عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2011, 06:19 AM   رقم المشاركة : 38

 

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله ما تقرَّب العبادُ إلى ربهم بالفرائض، وتحبَّبوا إليه بالمندوب، والله أكبر يقبَلُ التوبةَ عن عباده ويغفرُ الذنوب، والحمدُ لله ما شمَّر الجادُّون في تحصيل المطلوب، والله أكبر ما سارعوا وتنافَسوا في تحقيق المرغوب، والحمد لله هدانا للإيمان وأكرمَنا بالسُنَّة والقرآن، أحمدُه - سبحانه - وأشكره على كريم الفضل وجزيل الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما خلق وقدَّر، ولا مُنازِعَ له فيما حكَمَ ودبَّر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله المبعوث للأبيض والأسود والأحمر والأصفر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وبشَّر وأنذَر، وعلى آله السادة الغُرَر، وأصحابه ذوي السلوك الأطهر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ممن صلَّى وصامَ وحجَّ اعتمَر، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد:
فالمؤمنُ ذو اليقين والرضا يعلمُ أن الله قد أحاطَ بكل شيءٍ علمًا، وأحصى كل شيءٍ عددًا، ووسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، ومن حكمته في هذه الدنيا أن في الناس من ينجحُ بذكائه، وفيهم من ينجَحُ بذكاء الآخرين، وإذا وُجِد من ينجَحُ بعمله فإن هناك من ينجَحُ بكسل الآخرين، ورُبَّ ساعٍ لقاعد؛ فما منعَك ربُّك إلا ليُعطِيَك، ولا ابتلاكَ إلا ليُعافِيَك ويُثيبَك، ولا امتحنَك إلا ليصطفِيَك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "مصيبةٌ تُقبِلُ بها على الله خيرٌ من نعمةٍ تُنسيكَ رضا الله".
واعلم أن المرء ربما يفشَلُ إذا خاطَرَ وأقدم، ولكن من المُؤكَّد أنه سوف يفشَل إذا لم يُقدِم، وأعظمُ الفشل ألا تعمل.
وقال بعض أهل العلم: "المُشكلات والمِحَن لم تأتِ لتُهلِك الناس؛ بل لتمتحِن صبرَهم وإيمانَهم وعملَهم، والأجرُ عند ربك مربوطٌ بالعمل والاجتهاد وليس بالنتائج والثمار، وقاعدةُ التوازن: اعمل لدنياك كأنك تعيشُ أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموتُ غدًا".
وقد قال رجلٌ لأبي بكر - رضي الله عنه -: والله لأسُبَّنَّك سبًّا يدخُل معك في قبرك، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: "بل يدخلُ معك في قبرك أنت".
وإذا ضاقَ صدرُك وجشمَ عليك همُّك فالزَم التسبيح؛ فقد قال الله لنبيه وحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم -: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 97- 99]، وقال له - عزَّ شأنُه -: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[التوبة: 129].

وبعد:
فإن التفاؤل الحق هو التصديقُ بوعد الله - عز وجل - في قوله - عزَّ شأنُه -: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور: 55]، وقوله - جلَّ في عُلاه -: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[الحج: 40، 41].
الله أكبر، الله أكبر، كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بركةً وأصيلاً، والله أكبر ما انفلقَ صباحُ عيدٍ وأسفَر، والحمدُ لله ما لاحَ برقٌ وأنوَر.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -، واهنأوا بعيدكم، وأصلِحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسولَه إن كنتم مؤمنين، فالعيدُ فرحةٌ وبهجة، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناس فليُسامِحهم، ومن زاد حبُّه لنفسه ازداد كرهُ الناس له، والأُلفة دليل حُسن الخلق، والنُفرة علامةُ سوء الخُلق، التنهئةُ الصادقة والابتهاجُ الحق لمن قبِل الله صيامَه وقيامَه وحسُنت نيَّتُه وصلُح عملُه، تهنئةٌ وبهجةٌ لمن حسُن خُلُقه وطابَت سريرتُه.
هنيئًا لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة على شفَة مُحتاج، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملة ومسكين ويتيم، وصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا، العيدُ عيدُ من عفا عمن زلَّ وهفا، وأحسن لمن أساء، العيدُ عيدُ من حفِظَ النفسَ وكفَّ عن نوازِعِ الهوى، يلبسُ الجديد ويشكرُ الحميدَ المجيد من في فرحٍ لا يُنسِي، وبهجةٍ لا تُطغِي.
لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيْه، وحُرِم الرضا في هذا اليوم المبارَك السعيد، ولا يسعدُ بالعيد من يحسُد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيد لخائنٍ غشَّاش يسعى بالفساد بين الأنام، كيف يفرحُ بالعيد من أضاعَ أموالَه في ملاهٍ مُحرمة، وفسوقٍ وفُجور؟ ليس له من العيد إلا مظاهرُه، وليس له من الحظِّ إلا عواقِرُه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ثم اعلموا - رحمكم الله - أن من أعمال هذا اليوم أن من أعمال هذا اليوم: إخراج زكاة الفطر، فأخرِجوها طيبةً بها نفوسُكم، ومِقدارُها صاعٌ من غالب قُوت البلد؛ كالأرز والبُرِّ والتمر، عن كل مسلم، ووقت إخراجها الفاضل يوم العيد قبل الصلاة.
ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان: استدامةُ العبد على نهج الطاعة والاستقامة، وإتباعِ الحسنةِ الحسنة، وقد ندبَكم نبيُّكم محمد - صلى الله عليه وسلم - لأَن تُتبِعوا رمضان بستٍّ من شوال؛ فمن فعل فكأنما صام الدهر كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
ثم صلُّوا سلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال - عزَّ قائلاً عليمًا -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك الصالحين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافَك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أيِّد بالحق والتوفيق وبالتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وارزقه البطانةَ الصالحةَ، وأعِزَّ به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى، ووفِّقه ونائبَيْه وإخوانهم وأعوانهم للحق والهدى، وكل ما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم احفظنا من شر الأشرار، وكيد الفُجَّار، وشر طوارق الليل والنهار، اللهم يا ذا الجود والمنِّ؛ احفظ علينا هذا الأمن، وسدِّد قيادته، وقوِّ رجاله، وخُذ بأيديهم، وشُدَّ من أزرهم، وقوِّ عزائمهم، وزِدهم إحسانًا وتوفيقًا، وتأييدًا وتسديدًا، اللهم واشفِ مرضاهم، وارحم شهداءهم، واحفظ أُسَرهم وذرياتهم يا رب العالمين.
اللهم إن لنا إخوانًا مُستضعفين مظلومين قد مسَّهم الضُّرّ، وحلَّ بهم الكرب، واشتدَّ عليهم الأمر، تعرَّضوا للظلم والطغيان، سُفِكَت دماء، وقُتِلَ أبرياء، ورُمِّلت نساء، ويُتِّم أطفال، اللهم يا ناصر المُستضعفين، ويا مُنجِي المؤمنين، انتصِر لهم، وتولَّ أمرهم، واكشِف كربَهم، وارفع ضُرَّهم.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، واجمع على الحق والهُدى كلمتَهم، ولِّ عليهم خِيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرخاءَ في ديارهم، وأعِذهم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم ارفع عنا وعنهم الغلا والوبا، والربا والزنا، والجُوعَ والعُرِيّ، والزلازل والمِحَن، وسوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصبين المُحتلِّين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، وتقبَّل طاعاتنا، ودعاءنا، وصيامَنا، وقيامَنا، وأصلِح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُب علينا، واغفر لنا، وارحمنا يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، وأستغفرك وأتوبُ إليك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

 

   

رد مع اقتباس