الشمس الحارقة فننتقل إلى لعبة أخرى نشغل أنفسنا بها وننسى (مزارعنا الصغيرة) يا لها من أيام حلوة لا يشغلنا فيها هم ولا تفكير إلا في حدود عالمنا الطفولي البرئ .

لنا عودة ببقية ذكريات عديل
متابعة مبهجة أتمناها لكم