عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2011, 01:07 AM   رقم المشاركة : 48

 

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأبانَ طريقَ الإيمان، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد، أيها المسلمون:
الاعتزازُ بالوطن وحِفظُ أمنه والحرصُ على تماسُكه ومكاسِبِه هو أمرٌ تنساقُ له الفِطَرُ السليمة، وتُوجِبُه العقولُ الراشِدة؛ فضلاً عما هو مُتقرِّرٌ في أحكام الشريعةِ وأول الدين، خصوصًا في أوقات الفتن والأزمات، ويشتدُّ العَتَبُ ويستوجِبُ العقوبةَ من أخلَّ بأمن الوطن إذا كان باعِثُه على ذلك نُشدانُ الصلحةِ الذاتية وطلبُ الكسب الشخصي.
أما إذا كان الباعِثُ مصحةً مُصدَّرةً من الخارج، ورغبةً من الرغبات العابِرة للحدود؛ فإنه يجتمعُ في المُنساقِ لها - إضافةً لما سبق - خيانةٌ للوطن، ونُكرانٌ للأهل، فهو بمثابةِ من يقطَعُ الشجرةَ التي أظلَّته، ويُعكِّرُ الماءَ الذي سقاه.
فكيف إذا عُلم أن المحرِّك لتلك الفتنة قومٌ تميَّز تاريخُهم في الفتن بأن وقودَ فتنتهم رجالٌ من أرضٍ غير أرضِهم، ومن جنسٍ سوى جِنسِهم، وعِرقٍ لا ينتمِي لعِرقِهم، ثم سُرعان ما يتخلَّون عمَّن غرَّروا بهم، ليُواجِهوا مصيرَهم بمُفردِهم، وربما واسَوهم باللسان، وليس وراء اللسان شيءٌ.
فيا أيها الإخوة، ويا مُواطنينا في المملكة وفي بلاد العرب والمسلمين:
أسوقُ إليكم نداءً تغلِبُ الشفقةُ فيه العَتَب، وتُغالِبُ الرحمةُ فيه الغضَب، إنه لم يعُد من الخافِي أن مُوقِدي تلك الفتن هم قومٌ يُؤمِنون بعُنصرهم أكثر من إيمانهم بالدين، وأن نُصرتَهم وجهادَهم هو لجِنسهم وشعبِهم وتاريخهم الذاهِب، لا لله ولا لفلسطين.
وتاريخُهم في السنوات الأخيرة شاهدٌ على مواقفِهم المشِينة في إيقاد الفتن في بلاد العرب وشقِّ الصفوف، وما أمرُ العراقِ عنا ببعيد.
فيا مُواطنينا:
إن كان من ثورةٍ فلتكُن على المُعتقَدات التي تُصنَع وتُعلَّبُ خارجَ الحُدود ليتشرَّبَ بها أناسٌ تُسلَبَ بها أيانُهم وأموالُهم وولاؤهم، ليكونوا أدواتٍ في أيدي أعدائهم، إن كان من انتفاضَة فلتكُن للعقل ليتحرَّر من رِقِّ التبَعيَّة وإسَار الشعوبية، ويرى نورَ الله الذي يملأ الكونَ، نورُ الله الذي انبَثَقَ من الحجاز، وأشرقَ به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وحملَ مشاعِلَه الصحابةُ الأخيارُ، والتابعون لهم بإحسان.
وأنعمَ الله على المملكة العربية السعودية فورِثَت ذلك النور، وحمَلَت تلك المَشاعِل، مُقتفيةً أثرَ الكاب والسنة، راعيةً للحرمين الشريفين، جامعةً لرابطة المسلمين، ساعيةً للسِّلم والوحدة، نابِذةً للشِّقاقِ والفُرقة مُحترمةً الحقوق مهما اختلفَت المشارِب؛ فلا طائفيةَ ولا عُنصريَّة، وكلٌّ له حقوقٌ وعليه واجِبات.

ويا أيها المُغرَّر بهم:
إنه ما فتِئَ الأغرابُ يُحاوِلونَ قطعَ صِلَتكم بسلفِ الأمة ويُنحُّوهم من أن يكونوا مصدرًا لتلقِّي الهداية ليملؤوا ذلك الفراغ بما يُوغِرُ صدورَكم على سلَفكم وأهلِكم وبلدِكم، وبما يُشعِركم بالغُربة في ديارِكم وما أنتم بالغُرباء، وبما يُشعِركم بالبُعد عن مُواطنيكم وما أنتم بالبعيدين، وثمرةُ ذلك كلِّه تُقطَفُ من وراء الحُدود، وليس لكم من ذلك كلِّه شيء.
إن الرائدَ لا يكذِبُ أهلَه؛ فكيف يبيعُهم ويبيعُ وطنَه، ويُدمِّر خيراتِه ومُمتلكاتِه، وينشُر الفوضَى بين أهلِه، وهو الخاسِرُ الأولُ والأخير؟!
إن الإصلاحَ لا يكون بالفساد، والبناءُ لا يستقيمُ بالهَدم، والرَّغَدُ لا يأتي بإخلال الأمن.
إن أهواءً وأوهامًا تملأ الجوَّ بالشحناء، ولو صدَقَت النياتُ، وأُغلِقَت الأفواهُ التي تستمرِئُ الوقيعةَ والإفك؛ لتلاشَت أنواعٌ من الفُرقة لا مساغًا لوجودها.
نُناشِدُ العُقلاء أن يقطَعوا الطريقَ على تجَّار الفتن ولُصوص الإثارة ومُصطادي المصالِح في المذابِح، وإن ظهَروا بلَبُوسِ المُشفِقِ ومُسُوحِ الناصِح!
فكم من فتنٍ لم يتبيَّن خائِضُها إلا عند إدبارِها وقد نالَه منها ما نالَه؟!
ولنا في مُبادَرة العُقلاء من الناس أمل، ولدينا في حَزم رجال الأمن عند الحاجةِ ثقة، والله مولانا وعليه توكُّلُنا، فنِعمَ المولَى ونعمَ النصير.
ومن الله أمنُنا، وعليه اعتمادُنا، {فالله خير .. الراحمين}.
اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، اللهم ارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأرادَ بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، وأتِمَّ عليه الصحةَ والعافيةَ والشفاء.
اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعناية بالحُجَّاج والمُعتمِرين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخيرُ للعباد والبلاد، واسلُك بهم سبيل الرشاد.
اللهم ادفع عنَّا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم على من ظلَمَهم يا حي يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
اللهم احفَظ الحُجَّاج والمُعتمِرين، ويسِّر لهم أداء مناسِكهم آمِنين، يا حيُّ يا قيُوم يا ذا الجلال والإكرام.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّوم ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا غدَقًا طبَقًا مُجلِّلاً عامًّا نافعًا غيرَ ضار، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِرِ والبادِ.
اللهم سُقيَا رحمة، اللهم سُقيَا رحمة، اللهم سُقيَا رحمة لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَق.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس