عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2009, 11:30 PM   رقم المشاركة : 1
Sabr6 كل نصيحة ببعير (( قصة رائعة ))


 




يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ،

فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ،

وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ السعودية،

وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ،

وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ،

فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ،

ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .

وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ،

ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .

ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ،

فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ،

وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة..وسار الرجل ،

وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ،

ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ،

وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ،

فقال له : أنا أعمل في التجارة .

فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟

فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح . فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟!

فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير .

فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ،

ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له :

هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟ ..فقال له الشيخ :

" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل "

ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ،

وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات

وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر .

فقال له الشيخ :

" أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له "

وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ،

فقال والله لاغامر حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ،

فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .

فقال له :

" نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " .

ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ،

فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشٍ وسار في طريقه وظل يسير لعدة أيام

نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر ،

وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ،

فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم شاهد نجم سُهيل ،

وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ،

" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل "

وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ،

وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ،

ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ،

فقال والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ،

فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .

وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والقوم ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي .

وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ،

وصاح لها مناديا فتبعته وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ،

فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ،

وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ،

فنظر إليه وإذا به" ذوعيون بُرْق وأسنان فُرْق "

فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .

وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ،

وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ،

وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ،

وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ،

أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ،

فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ،

ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ،

وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .

وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ،

فوجد مضارب قومه على حالها ، فترك ماشيته خارج الحيّ ،

وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ،

فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ،

وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول

" نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " .

فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ،

وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح ،

وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ،

واستقبله أهل بيته وقالوا :له لقد تركتنا منذ فترة طويلة ،

انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ،

ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ،

وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم وقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير ،

وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب.



تحياتي
...........

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس